كلمة الأستاذ صبري العسلي

المَلك العَظيم

إشراقة في التاريخ

بقلم دَولة صَبري العسَلي

رئيس مجلس الوزراء في سورية



في مهبط الوحي ، ومطلع النور ، وبين قدسية المعابد ، ومشارق الهدى عرفت العاهل العظيم أول مرة أيام أبيه الخالد ، المغفور له ساكن الجنان عبد العزيز ، وكان يومئذ وليا للعهد وكان ذلك قبل قرابة ثلاثين عاما.

ثم تتابعت الأيام ، فأسعدني الحظ بلقياه مرات ومرات ،كنت في بعضها رجلا مهتما بالقضايا العامة ليس غير ، وكنت في بعضها الأخر مسؤولا ، ومالقيته مرة بعد أخرى إلا ازداد في عيني إكباره ، وارتفع في قلبي إجلاله ، ولمع في فكري سموه وتحليقه.

عربي أصيل ، جبل على الصراحة والصدق والوفاء ، تتميز فيه رجال الطليعة الأولى من المسلمين المفكرين المتوثبين المتحررين ، إلى سماحة في الخلق ، ورجاحة في العقل ، وخبرة طويلة أكسبته إياها تجارب الزمان ، كما أكسبته إياها مدرسة أبيه الفذة النادرة في تاريخ العرب الحديث.

ربته البادية على أعرافها وتقاليدها ، وصقلته الحضارة بأسبابها ومستلزماتها ، فأخذ منها بالنافع المنتج ، فبدا رجلا ولا كالرجال ، جمع بين القديم والحديث ، وألف بين التالد والطريف ، واخرج للناس معجزات قد تعجز عنها الأجيال.

فطرة سليمة ، رواها صبا نجد ، وأذكتها قدسية الحجاز ، وعملت في إشراقها وسموها المدنية الحديثة .

عرف مستلزمات الحياة الحديثة ، فأخذ شعبه بأسبابها ، ودفعه فلي ركابها ، ليعب من عبابها فإذا النهضة في كل مكان ، وفي كل ميدان ، دون أبطاء ولا توان.

نشر العلم وعممه ، فأصبحت ترى نسبة الأمية قد خفت ، وبعث البعوث إلى مصر الشقيقة وغيرها من الأقطار العربية والغربية ، فإذا في البلاد اختصاصيون ، فنيون ، من أبناء شعبه ، وسار على سنة والده الخالد ، فاستعان بشباب العرب من جميع الأقطار والأمصار.

وأدخل الآلة الحديثة ، في الزراعة والصناعة والعمران ، فإذا الطرقات سالكة ، والحدائق منتشرة والمصانع تقوم ، والزراعة تزدهر ، حيث أمكن الري.

وأهتم بالمواصلات ، فأكثر من المطارات ومن سكك الحديد والمرافئ ، فيسر للناس التنقل فانتعش الاقتصاد ، واستسهل الناس أداء الفريضة المقدسة واتسعت علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية وانتشر التعارف بين المسلمين والعرب.

وشغلته الصحة فانشأ لها المستشفيات واستدعى لها أمهر الأطباء والممرضات ، وجهزها بأحدث الآلات والأدوات .

إلى غير ذلك من مظاهر النهضة الحقة التي ستملأ دنيا الجزيرة العربية نورا وعلما وحضارة بعد سنوات قصار.

ولعل هذا كله في كفة ميزان ، وأخرى وحدها في كفة الميزان الأخرى ، تلك هي سياسته العربية المتحررة ، التي كانت وما زالت تدفع العرب قدماً إلى الحياة الحرة الكريمة الموحدة ، لتبني مستقبل العرب في مختلف ديارهم على السيادة والاستقلال ، فقد ساهم في هذا الميدان بكل نصيب ، واتخذه دستورا يعمل له مع البعيد والقريب ، وسار في هذا الركب بكل قواه ، مؤمنا إيمان العجائز بالله وبحق العرب في الحياة ، فكان عاملا قويا في وحدة الاتجاه السياسي المتحرر ، ولعمري أن الأخذ بهذه الطريق سوف يجني منها العرب الخير العميم وسوف يكون لها في المستقبل القريب أكبر الأثر في تكوين الدولة العربية الواحدة ، التي ينشدها جميع المخلصين والأحرار في دنيا العرب من شواطئ الأطلسي إلى الخليج العربي .

ليست هذه الكلمة العجلى تاريخا ولا شيئا شبيها بالتاريخ ، وإنما هي باقة من ورد أضعها بين يدي القارئ العربي ، اقتبست نورها من سجايا ومزايا العاهل العربي العظيم ، حفظه الله رائدا موفقا وقائدا مظفراً.





البلاد السعودية – صحيفة الشعب العربي السعودي – عدد خاص عن العلاقات الأخوية بين سورية والمملكة العربية السعودية
البلاد السعودية – صحيفة الشعب العربي السعودي – عدد خاص عن العلاقات الأخوية بين سورية والمملكة العربية السعودية