وشارف العام الهجري على الانتهاء ، وكان جلالة الملك المعظم حفظه الله وأبقاه طوال هذا العام قطب الرحى في أحداث الشرق الأوسط الصاخبة العنيفة ومشاكل القضايا العربية العامة والخاصة . وجلالته لم يكن ينتظر حتى يطلب أو يدعى ، بل كان يسارع من تلقاء نفسه ليسهم في كل عمل كبير فشد الرحال إلى العواصم المختلفة في الشرق والغرب واجتمع بالملوك ورؤساء الدول والرجال المسؤولين يحادث ويفاوض ، كما رحبت مملكته بالزعماء والأقطاب والساسة كل ذلك من أجل هدف سام نبيل مقدس هو توحيد القوى العربية والإسلامية وحل قضاياها وإعادة مجدها الغابر التليد .
وفي نفس الوقت كان يضطلع بنهضة الإصلاح والعمران الكبرى في البلاد ثم الإشراف التام على شئون مئات الألوف الوافدين إلى الاراضى المقدسة حاجين وزائرين ، الأمر الذي كان يأخذ من جلالته معظم الوقت وكبير العناية ، ذلك لأن جلالة المليك المفدى يريد أن يهيئ الجو الروحي والديني لهؤلاء الذين جشموا أنفسهم عناء السفر لقضاء فريضة الحج المقدسة ، بإزاحة جميع العقبات التي يمكن أن تعوقهم عن تفرغهم للعبادة .
فكان من الطبيعي إذن أن ينشد الراحة والاستجمام لبضعة أيام معدودة ووقع اختيار جلالته على مدينة أسمره ، وأسمره بلدة على قمم جبال الهضبة الحبشية تمتاز بمناخ معتدل لطيف في أشد أوقات القيظ حرارة ، تحوطها الغابات والأحواش فوق قمم الجبال وسفوحها .
وهى فوق ذلك جزء من الحبشة البلد الذي تربطنا به من قديم الزمن روابط الجيرة وحسن العلاقات والمودة .
توجه صاحب الجلالة الملك المعظم إلى أسمرة بالطائرة في زيارة غير رسمية صباح يوم الجمعة 21 / 12 / 76 كما أبدى جلالته للحكومة الحبشية رغبته الأكيدة أن تكون زيارته هذه قاصرة على القصد منها وهو الراحة والاستجمام ولكن جلالة الإمبراطور هيلاسلاسى أبي إلا أن تأخذ شكل الزيارات الرسمية العظمى ، فأستقبل جلالة العاهل الملك المعظم في مطار أسمرة حاكم عام ارتريا وكبار رجال الدولة وأعضاء البرلمان كما احتشدت الجموع الشعبية في المطار وفي الطرقات هاتفة محيية الضيف العربي الكبير ، ثم نزل جلالته في القصر الإمبراطوري في أسمرة ضيفاً عزيزاً على جلالة أخيه الإمبراطور.
وفي أسمرة توافد على قصره جميع الشعب والهيئات محيية ومسلمة ، كما ذهب جلالته إلى قرية كدن لقضاء يوم في غاباتها الجميلة .
ولبى جلالة الملك المعظم دعوة أخيه جلالة الإمبراطور لزيارة العاصمة أديس أبابا
( الزهرة الجديدة ) وهناك في المطار استقبل أعظم استقبال وأروعه من جلالة الإمبراطور وأصحاب السمو الملكي أعضاء البيت المالك ومن دولة رئيس الوزراء والوزراء وقواد الجيش وأعضاء البرلمان والعلماء والأعيان ، ثم أقيمت المآدب الملكية الرائعة ، وفي حفلة العشاء الكبرى التي أقامها جلالة الإمبراطور هيلاسلاسى تبادل العاهلان الأوسمة .
فقد قلد جلالة الإمبراطور هيلاسلاسى جلالة الملك المعظم أرفع أوسمه الدولة وهو قلادة سليمان كما قدم أوسمة رفيعة إلى أصحاب السمو الأمراء ورجال الحاشية المرافقين لجلالته ، ثم قلد جلالة الملك المعظم جلالة الإمبراطور سيفا عربيا من الذهب الخالص ثم قدم مجموعة نادرة من الهدايا
لجميع أمراء البيت المالك الحبشي ، كما استقبل جلالة الضيف المعظم كبار الشخصيات من العلماء المسلمين والجالية العربية . وتفضل جلالته فتبرع بمبالغ من المال للمعاهد الدينية الإسلامية في أسمرة وأخرى لفتح مدارس في أديس أبابا لتعليم أبناء العرب والمسلمين .
ثم ودع جلالته أكرم وداع من العاصمة ومن أسمرة حين قفل عائداً إلى عرينه المفدى .
هذه هي الرحلة التي كان المقصود بها الراحة والاستجمام أتت ثمرة أخرى رائعة هي توثيق العلاقات الطيبة الودية بين بلدين عريقين في القدم والجوار .
وفيما يلي نص البيان المشترك الذي أذيع عقب الزيارة الملكية :
إن جلالة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية أمضى بضعة أيام للراحة ضيفا على جلالة الإمبراطور بأسمرة بالحبشة ، وفي صباح الثالث والعشرين من يوليو 1957 وهو يصادف الذكرى السنوية لجلالة الإمبراطور وصل جلالته اثنان من أصحاب السمو وأنجاله ، وكذلك اثنان آخران من أعضاء الأسرة المالكة وعدد من رجالات الدولة البارزين وكان في استقبال جلالته في المطار جلالة الإمبراطور وبرفقته صاحب السمو الإمبراطوري الأمير ولى العهد والأمير سأهل سلاسى والوزراء وكبار رجالات الدولة . وبعد عزف السلامين الوطنيين وتفقد حرس الشرف توجه جلالة الإمبراطور مع ضيفة الملكي إلى القصر اليوبيلي .
ونظرا لحداد الأمة على وفاة صاحب السمو الامبراطورى دوق هرر ، فان الاحتفالات الرسمية كانت محدودة غير أن جلالة الإمبراطور أقام على شرف جلالة الملك مأدبة عشاء رسمية في القصر الإمبراطوري حضرها الأمراء وكبار رجالات الدولة وكبار الموظفين في الحكومة الحبشية الإمبراطورية وقد أهديت الأوسمة والنياشين أثناء هذه الزيارة ، وقد أتيحت للعاهلين فرصة البحث والاتفاق على الإجراءات التي من شأنها توثيق التعاون بين البلدين المتجاورين بما في ذلك تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما بشكل أوثق وتبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى سفارة ، كما أن العاهلين تبادلا وجهات النظر وأجريا مشاورات حول المسائل ذات الأهمية العالمية وبنوع خاص المسائل التي تهم الشرق الأوسط ، وقد تمكنا من تنسيق اتجاهاتهما وسياستهما إزاء كثير من المسائل ذات العلاقة المشتركة . وقد تقبل جلالة الإمبراطور بسرور دعوة جلالة الملك سعود للقيام في المستقبل القريب بزيارة رسمية للمملكة السعودية .
وفيما يلي نص البرقيتين المتبادلتين بين العاهلين العظيمين بمناسبة الزيارة الملكية:
حضرة صاحب الجلالة الإمبراطور هيلاسلاسى الأول إمبراطور أثيوبيا - أديس أبابا.
في الساعة التي أغادر فيها بلادكم العزيزة يسرني أن أقدم لجلالتكم جزيل شكرى وعظيم امتناني لما لاقيته من جلالتكم وسمو ولي عهدكم ورجال حكومتكم وشعبكم الكريم من حفاوة وتكريم سائلا الله لجلالتكم دوام الصحة والعافية ، ولشعبكم العزيز التقدم والازدهار وأن يوفقنا الله جميعا لما فيه الخير والسعادة لبلادينا وشعبينا.
التوقيع الملكي الكريم
سعود
جلالة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود
لقد تأثرنا أبلغ التأثر برسالة جلالتكم الرقيقة التي انطوت على مشاعر الصداقة بمناسبة انتهاء زيارة جلالتكم المشهودة للحبشة . ولقد ساعدت زيارة جلالتكم على توثيق الروابط بين شعبين يعيشان معا في أخوة وحسن جوار وأنه من دواعي أملنا الأكيد أن تتكرر زيارات جلالتكم لهذه البلاد التي تكن لجلالتكم أعظم الإجلال .
التوقيع
هيلا سلاسى
المرجع-اضواء على المملكة العربية السعودية 1377 تاليف الشيخ عبدالله بلخير