إصلاحات ولي العهد الامير سعود

 

إنجازات الأمير سعود خلال هذه الفترة (1370 – 1373هـ) (1950 – 1953م)

مجموعة الإصلاحات التي قام بها ولي العهد سعود تحت إشراف والده تتطلب أولاً استعراض مدى درايتة والإلمامه بتفهم المشاكل الداخلية التي كانت في حاجة للإصلاح الفوري علماً, بأنه نتيجة للحرب العالمية الثانية وانعكاساتها العديدة على المجتمع الدولي والمقرونة بالنمو والتطور التكنولوجي مع بدء الشعوب بصفة عامة بمطالبتها بالتخلي عن الماضي نتيجة لشعارات نقلتها وسائل الإعلام والتي تعبر عن رؤيا جديدة للمستقبل, حاول الأمير سعود في هذا الجو أن يحقق لابناء وطنه ما كان مجدياً لهم ومتمشياً مع مصالحهم الحقيقية .

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية, ساد العالم أحوال اقتصادية سيئة كانت لها انعكاساتها السلبية على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية . وبالطبع فإن المملكة العربية السعودية التي تعتمد أساساً على الدخل من الحجاج والنفط لم تسلم من أثر هذا الكساد والتطورات السلبية التى كان تأثيرها في أشده خلال تلك الفترة من (1369 الى1370هـ) ( 1949-1950م )
[1] .

فخلال عام( 1368 هـ 1948م ) قام خبيران ماليان من وزارة المالية الأمريكية وهما السيد أدي والسيد مايكسال بتقديم اقتراح بربط الريال السعودى بالدولار الأمريكي لحل الازمة المالية التى كانت تواجهها المملكة و التى أقرّ بها سعود في عدة مقابلات مع سفراء وممثلي الدول الصديقة طالباً المشورة لمواجهتها وإيجاد حلول لها. و رفع سعود تقريرا إلى والده بهذا الخصوص, الذي وجهه بدوره باتخاذ الإجراءات الضرورية لحل هذه الازمة ومن ثم إفادته عنها بصفة منتظمة .

وبعد دراسة ولى العهد للوضع مع ذوي الخبرة والمسئولين والمختصين ، وبمشورة ممثلي بعض الدول الصديقة ، تمت الاستفادة من الخبير اللبناني نجيب صالحه لإجراء إصلاحات تنظيمية في وزارة المالية على أسس حديثة والإشراف عليها , و كان لذلك أثر إيجابي واضح على الوضع المالي .

و استفادت الحكومة السعودية ايضا من خدمات الخبير المالي الأمريكي الدكتور يونغ " Young Dr ", وتم بمشورته إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي ( SAMA ) عام(1371هـ 1952م) لتلعب دور البنك المركزي وتضبط الأعمال المصرفية

و الذى كان رئيسها الأول خبيراً أمريكياً اسمه " بلورز" " Mr. Blowers' " ، كما استفادت الدولة من خدمات أمريكيا آخر اسمه" داناواي" " Dunaway " لتنظيم إدارة الجمارك
[2].

وكان ضمن هذه الإصلاحات المالية والعمل بها إصدار ثالث ميزانية للدولة وفقاً للأسس العالمية المتبعة وذلك في عام (1372هـ 1952م)  
[3]. وكانت أول ميزانية معلنة فى المملكة هي ميزانية عام 1984م.

في إطار هذه التطورات والتعاون والتنسيق مع الدول الصديقة وخبرائها أتى" الدكتور استراتم "الأمريكي كمدير للتعاون الفني ليرأس 35 خبيراً أمريكياً مع نخبة من الموظفين السعوديين في إعداد خطط للتعاون الفني والنمو الاقتصادي ، وكان ذلك عام ( 1371هـ 1952م)
[4].

بقي الأمير سعود لمدة أربعة أشهر ونصف في الحجاز بناءً على التعليمات المبلغة له من والده والتي سبق إيضاحها والتى قام خلالها بإجراء دراسة عامة عن الإصلاحات الإدارية والداخلية للبلاد ابتداء بالحجاز ، وتضمنت قائمة أهدافه تسوية النظم الإدارية والمالية ودراسة الأنظمة المتعلقة بمشاريع حيوية وتنموية , و اختصت هذه الدراسة بالمشاريع الخاصة بالحج, وتأمين المياه, والإذاعة, والجمارك .

وبعد الانتهاء من إعداد الدراسة ومراجعتها ، أبرق الأمير سعود إلى والده فى الرياض عن الخطوط العريضة التي يجب عليه أن يبت في اتخاذها وأولها تأسيس مجلس خبراء من المختصين في الرياض لدراسة جميع أنشطة الحكومة في الشئون المالية والقانونية والدينية والاجتماعية والنفط ... الخ, على أن يتم اختيار هؤلاء الخبراء من الدول العربية والدول الصديقة وأن يعمل هذا المجلس تحت رئاسته ، وأن تكون للملك صلة مباشرة بهم وبمستشاريه أيضا عند اللزوم . كما أوضح الأمير لأبيه أن دور هؤلاء الخبراء سيكون في إطار التخطيط والمشورة وليس الإدارة والتنفيذ ، ولكن عند استلام الملك عبد العزيز هذه المقترحات قرر تأجيل تنفيذها في نجد إلى فترة لاحقة, ولكن ذلك لم يمنع الأمير سعود من اصدار مجموعة كبيرة من القوانين والأنظمة بشأن إصلاحات ضرورية في الحجاز
[5].

فأصدر ديوان ولي العهد مرسوما برقم 140 في (29 محرم 1372هـ) ( 19 تشرين الأول 1952م ) يتناول إصلاحات سميت بإصلاحات ولي العهد , و تناولت هذه الإصلاحات تعيينات جديدة في عدة دوائر كما أعاد الأمير تنظيم إدارة الأمن العام وأدخل تحسينات في نظم المحكمة الشرعية حتى توفر للجميع تسهيل أمورهم, كما ألغى بعض الرسوم على ختم الوثائق الشرعية لكونها غير إسلامية وعزز دعم نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

واستمر الأمير في إصلاحاته وأدخل خطة جديدة لإدارة شؤون الحج تشرف عليها الإدارة عامة للحج والإذاعة ، وقد كان تأسيسها مبنيا على تجربته الشخصية خلال حج تلك السنة . وقد عزز الأمير سعود أيضا صلاحيات وزارة المالية وسيطرتها ومراقبتها على الميزانية والإنفاق والتوفير ، كما قام بتأسيس مجلس للشؤون الاقتصادية وإدارتها, وأسس المديرية العامة لشؤون البترول والمعادن . ومن ناحية أخرى أسس إدارة للأشغال العامة مخولة بإصلاح الأراضي البور والخالية للاستخدام الزراعي والقيام بحفر الآبار الارتوازية حيث لزم بتأسيس شركات تعاونية زراعية وأضاف إلى هذه الإصلاحات إنشاء إدارة مستقلة وعامة للجمارك . ثم توج هذه الإصلاحات بتوسيع مجلس الشورى في العاصمة المقدسة وفي مرسوم آخر من ديوان ولي العهد رقم (331) في 17 تشرين الثاني 1952م أمر بوضع نظام لمجلس الشورى وزيادة عدد أعضائه من ثلاثة عشر إلى عشرين عضوا في مكة المكرمة . أما محاولته تأسيس لجنة مكونة من خمسة أعضاء للإشراف على شؤون الحجاز في الرياض ، فقد تم تأجيلها إلى وقت آخر . وقد نالت حصيلة هذه المساعي من قبل ولي العهد استحسان الجميع على سبيل المثال , علق السفير البريطاني بلهام "Pelha m" في تقرير سري له مؤرخ في (1372هـ تشرين الثاني 1952م) بتناول هذه الإصلاحات بأن " وضع البلاد في تحسن ، وأن جميع طبقات المجتمع مستفيدة منها وان لم يكن ذلك بنسب متساوية "
[6].

و في 15 من ذي الحجة 1372هـ ( 25 آب 1953م ) ، عين الملك عبد العزيز الأمير سعوداً قائداً عاماً للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي مما دعم ذلك مكانته كرجل ثان من حيث السلطات والصلاحيات في الدولة .

كانت نتيجة هذا التعيين أنه تم تحديث الجيش السعودي البري وسلاح الطيران عبر تزويدها بالأسلحة وتدريبهما على يدي خبراء أمريكيين على أحدث أساليب الحرب لكي تكون القوات السعودية مؤهلة للقيام بواجباتها الوطنية .

كما تمت توسعة أسطول الخطوط الجوية السعودية عبر شراء أربع طائرات ( Sky master ) وتنظيم رحلات جديدة داخل البلاد وإلى الدول العربية المجاورة لنقل الحجاج
[7]. وبعد الانتهاء من مهمته الاصلاحية في الحجاز قام بزيارة المدينة المنورة حيث وقع على مجموعة كبيرة من المراسيم لاإنشاء طرق جديدة ومدارس ومستشفيات قبل عودته إلى الرياض في أوائل( 1372هـ 1953م ) .

وعندما أخبر ولى العهد سعود والده الملك عبدالعزيز في زيارة سابقة له للمدينة المنورة عن بعض التشققات التى رآها في بعض جدران الحرم النبوي الشريف في ( 4 / 2 / 1368هـ الموافق 5/ 12/ 1948م) ,كلف الملك عبدالعزيز ولىعهده سعود بتبني المسألة وطلب أشهر المهندسين المعماريين من الأقطار الإسلامية للمساهمة في هذا المشروع , كما قام الأمير سعود في 5 شوال سنة( 1372هـ 1953م ) خلال زيارته للمدينة بوضع الحجر الأساسي لتوسعة المسجد , وتابعها في العام التالي بتفقد سير العمل ووضع أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربية بالمسجد النبوي الشريف . وعند إتمام تنفيذ هذا المشروع حضر شخصياً لافتتاحه في 5 / 3/ 1375هـ ( 1955م ) لما كان يولي هذا المشروع من اهتمام ورعاية شخصية
[8] وكان ذلك بعد وفاة والده رحمه الله , (وتذكر بعض المصادر أن الملكين رحمهما الله أنفقا على المشروع ما يقدر بخمسين مليون ريال) ,وقد تبع هذا المشروع العظيم دراسة وتنفيذ وتوسعة كبرى للحرم المكي الشريف.

بعد زيارته للمدينة المنورة ، توجه ا لأمير سعود في إنشاء وتوسعة عدة مساجد ،كما أسس محاكم شرعية في أماكن في حاجة إليها ، ودعم نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزيادة عددهم وتحسين رواتبهم . ووفقا لاهتمامه بالتعليم وتشجيع المعارف عين نائباً جديداً لإدارة المعارف ، كما أمر بإنشاء مجموعة من مدارس جديدة في عدة مناطق صحراوية .

و طلب الأمير من الحكومة اللبنانية بعض الخبراء لإبداء مشورتهم حول أمر تأسيس معهد صناعي سعودي ، كما قرر الاستعانة بخبراء آخرين من بعض الدول العربية للاستفادة منهم في مجالات مختلفة مثل الشئون البلدية والاقتصادية والزراعية بالإضافة إلى الأمن المدني والشئون الصحية ووضع أسس نظم للعاملين . وقبل هذه الزيارة كان قد تم في الدمام مد رصيف إلى المياه العميقة عبر جسر من الصلب وممر صخري لكي يتسنى للناقلات الكبيرة الرسو على جانبيها ، وكان ذلك في جمادي الأول 1369هـ ( آذار 1949م )
[9].

تمت الإشارة سابقاً إلى العوامل التي جعلت الملك عبد العزيز يعين الأمير سعود ولياً للعهد ثم يفوضه بعدد من صلاحياته وممارستها دون الرجوع إليه ، والذي كان في عام( 1369هـ 1950م ) ومن ثم تعيينه قائداً للقوات المسلحة السعودية وقوى الأمن العام في عام( 1372هـ 1953م ) وعندما عانى الملك عبد العزيز من وعكة صحية في ذلك العام ، قرر تعيين الأمير سعود رئيساً لاول مجلس وزراء فى المملكة ، حيث أسست عدة وزارات لتأسيس الدولة الحديثة وكان ذلك في غرة صفر 1373هـ ( 9 تشرين الأول 1953م ) .

و أسندت نيابة رئاسة الوزراء إلى الأمير فيصل بن عبد العزيز بالإضافة إلى منصبه كوزير للخارجية , و أعطيت حقيبة وزارة الداخلية للأمير عبد الله الفيصل بن عبد العزيز, ووزارة الدفاع للأمير مشعل بن عبد العزيز ، ووزارة المواصلات للأمير طلال بن عبد العزيز , بينما استمر عبد الله السليمان وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني تمشياً مع توصية الملك عبد العزيز بأن يستعان بخبراته الطويلة .


المرجع فهدة بنت سعود

References

  1. ^ Confidential" 28.1950 , SAUDI ARABIA , FEB. 1949 ANNUAL REVIEW FOR " وثائق أمريكية تقرير من السفارة الأمريكية بجدة ( 1952 م)، ( ص 70 ) 
  2. ^ ANNUAL REVTEW 1952, SAUDI ARABIA " Political Diaries. " وثائق بريطانية ، التقرير السنوي V.VI),(P.111-169) ) ( 1949م)، ( ص111-169) 
  3. ^ المصدر السابق V.VI) . ( P.169) ) 
  4. ^ امصدر السابق (ص.169 V.VI) – ( ) 
  5. ^ SECRET SECURITY INFORMATION N. 129, THE DEPT. OF STATE, NOV.16.1952REFORMS UNDERTAKEN BY THE CROWN PRINCE" WASHINGTON ,IBRAHIM AL-RASHID.(P.71) " المصدر السابقوثائق أمريكية (1952م) ص(71 )
  6. ^ ( (N.142 1952 NOV th .of 26 THE BRITISH EMBASSY, JEDDAH" SECRET 
  7. ^ ( (N.142 1952 NOV th .of 26 THE BRITISH EMBASSY, JEDDAH" SECRETوثائق بريطانية ، تقرير السارة البريطانية بجدة ( 1952م ) ، (ص439 - 445) ( 445-439 RULING FAMILIES OF ARABIA. (P.
  8. ^ SAUDI ARABIA , ANNUAL REVIEW FOR 1952. DESPATCH N.4 POLITICAL DIARIES.(VOL VI ),(P.168) بريطانية ، التقرير السنوي ) ( 1952م ) ، (ص186 (
  9. ^ V.6) . (P.167) ) , " 1952 SAUDI ARABIA REPORT "
فهدة بنت سعود