التوسعة الأولى للحرم النبوي الشريف

لقي المسجد النبوي الشريف عناية عظيمة خلال العهد السعودي، فعندما تولى الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- حكم البلاد ، قام بأول زيارة إلى المدينة المنورة في شعبان عام 1345هـ للصلاة في مسجد رسول الله، ثم النظر في شؤون المسجد النبوي، فلاحظ تصدعات في بعض العقود الشمالية للمسجد، وتفتت بعض حجارة الأعمدة، فأصدر أوامره بإصلاح وترميم المسجد، وكان ذلك في سنة 1348هـ، فأجريت إصلاحات في أرضية الأروقة المحيطة بالصحن، ثم تم بعدها إصلاح بعض الأعمدة بالأروقة الشرقية والغربية من الصحن، وكذا إصلاح التشققات التي ظهرت في دهان الحجرة النبوية الشريفة، وكان ذلك عام 1350هـ، ولما نمى لعلمه أن الناس يشعرون بالضيق الشديد أيام المواسم، أصدر -رحمه الله- أمره السامي بإعداد ما يلزم من دراسات لبناء وتوسعة المسجد النبوي الشريف.
 
التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف
 
في اليوم الثاني عشر من شهر شعبان سنة 1368هـ حيث أعلن العزم على توسعة المسجد النبوي، وبناء عليه فقد تم افتتاح مكتب خاص بمشروع التوسعة يضم 50 موظفا يقومون بالأعمال الإدارية والحسابية والهندسية وغيرها مما يلزم لإنجاز المشروع على أحسن وجه.
 
وتمت إقامة مصنع في آبار علي الواقعة غرب المدينة المنورة على بعد 10 كلم تقريبا لعمل الأحجار الصناعية اللازمة للبناء، وزُوِّدَ المصنع بالمهندسين والمتخصصين، وقد بلغ عدد عماله 400 عامل، أما المهندسون الذين كانوا يباشرون العمل في المسجد النبوي فكانوا 14 مهندسًا، يعمل معهم في البناء 1500 عامل علاوة على 200 صانع فني.
 
ووفرت الحكومة كل ما يلزم لإنجاز المشروع من سيارات وآلات متنوعة، وتم نقل مواد البناء اللازمة بالبواخر. وكان ميناء ينبع يستقبل هذه البواخر، وقد بلغ عددها ما يزيد على 30 باخرة، وزاد مجموع ما حملته من المواد على 30 ألف طن، ونقلت هذه المواد إلى مقر العمل في المسجد النبوي الشريف عن طريق البر بواسطة السيارات والآلات العاملة في المشروع.
 
وفي اليوم الخامس من شهر شوال سنة 1370هـ أقيم احتفال كبير برئاسة الأمير عبد الله السديري أمير المدينة المنورة آنذاك، قرأ فيه المرسوم الملكي باعتماد توسعة الحرم النبوي من قبل الملك عبد العزيز –رحمه الله-، وبعد انتهاء الاحتفال خرج المجتمعون من الحرم لمشاهدة أول مرحلة من مراحل المشروع، وهي إزالة الأبنية المجاورة للحرم بواسطة الآلات الميكانيكية الضخمة، التي نزعت ملكياتها عن طريق لجنة خاصة لتقدير الأثمان، وقد أعطي أصحابها تعويضات نقدية كبيرة، حيث بلغت هذه التعويضات 25 مليون ريال آنذاك، واستمرت عمليات الهدم والحفر ونقل الأنقاض إلى أماكن بعيدة إلى ما يقرب من 32 شهرا.
 
واستمر الهدم ونقل الأنقاض وإزالتها حتى أول عام 1372هـ، وبدئ في حفر الأساسات في ال 24 من شهر رمضان سنة 1372هـ، وزار الملك سعود -رحمه الله- المشروع في 13/3/1372هـ، حيث كان وليا للعهد آنذاك، ووضع حجر الأساس، وبنى بيده أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربي مما يلي باب الرحمة، في حفل رائع كبير حضره ممثلون من مختلف الدول الإسلامية والعربية، وجمع كبير من أبناء البلاد وأعيانها.
 
غير أن الملك عبد العزيز توفي -رحمة الله عليه- في عام 1373هـ قبل أن يكتمل البناء، وتسلم زمام الحكم الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله- في نفس العام، وكان كثير الاهتمام بأمر التوسعة، وقد أخذت الكثير من وقته، بسبب إشرافه المتواصل عليها؛ ليرى بنفسه ما تم من أعمال وما بقي وما يحتاج منها إلى تعديل أو تبديل، وعليه فقد تم في عهده إكمال بناء توسعة المسجد النبوي الشريف على أتقن وأجمل شكل، وانتهت أعمال توسعة المسجد النبوي الشريف في مساء اليوم الخامس من شهر ربيع الأول سنة 1375 هـ.
 
وقد بلغت النفقات التي صرفت على المشروع 50 مليون ريال منها 25 مليونا نفقات البناء والمؤن، و25 مليونا قيمة تعويض العقارات.
 
صفة التوسعة السعودية الأولى
 
أقيمت التوسعة على شكل هيكل من الخرسانة المسلحة مكون من أعمدة تحمل على رؤوسها عقودا مقوسة مغطاة بالحجر الصناعي، مزخرفة بقطع بيضاء ورمادية اللون، وتنتهي هذه العقود إلى السقف، ووضعت أسماء الصحابة - رضوان الله عليهم – بين العقود، كما كانت عليه العمارة السابقة في دوائر مذهبة جميلة.
 
وتتألف التوسعة السعودية الأولى من أربعة أجنحة، الجناح الغربي والجناح الشرقي: ويشتمل كل منهما على 15 بائكة، وتشكل هذه البوائك في كل جناح ثلاثة أروقة مستطيلة من الجنوب إلى الشمال، الجناح الشمالي: ويتألف من تسع بوائك تشكل خمسة أروقة من الشرق إلى الغرب، الجناح المتوسط: ويقسم رحبة (صحن) المسجد المعروف بالحصوة إلى قسمين ويتألف هذا الجناح من ثلاثة أروقة من الشرق إلى الغرب.
 
الإضافات الجديدة إلى التوسعة الأولى
 
عندما قام الملك سعود – رحمه الله – بافتتاح المسجد النبوي الشريف بعد أن تمت أعمال البناء في التوسعة الأولى التي أمر بها الملك عبد العزيز - رحمه الله - لاحظ أن جدار المسجد النبوي الشريف القديم ما بين باب الرحمة وباب السلام لا ينسجم مع العمارة الفنية العربية الحديثة، وهذه الواجهة هي التي تواجه القادمين لزيارة المسجد النبوي الشريف، ولا بد أن تكون ضمن وحدة فنية هندسية متناسقة، يتجلى فيها جمال العمران وروعة الفن العربي البديع، وتحقيقا لهذا الغرض أمر جلالته بتوسيع المسجد النبوي الشريف في هذه المنطقة.
 
ومن جملة الأعمال التابعة لتوسعة المسجد النبوي الشريف أن الملك سعود – رحمه الله – رغب في إزالة الأبنية والخرابات الواقعة قبلي المسجد النبوي الشريف، وفي الجهة الشرقية من باب جبريل؛ لإبعاد الأذى والضرر الناتج من استعمال المراحيض التي في هذه الأماكن، وأمر بفتح طرق في هذه المنطقة لمنافع المسلمين؛ ولصيانة مباني مسجد رسول الله.
 
وعليه فقد تم تشكيل لجنة لهذا الغرض وقررت نزع ملكية الأماكن الواقعة شرقي المسجد والأماكن الواقعة قبلي المسجد -أي في جنوبه- وقررت قيمة المثل لها، وقدَّرتها بمبلغ 60 ألفًا و400 جنيه ذهبًا سعوديًّا، وأكدت اللجنة ضرورة وجود حمى للمسجد في الجهة القبلية والشرقية مما يلي باب جبريل بمساحة كافية يحاط بسياج يفصله عن الشارع، وقدرت قيمة الأماكن المراد نزع ملكيتها في جنوب المسجد فقط بـ 60 ألفًا و400 جنيه ذهب سعودي. وحرصًا على نظافة محيط المسجد وإبعاد الغبار والتراب عنه تم فرش الأرض التي تحيط بالمسجد النبوي الشريف بقطع رخامية مربعة من الموزايكو، طول ضلعها 50 × 50 سم، وسمكها 6 سم.
 
شوارع وميادين حول التوسعة
 
في هذه التوسعة وتتميمًا لها شقت شوارع، وخططت ميادين؛ لتكون منطقة توصيل وتوزيع وخدمة للمسجد النبوي الشريف، وعددها ستة شوارع رئيسة، إضافة إلى ثلاثة شوارع، تمت توسعتها، أما الميادين التي أنشئت حول المسجد النبوي الشريف، ميدان باب السلام، ميدان باب المجيدي، ميدان باب جبريل في الناحية الشرقية.
 
حصلت توسعة أخرى في العهد السعودي للمسجد النبوي الشريف، وذلك في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله - من الجهة الغربية، واشتريت العقارات والدور والمساكن التي احتيج إليها، وظللت بمظلات مقببة قوية مؤقتة في مساحة 40500 متر مربع، وجهزت بجميع اللوازم حتى صارت صالحة للصلاة، وصار الناس يصلون فيها.

kingsaud54647454b7fb08a5a8d16d5b15a0921e0c198adf83f5f_w570_h0.jpg