إنسانية الملك سعود من خلال نماذج من رسائله وبرقياته

د. ناصر بن محمد الجهيمي

يمثل منهج الحكم في المملكة العربية السعودية الذي يعتمد على الكتاب والسنّة منهجاً متميزاً بشمولية إنسانيته وعطائه وتطبيقه لمبادئ الشريعة الإسلامية، كما أن من تولى الإمامة أو الملك في هذه المملكة سار على المنهج ذاته دون الخروج عن مبادئه وتوجيهاته.

لذلك نجد أن رسائل أئمة المملكة العربية السعودية وملوكها تعكس التطبيق العملي لهذا المنهج، وتقدم نماذج تؤكد الشمولية في التطبيق والعناية بشؤون البلاد ومتابعة أمور شعبهم الدينية والدنيوية.

ومنهج الملك سعود في الحكم لم يكن مختلفاً عن منهج من سبقه من آبائه وأجداده، بل إنه امتداد لذلك المنهج والتطبيق، مع الأخذ بأسباب الحضارة والتقدم والاستفادة منها.

والملك سعود تولى مقاليد الحكم بعد وفاة والده الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يوم الاثنين 2ربيع الأول 1373ه ( 9نوفمبر 1953م). وظل الملك سعود يتولى مقاليد الحكم حتى اليوم السابع والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 1384ه ( 2نوفمبر 1964م)، حيث بويع ولي عهده فيصل بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد.

ومن أهم إنجازاته: أنه سار على منهج والده الملك عبدالعزيز، وعني بالأمور ذات الصلة بالمسائل الإسلامية والعربية، فدعم القضية الفلسطينية، وساند مصر في العدوان الثلاثي الذي تعرضت له في سنة 1376ه (1956م)، وشهد عهده قيامه بزيارات داخلية كثيرة في أنحاء المملكة، وزيارات خارجية لتوثيق عرى التعاون مع الدول المجاورة والصديقة.

وفي عهده أنشئ عدد من الوزارات مثل: وزارة المعارف، ووزارة الزراعة، ووزارة التجارة، ووزارة المواصلات، وافتتحت أول جامعة في المملكة، وهي جامعة الملك سعود، وأول كلية عسكرية، وهي كلية الملك عبدالعزيز الحربية في الرياض.

وفي عهده صدرت نظم الدولة، وأهمها نظام مجلس الوزراء الذي صدق عليه بالمرسوم الملكي رقم (38) بتاريخ 22شوال 1377ه ( 11مايو 1958م).

وامتداداً لجهود والده المؤسس - رحمه الله - عني بالشؤون الإسلامية، فتوسع في إنشاء المعاهد الدينية، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وأمر بطبع الكثير من الكتب الإسلامية، ودعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووفر أسباب الراحة للحجاج، ووسع المسجد النبوي، وشرع في توسيع المسجد الحرام، وقوَّى الجيش وزوده بالأسلحة الحديثة.

وحيث إنه من المؤكد استحالة دراسة مراسلات الملك سعود لكثرتها وتنوع مجالاتها مع التأكيد على أهمية هذا النوع من الدراسة للوثائق والمراسلات؛ لأنها تعبِّر بصدق عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمدة التي صدرت فيها هذه الرسائل، كما تعبِّر عن جزء مهم من تاريخ الشخصيات التي كان لها دور فاعل في تلك المدة.

لكن عدد الرسائل الكبير الذي صدر في عهد الملك سعود والذي يحتاج إلى دراسات عدة لا يمنع أن تتناول بالتحليل والدراسة نماذج من هذه الرسائل التي تعبِّر عن جوانب مهمة من شخصية الملك سعود.

من المعروف والمشهور عن شخصية الملك سعود تمسكه بمبادئ الدين الإسلامي وقواعده وتطبيقه للسلوك الإسلامي وبره بوالديه وطيبته التي تميز بها وكرمه وسيرته الحميدة التي ما يزال يتردد صداها بين معاصريه من المواطنين الذين عاصروا تلك المدة مما له دلالة على ما اشتهر به من حلم وكرم وسخاء وبذل ومحبة لعموم الناس ومتابعة لقضايا المسلمين والعناية بالعلاقات الشخصية مع كثير من معاصريه من العلماء والأدباء والساسة ورجال الفكر والاقتصاد داخل المملكة وخارجها. كان من أولى الرسائل التي أرسلها الملك سعود رسالة إلى المواطنين توضح منهجه الذي سيسير عليه في الحكم(1) وهي رسالة لها دلالات مهمة ومعان سامية فقد ابتدأها بعبارة: "من سعود بن عبدالعزيز آل سعود إلى شعبي الكريم" وهذه العبارة لها مدلول واضح في بساطته وتواضعه وعدم حرصه على الألقاب، كما أن لها دلالة على محبته لشعبه وتقديره لهم.

وفي هذه الرسالة التي أرخت في 20ربيع الأول 1373ه ( 26نوفمبر 1953م) يواسي الملك سعود الشعب السعودي في وفاة الملك عبدالعزيز ويذكرهم بمزاياه وخصاله وما تحقق في عهده من الأمن والرخاء والتطور والتقدم، وذلك من خلال النص الآتي: "... الحمد لله على قضائه، والشكر على إحسانه، والصلاة والسلام على نبيه وصفيه المصطفى. وبعد: فقد شاءت إرادة الله أن يلبي نداء ربه الأعلى جلالة عاهلنا العظيم، مؤسس المملكة العربية السعودية، وموحد كيانها، باني مجدها، بعد أن قضى حياته في الجهاد لإعلاء كلمة الله وإظهار دينه وتوحيده، ونصرة الشريعة السمحة. فتمكن بعون الله وتوفيقه في النهوض بشعبه في جميع نواحي الحياة حتى حل الوئام محل الخصام بين الناس، وانتشر الأمن والعدل في ربوع كانت تتناوشها المظالم والمخاوف. وأجرى الله على يديه الطاهرتين الخير والبركة فغدت البلاد في بحبوحة وسعة لم يسبق لها مثيل من قبل. ثم ها نحن نفقده ونحن في أمس الحاجة إلى شخصيته الفذة، وخبرته الواسعة، وحكمته البليغة، وإرشاداته القيمة. فلا حول ولا قوة إلا بالله. ألهمنا الله وإياكم الصبر الجميل. وأجمل لنا وإياكم العزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون..".

ثم يوجه الملك سعود الشكر للشعب السعودي على الإجماع على مبايعته ويعدهم بالسير على نهج والده وعلى أداء الأمانة التي تحملها من حيث إقامة شعائر الإسلام والمحافظة على حقوق الشعب والحرص على راحتهم وأمنهم.

ثم يتحدث بوضوح عن منهجه وسياسته في الحكم بقوله: "... كما سأولي عنايتي لتقوية الجيش، ونشر العلم واستثمار ثروات البلاد وبسط وسائل الرغد والسعة للجميع. وسأسعى بكل قواي لتوثيق عرى الإخاء بين العرب والمسلمين محتفظاً بصداقة الدول الأجنبية التي أولاها فقيدنا العظيم صداقته، متعاوناً مع كل من أخلص لنا وبادلنا النفع حتى تتوفر لأمتنا المكانة اللائقة بها بين الأمم..." ثم يشير إلى أنه قد ولى أخاه الأمير فيصل بن عبدالعزيز ولاية العهد، ويختم الرسالة بالدعاء لنفسه بالتوفيق ولشعبه بالرخاء ولبلاده بالخير والأمن.

ومن الرسائل المبكرة التي تحمل صفة البر والوفاء، رسالة أرسلها إلى جميع امراء المناطق في المملكة العربية السعودية بعد وفاة الإمام عبدالرحمن - رحمه الله -(2) ليبلغوها إلى المواطنين بتاريخ 24صفر 1347ه -( 11أغسطس 1928م) ونصها: "... تعلمون أن سيدي الوالد الإمام قدم إلى رحمة الله ولا نحب يلحقه شيء من التبعات حنا من فضل الله مقتدرين على وفاه بالحاضر بارك الله فيكم من كان يدعي عليه بشيء قليل أو كثير فيبينه لنا وحنا نوفيه بالتمام ولا أبيح أحد يكتم شيء يدعي به وبعد ذكرنا لكم هذا تبرأ ذمة الحي والميت نرجو أن الله يوفقنا وإياكم للخير هذا ما لزم والسلام..".

وهذه الرسالة ذات دلالات ومعان عظيمة تؤكد حرص الملك سعود على ابراء ذمة جده الإمام عبدالرحمن بالكتابة إلى أمراء المناطق بعد وفاته للتأكد من أن كل مواطن ليس له في ذمته مال أو حق شخصي، وهذا بلا شك دليل على بر الملك سعود بوالده الملك عبدالعزيز وجده الإمام عبدالرحمن - رحمهما الله، وليس أبر من أن يتتبع الابن معارف آبائه وأجداده ووالده ليتأكد من أنه ليس في ذمتهم حق لأحد، والملك سعود - رحمه الله - تجاوز بهذا البر أن عمم ذلك على أمراء المناطق وأكد عليهم بسؤال الناس إبراء ذمة جده الإمام عبدالرحمن من حقوق الناس، كما عني الملك سعود في رسائله بالنصيحة لعموم المواطنين وكانت هذه النصائح تكتب تحت إشرافه واطلاعه من خلال عدد من العلماء ثم بعد إقرارها واعتمادها يتم طباعتها وتصويرها وتوزيعها على المدن والقرى والهجر لقراءتها في المساجد بعد خطبة الجمعة وفي المناسبات الرسمية وبذلك يتم وصول مضمونها إلى جميع السكان، والنصائح تتضمن معاني كثيرة من الحث على اتباع أوامر الدين الإسلامي الحنيف والتأكيد على المعاني السامية للعادات والأخلاق والتأكيد على التعاون مع الجهات الرسمية والتضامن والحث على الصدقة والزكاة والتبرع وغيرها من التوجيهات التي تصدر حسب الحاجة وظروف ذلك العصر وهي متنوعة بتنوع موضوعاتها.

(1) دارة الملك عبدالعزيز - وثيقة رقم 95ملف 28سجل 18740، مجموعة منطقة الباحة.

(2) دارة الملك عبدالعزيز - وثيقة رقم 312ملف 15سجل 14215، المجموعة العامة.

وكانت هذه الرسائل تبدأ عادة في مقدمتها بعبارة: (.. من سعود بن عبدالعزيز إلى من يراه من القضاة والعلماء والأمراء ورؤساء الهيئات وغيرهم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..) ثم تختم الرسالة التي تتضمن النصيحة بعبارة: (.. والله المسؤول ان يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وان ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه ويصلح أحوال المسلمين ويجمع شملهم على الهدى إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم) وتم طباعة هذه الرسائل بكميات كبيرة في مطابع الرياض وهي مطابع حكومية تتبع لوزارة المالية.

وكنموذج لما يرد في هذه الرسائل من توجيهات ونصئح نعرض لرسالة كتبها الملك سعود في 6رمضان سنة 1377ه (1) ( 26مارس 1958م) وجههاً إلى القضاة والعلماء والأمراء ورؤساء الهيئات أكد فيها على أهمية التمسك بأوامر الدين الإسلامي وقيمه ومبادئه والتأكيد على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

كما أكد على أهمية المحافظة عل إقامة الصلة والمحافظة عليها والتأكيد على تشجيع الناس على قراءة القرآن وحفظه وتدبر معانيه وعلى الابتعاد عن كثير من المعاصي والمخالفات الشرعية.

ويمكن ايراد نص من هذه الرسالة لايضاح أسلوبها المتميز في التوجيه والدعوة وأسلوب النصيحة بالحسنى والتوجيه الحكيم يقول الملك سعود في خاتمة هذه الرسالة: (.. وبالجملة فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله تعالى وطاعته، والأمر بالمعروف. والنهي عن المنكر، ومساعدة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرتهم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على هدى وبصيرة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) كما أوصيكم بالأخذ على أيدي السفهاء وإزالة جميع المنكرات والحذر من غضب الله وحلول عقابه، لأن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أو شك ان يعمهم الله بعقابه، كما قال تعالى: {لعن الذي كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}. فاتقوا الله يا معشر المسلمين، وقوموا بما ألزمكم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستقامة على أمر الله، والحذر من محارمه، وهذا شيء واجب على الجميع، وأنا ألزمكم وأكلفكم بذلك، طاعة لله ورسوله، وبراءة للذمة، وحرصاً على سلامة المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة، والله سائلنا وسائلكم ومجاز كلاً منا بعمله والعباد لم يخلقوا إلاّ ليعبدوا الله ويطيعوه ولا سبيل إلى حصول ذلك إلاّ بطاعة الله ورسوله، والتواصي بذلك، والانكار الصادق على من حاد عن سبيل الله، واتبع هواه (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله..).

كما يجد من يطلع على رسائل الملك سعود وتوجيهاته إلى الوزراء وأمراء المناطق الاهتمام المباشر بأحوال الناس لاسيما الفقراء منهم والمحرومين رجالاً ونساء وقد عرف عنه إرساله للسيارات محملة بالمؤمن والمواد الغذائية لجميع مناطق المملكة العربية السعودية وقراها وهجرها لتوزيعها على الفقراء والمستحقين تحت إشراف لجان خصصت لهذا الغرض.

لذلك لا نستغرب ان نجد في الرسائل التي صدرت من ديوانه ما يدل على متابعته وعنايته بأحوال الفقراء والمساكين والأيتام وحل مشكلاتهم والسؤال عنهم والتأكيد على مساعدتهم وما له دلالة على إنسانيته ورحمته برعاياه وحرصه عليهم يقول الملك سعود في رسالة أرسلت على شكل برقية (1) وجهها إلى المسؤولن عن المالية في وادي الدواسر وهما محمد بن ضرمان ومحمد بن مرضي بتاريخ 1367/10/27ه ( 1سبتمبر 1948م) (.. من قبل المرأة المحرولة (2) بنت ابن حجمة جاءتكم في عام 1364ه (1945م) تلاحظونها لا يلحقها عراء ولا جوع وبلغنا أنكم لم تؤمنوا ذلك احرصوا عليها لا يلحقها قصور (3) وعرفونا وحنا نعتقد إن شاء الله أنكم ما تغفلون عنها لأن مالها أحد فأنتم خبرونا عن ما يتموه من طرفا ولا يصير عليها قاصر واحرصوا على ذلك غاية ما يصير (4)..).

ومن هذه الرسالة التي تتميز ببساطة أسلوبها وسمو هدفها يتضح اهتمام الملك سعود الشخصي بهذه المرأة الفقيرة المقيمة في قرية من قرى وادي الدواسر مما له دلالة واضحة على اهتمامه وعنايته بالفقراء والمساكين والمرضى في أي مدينة تنهج في رعاية الفقراء والمساكين لدى الملك سعود هو بلا شك منهج متميز لكن سبق ان ذكرت بأنه منهج منطلق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وممتد من عهود من سبق الملك سعود من أئمة وملوك الدولة السعودية. وكما تتبع الملك سعود حالة بعض الفقراء والمعسرين فإنه شمل بهذا العطف الإنساني عموم الفقراء في جميع مناطق المملكة العربية السعودية من خلال لجان لتوزيع المساعدات المادية يشرف عليها عدد من العلماء والقضاة والرجال الثقات وكمثال على ذلك رسالة أرسلها الملك سعود بتاريخ 1366/9/24ه ( 10أغسطس 1947م) ونصها (5): (.. من سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى المكرم الشيخ عبدالرحمن بن فارس وعبدالرحمن بن صالح والنواب سلمهم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعد ذلك من قبل الصدقة التي بالعادة يجيكم بن خثيلة ويوزعها على الفقراء هذه السنة صار بن خثيلة مشغول وهي تاصلكم مع خادمنا ناصر أبو عبيد وجملتها ثمانية آلاف ريال تجتمعون وتقومون في توزيعها على الوجه المطلوب بموجب العادة وتحرصون في ذلك نرجو ان الله يتقبل منا ومنكم ومن جميع المسلمين..).

وكما خصص الملك سعود كثيراً من الرسائل والبرقيات للسؤال والاهتمام بأحوال الفقراء والمرضى والعجزة والمعاقين والأيتام فقد اهتم بالمسجونين وأكد في رسائل وبرقيات كثيرة على تتبع أحوالهم ومساعدتهم والرأفة بهم واعانتهم على تسديد ديونهم واخراجهم من السجن، ففي رسالة إلى أمير الدلم (1) بتاريخ 1374/9/17ه وهي نموذج لرسائله المتتابعة إلى أمراء المناطق والبلدان وجه بالتحقيق في قضايا المسجونين بدين ورفع نتائج التحقيق ليتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدتهم في قضايا دينهم واخراجهم من السجن جاء نص البرقية كالتالي: (.. إلحاقاً لبرقيتنا بشأن المساجين إذا يوجد في السجن إنسان مديون فهذا يحقق في دينه فإذا كان أنه عاجز عن دفعه وأنه رجل موثوق وصاحب أمانة وليس لديه ما يدفع الدين منه أخبرونا عنه لنشوف مساعدته فإن كان أنه مسجون عن احتيال وتلاعب بأموال الناس فهذا هو الذي يسلم عليه). الملك سعود في الجانب الإنساني تلقيه الشكاوى التي تتعلق بالجوانب الإنسانية من العلماء والقضاة وأئمة المساجد وعامة الناس وكان يصدر أوامره مباشرة بالمساعدة المادية والعينية للحالات الإنسانية ويتابعها بنفسه ولا يترك واردة ولا شاردة تتعلق بأمر فقير أو محتاج أو معدم إلاّ وسأل عنها وتقصى أحوالها حتى يطمئن بأنها قد تم إيجاد الحل المناسب لها ومثال ذلك برقية أرسلها المساعد بدار التوحيد بتاريخ 1373/5/4ه (1954/1/8م) (1) يشكو فيها صغر المسجد الذي يصلي فيه الطلاب ويلاحظ على عبارة هذه البرقية أنها حملت صيغة الجانب الإنساني الذي يقع دائماً عند الملك سعود بموضع القبول والاهتمام ونصها (.. مولاي: ان طلاب دار التوحيد لهم مسجد صغير أمام مدرستهم يصلون فيه الأوقات الخمسة غير أنه ضيق جداً لا يتسع إلاّ لثلاثين مصلياً فقط والطلاب يزيدون عن المائتين ويصلون في البرد القارص خارج المسجد مما سبب لمرض بعضهم وجلالتكم الأب الرؤوف بهم فيسترحمون توسعة مسجدهم الصغير ليتمكنوا من الصلاة فيه مجتمعين مولاي مع موالاة دعواتهم لجلالتكم بالتأييد وطول البقاء مولاي..).

وقد استجاب الملك سعود لهذه الاستغاثة فوجه باعمار المسجد وتوسعته. ولم تقتصر جوانب إنسانية الملك سعود على الإنسان وإنما شملت حتى الحياة الفطرية والبيئة فأصدر أوامره الإدارية في برقيات لأمرائه بتاريخ 1375/6/22ه (1956/2/4م) بمنع الصيد المتهور دون ضوابط ومما جاء في برقياته: (.. لقد تساهل الناس في صيد الظباء وكثر صيدها ونخشى انقراضها..) (2).

لذلك نستطيع القول انه من خلال دراسة هذه النماذج المتواضعة لبرقيات ورسائل الملك سعود وتوجيهاته يتضح لنا أهمية دراسة الجوانب الإنسانية في شخصية الملك سعود مما له دلالة على سمو أخلاقه وجوده وكرمه وهو جانب لخلق سام رفيع جبل عليه حكام المملكة العربية السعودية الذين يسعون جهدهم للعمل الإنساني الخيري انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي السامية في حب الخير والعمل به والدعوة إليه.

---------------

هوامش:

1- وثيقة محفوظة في دارة الملك عبدالعزيز رقم 73ملف 18مجموعة منطقة الرياض.

1- دارة الملك عبدالعزيز - وثيقة رقم 102ملف 18سجل 17945، مجموعة منطقة الرياض.

2- أي المصابة بشلل بسبب الكبر أو المرض أقعدها عن الحركة.

1- عبارة شاملة جامعة أي يجب أن تستكمل حاجتها من مسكن وعلاج والعناية بجميع أحوالها.

2- عبارة (غاية ما يصير) المقصود إلى أقصى درجة ممكنة.

3- دارة الملك عبدالعزيز - وثيقة رقم 563رقم الملف 15رقم السجل 14502، المجموعة العامة.

1- دارة الملك عبدالعزيز - وثيقة رقم 54رقم الملف 18رقم السجل 17777، مجموعة منطقة الرياض.

2- دارة الملك عبدالعزيز رقم الوثيقة 8رقم الملف 19رقم السجل 16644، مجموعة منطقة مكة المكرمة.

1- دارة الملك عبدالعزيز - وثيقة رقم 85رقم الملف 18رقم السجل 17911، مجموعة منطقة الرياض.
جريدة الرياض العدد 14035