مقابلة مع جريدة الأهرام 1953م

الملك سعود يتحدث إلى " الأهرام "



نرجو بكل قوانا أن تنال مصر أمانيها القومية وحقوقها المشروعة رسالة جلالته إلى العالم الإسلامي وسياسته للنهوض ببلاده ودعم الجامعة العربية



عاد من المملكة العربية السعودية الأستاذ ممدوح طه مندوب " الأهرام " الخاص بعد أن مثل الصحافة المصرية في البعثة الرسمية التي سافرت إلى الحجاز لتعزية جلالة الملك سعود والأمراء السعوديين في وفاة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود . وقد انتهز مندوب " الأهرام " فرصة تشرفه بمقابلة جلالته لرفع تعزية الصحافة المصرية في الفقيد العظيم فأستأذن جلالته في التحدث معه في بعض المسائل العامة بمناسبة توليه عرش المملكة العربية السعودية ، وكتب يقول:

كانت الساعة الثامنة مساءً وكانت رائحة الطيب الذكية تفوح في أرجاء المكان ، فتشيع فيه جوا شرقياً شاعرياً ، وكان السكون الرهيب يخيم على هذا المكان ، وبالرغم من امتلاء صحن قصر "خزام" بالأمراء والوزراء والزوار الذين وفدوا من كل صوب وحدب لتقديم تعازيهم إلى جلالة الملك سعود في وفاة والده العظيم .

ولم يكن يقطع هذا السكون ، سوى صوت حفيف ثوب الساقي وهو يطوف بالجالسين مسرع الخطا ليصب لهم بعض من رشفات من القهوة العربية في تلك الفناجين الصغيرة " البيشة " وقد تمنطق بخنجر مذهب الجراب شده حول وسطه ، وتدلى من جنبه الأخر مسدس في جراب من الجلد تقرعه ركبته كلما خطا خطوة ، وهو في عجلته لصب القهوة ولعله كان يخشى التباطؤ لئلا تفتر قبل أن يرتشفها الحاضرون.

وكان يتبع الساقي ، خادم آخر على بعد خطوتين منه ، يجمع فناجين القهوة الفارغة من الشاربين ويصفها فوق بعضها في يده فتصدر عنها أصوات كأنها تحث الجالسين على التعجل في ارتشاف القهوة وهى ساخنة تفوح من بخارها رائحة " الحبهان " القوية .

وكان جلالة الملك سعود جالساً بقامته المديدة في صدر الصحن ، يتحدث إلى البكباشي أركان الحرب جمال عبد الناصر -الذي جلس إلى جانبه- والى جانبه الأخر الأمير سيف الإسلام ولي عهد اليمن .

وكانت تدفعني منذ صعدت إلى الطائرة التي أقلتنا إلى الأراضي المقدسة ، رغبة شديدة في أن أحظى من جلالة الملك سعود بحديث خاص " للأهرام " فرأيت في هذه الجلسة الفرصة المواتية لاسيما وأنه كان عليّ أن أعود إلى مصر في اليوم التالي ، فأستأذنت جلالته في أن يتفضل بالإفضاء بحديث خاص " للأهرام "

روابط متبادلة من المحبة والصداقة فابتسم ابتسامة رقيقة شجعتني لأن أقول لجلالته: " إن مصر التي تربطها بالمملكة العربية السعودية روابط متينة من المحبة والصداقة لترجو أن يكون عهد جلالتكم عهد توطيد وتنمية لهذه العلاقات ، فما هي الوسيلة التي ترى جلالتكم إنها تساعد على توثيق هذه العلاقة وتنميتها ؟

" انتهاج سياسة الراحل العظيم "

فقال جلالته : " إن سياستنا مع مصر سياسة إخاء ومحبة ووسيلتنا في إنماء تلك العلاقات وتوطيدها تقوم على الإخلاص ، وعلى انتهاج السياسة التي سار عليها والدي العظيم أسكنه الله جناته الواسعة.

فقلت لجلالته: " وما هي الرسالة التي ترغبون جلالتكم في توجيهها إلى العالم الإسلامي بمناسبة توليكم العرش ؟

"رسالة إلى العالم الإسلامي "

فقال جلالته : " إن رسالتي إلى العالم الإسلامي هي الحث على العمل بالمبادئ التي جاء بها الإسلام ، تلك المبادئ التي أمر الله بها رسوله ، والتي باتباعها ساد الإخاء والنظام والازدهار في كافة الأنحاء التي انطوت تحت لواء الإسلام وتعاليمه.

" النهوض بالمملكة العربية السعودية "

فسألت جلالته عن السياسة التي يعتزم انتهاجها للنهوض ببلاده ، فقال وقد ارتسمت على وجهه إمارات الاهتمام : " إن السياسة التي نعتزم انتهاجها للنهوض بالبلاد هي ، أولاً ، وقبل كل شيء نشر العلم وتقوية الجيش واستثمار موارد البلاد والعمل المتواصل لما فيه خير الرعية ماديا وأدبياً " .

" قضية مصر هي قضية العالم العربي "

فقلت : ما رأي جلالتكم في النزاع القائم بين مصر وبريطانيا حول جلاء الجنود الإنجليز من الأراضي المصرية ؟

فقال جلالته: " إن قضية مصر هي قضية العرب جميعاً ، ونحن نتمنى للشقيقة بكل قوانا ، أن تنال أمانيها القومية وحقوقها المشروعة داعين المولى أن يحقق ما تصبوا إليه من أجل السلم والإنسانية في أقرب وقت .

فقلت لجلالته : " ما رأيكم في الدور الذي يجب أن تقوم به جامعة الدول العربية في الظروف الحاضرة ، فقال جلالته : " إن منهج الجامعة العربية معروف ، ورسالتها عامة لصالح الغرب وعملها يتطور في كل ظرف من الظروف وفق تطور الأحداث ،ونأمل أن تزداد أعمالها نفعاً مع مرور الزمن حتى تصل الشعوب العربية إلى ما تصبوا إليه من عز وسؤدد "

وهنا رأيت أنني قد استنفذت من وقت جلالته الشيء الكثير ، فقد كثرت الوفود على بابه رجاء تعزيته وتهنئته ، فالتمست الإذن بالانصراف داعيا لجلالته وشاكراً .

_________________________________________________________________________

المصدر: الأهرام

مركز الأهرام للتنظيم والميكروفيلم التاريخ: 16 نوفمبر 1953 م
جريدة الأهرام