خطاب جلالة الملك المعَظم إلى المسلمين في يوم عرفه 1955م

ثم إنني أتقدم إلى كل فرد منكم بتحياتي الإسلامية الأخوية وتمنياتي الصادقة لكم جميعاًً بأن تكونوا في هذه البلاد التي تجتمع قلوبنا جميعاً على حبها بخير ما نرجوه لكم من الصحة والعافية والسلامة والسرور في حلكم وترحالكم حتى يعود المسافر منكم إلى أهلة ووطنه إن شاء الله وهو متمتع بالصحة والعافية قرير العين بما وفقه الله إليه من أداء هذا الركن الإسلامي العظيم وهو حج بيت الله الحرام ثم أداء السنة المحمدية بزيارة مسجد رسوله العظيم . فلله الحمد والشكر والمنة على كل ما وفقنا جميعاً إليه من هذه القربى إليه والوسيلة إلى عبادته بما فرضه علينا تعظيم شعائره وأداء حقه.

ثم إنني أود ونحن وأنتم جميعاً نلتقي في هذا اليوم المبارك الفضيل على هذا الصعيد المطهر متجهين إليه تعالى بقلوبنا وأسماعنا وأبصارنا وخوالج أفئدتنا وأخلص شعورنا نلبى دعوته ونرجو رحمته أن أذكركم بهذه النعمة العظمى التي من الله بها علينا جميعاً من أداء هذه الفريضة وأن علينا جميعاً أن نتبع في أدائها ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا نزيد على ذلك
ولا ننقص . فقد قال الله تعالى : " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال عليه أفضل الصلاة والسلام وهو واقف في موقفنا هذا من عرفة وهو يخطب المسلمين ويشرع لهم : " خذوا عنى مناسككم خذوا عنى مناسككم " لهذا يجب أن نؤدى هذه الفريضة على وجهها الأكمل من أداء واجباتها والقيام بأركانها والحرص على سننها ، كما هو مفصل في كتب المناسك المعتمدة من العلماء الأعلام فقد أنزل الله على رسوله الأمين في حجة الوداع وهو واقف بعرفة كموقفنا هذا اليوم قوله تعالى :
" اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " ثم ليعلم إخواني أجمعين أن الله فرض الحج على عباده المسلمين ليشهدوا منافع لهم دينية ودنيوية وأن اجتماع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ولم شعثهم هو أعظم ما يجب على كل مسلم أن يعمل لتحقيقه ، وإنني أدعو المسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها من موقفى هذا أن يجمعوا على توحيد صفوفهم وأن يوحدوا كلمتهم وأن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا يتساعدون على المعروف ويتناهون عن المنكر ويقيموا حدود الله ويخلصوا قبل هذا وبعده التوحيد الكامل المطلق لله وحده لا شريك له ثم ليعلموا جميعاً أن الله لم يفرض عليهم ما فرض ولم يوجب عليهم ما أوجب إلا لمصلحتهم ومنفعتهم وخيرهم سواء ما ظهر من هذه الأشياء لهم وما خفي منها عنهم . وأن مصلحة المسلمين اليوم في أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر ، حتى يحرروا بلدانهم ويمدوا إلى إخوانهم المسلمين في مختلف ديارهم وشتى أمصارهم يد العون الأخوي في السراء والضراء والعسر واليسر فإنهم إن فعلوا ذلك أصبحوا كتلة واحدة يحسب لهم العدو ألف حساب ، ويهاب كلمتهم ويرهب جانبهم وينصفهم في حقوقهم ويسعى إلى صداقتهم.

وإنني لأشعر أن على واجب المصارحة لكم ، بكل ذلك ليعود كل واحد منا إلى أهلة ووطنه وهو مصمم على أن يساهم في سبيل الصالح العام للمسلمين بكل ما يستطيع من جهد . فإننا إن لم نفعل ذلك بقينا على ما نحن عليه مشتتين في أوطاننا ، ومتنافرين مع إخواننا ، ضعفاء بين أعدائنا . فليبلغ الحاضر منكم الغائب ولنتعاون على أداء الأمانة التي شرفنا الله بها بين الناس يوم قال :
" كنتم خير أمه أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر".

والله وحده القادر على تحقيق آمالنا التي نسعى إليها وغاياتنا التي نعمل من أجلها في سبيل توحيد كلمة المسلمين ونهضتهم وتقدمهم وعزهم :

" فإن العزة لله ورسوله وللمؤمنين "

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الجمعة 9 ذي الحجة 1374 – 29 يوليو 1955

الملك سعود أحاديثه وخطبه – بقلم فؤاد شاكر