خطاب جلالة الملك في المؤتمر الصحفي الكبير 1962م


إن الغرض الأول من عقد هذا الاجتماع حضراتكم كممثلين للصحافة العالمية هو ، لنتذكر معكم ونطلعكم على موقفنا من القضايا العربية ، وما وصلت إليه البلاد من تقدم ونهضة شاملة في مختلف الميادين الثقافية والعمرانية والصحية وذلك رغم قصر المدة التي مكنتنا فيها مواردنا وإمكانياتنا المالية من أللالتفات إلى هذه الشئون والبدء في هذه النهضة الشاملة . فالعالم كله يعلم أن هذه الجزيرة كانت قاحلة وليس فيها أنهار وأشجار وكنا نعيش فيها عيشة الكفاف ، مخرس الأمن ونرعى الاستقرار ونقوم على خدمة بيت الله ، ونسهر على راحة حجاجه ، ونحافظ على أرواحهم ،التي كانت مهدده فيما سبق الأمر الذي جعل الأمن في بلادنا مضرب المثل في العالم كله رغم ترامي أطراف الجزيرة واتساع رقعتها وانعدام طرق المواصلات فيها .

ما حققنا من إصلاحات داخلية :

هكذا كنا نعيش في جزيرتنا هذه ، حتى من الله علينا بثروة البترول التي بدأت تتدفق قبيل الحرب العالمية الثانية ، ولكنها ما لبثبت أن توقفت عن التدفق في أثناء الحرب ، ثم عادت إلى التدفق بعد انتهائها بشكل ملموس.

وفي هذا الوقت ، أي حوالي عام 1946م ، أصبحت إمكانياتنا المالية تسمح لنا بالبدء في نهضتنا في مختلف الشؤون ، وعندما وجدنا أن التعليم من ألزم الضروريات لهذه النهضة لإيماننا الواثق بان العلم هو أساس الرقي والتقدم ، وكان التعليم بالمعنى المعروف يكاد يكون معدوماً فقررنا أن نضع اللبنية الأولى في تعليم النشء وتثقيف الأمة فبدأنا بإنشاء المدارس بمختلف مراحلها الأولية والابتدائية والمتوسطة والثانوية والصناعية ، وأدركنا إن هذا الإنشاء يجب أن يكون عاما ، يشمل مختلف أنحاء البلاد مهما ترأست إطرافها ، بحيث ينعم بنعمة العلم أبناء القرى والوديان كما ينعم بها أبناء المدن وهكذا خطونا خطوة واسعة في إنشاء المدارس ، حتى عمت جميع أنحاء المملكة .

وكل الطلاب يتلقون العلم وتصرف لهم الكتب بالمجان في مختلف مراحل الدراسة كما أنشأنا معاهد للمعلمين . وخصصنا لطلابها رواتب شهرية ،تشجيعا ومساعدة لهم ، كما قمنا بإنشاء الجامعة على الأسس العلمية والمنهجية ، استقدمنا لها الأساتذة المختصين للتدريس فيها ، وقد بدأت الجامعة تؤتي ثمارها وتخرج طلابها كما عملنا على ابتعاث المئات من الطلاب إلى مختلف الجامعات العالمية وقد أكمل الكثير منهم دراسته ، وهم يشاركون الآن في خدمة بلادهم في مختلف الميادين .

ويكفي التقدير ما توصل إليه في حقل التعليم من تقدم كبير بالرجوع إلى الإحصاءات الرسمية.

وكذلك قمنا بإنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وهي تضم الآن عدد كبيراً من أبناء الأمة الإسلامية من مختلف أنحاء الأمة الإسلامية وسيكون متخرجوها رسل ودعاة إرشاد يحملون مشاعل النور والثقافة والعرفان.

ونحن مع اعتزازنا بما وصلنا إليه من تقدم كبير في هذا المضمار نشعر بأننا لا زلنا في أول الطريق وان الواجب يحتم علينا أن نسير إلى النهاية التي نتطلع إليها .

أما الأعمار فقد حظي بكبير عنايتنا ، فقد تلفتنا حولنا ، عندما وجدنا الإمكانيات فلم نجد متراً واحداً من الأرض معبداً يربط البلاد بعضها ببعض ، وكذلك المستشفيات وتزويدها بالمعدات وجدنا أن الحرمين الشريفين في حاجة إلى عناية تكفل راحة الحجاج وزوار مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذنا على عاتقنا بهذا الأمر ، وقررنا توسعة الحرمين الشريفين .

وقد تمت الأعمال في حرم المدينة المنورة منذ مدة ، وشهد الحجاج المسلمين بان هذا العمل مفخرة من مفاخر الأعمال والبناء ، أما عمارة المسجد الحرام ، فإنها قائمة على قدم وساق انتهى القسم الأكبر منها ونأمل أن يتم الباقي في اقرب وقت ممكنه.

ولقد أبدى المسلمون إعجابهم بروعة الأجزاء التي تمت من هذا المشروع ونحن إنما نعمل هذا بدافع من الشعور بالواجب علينا نحو الحجاج المسلمين.

كما وضعنا نصب أعيننا القيام بتعبيد الطرق ، وبدأنا أول ما بدأنا بتعبيد الطرق المؤدية لمشاعر الحج والزيارة ، فتم تعبيد الطرق بين مكة وجدة وبين مكة وعرفات وكلها طرق مزدوجة ضماناً لسلامة الحجاج وراحتهم ، كما تم تعبيد الطريق بين جدة والمدينة بحيث أصبحت قوافل الحجاج تقطع هذا الطريق باطمئنان بعد أن كانت تقاسي أنواع الصعوبات قبل إتمامه.

ولقد قمنا كذلك بإنشاء مدينة الحجاج القادمين بطريق البحر ، مزوده بأحدث التجهيزات الصحية فبعد أن كان الحجاج ينزلون من البواخر وينتظرون دورهم في الترحيل إلى مكة على أرصفة الشوارع وتحت وهج الشمس أصبحوا يجدون مدينتهم المعدة لاستقبالهم بأحسن المعدات ، وكذلك أقمنا بأحسن المعدات ، وكذلك أقمنا مدينة الحجاج الطائرات تستوعب جميع الحجاج الذين يضطرون لانتظار سياراتهم المعدة لنقلهم إلى مكة أو انتظار طائراتهم عند العودة ، هذه الأعمال كلها ليست خافيه على احد ، وإخواننا الحجاج يلمسونها كل عام .

أما مشروعات الطرق وربط أنحاء المملكة بعضها ببعض رغم تباعدها ، فإننا قطعنا شوطاً كبيراً فيها بحيث تم ربط منطقة الدمام والإحساء بالرياض بخط معبداً حدث تعبيد ، هذا بجانب السكة الحديدية المبني على احدث طراز فني ، كما أن العمل قائم في تعبيد الطريق الذي يربط مدينة الرياض بمكة المكرمة ولم يبقى على إتمامه إلا مسافة (400) كيلو متر ، وبنهاية تعبيد هذا الطريق يكون قد تم ربط سواحل الخليج العربي بسواحل البحر الأحمر بخط معبد بلغ طوله ( 1700) كيلو متر كما أن العمل قائم في تعبيد الطريق الذي يربط المدينة المنورة بتبوك في أقصى شمال المملكة وبلغ طول هذا الطريق حوالي (800 ) كيلو متر ولم يبقى على إتمامه المسافة (200 ) كيلو متر وسيسلك هذا الطرق الحجاج القادمون من البلاد الإسلامية الواقعة شمال المملكة ، هذا الذي تقدم ليس إحصاء ولكنه مثال ملموس على ما نقوم به في مجال الأعمار رغم قصر المدة.

أما مشاريع الإسكان فقد كانت هدفاً من أهداف نهضتنا الشاملة وقد خطونا في هذا المجال خطوة موفقة ، تشتمل في بناء المساكن للمواطنين وتمليكها لهم بأقساط شهرية مخفضه .

ومن المشاكل التي نحاول التغلب عليها الآن مشكلة توفير المياه

الأهرام المصدر : المدينة

مركز الأهرام للتنظيم والميكرو فيلم التاريخ : 14ربيع الاول 1382هـ

الموافق : 15 أغسطس 1962م.

الملف الوثائقي للمغفور له الملك سعود بن عبد العزيز - المجلد الثالث