تحقيق سلسة نسب والدة الملك سعود

تنتسب والدة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود رحمهما الله إلى أسرة آل عريعـــر المشهورة أمراء قبيـلة بني خالد التي حكمت شرق جزيرة العرب فترة من الزمن تجاوزت المئة عام. فكل من ترجم للملك سعــود بن عبدالعزيز من المؤرخين ذكـر أن والدته من أسرة آل عريـعــر فمن هؤلاء عبدالرحمن المغيري(1) (ت1364هـ) وفؤاد حمزة (ت1371هـ) وخيرالدين الزركلي (ت1398هـ) وإبراهيم العبدالمحسن (ت1425هـ) وغيرهم.


إلا أن هناك خلافًا وقع في تسلسل آباء والدة الملك سعود، وهـذا الخلاف يقــع في ثلاثــة آراء، وهـذه الآراء الثلاثـة يتبنى الأول منها الأســتـاذ نهـار بن محمد السـرداح(2)، والرأي الثاني رأي فؤاد حمزة(3)، وتابعه فيه خيرالدين الزركلي(4)، وإبراهيم العبدالمحسن(5)، والأمير د. سلمان بن سعود بن عبدالعزيز(6)، والرأي الثالث رأي د. عبدالعزيز بن نايف العريعر(7)، وتابعته فيه الأميرة د. فهدة بنت سعود بن عبدالعزيز(8). لذا سوف نقوم بمناقشة هذه الآراء ثم نذكر الراجح منها في ضوء ما لدينا من أدلة وشواهد تاريخية.


الرأي الأول: وهذا الرأي يتلخص في أن والدة الملك سعود هي: وضحى بنت محمد بن سرداح العريعر وأن الملك عبدالعزيز قد تزوجها بالقرب من مدينة الجبيل أثناء عودته من الكويت. ويلحظ على هذا الرأي ما يلي: 1 - أنه ينسب الأميرة وضحى والدة الملك سعود إلى آل سرداح، كما ينسب آل سرداح إلى آل عريعر، وفي هذا الرأي خلط، فالأميرة وضحى من آل عريعر وليست من آل سرداح، كما أن آل سرداح ليسوا من آل عريعر بل هم أبناء عمومتهم، ويجتمعون معهم في غرير بن عثمان بن سعدون بن ربيعة آل حميد، فآل عريعر هم ذرية عريعر (عرعر) بن دجين بن سعدون بن محمد بن غرير، بينما آل سرداح هم ذرية سرداح بن عبيدالله بن غرير(9). 2 - ذكر في هذا الرأي أن زواج الأميرة وضحى تم بالقرب من الجبيل أثناء عودة الملك عبدالعزيز من الكويت، بينما المصادر المتقدمة والموثقة تذكر أن مقدم الملك عبدالعزيز من الكويت لاسترداد الرياض كان في المرة الأولى عام 1318هـ(10)، وقد كان ولد له ابنه تركي (الأول) عام 1317هـ (1900م) - في الكويت - من زوجته وضحى العريعر، كما ولد له منها ابنه سعود عام 1319هـ - في الكويت أيضا(11) - وهي سنة استعادة الملك عبدالعزيز للرياض. 3 - لم يكن الملك عبدالعزيز يُخاطب بلقب (الملك) - كما ورد في القصة التي أوردها صاحب هذا الرأي - قبل عام 1344هـ وهي سنة ضم الحجاز، بل كان يخاطب بلقب (الإمام) كما جرت عليه عادة أهل ذلك الزمان في مخاطبة الحكام من آل سعود، كما أنه خوطب بلقب (السلطان) لبعض الوقت. 4 - في رأيي أن الخطأ في نسب الأميرة وضحى الذي وقع فيه هذا الرأي يرجع إلى الصلة النسبيــة للأميـرة وضحى العريعر بآل سرداح حيث أن والدتها من آل سرداح التي هي في الوقت نفسه عمة والد صاحب هذا الرأي(12).


الرأي الثاني(13): وجاء فيه أن نسب والدة الملك سعود كالتالي: وضحى بنت محمد بن برغش بن عقاب بن عريعر. ويلحظ على هذا الرأي التالي: 1 - لم تذكر المصادر التاريخية المتاحة عندي، والتي أعددت منها مشجرا لآل حميد، أن أحداً من آل حميد يقال له (عقاب) فضلاً عن ذرية عريعر، فأبناء عريعر الذين سمتهم المصادر التاريخية هم: بطين، دجين، سعدون، دويحس، زيد، برغش، حمادة، محمد، ماجد، براك. 2 - دلت وثيقة شرعية(14) مؤرخة في 12/5/1380هـ أن اسم جد الأميرة وضحى العريعر هو حسين وليس برغش كما ذكر في هذا الرأي. فتبين مما تقدم أن هذا الرأي في نسب الأميرة وضحى غير دقيق، علمًا أن صاحبه لم يسمي مصادره التي استقى منها هذه السلسلة من الآباء.


الرأي الثالث: وملخصه أنه ينسب والدة الملك سعود كالتالي: وضحى بنت محمد بن حمادة بن مشاري بن حسين بن محمد بن حمادة بن عريعر. فهذا الرأي يتفق مع المصادر المتقدمة التي نصت على أن الأميرة وضحى من أسرة آل عريعر، كما أنه في رأيي أصح الآراء في نسب الأميرة وضحى، كما سأبينه في الترجيح. إلا أن على هذه السلسلة من الآباء التي ذُكرت في هذا الرأي.


الملاحظة التالية: من يتأمل هذه السلسة يجد أن بين عريعر بن دجين (الجد الأعلى للأميرة وضحى) وبين الأميــرة وضحى ستة من الآباء، فعليه يلزم أن يكون ما بين وفاة عريعر وولادة وضحى ما يقارب المئتي سنـة، وذلك استنادًا على القاعدة الخلدونية التي تجعل كل ثلاثـة آباء في مـئة سنـة، وهـذه القاعدة لا تكاد تنخرم إلا بدليل مادي وهو إما نص وثيقة أو تاريخ مكتوب. فإذا علمنا من المصادر المتقدمة أن وفاة عريعر بن دجين كانت عام 1188هـ(15)، ورجّحت أن ولادة وضحى كانت في حدود عام 1300هـ(16)، فهذا يدل أن بينهما 112 سنة؛ أي: ما بين ثلاثة إلى أربعة آباء على الأكثر، مما يدل أن هناك إقحامًا لجدين في هذه السلسلة، وهما بالتحديد (... حمادة بن مشاري...)، وذلك لأن الوثيقة المؤرخة في عام 1380هـ قد سمّت جد الأميرة وضحى بأنه حسين وليس حمادة كما ورد في هذه السلسلة، علمًا أن صاحب هذا الرأي قد صرح أنه لم يطلع على وثائق أو مشجرات أنساب، مما يدل على أنه قد تلقى هذه السلسلة بالسماع، والذي بدوره قد يؤدي إلى وقوع الخطأ في بعض هذا النقل(17).


الترجيح: بناءً على دراسة الآراء الثلاثة المتقدمة في سلسلة نسب الأميرة وضحى العريعر فقد تحقق لديّ عدم دقة الرأي الأول والثاني، كما ترجح لديّ الرأي الثالث مع مراعاة التصحيح والتعديل الذي أجريته عليه؛ فتكون سلسلة نسب الأميرة وضحى العريعر والدة الملك سعود كالتالي: هي الأميرة وضحى بنت محمد بن حسين بن محمد بن حمادة بن الأمير عريعر (عرعر) بن دجين بن الأمير سعدون بن الأمير محمد بن غرير بن عثمان بن الأمير سعدون(18) بن ربيعة آل حميد.


وذلك للقرائن التالية:
1 - اتفقت كل الآراء في نسبها أنها وضحى بنت محمد العريعر.
2 - دلت الوثيقة الشرعية المؤرخة في 12/5/1380هـ أن اسم جد الأميرة وضحى الأول هو حسين وليس برغش أو حمادة.
3 - تم تفنيد القول أنها من آل سرداح أو من عقب برغش بن عقاب بن عريعر.
4 - ذكر المؤرخ عبدالرحمن المغيري (1364هـ) أن نايف(19) وفيصل وبدر آل عريعر هم أخوال الملك سعود(20)، وهؤلاء الإخوة الثلاثة هم من عقب حمادة بن عريعر، فهم أبناء حمادة بن عبدالله بن حسين بن محمد بن حمادة بن عريعر(21).
5 - العلاقة النسبية للأميرة وضحى العريعر بآل سرداح تتمثل بأنهم أبناء عمومتها وأخوالها في نفس الوقت؛ فوالدتها هي عبطا بنت شبيب بن محمد بن عبدالله بن سرداح بن عبيدالله بن غرير آل حميد.
6 - تم الإثبات بالأدلة أن هناك إقحامًا لاسم جدين في سلسلة نسب الأميرة وضحى التي وردت في الرأي الثالث وهما: (حمادة بن مشاري)؛ فالأول ثبت عدم صحة وجوده بالوثائق والثاني بتعداد الأجداد على قاعدة ابن خلدون.
7 - ذكر المؤرخ ابن بشر أن حمادة بن عريعر وهو الجد الثالث للأميرة وضحى قد قتل من قبل قبيلة المناصير في سنة 1243هـ(22)؛ مما يدعم ما بيناه في نقدنا لسلسلة النسب التي وردت في الرأي الثالث.
8 - جميع من ذكر في سلسلة نسب الأميرة وضحى من الآباء قد وثق حقيقة وجودهم الأدلة التاريخية من وثائق ونصوص تاريخية لمؤرخين متقدمين، ما عدا جدها الثاني محمد والد جدها الأول حسين؛ فهو قد ذُكر في سلسلة النسب التي وردت في الرأي الثالث فقط، ومما يستأنس بصحة ومصداقية وجوده هو أن حسين جد الأميرة وضحى الأول قد أسمى أحد أبنائه على اسم أبيه محمد وهو والد الأميرة وضحى، وقد جرت العادة عند الأسر والقبائل بتسمية الأبناء على أسماء الآباء إلى يوم الناس هذا.

 

المؤلف: علي بن سالم الصيخان / مجلة دارة الملك عبدالعزيز
المرجع :مجلة دارة الملك عبدالعزيز