خطاب جلالة الملك المعَظم إلى شعبه العِزيز في منطقة الإحساء 1952م

وبعد : فمنذ أن وطئنا أرض هذه المنطقة الطيبة في وطننا العزيز ونحن نرى ونسمع من الشعب الكريم على اختلاف طبقاته آيات الإخلاص والولاء مما يدل على خالص المحبة وصادق الشعور . وإن هذه المظاهر الشعبية التي قوبلنا بها أينما توجهنا والعواطف الطيبة التي أظهرها لنا كل من قابلنا تستوجب منا الشكر الجزيل وتحدو بنا إلى الإعداد في مواصلة الجهود لتحقيق كل تقدم ونهوض وإصلاح وبذل كل غالي وثمين لرفع مستوى حياة أمتنا والترفيه عنها ونشر نور العلم في ربوعها وبث الطمأنينة والاستقرار بين ظهرانيها . والأخذ بشتى وسائل الإصلاح في جميع مرافق حياتها مهتدين بهدى الشريعة السمحاء راجين من المولى عز وجل أن يجعل فيما نقوم به من عمل خيراً وبركة يتمتع بها الجميع الصغير قبل الكبير والضعيف قبل القوى.

هذا ولا بد أن الجميع قد اطلعوا على الخطوات الأولى التي خطوناها في هذا الوقت القصير في تنفيذ جزء من البرامج الشاملة التي رسمناها لإصلاح شئون أمتنا في طول البلاد وعرضها ورفع منزلتها بين الأمم وإحلالها المرتبة الرفيعة التي تصبوا إليها . وسنتبع ذلك إن شاء الله بخطوات متتالية ، واسعة السنة بعد السنة ، والحقبة بعد الحقبة ، حتى يتم لنا ما نريد بعون الله وتوفيقه.

ونحن إذا نعمل على تشييد صرح هذه الأمة من جميع نواحيه نحرص على أن تبنى على أسس ثابتة متينة لا تزعزعها الأعاصير ولا تطيح بها الأهواء مما يحتاج إلى درس وتمحيص وتحقيق وتصحيح غير آبهين لزخارف المظاهر أو لخادع الآمال ، بل نريد أن ..

نبنى كما كانت أوائلنا تبنى ونفعل مثلما فعلوا

وإن أعمالا هذه صفتها لكبيرة وعظيمة وكل عمل كبير وعظيم تكتنفه المصاعب والمتاعب والتضحيات ، ونحن بعون الله وتوفيقه ماضون في تحمل هذه الأعباء بصبر وأناة وجد وحزم ومن حقنا على كل مواطن من الشعب الكريم أن يتعاون معنا في ذلك بأداء وجباته الوطنية كاملة جاعلا أساسها التمسك بقواعد الدين الحنيف وكتاب الله الكريم وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم مسترشداً بما تركه لنا سلفنا الصالح من آيات المجد والفخار التي بنوها على الصدق في القول والعمل والإخلاص في السر والعلانية وحسن النية وطهارة الطوية وحسن الخلق :

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وعلى هذه الأسس القويمة المتينة ندعو أبناء هذا الوطن على التعاون معنا في بناء كيانهم وإحياء غابر مجدهم وإنشاء مستقبلهم ، فإلى الأمام أيها الشعب الكريم متعاضدين متكاتفين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. فعلينا العدل فيما بينكم والذب عن حياضكم والأخذ فيما فيه صلاح دينكم ودنياكم . وعليكم المثابرة على العمل الصادق والسلوك الحسن والصبر في طلب العلم والطموح إلى الرقى ببلادكم في ذلك أبوابنا نستمع منكم شكاواكم واقتراحاتكم ومطالبكم وتسمعون منا توجيهنا وحضنا على الخير تلك هي خطتنا التي تسير عليها دائماً إن شاء الله .

ولقد منّ الله علينا جميعاً بنعم وافرة من خيرات بلادنا كما من علينا بإيمان صحيح ودين متين وحبانا بألفة وتعاطف وإخوة أن استثمرناها جميعاً في صالح الأعمال آتانا الله خير الثمرات في الدنيا والآخرة .

وإن عصفت بصفوفكم الهواء وداخلت نفوسكم ريب المذاهب الهدامة والدعايات الفاسدة والاتجاهات المضلة المنحطة التي خلط لكم فيها أعداء الدين والوطن ، السم بالدسم ، وأخفوا بمعسول القول فيها كل مذهب قتال مميت وكل مبدأ هادم لمبادئ الدين الحنيف وأخلاقنا القويمة وعاداتنا الكريمة ، نقول عن مالت نفوسكم إلى شئ من ذلك بؤتم بالفشل والمذلة والصغار وكنتم آلة صماء في يد أعداء الدين والوطن يستغلونها لمنافعهم ويستخدمونها لغاياتهم ، فانبذوا كل داع لمبادئ الهدم والإفساد وقفوا لكل مبطل معطل لما درجتم عليه من مبادئ الحق والدين والخالق الكريم.

ولقد فتحنا أبواب بلادنا لطلاب الخير من إخواننا العرب والمسلمين لمساعدتنا في النهوض ببلادنا ولنشركهم معنا بالتمتع بخيراتها فمن أخلص منهم في عمله وصدق في تعهده ، حسن في خلقه استحق رعايتنا وحسن ضيافتنا.

ونحن إذ نحذر الجميع من تلك الاتجاهات الضارة التي كانت ولا تزال مبعثاً للمفاسد والقلاقل والمهالك في كثير من البلدان الأخرى نقف لها بالمرصاد مع كل مخلص ولن نتردد في الضرب على أيدي أصحابها وقمع جذورها أياً كان مصدرها ومهما كان نوعها بدون هوادة . فأعينونا على الحق يكن الله في عونكم وانهضوا معنا في طلب الخير يجعل الله لكم التوفيق حليفكم وحسن المآب جزاءاً لكم .

هذا ونحن نشكر لكم حسن وفادتكم وخالص شعوركم وتبادلكم المحبة بالمحبة والإخلاص بالإخلاص سائلين المولى عز وجل أن يهدينا وإياكم سواء السبيل إنه سميع مجيب.

( 23 جمادى الأولى 1372هـ )

الملك سعود أحاديثه وخطبه – بقلم فؤاد شاكر