مجلة جامعة الملك سـعود

الكلمة التي كتبها جلالة الملك سعود
 
في سجل الجامعة يوم الافتتاح
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
 
 
جامعة الملك سعود
 
في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ربيع الثاني سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة الموافق السادس من نوفمبر سنة 1957م.
 
بفضل الله تعالي وتوفيقه وتيسيره
 
افتتحنا أول جامعة في مملكتنا ، مستبشرين بنعمة الله ، داعين أن يكون هذا اليوم فاتحة عهد سعيد مبارك تزدهر فيه المعارف ، ويعم العلم ، ويسود السلام والأمن والرفاهية في مملكتنا والبلاد العربية والإسلامية.
 
والله أسأل أن يهدينا للتي هي أقوم ، ويوفقنا لكل خير ، ويجعل أعمالنا وأقوالنا خالصة له وحده لا شريك له.
 
نعم المولى ونعم النصير
 
سعود ال سعود
 
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
 
 
" سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ".
 
هذا أول الأعداد من مجلة أول جامعة في الجزيرة العربية ، مهد العرب ، ومطلع الإسلام
جامعة الملك سعود.
 
وقد قصدنا بإخراج هذه المجلة ، أن تكون عنوانا لما يلقى في الجامعة من محاضرات ، وما يكون فيها من أبحاث ، ويؤلف من كتب ، وما يفكر فيه الأساتذة وتلاميذهم من علم نافع ، وأدب صالح ، وثقافة مجدية .
 
وكذلك قصدنا إلى أن تنشر ثقافة الجامعة خارج الجامعة بكل الوسائل ، لتتسع الثقافة ، ويعم العلم ، وليصل الناس بأساتذة الجامعة وطلبتها صِلات من العلم والأدب.
 
وإنا ليسرنا ويشرفنا أن نقدم هذه المجلة إلى منشئ الجامعة وراعيها ، جلالة الملك سعود
حفظه الله.
 
والله ندعو أن يجعلها باكورة ثمار يانعة ، في عهد زاهر بالعلم والعرفان ، مضئ بالحق والخير
يطرد فيه التقدم والنجاح ، والصلاح والفلاح ، عهد سعيد مجيد لهذه المملكة السعودية المباركة
ولبلاد العرب كلها ، وأقطار الإسلام كافة .
 
وهو المسئول أن يجعل أقوالنا وأفعالنا خالصة له ، ويهدينا للتي هي أقوم ، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً.
 
عبد الوهاب عزام
 
 
 
( 19 شوال 1377 )
 

 

 
كلمة سمو وزير المعارف 
في حفلة افتتاح جامعة الملك سعود
 
مولاي صاحب الجلالة :
 
باسم العلم الذي ترعونه . وباسم النهضة التعليمية التي تقودونها ، وباسم وزارة المعارف التي تسهرون من أجل أهدافها ، وباسم الشعب الذي تسعون جاهدين للنهوض به ، أحييكم وباسم هؤلاء جميعاً أشكر لجلالتكم تلك الرعاية التي كنت ولا زلت ألقاها من جلالتكم منذ وليت أمر التعليم في هذه البلاد ، فقد كنتم ولا زلتم عوني بعد الله ، أجد دائماً من توجيه جلالتكم قبساً قوياً يضئ لي الطريق الطويل ، طريق العلم والمعرفة للوصول بهذا الشعب إلى المستوى الذي تنشدونه.
 
مولاي صاحب الجلالة :
 
لئن حاولت في هذه المناسبة أن أستعرض مواقف جلالتكم العظيمة في سبيل نشر العلم والمعرفة ولئن حاولت أن أكتب عرضاً ولو موجزاً لما لقيته وزارة المعارف من جلالتكم من تأييد ، ولو حاولت ذلك لقدمت سفراً كبيراً يستغرق الصفحات ... ولكني أعرف أن جلالتكم يكره المديح والثناء ولو كان صورة صادقة لواقع محسوس . فإن الدارس المتتبع للتعليم في السنوات الأخيرة ليلمس هذه النهضة القوية التي تستهدف تنشئة جيل مستنير يؤمن بقوميته العربية ويعمل لها ويستهدف المثل العليا التي ينشدها جلالتكم ، لو أردت أن أقدم دليلاً لا يمكن إنكاره أو تجاهله لقدمت مقارنة حقيقية لميزانية وزارة المعارف في السنوات الخمس الأخيرة هذه المقارنة توضح أن ميزانية العام الدراسي 72هـ (12.817.466) ريال وأن ميزانية العام الدراسي73هـ (20.000.000) ريال وأن ميزانية العام الدراسي 74هـ (48.597.152) ريال ، وأن ميزانية العام الدراسي 75هـ (65.098.404) ريال وأن ميزانية العام الدراسي 76هـ (88.681.704) ريال هذه الميزانية القافزة بين عام وآخر كان يسندها دائماً ويؤيدها جلالتكم .
 
مولاي صاحب الجلالة :
 
إن هذه اللحظة التي يشرف فيها جلالتكم هذا الحفل لخطة هامة وحدث عظيم في تاريخ هذه المملكة فهى تمثل نقطة انطلاق جديدة في حقل التعليم ، ولا شك أن تأسيس هذه الجامعة التي سوف تخلد باسم جلالتكم ، وهي الخالدة به ، سوف تجعل ناشئة هذه البلاد يدخلون للتاريخ من أوسع أبوابه وسوف تتيح لهم هذه الجامعة أنواعاً من الدراسات العميقة التي تستهدف الحق والعدل في دراستها الأدبية وتستهدف السلم والرفاهية في دراساتها العلمية ، ولاشك أن هذه وتلك تستهدف المثل العليا التي تسعون إليها جاهدين.
 
سوف يسجل التاريخ الخالد هذا اليوم العظيم من تاريخ هذه للبلاد التي ملكتم عرشها فملكتم قلوب أبنائها وسوف تذكر الأجيال القادمة يوم الأربعاء ، الرابع عشر من شهر ربيع الثاني.
 
وسوف تتوج ( كلمة سعود ) أجازاتهم الدراسية التي سوف يمنحونها من هذه الجامعة .
 
والله أسأل أن يوفق هذه الجامعة لأداء رسالتها السامية التي تنشدونها وبذلك تكون بحق ، جامعة الملك سعود.
 
وفي الختام ابتهل إلى الله العلي القدير أن يحفظكم لهذا الشعب إنه نعم المولى ونعم النصير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
الكلمة التي ألقيت بين بيدي جلالة الملك
 
في حفلة افتتاح الجامعة
 
للمسلمين في طلب العلم سيرة لا تعد لها في الأمم سيرة ، ولهم في التعليم والتعلم سنن لم تخل مثلها سنن ، جعلوا طلب العلم عبادة ، وسمّوا العلماء ورثة الأنبياء وعدّوا المتعلم مجاهدا في سبيل الله.
 
دعاهم إلى هذه السيرة قرانهم ، وهدتهم إليها سنة نبيهم ، وأمهم فيها سلفهم ، وما نعلم في كتب الأديان والشرائع كتابا يرفع شأن العلم كالقرآن أو يدعو دعوته إلى التفكير في الخلق ، والنظر في ملكوت السموات والأرض ، ويقرن ذكر الخالق بالتفكير في خلقه.
 
انظر كيف أعلى شأن العلم والعلماء في قوله تعالى : " شهد الله أنه لا إله إِلا هو والملائكة وأولو العلم " وقوله : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أو توا العلم درجات " وقوله : " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
 
وانظر كيف أمر بالنظر في العالم وفي الآيات : " قل انظروا ما ذا في السموات والأرض . أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ". ثم أنظر كيف جمع الذكر والتفكر في وصف أولى الألباب حين قال:
 
" إنما يتذكر أولو الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض" .
 
-2-
 
بدأ المسلمون تاريخهم بالتعلم والتعليم ، فتلقوا القرآن وحفظوه وكتبوه وفقهوه وانتشروا في أقطار الأرض يرفعون علم التوحيد ويعلمون القرآن وشرائع الإسلام ثم تتبعوا السنن يجمعونها ويطلبونها في آفاق الأرض ، لا يدخرون جهداً في الرواية والنقد والتثبت والتدوين والحفظ.
 
ودونوا العقائد والشرائع في علم الكلام والفقه . وما أحسب تاريخ العالم عرف أمة نظرت في الشرائع وفصلتها وطبقتها على الواقعات في المشرق والمغرب، وسجلت فيها الأحكام والفتاوى كما فعلت الأمة الإسلامية ، وهذا تراث الفقه على اختلاف المذاهب لا تحصيه آلاف الكتب التي حفظت على مر العصور إلى يومنا هذا بَلْه ما ضاع منه على مر الزمان وتوالى الخطوب.
 
وكذلك عنو باللغة العربية لغة القرآن فسجلوا ألفاظها ، وقيدوا شواردها وسبقوا الأمم إلى وضع المعجمات ، ثم وضعوا قواعدها ودونوها وفصلوها وشرحوها على طرائق لم تعرفها لغة أخرى من لغات العالم .
 
وكذلك قُل في رواية الأشعار والخطب وتسجيل الأدب في كل ضروبه ، وجميع أزمنته وأمكنته
والعناية بروايته وإسناده إلى رواته على مر العصور.
 
ثم سار المسلمون سيرة في التاريخ فيها من النقد والتثبت ما هُدوا إليه ومرنوا عليه في علم الحديث ، وأرخوا كل ما عرفته الأمة الإسلامية من الأحداث كما سجلوا سير العظماء على اختلاف أحوالهم ، ودونوا كتب التراجم والطبقات وتواريخ الأقطار والأمصار ، فما تركوا مظهراً من مظاهر الحضارة ولا جانبا من جوانبها إلا سجلوه وفصلوه ، وتركوه للخلف تراثا مجموعا ، وغنيمة ميسرة ومجداً وفخراً على مر الأزمان وكر الإعصار.
 
ثم نظروا في العلوم ألعقلية فلم يألوا جهدا في النظر فيها وتلقيها عن أهلها ونقدها وتهذيبها والزيادة عليها حتى صار المسلمون بعد قرون قليلة أئمة العالم في العلوم والفنون كلها ، وأساتذة المشرق والمغرب . وصارت البلاد الإسلامية ما بين الصين وبحر الظلمات ، أو مابين غانة وفرغانة كما قيل قديما ، دار علم وتعليم ، ونظر وتفكير ، تعج بالعلماء وطلاب العلم ويلتقي الراحلون في طلب العلم منهم في كل صقع وكل مدينة ، على بعد الشقة ونأى الديار كما نما زويت لهم الأرض فقربت بخارى وسمرقند والشاش من بغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة ودمشق والقاهرة وفاس وقرطبة واشبيلية وسائر المدن الإسلامية ، لم تُزور الأرض ولم تطو المسافات ولكنها القلوب المؤمنة والعقول الظامئة إلى العلم ثم أوامر الإسلام وسيرة السلف الصالح في طلب العلم ابتغاء مرضاة الله.
 
-3-
 
وقد علم المسلمون وتعلموا في الإقامة والسفر ، والبدو والحضر ، وفي الدور والمساجد ، ثم في مدارس أنشؤها ، واتخذوها موئلا للعلماء والطلاب ، وأجروا فيها الأرزاق ووفروا فيها الأسباب وخزائن للكتب جعلوها للقراءة والدرس ،ويسروا ورودها لكل طالب ، وسهلوا استعارة كتبها والانتفاع بها . تنافس فيها خلفاؤهم وملوكهم وأمراؤهم وكبراؤهم ، حتى لكأن العالم الإسلامي كله علماء ومتعلمون ، ومدارس وخزائن كتب .
 
وما يعرف التاريخ لهذا مثيلا ، ولا علم له شبيها.
 
-4-
 
تكلم سير المسلمين وسننهم في التعلم والتعليم ، وقد ساروا هذه السير واتبعوا هذه السنن ائتمارا بأمر الكتاب والسنة لا مخالفة لهما ولا خروجا عليهما كما نجد في تاريخ الأمم الأخرى التي حذرها أحبارها ورهبانها من طلب العلم فلم تطلبه ألاحين ثارت على أوامرهم وخرجت عن طاعتهم .
 
ثم تقلبت بالمسلمين غير . وتناوبتهم أحداث جارت بهم عن سننهم ، وحادت بهم عن سبلهم
أو أضعفت هممهم ، وفلّت عزائمهم ، فأبطأ سيرهم ، وفتر نشاطهم ، ووهن مسعاهم .
 
وكان في أوروبا حين ازدهار العلوم والفنون عند المسلمين مدارس متصلة بالكنائس لتخريج القسس والرهبان ، وبقيت في بعض هذه المدارس أثارة قليلة مما ترك اليونان والرومان في الفلسفة والمنطق.
 
وما زالت هذه المدارس الدينية الضيقة تتطور منذ القرن التاسع الميلادي ( الثالث الهجري ) حتى نشأت فيها مدارس جامعة شملت ضروب المعارف التي وعاها الأوروبيون حينئذ ، وتغير فيها منهاج الدرس والبحث واتجه وجهة عقلية علمية.
 
وكان لاتصال أهل أوروبا بالحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية وجنوبي ايطاليا وفي نزوحهم إلى البلاد الإسلامية أيام الحروب الصليبية أثر بليغ في تنشئة العلم وتحرير العقل عندهم . وكانت كتب كبار علماء المسلمين كابن سينا وابن رشد أساس الفلسفة والطب عندهم عصورا طويلة.
 
وفي القرن الثالث عشر الميلادي ( السابع الهجري ) نشأت جامعات في باريس وسالرنو في ايطاليا وفي بولونيا وفي إنكلترا.
 
وكانت النزعة الدينية غالية عليها ، والكنائس والأديرة متصلة بها ، وكانت جامعة باريس قدوة الجامعات الأوربية ، زمناً طويلا وكان يقصدها طلاب من أنحاء أوروبا كلها.
 
وأيقظت الأحداث أوربا وتهيأت لها الأسباب ، ويسرت الوسائل ففتحوا أعينهم ونظروا في
ماضيهم وحاضرهم وأخذوا عن العرب العلوم والفنون ، ما كان منها عربي النشأة وما حفظه العرب وهذبوه ويسروه من علوم اليونان والرومان والفرس والهند.
 
استقامت أوربا على الطريق قرونا فبلغت غايات في العلوم بعيدة ، فكشفت أسرارا في الخليقة خفية فسيطرت على العالم علومها وصناعتها وبهرت الأمم حضارتها وسيرتها ونحن نرى اليوم ما أدركته عقولها وما صنعته أيديها في كل جوانب المعارف والصناعات البشرية.
 
-5-
 
ودَهِش المسلمون لما بهرهم من قدرة أوربا وسلطانها وجيوشها وأسلحتها وصناعتها وما خدعهم من زخرفها ولآلائها ، وما فتنهم من رفاهيتها وترفها ولهوها ولعبها.
 
وشُغلوا بدفع ما دهمهم من حربها وتسلطها وقهرها وغصبها واستعبادها واستغلالها وقد أجلبت على البلاد الإسلامية بخيلها ورجلها، وطلعت عليهم يخُدعها وفتنها . وثبَّت المسلمين في هذا الجهاد إيمان لا تنال منه الأهوال ، وعزة أسلامية لا تخضع للمصائب ولا تذل ، وأخلاق استمسكوا بها
وسنن ساروا عليها حتى انجلت الغمرات ، وزالت الفتن ، وأبصر المسلمون مكانهم من ماضي الأمم وحاضرها ومكانتهم التي يرجون في مستقبلها.
 
فشرعوا يجمعون شملهم ، ويأخذون للجهاد أهبتهم ، ويعدّون للعلوم والفنون عدتهم . وتابوا إلى رشدهم ، وعادوا إلى أوأمر دينهم . فاستدار الزمان ، ووضحت الغايات ، واستبانت السبل
وسارت القافلة .
 
أنشئت المدارس على اختلافها ، وأرسلت بعثات العلماء والطلاب إلى البلاد التي سبقت في العلوم والصناعة ، واتخذت الوسائل للحاق بركب الحضارة الإنسانية ، وبلوغ المكانة التي تليق بالإسلام والمسلمين . وقد اشتبهت الطرق على جماعات منهم ، والتبست الأعلام فأخذوا عن أهل الغرب ما يؤخذ ومالا يؤخذ ، وما يحب وما يكره وما ينفع وما يضر ، بل أخذوا أحياناً ما يضر ولا ينفع
وما يفسد ولا يصلح ، وما ليس من العلم الصحيح والأدب الحق في شئ.
 
والطريقة المثلى والخطة الحسنى أن نميز النافع من الضار والخبيث من الطيب وان نفرق بين نوعين من الحضارة ، الحضارة الصناعية والحضارة الإنسانية أو الأخلاقية ، فالأولى قائمة على العلوم الطبيعية والرياضية وهي لا تختلف في أمة وأمة ، ولا تتصل بدين دون دين ، فهذه ينبغي أن تؤخذ أنَّى وجدت فليس في العالم هندسة غريبة وأخرى شرقية ولا رياضة إسلامية ورياضة غير إسلامية.
 
وأما الحضارة الإنسانية أو الأخلاقية وهي التي تتصل بنفس الإنسان وترتبط بدينه وتاريخه وعاداته وآدابه فهذه لا تتبع الحضارة الصناعية . ورب فرد يبلغ مبلغاً بعيداً من العلوم والصناعات وهو فاسد العقيدة ، سيء الخلق ، وضال مضل ، وكذلك نقول في الجماعات والأمم ، فينبغي ألا يُغم الأمر علينا معشر المسلمين والعرب ، فلنأخذ الحضارة الصناعية حيثما ثقفناها ونتبع فيها الأمم السابقة المبرزة ثم نستمسك بديننا وتاريخنا وأخلاقنا وآدابنا وعاداتنا ففيها سعادتنا وعزتنا وفلاحنا
وننظر لأنفسنا فنأخذ وندع ماهو أنفع لنا وأولى بنا.
 
-6-
 
وهذه الجامعة جامعة الملك سعود أسست تكميلا للمساعي العلمية والعمرانية في هذه المملكة المباركة ، وقصدا إلى بلوغ الدرجة العالية في العلم والتعليم وإلى التوسع في كل علم وفن جهد الطاقة لنبلغ المستوى الذي يكافئ مكانتنا بين الأمم ، ويلائم تاريخنا.
 
وكذلك أسست لتهدى الناشئة إلى الصراط السويّ وتعصمها من التقليد والافتتان بما في الغرب من مذاهب ومقالات ، وتميز لها الحق من الباطل وتبين الرشد من الغى ، فتبلغ بها في العلوم أبعد غاية وتأخذ لها أحسن ما بلغته الأمم في الفنون والصناعات ثم تحفظ عليها دينها وأخلاقها وآدابها ومرءاتها وسائر ما هدى إليه الإسلام من خلق كريم وعمل صالح وما أورثنا العرب من عزة وكرامة وفتوة ومروءة ونجدة وسخاء".
 
نريد إنشاء جامعة إسلامية عربية يتمثل فيها تاريخ المسلمين والعرب في طلب العلم والحث عليه ورعاية العلماء والطلبة ويتمثل فيها ديننا وأخلاقنا وآدابنا، ونحقق بها ما نريد لهذه المملكة السعودية المباركة أن تكون مثلا عالياً ، وقدوة حسنة للبلاد الإسلامية كلها في الأخذ بأحسن ما في القديم وأنفع ما في الحديث ومسايرة التطور في العلوم والفنون دون انقطاع عن ماضينا وانفصال من تاريخنا
وإهمال لسننا الصالحة وآدابنا العالية .
 
نريد عقولا راجحة وأخلاقاً قوية تثبت للفتن المحيطة بنا في هذا العصر الذي تتصادم فيه المذاهب وتتقاتل الآراء ، وفيها الصحيح والفاسد ، والجود والزائف . لابد من رعاية هذه الأمور في وضع خطة الجامعة ، وفي السير على هذه الخطة.
 
-7-
 
بسم الله الرحمن الرحيم نفتتح عملنا ، واثقين بالله تعالى ، متوكلين عليه داعين أن يهدينا إلى التي هي أقوم ، وأن ييسر لنا كل عسير ، ويذلل كل صعب ، ويجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهة الكريم ، وأن يديم نعمته على هذه البلاد ويهيئ لها من كل أمر رشداً ويحفظ لها وللعرب والمسلمين جميعاً حامل لواء النهضة والساعي لكل خير خادم الحرمين ومشيدهما الملك سعود بن عبد العزيز حفظه الله.
 
وباسمه نسمى هذه الجامعة تفاؤلا وتيمناً واستبشاراً مؤملين أن يسجل التاريخ في سجل مفاخره
وأحسن مآثره أنه في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ربيع الثاني سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة ، وفي الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية وفي رعاية الملك سعود بن عبد العزيز فتحت أول جامعة للعلم في جزيرة العرب.
 
وإن من يمن الفأل ، وبشرى الخير أن يوافق افتتاح هذه الجامعة ذكرى جلوس الملك سعود أعزه الله .
 
والله نسأل أن يجعل أقوالنا وأفعالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يجمع قلوبنا وألسنتنا وأيدينا على البر والتقوى وهو حسبنا ونعم الوكيل.

 

عبد الوهاب عزام
 
مدير جامعة الملك سعود
 
مجلة جامعة الملك سعود - العدد الأول - ذوالقعدة سنة 1377هـ