مقابلة مع مجلة المصور 1956م

الملك سعود يقول

" يجب أن يجتمع العرب ، وينظروا في أمورهم المفككة "



بابه لا يغلق...

ومجلسه بلا دعوة ...

وكل من يريد الملك يستطيع أن يقابله ، بلا بروتوكول ولا تسكع على أبواب السكرتيرين والتشريفات وخدم القصر!

إن تقاليد الصحراء لا تضع حجاباً بين الراعي والرعية ، وروح الإسلام هي البساطة والتواضع وإغاثة الملهوف...

وأنا لم يسعدني القدر بمقابلة الملك عبد العزيز ، وإن تكن عظمته قد ملأت خيالي كما ملأت خيال كل عربي في هذا الشرق ، ولكنى تشرفت بمقابلة الشبل السعودي ، الملك الثائر الذي يضع قلبه بين شفتيه ويحتفظ بمزايا الصحراء في حديثه وطلعته وشخصيته ، وقبل كل هذا بإيمانه العميق في دينه واتباع سنة رسول الله ...

وقد قابلت الملك سعود منذ نحو ثلاثة أشهر ، وترددت على مجلسه عدة مرات وسمعته يتحدث مع مئات مختلفة من الناس ، فكان لا يفتأ يردد أن دستوره هو كتاب الله وسنة رسوله ...

ومنذ أسبوعين ، تشرفت مرة ثانية بمقابلة جلالته في الرياض.

وقابلته بعد ذلك عدة مرات.

وفي المقابلة الأخيرة ، تفضل جلالته وخصّ " المصور" بهذا الحديث الصريح..

دستورنا كتاب الله

قلت لجلالته: يسر " المصور " ويشرفه أن يكون في مقدمة المرحبين بزيارتكم إلى أرض الكنانة ولعل من الفأل الحسن أن يكون موعد الزيارة في وقت تاريخي ، أي أثر افتتاحكم أول مجلس للوزراء في المملكة العربية السعودية .. فهل لجلالتكم أن تحدثونا عن الخطوات التالية لهذه النهضة الجديدة ؟ " وقال الملك : " إن هذا مرسوم في الخطاب الذي ألقيته اليوم " واستطرد قائلا :"
إن الإسلام جعل الأمر شورى بين المسلمين فكان أول ما عقدنا العزم عليه هو أن نقيم حكومة من إخواننا وأبنائنا أفراد الشعب لنتعاون معهم على النهوض بأعباء الحكم من إخواننا وأبنائنا أفراد الشعب لنتعاون معهم على النهوض بأعباء الحكم في البلاد ، فأنشأنا مجلس الوزراء ، ليكون مصدراً لجميع أمور الدولة ... وأُنشئت الوزارات المختلفة ، لتقوم كل منها بالمشاريع المختلفة بها...

" وبالنظر لرغبتنا في تعاون شعبنا معنا في كل ما يتعلق بأموره ، أمرنا أن يكون في كل بلدة من بلداتنا مجلس إداري يجتمع برئاسة أمير البلدة وقاضيها ورؤساء الدوائر والوجهاء لبحث ورعاية الأمور التي تتعلق بالبلد نفسها ، كما امرنا بتعميم المجالس البلدية ، وإنشاء ديوان سميناه " ديوان المظالم " وهو يشبه مجلس الدولة في مصر – وسنحيل إليه كل شكوى ترفع إلينا وكل مظلمة نراها أو نخبر عنها ، ليقوم بالتفتيش والتحقيق في كل دائرة من دوائر الحكومة ولإعطاء كل ذي حق حقه وبذلك يطمئن شعبنا بأفراده وقبائله أن بابنا مفتوح لسماع شكواه وإنصاف مظلوميه...".

واستطرد الملك الثائر كلامه فقال : " وبالإضافة إلى ذلك قدرنا على وضع برنامج موزع على سنوات خمس للمشروعات الكبرى للإنشاء والإصلاح والتعمير ... سيعرض على مجلس الوزراء عند إعداده للمناقشة فيه والموافقة عليه إن شاء الله ".

وسكت الملك لحظة ثم قال

" لقد كان همنا منذ تولينا مقاليد الأمور أن نعتصم بكتاب الله ونستهدى بهدي رسول الله ، ثم نتبع سيرة والدنا العظيم في السياسة والإدارة وفي كل مجال من مجالي الإصلاح ".

الدعوة إلى مؤتمر شعبي

وقلت لجلالته: " والجامعة العربية ؟ ألم يحن الوقت لتصبح هي الأخرى قوية متماسكة تستطيع أن تعيد للعرب بعض ما فقدوه في حرب فلسطين وفي الأحداث التي أعقبتها ؟ وهل لجلالتكم أن ترسموا للعالم العربي السبل لتدعيم هذه الجامعة ؟ " .

وأجاب على الفور: " اتجاهاتنا واضحة ، ونحن نعلنها في كل مناسبة ، فالعرب يجب أن يجتمعوا وأن ينظروا في أمورهم المفككة ، ويتصارحوا ويحكموا بينهم كتاب الله وسنة رسوله ، ليمكن أن يحققوا التآلف بينهم والتكاتف في السراء والضراء،وأهم شيء لتحقيق الغرض هوالصدق فيما بينهم ".

وقلت لجلالته : " إذن لقد آن الأوان للبدء في سياسة عربية تهدف أولا إلى توحيد الاتجاهين اللذين يتجاذبان سياسة الجامعة".

وأجاب متحمساً : " لقد شبعنا كلاماً . نريد أن نعمل . نريد أن نبحث عن الطريق الصالح ، وأنا أدعو العرب جميعاً إلى عقد مؤتمر شعبي لتكون الشعوب العربية على اطلاع ومعرفة بجميع الحقائق والحكومة التي تخالف الاتفاق تحاكمها الشعوب وتحاسبها وتوجهها لما فيه المصلحة العربية العليا".

واستطرد جلالته قائلاً : " لقد كنا نتكلم ، والكلام لا يجدي ، والآن نريد أعمالا جدية ، ونريد تآلفاً بين الدول العربية في ميادين السياسة والاقتصاد والشؤون العسكرية ، وأنا في مقدمة الذين يهدفون إلى هذا الاتجاه ضمن ميثاق الجامعة العربية وضمن معاهدة الدفاع المشترك .. وقد أبلغت الوفد الذي مثّل المملكة العربية السعودية في أول اجتماع للجامعة العربية بعد استلامنا مقاليد الحكم ، أن يعلن عزمنا الأكيد على التعاون العربي في أي ميدان وفي أي مجال ممكن ، لتحقيق ما فيه الخير والمصلحة لنا جميعاً...

" وما فشل العرب إلا عندما تفرقوا ، وما نجحوا إلا عندما استمسكوا واتحدوا ... ونحن الآن متفرقون ، واحد منا مشرق وآخر مغرب ، واحد مع الاستعمار وآخر مع مصالحة الشخصية ، وهذا ما جعلنا نخسر فلسطين ... ونرزأ بسرطان الصهيونية في جسم البلاد العربية ...

وأذكر أن لرئيس الدولة الصهيونية الدكتور "وايز" من كلمة مشهورة قال فيها :

" نحن لا نستطيع التغلب على العرب إذا اتحدوا ، نحن مليون وهم أربعون مليوناً ، ونجاحنا وقيام دولتنا مرهون بإشعال الخلافات بينهم وتفرقتهم ".

واستطرد الملك في حديثه قائلاً : " لن نكون شيئاً إذا لم نتحد ونخلص للاتحاد ، وعلينا أن نعمل ".

وسألت جلالته : " وأين يقام المؤتمر الشعبي الذي تقترحونه ؟ ".

وأجاب قائلاً : " لا يهم المكان ، قد يكون في الحجاز أو العراق أو مصر أو سوريا ، فالمهم أن يؤدي هذا المؤتمر إلى توحيد الكلمة وتصفي القلوب والصدق والإخلاص والمصارحة " .

القضية المصرية

وانتقلت بالحديث إلى القضية المصرية ، فقلت لجلالته : " إن اهتمامكم بحل القضية المصرية يقابله العرب بالاعتزاز والإعجاب ، فهل لجلالتكم أن توضحوا الطريق الذي ترونه لحل هذه المشكلة وبالتالي للخروج بالسياسة العربية من حالة الركود التي تعانيها الآن ؟ ".

وقال جلالته بصراحة : " أنا ذاهب إلى القاهرة لمقابلة الرئيس محمد نجيب وأعضاء حكومته للتفاهم معهم على العمل معاً في كل ما فيه خير البلدان العربية بأجمعها وللخروج بالقضية المصرية من هذا المأزق ، وأنا أعتبر القضية المصرية قضيتنا وأبناء مصر هم إخواننا وأبناؤنا ، ويعلم الخاص والعام أن آلامها آلامنا ونحن مندفعون كما يندفع الشعب المصري نفسه ، و أسأل الله وأبتهل إليه أن يمدنا بعونه وفضله وتوفيقه للوصول إلى حل ، وتحقيق أماني شعب وادي النيل "

وقبل أن أستأذن جلالته قال لي :

" إننا على استعداد للتضحية بكل شيء في سبيل استقلال العرب واستكمال سيادتهم والله على ما نقول شهيد ".

وخرجت من مقابلة الملك ، وأنا أكثر إيمانا بصراحته وثورته الإنشائية وأكثر تفاؤلا بالمستقبل والأحلام الجميلة.

وبقي صوته يملأ مسمعي وهو يرسم في وضوح حقيقة الوضع العربي فيقول :

" ما فشل العرب إلا عندما تفرقوا ، ونحن الآن متفرقون ... وأحدنا مشرّق وآخر مغرّب وواحد مع الاستعمار ، وآخر مع مصالحه الشخصية ، وهذا ما جعلنا نخسر فلسطين "!! 
[1]

بقلم سليم اللوزي 1956م

 

References

  1. ^ المصدر : " مجلة المصور" 

 

مجلة المصور