الخلفية التاريخية لآل سعود قبل فترة استعادة الملك عبد العزيز للرياض (1308 – 1319هـ / 1891 – 1902م )
بداية البحث التاريخي عن الدولة السعودية الثالثة يتطلب منّا الحديث عن الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود أحد الأقطاب المؤسسة لها . نشأ الإمام عبد الرحمن في نجد التي عاش فيها آباؤه وأجداده وتحديداً في مدينة الرياض قلب نجد ورمزها , كما أن تاريخ الإمام عبد الرحمن يمثل حلقة وصل بين الدولة السعودية الثانية ا لتي انتهت عام ( 1308هـ 1891م ) والدولة السعودية الثالثة التي بدأت عام ( 1319هـ 1902م ) حيث انه عاصرهاتين الفترتين التى سادتهما ظروف محلية وإقليمية وعالمية متوترة .
خلال تلك الفترة كانت الجزيرة العربية مقسمة الى مناطق متعدده يحكمها شيوخ وتضم قبائل متنافرة تعيش حياة تنافس وحروب مستمرة ,مع محاولات مستمرة للسيطرة وبسط ا لنفوذ من جانب الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة لأربعة قرون و التى بدأت تظهر عليها علامات ا لضعف والهوان مع جهود الإمبراطورية البريطانية المستمرة ا ستغلال ا لظروف والتحضير لمزيد من التوسع والهيمنة على أهم المناطق الاستراتيجية في العالم وهي منطقة العالم العربي التى تربط مصالح بريطانيا بين الشرق والغرب .
كما كانت بعض مناطق ا لجزيرة العربية كحائل, والقصيم, والحجاز لا تزال تحت الحكم العثماني بينما كانت مشيخات الخليج ترزح تحت السيادة البريطانية ، أما قلب الجزيرة العربية فكان لا يزال بعيداً عن الأطماع السياسية لتلك القوى في المنطقة لفقره وبعده عن مسرح الأحداث ومراكز القوى المتصارعة.
وجد الإمام عبد الرحمن نفسه وهو أصغر اخوته سناً (كان في الأربعين من عمره) زعيما للعائلة في الرياض وذلك بعد وفاة أخيه الإمام عبد الله بن فيصل سنة ( 1307هـ 1890م ) ,فقام بكتابة رسالة إلى الأمير / محمد بن الرشيد زعيم قبيلة شمر وأمير حائل يطلب منه سحب ممثله فهاد بن رخيص فى الرياض لسوء أسلوبه في التعامل مع الأهالي دون أن يشير فى رسالته إلى تبديله بممثلا آخر.
وردا على رسالة الامام عبدالرحمن ,قام محمد بن الرشيد بتعيين سالم السبهان الذي عُرف بشراسته ممثلا له فى الرياض, ولكن الإمام عبد الرحمن توجس شرا من مبادرته هذه الغير المتوقعة وحاول أن يستبق الأحداث ويلقي القبض على سالم السبهان في مناسبة عيد الأضحى ولكنه لم يتمكن من ذلك بسبب فراره ,وفي مصادر أخرى ذُكر أنه تم إلقاء القبض عليه ثم الإفراج عنه بعد مفاوضات.
ومما زاد الوضع سوءا هو ثورة أهالي القصيم وطلبهم من الإمام عبد الرحمن إمدادات عسكرية مقابل الاعتراف بالولاء له , إلا أن محمد بن الرشيد حاصر الرياض لمدة أربعين يوماً , و لكن انتهت المحاصرة بالصلح ليعود الوضع كسابق عهده ، وكانت مساعي التسوية هذه هي أول محاولة يشارك فيها عبد العزيز ابن الإمام عبد الرحمن في أول دور سياسي له. وعندما لم يدم الصلح طويلا , قام الإمام عبد الرحمن بعدة محاولات لتجميع القوى و لكنه واجه مصاعب لم تمكنه من مواجهة ابن الرشيد وخاصة بعد أن سمع نبأ فشل أهالي القصيم في تمردهم على آل الرشيد وهزيمتهم في معركة المليداء سنة ( 1308هـ 1891م ) فقررمغادرة الرياض مع اسرته تاركاً أخاه محمداً خلفه في الرياض متوجها الى البحرين.
وبينما كان في انتظار الرد من الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين للسماح له بترك أسرته لديه مكث في صحراء شرق الجزيرة العربية يترقب الأحداث حين أتته الموافقة على الإقامة حيثما يشاء في المناطق الخاضعة للنفوذ العثماني بناء على شفاعة حافظ باشا المتصرف العثماني للإحساء,ولكن استقر رأيه على الإقامة في الكويت بعد أن رفُض طلبه الأول وحددت له مساعدة شهرية من العثمانيين [1] .
وقد كان اختيار الإمام عبد الرحمن للكويت كونها المكان الأنسب لمراقبة الأحداث والتطورات السياسية في نجد والمناطق المجاورة لها , وكانت الكويت في ذلك الوقت تحت إمارة الشيخ محمد الصباح الذي قُتل فيما بعد مع أخيه جراح على يدي أخيهما مبارك سنة ( 1312هـ 1894م ).[2]
توفي محمد بن الرشيد في 1316هـ ( أواخر 1897 م )وتولى مكانه ابن أخيه عبد العزيز بن متعب الرشيد .
وفي ظل تلك الظروف القاسية التي كانت تواجه أسرة آل سعود في الكويت ترعرع عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي ولد في الرياض سنة ( 1297 هـ 1880م ) ونشأ مرافقاً والده في تنقلاته في المنفى يعاني من العيشة الضنك بدءاً من إقامته مع قبائل المُرّة في الصحراء حتى استقراره في الكويت مما أبعده عن نجد موطن عائلته وأرض أسلافه ومنطقة امجادهم .
وخلال تلك الفترة لم تتغير الظروف ، بل ازدادت الخلافات تعقيداً بسبب الرغبة في السيطرة على قلب الجزيرة من قبل آل الرشيد والدولة العثمانية ،ومحاولات بريطانيا للتحالف مع الأقوى بهدف تحقيق أهدافها السياسية .
وفى عام ( 1318هـ 1901م ) كان الفتى عبد العزيز يراقب كل تلك الأحداث من منفاه, ولكنه عاجزّ عن العودة إلى الوطن هو و أبوه لان جميع محاولاتهما لاستعادة السلطة باءت بالفشل بسبب قلة الإمكانيات المادية ونفوذ آل الرشيد في المنطقة.
إلا أن عزمه على استرداد الرياض وإحياء مجد آبائه حفزه إلى القيام بمحاولة أخرى مع نخبة من أقربائه من آل سعود و رجال مخلصين حلموا معه بالعودة وتبعوه حتى تيسر لهم هدفهم وتحقق حلمهم في استعادة الرياض عام ( 1319هـ 1902م ).
المرجع – فهده بنت سعود - بحث بعنوان "الدور الذي لعبه الملك سعود بجانب والده في تأسيس المملكة"