بدايات تعليم المرأة

أدت المرأة دورا هاما في تاريخ الدولة السعودية الحديث وذلك من خلال ظروف سياسية واجتماعبة واقتصادية صعبة مما عزز ثقة المجتمع بالمرأة ورفعت مكانتها . و كان دور المرأة في مرحلة حكم الملك عبد العزيز متلائماً مع الفترة الزمنية في ذلك الوقت حيث تطلبت الظروف شكلاً مميزاً لدورها المساند ولكن, مع تطور المجتمع واستتباب الأمن و الاستقرار ، ظهرت الحاجة إلى التنمية والتطوير مما استلزم دوراً مختلفاً لمساهمات المرأة في المجتمع ووقوفها إلى جانب الرجل للقيام بدورها بالتنمية التي تتطلب نموذجاً مختلفاً للمرأة القادرة على ذلك الدور، لذلك برزت أهمية التعليم لتمكينها من القيام بواجباتها تجاه نهضة وطنها من خلال تحصيل العلم الذى كان يقتصر فى اول عهده على حفظ القرآن الكريم وتفسيره من خلال رجال الدين المكفوفين وإعطائهم للدروس الدينية ،إضافة إلى الكتاتيب التي أقامتها بعض النساء في منازلهن لتعليم أمور الدين .
 
وقد كانت حاجة المملكة إلى تعليم المرأة ضرورة ملحة تفرضها الظروف التنموية السريعة التي تمر بها البلاد , والتى قوبلت بالرفض الاجتماعي من قبل بعض المناطق في المملكة وخاصة في نجد. وحتى يتقبل المجتمع فكرة تعليم المرأة في ذلك الوقت قام الأمير سعود بن عبد العزيز ولي العهد بتعليم بناته ليكونوا قدوة للآخرين، و حتى يفتح المجال أيضا أمام الأهالي لإلحاق بناتهن في المدارس ومن ثم إقناعهم لفتح مدارس للبنات فى انحاء البلاد .وتذكر الأميرة حصة بنت سعود (الابنة الرابعة ) للملك سعود بقولها, بأن والدها الأمير سعود أحضر مدرستين من مصر في عام( 1947 م-) لتعليم بناته القرآن الكريم, و كانت تدعى إحداهن فاطمة توفيق والأخرى عايدة علام اللاتى بدأن في إعطاء الدروس في قصر المربع بالرياض لبناته : حصة وهي كبراهن, وجوزاء رحمها الله, وفلوه ,وجهير بنت فيصل بن عبد الله بن عبد الرحمن ( حفيدة الملك سعود من ابنته موضي ), والعنود, ومنيرة بنات عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ( حفيداته من الأميرة نورة بنت سعود ). كما قامت المدرسات أيضا بتعليم التلميذات أصول القراءة والكتابة مما أغضب ذلك والدهن فى بادىء الامر عند اكتشافه بأن ابنته حصة قد تعلمت إمضاء اسمها فأعاد المدرسات إلى مصر وأقفل المدرسة, إلا أن الأميرة حصة بنت سعود استمرت في مراسلتهن لتتمكن من الكتابة والقراءة, وبعد فترة وبإلحاح وتصميم من بناته في التعليم أعاد الأمير سعود افتتاح المدرسة التى انضم إليها أكبر عدد من بناته عام( 1951م – 2301هـ )، و تم احضار أربع مدرسات من فلسطين وهن: فدوى وعصمت عفيفي, وأمينة الكاظمى, و مفيده العسلى ، و كانت تخصصاتهن في اللغة العربية والرياضيات, واللغة الانجليزية, والعلوم الاجتماعية . و كانت هذه انطلاقة معهد الكريمات بالرياض الذى يعتبر أول مدرسة للبنات في منطقة نجد ,وأول مدرسة تقدم التعليم الثانوي على مستوى المملكة ، حيث أن منطقة الحجاز قد سبقت في فتح المدارس الأهلية في المرحلة الابتدائية ومنها المدرسة الابتدائية الأهلية عام( 1940م – 1360هـ ) ,ومدرسة خوجه هانم في الطائف التي فتحها عمر صائب .
 
كانت خطوة الأمير سعود ( ولي العهد ) رحمه الله في تعليم بناته هى بداية لنشر التعليم بين الفتيات بالرغم من وجود معارضه وعدم تقبل تام لتعليم الفتاة في تلك المرحلة , و كان يطمح من وراء ذلك تشجيع المواطنين لتقبل فكرته بعيداً عن فرضها على المعارضين . ولذلك ابتدأ في تنفيذ طموحاته في تشجيع الأهالي لإلحاق بناتهن فى المدارس متمثلا بأفراد أسرته ، وأيضا من خلال إرسال المدرسات إلى المنازل لإقناع العائلات بأهمية تعليم بناتهن في المدرسة . بدأ رحمه الله تطبيق رؤيته بالتدريج بما لا يتعارض والرفض التام لها من الأهالي ، وتوافق ذلك مع انتقال المدرسة من قصر المربع إلى فندق صحارى وتحديث الفصول بالنظام المدرسي الجديد مما ساهم فى ازدياد عدد التلميذات وانضمام عدد أكبر من فتيات الأسرة ومن الأسرالأخرى في مدينة الرياض مثل: بنات الدغيثر, والصالح, والكردي وغيرهن . وفى عام 1956 م, انتقل الملك سعودالى قصره في الناصرية الذي شيد في داخله أول مدرستين نموذجيتين فى المملكة , واحدة للبنين تدعى(معهد الأنجال)، والاخرى للفتيات تدعى(معهد الكريمات) على نمط المدارس الحديثة المتكاملة في التجهيزات المدرسية والتعليمية بمفهومها الحديث والتي انضم لها عدد كبير من الطلاب و الطالبات فى مدينة الرياض. تميزت مبادرة الملك سعود بتعليم الفتيات بالريادة والذكاء والشجاعة لانه ابتدأ بتعليم بناته لتوعية المجتمع بأهمية تعليم الفتيات ، و كان يطمح ايضا الى افتتاح قسم داخلى فى مدرسة الكريمات إلا أن الفكرة قوبلت بالاعتراض من أمهات بناته فقام بالغائها .
 
ومما زاد في تشجيع الأهالي بارسال بناتهن الى المدرسة هو أن المدرسة كانت داخل أسوار قصر الملك نفسه وتحت حمايته المباشرة,وعينت أول مديرة للمدرسة السيدة رحاب الحكيم من سوريا ,تلتها السيدة علياء الدجاني من الأردن ، وكانت تدرس في المعهد المناهج الأردنية, ومن ثم مناهج وزارة المعارف التى كانت تغطى جميع مراحل التعليم العام من الابتدائي وحتى الثانوي. وكانت المدرسة الوحيدة فى المملكة التى تدرس حتى المرحلة الثانوية فى عام 1970م.

المرجع: مقابله مع الاميره حصة بنت سعود بمناسبة مؤتمر المئوية عام 1999م