خطاب الملك سعود عندما عدل الوزارة فى 15 آذار 1962

أخواني وأبنائي:

إن أهدافنا في سياستنا الداخلية وسياستنا الخارجية ، هي المبادئ التي جاء بها الإسلام ، لا أهداف لنا غيرها ، عليها نسير ، واليها ندعو ، لا نبتغي بها بديلا لأنها كلفت لنا سعادة الدنيا والآخرة لا نسمح أن يكون في بلادنا غير مبادئ الإسلام وندعو إليها في خارج بلادنا ، وكما أمر الله بالحكمة والموعظة الحسنة لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الو ثقي ، لا انفصام لها والله سميع عليم " صدق الله العظيم".

أخواني وأبنائي:

لقد سهّل الله في نهضتنا الحاضرة أن أمكننا من فتح باب للتعليم في ديارنا قلما جارانا فيه غيرنا فقد فتحنا المدارس وسهلنا لأبناء الشعب أن يرتادوا معاهد العلم بالمجان وعاوناهم على ذلك في كل مرحلة من مراحل التعليم من أدناها إلى أعلاها. وبعثنا البعوث العلمية إلى الخارج إلى الخارج ترتاد دور العلم على حساب الحكومة، وهذا من فضل الله وتيسيره ، وفتحنا الأعداد الكثيرة من المستشفيات والمستوصفات والناس يرتادونها للعلاج وللعمليات الجراحية ولكل ما يتطلب علاج الأمراض بالمجان.

وهذه الطرق تفتح في المدن وفي سائر أرجاء المملكة المترامية الأطراف لتأمين المواصلات بينها. وهناك التعليم المهني الذي أوليناه عنايتنا ليقوم أبناء البلاد بخدمة أنفسهم.

وهناك مشاريع كثيرة لاستخراج ثروات البلاد واستخدام اليد العاملة في الزراعة والصناعات وعلينا أن نسير فيها بخطى فعالة لينعم شعبنا بنعم الله التي وهبنا إياها.

وإني أهيب بكم إخواني وأبنائي الوزراء أن تضاعفوا جهودكم على كل ما من شأنه إسعاد الشعب ورفع مستواه الديني والعلمي . وما يؤمّن له الرفاهية في الحياة وان يعمل على تطوير ما تستدعي الحاجة تطويره من الأنظمة بحيث تتلاءم مع المصلحة العامة وتطوير البلاد الاقتصادي والإداري وسنستمد جميع أنظمتنا من كتاب الله وسنة رسوله.

هذه سياستنا الداخلية التي أدعوكم ونفسي للأخذ بها والعمل بموجبها ، ومن أخلص نيته مع ربه في عمله أوصله لما يريد.

أما سياستنا الخارجية وأهدافنا فألخصها لكم فيما يلي:

أولا - نحن في هذه البلاد المقدسة مهبط النور والهدى لم يمنحنا الله شرفا أعلا ولا أسمى من هذا الدين الذي نشره آباؤنا المسلمون في أنحاء العالمين فأول هدف لنا هو التعاون مع سائر المسلمين تعاونا أخويا كما آخى بيننا وبينهم في قوله جل شأنه " إنما المؤمنون إخوة " فإن إخواننا المسلمين بعدوا أو قربوا يهمنا ما يهمهم ، ويسرنا ما يسرهم ، ويؤلمنا ما يؤلمهم ، ونجد واجبا علينا أن نتعاون مع من يمكننا التعاون معه على أساس إسلامي صحيح كما أمرنا ربنا.

ثانيا - أما المجال العربي فنحن العرب وفي هذه الديار ، منبع العرب ، منها قاموا لنشر مبادئ كانت أقدس وأعلى مبادئ نشرت في العالمين ولذلك فكل جمع لصفوف العرب وتوحيد كلمتهم نحن دعاته ، ونحن المعضدون له ، والعاملون عليه . عملنا وسنعمل في جامعتنا العربية كما ما يجب عمله لحفظ كيان الأمة العربية وجمع قواها في صعيد واحد ، وسنكون على الدوام من الدعائم التي تؤيد الجامعة العربية وتنصرها كما سنكون نصراء لكل من يعتدي عليه من العرب من قريب ومن بعيد ، في أي محيط كان ، نقاوم ونشجب أي سعي للتفريق بين العرب كما نقاوم أي اعتداء على أي عربي أيا كان المعتدي ، وإن أي داع لجمع كلمة الدول العربية لمصلحة العرب سيجدنا في المقدمة لن نتوانى ولن نتقاعس لأن العرب ، أينما كانوا ، نحن منهم لا ينصرهم من ضل إذا اهتدى من هداه الله منهم.

ثالثا - إن أيدينا مفتوحة لكل من يصادقنا، غير معتد ولا باغ علينا ، ونعمل في الأمم المتحدة مع كل من يريد السلام ، ويدعو إليه وإنه ليؤسفنا أن علاقاتنا السياسية لا تزال منقطعة مع المملكة المتحدة لأنها قامت بعدوان على أراضينا في البريمى والمناطق المتنازع عليها، بدعوى تأييد لأخوة لنا نحن أحق بتأييدهم منها، ولا تزال المفاوضات التي توسّط بها الرجل العظيم الراحل المستر همرشولد مستمرة بعد وفاته ، وإن كانت لا تزال تتعثّر بعراقيل متوالية . وكنا لا نزال نقول إن إخواننا من الذين ادعوا الخلاف بيننا وبينهم ، إننا أحق بهم وهم أحق بنا ، فما كان لآبائهم وأجدادهم فهو لهم ، وما كان تحت سلطتنا وسلطة آبائنا وأجدادنا فهو لنا فإن أبناءنا الذين يقيمون في تلك المواطن ، لا يرضون بوطنهم العربي السعودي بديلا ، وقد هجروا مواطنهم بعد أن أخرجتهم القوى البريطانية ، فإذا انتهى الأمر على الوجه الذي سار الاتفاق على أساسه ن أو خلي بيننا وبين إخوتنا نقدر مالنا ومالهم على أساس ماكان عليه آباؤنا وآباؤهم قبل العدوان البريطاني ، فسيكون من أحب الأمور إلينا أن تعود علاقاتنا مع بريطانيا إلى سابق عهدها .

أما علاقاتنا السياسية مع فرنسا فكنا قطعناها مع بريطانيا يوم عدوانهم على شقيقتنا مصر ، ثم استمرت علاقاتنا مقطوعة مع فرنسا تأييداً لإخواننا البواسل في الجزائر ، واليوم ، وبعد أن تم الاتفاق بين إخوتنا في الجزائر وفرنسا على إيقاف إطلاق النار ، فإننا نأمل أن تسير الأمور في الطريق السوي الذي يؤمّن للجزائر المجاهدة ما تصبو إليه من حرية واستقلال لتعود علاقاتنا السياسية مع فرنسا في وقت قريب إن شاء الله .

أما الجرح الدامي في قلوبنا وجوانبنا فلسطين العزيزة ، فلن تهدأ قوانا حتى يسترد أخوتنا في فلسطين حقوقهم كاملة غير منقوصة ، ونتمنى أن يعلم الجميع حقيقة الخطر وأن يعلموا أن التعاون هو السبيل الوحيد لرد الحق إلى أهله.

هذه خلاصة عن أهداف سياستنا في الداخل والخارج ، وأسال الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والعمل الصالح لما يرضي ربنا ويخدم شعبنا والمسلمين والعرب أجمعين ، والسلام ".