صقر الجزيرة : سعود كما رأيته
لوزير الدولة القائم مقام أنور السادات
كنا قد فرغنا من أداء مناسك الحج ، وكان ركب الملك سعود يتقدم العائدين من مكة إلى جدة بعد أن شارك المسلمين في أداء الفريضة ، وفجأة توقف ركب الملك ،وأخلى الطريق لكي يتابع الناس سيرهم ، وجاء دورنا في المرور على النقطة التي وقف فيها ركب الملك ، فرأيت الملك سعود يفترش الرمال مع الحاشية ... ليس كملك وإنما كمسلم عادي والجميع يؤدون فريضة المغرب ويسجدون بجباههم على الرمال ، بلا مظاهر ولا رسميات ، وسعود من بينهم مسلم يؤدي الفريضة ، وقلت لنفسي : ليست هذه طريقة الملوك ... وإنما هي سجية أمراء المؤمنين ، الذين يتجردون لله وللدين وللناس ..!
وقد نهج الملك سعود كل يوم نهجا ليس فيه مظاهر كتلك التي يتخذها الملوك لأنفسهم ، وإنما هو نهج مستمد من طبيعة الفطرة الإسلامية ولعلة امتداد لعهد الخلفاء الراشدين ..
أن يوم الملك سعود يبدأ بذكر الله وأداء حقه في صلاة الفجر ، ثم يعكف بعد ذلك على مباشرة شئون رعيته ليس في القصر الملكي ، وإنما في مجلس عربي متواضع تقوم بنايته في قلب مدينة الرياض حيث يأتي الناس لكي يجلسوا إلى سعود لا كملك وإنما كراع وأب وأخ بالطريقة التي يريدون وبالشكل الذي تجرى عليه التقاليد العربية منذ صدر الإسلام .. أي البساطة والحرية والثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم في غير كلفة او رسميات . فإذا ما أذن المؤذن لصلاة الظهر قام سعود ومن معه يؤدون الفريضة ، ويعود الى قصره فيتناول طعام الغداء ويصيب بعض الراحة التي ينهض بعدها لأداء فريضة العصر ، وما ان ينتهي من أداء هذه الفريضة حتى يخرج إلى المربع ..
والمربع هذا هو قصر المرحوم الملك عبد العزيز .. انك تحس فيه ببطولة عبد العزيز ، ومجد عبد العزيز على بساطة ما تراه من بناء وتشييد..
كنت قد وصلت إلى الرياض بعد الظهر ، ودعيت إلى مقابلة الملك وتحدد لذلك وقت بعد صلاة العصر وحين دخلت على سعود في قصر المربع كان كعادته أبدا : باسما ، مرحبا ، في كرمه العربي الأصيل .. وقد أجلسني إلى جانبه وبدأت من فورى ارفع له تقريراً عن رحلتي بشأن المؤتمر الإسلامي ، فما راعني إلا أن رأيته قد انصرف إلى شئ آخر ، إذ بدأ حينذاك حديث ديني كان يلقيه احد علماء نجد ، وكان يستشهد فيه بالقرآن والحديث عن واجب الملوك نحو رعاياهم .. ولم يكن لي إلا أن أنصت حتى انتهى الحديث ، ثم أتجه الملك سعود نحوي قائلا في بشاشة:
" إن هذه سنة الملك عبد العزيز .. ففي مثل هذا الوقت من كل يوم ، كان يجلس في هذا المجلس لكي يستمع إلى حديث الدين والحق والخير".
وكان الحاضرون في هذا الحديث جمعا غفيراً من رجال القبائل الذين يفدون على الرياض .
وهنا تجرى سنة أخرى ، وهي إن هؤلاء الذين يأتون إلى الرياض بعد يجتمعوا في تلك الساعة مع الملك ليستمعوا إلى حديث الله يتناولون طعامهم على مائدة الملك ، لأنهم ضيوف الملك ما داموا في الرياض ولهذا حين يؤذن المؤذن لصلاة المغرب ، ويفرغ الملك من أدائها يقوم الجميع إلى المائدة مهما كانت صفتهم فيتناولون طعام العشاء ويعود الملك بعده مباشرة إلى قصره لكي يصيب بعض النوم حتى يأتي فجر جديد ليقوم فيؤدي حق ربه وحق الناس من جديد..
إن سعودا يعامل رعيته كمسلم بلا مظاهر ولا تصنع ولا رسميات وان سجيته في هذه المعاملة هي كما قلت - سجية أمراء المؤمنين الأولين الذين يتجردون لله فيعبدونه حق عبادته ، وللدين فيقيمون مشاعره وللناس فيؤدون ما لهم من حقوق وواجبات..
الهــــــــــــــــــلال - مارس 1956
لوزير الدولة القائم مقام أنور السادات
كنا قد فرغنا من أداء مناسك الحج ، وكان ركب الملك سعود يتقدم العائدين من مكة إلى جدة بعد أن شارك المسلمين في أداء الفريضة ، وفجأة توقف ركب الملك ،وأخلى الطريق لكي يتابع الناس سيرهم ، وجاء دورنا في المرور على النقطة التي وقف فيها ركب الملك ، فرأيت الملك سعود يفترش الرمال مع الحاشية ... ليس كملك وإنما كمسلم عادي والجميع يؤدون فريضة المغرب ويسجدون بجباههم على الرمال ، بلا مظاهر ولا رسميات ، وسعود من بينهم مسلم يؤدي الفريضة ، وقلت لنفسي : ليست هذه طريقة الملوك ... وإنما هي سجية أمراء المؤمنين ، الذين يتجردون لله وللدين وللناس ..!
وقد نهج الملك سعود كل يوم نهجا ليس فيه مظاهر كتلك التي يتخذها الملوك لأنفسهم ، وإنما هو نهج مستمد من طبيعة الفطرة الإسلامية ولعلة امتداد لعهد الخلفاء الراشدين ..
أن يوم الملك سعود يبدأ بذكر الله وأداء حقه في صلاة الفجر ، ثم يعكف بعد ذلك على مباشرة شئون رعيته ليس في القصر الملكي ، وإنما في مجلس عربي متواضع تقوم بنايته في قلب مدينة الرياض حيث يأتي الناس لكي يجلسوا إلى سعود لا كملك وإنما كراع وأب وأخ بالطريقة التي يريدون وبالشكل الذي تجرى عليه التقاليد العربية منذ صدر الإسلام .. أي البساطة والحرية والثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم في غير كلفة او رسميات . فإذا ما أذن المؤذن لصلاة الظهر قام سعود ومن معه يؤدون الفريضة ، ويعود الى قصره فيتناول طعام الغداء ويصيب بعض الراحة التي ينهض بعدها لأداء فريضة العصر ، وما ان ينتهي من أداء هذه الفريضة حتى يخرج إلى المربع ..
والمربع هذا هو قصر المرحوم الملك عبد العزيز .. انك تحس فيه ببطولة عبد العزيز ، ومجد عبد العزيز على بساطة ما تراه من بناء وتشييد..
كنت قد وصلت إلى الرياض بعد الظهر ، ودعيت إلى مقابلة الملك وتحدد لذلك وقت بعد صلاة العصر وحين دخلت على سعود في قصر المربع كان كعادته أبدا : باسما ، مرحبا ، في كرمه العربي الأصيل .. وقد أجلسني إلى جانبه وبدأت من فورى ارفع له تقريراً عن رحلتي بشأن المؤتمر الإسلامي ، فما راعني إلا أن رأيته قد انصرف إلى شئ آخر ، إذ بدأ حينذاك حديث ديني كان يلقيه احد علماء نجد ، وكان يستشهد فيه بالقرآن والحديث عن واجب الملوك نحو رعاياهم .. ولم يكن لي إلا أن أنصت حتى انتهى الحديث ، ثم أتجه الملك سعود نحوي قائلا في بشاشة:
" إن هذه سنة الملك عبد العزيز .. ففي مثل هذا الوقت من كل يوم ، كان يجلس في هذا المجلس لكي يستمع إلى حديث الدين والحق والخير".
وكان الحاضرون في هذا الحديث جمعا غفيراً من رجال القبائل الذين يفدون على الرياض .
وهنا تجرى سنة أخرى ، وهي إن هؤلاء الذين يأتون إلى الرياض بعد يجتمعوا في تلك الساعة مع الملك ليستمعوا إلى حديث الله يتناولون طعامهم على مائدة الملك ، لأنهم ضيوف الملك ما داموا في الرياض ولهذا حين يؤذن المؤذن لصلاة المغرب ، ويفرغ الملك من أدائها يقوم الجميع إلى المائدة مهما كانت صفتهم فيتناولون طعام العشاء ويعود الملك بعده مباشرة إلى قصره لكي يصيب بعض النوم حتى يأتي فجر جديد ليقوم فيؤدي حق ربه وحق الناس من جديد..
إن سعودا يعامل رعيته كمسلم بلا مظاهر ولا تصنع ولا رسميات وان سجيته في هذه المعاملة هي كما قلت - سجية أمراء المؤمنين الأولين الذين يتجردون لله فيعبدونه حق عبادته ، وللدين فيقيمون مشاعره وللناس فيؤدون ما لهم من حقوق وواجبات..
الهــــــــــــــــــلال - مارس 1956
الهــــــــــــــــــلال