ذي القعدة / 1376هـ
إنه لمن دواعي الفخر والسرور أن تكون كريمات جلالة الملك أول رائدات النهضة النسائية ببلادنا العزيز
( مبرة كريمات جلالة الملك المعظم )
ثلاث أميرات كريمات .. رأين أباهن العظيم يطرب لإسعاف اليتيم رأين أباهن العظيم يفتتح الدور لمن يفقد حنان الوالدين .. رأين أباهن العظيم يبذل المال بسخاء وعن طيب خاطر ويشيد الدور لهؤلاء اليتامى في كل مدينة ، في كل قرية ، في كل بقعة من بقاع المملكة العربية السعودية .. رأين أباهن العظيم يعمل ذلك فدبت المروءة في نفوس أميراتنا الثلاث وانتفضن انتفاضة الأسد في عرينه وتبنين مشروع اليتيمات من مالهن الخاص إلا أن والدهن العظيم إزاء شهامتهن العربية وأريحيتهن السعودية ساهم بقسط من المساعدة كعادته في تشجيع كل مشروع ينهض ببلاده.
ثلاث أميرات : سمو الأميرة نوره رئيسة المبرة ، سمو الأميرة موضى نائبة الرئيسة ، سمو الأميرة حصة سكرتيرة وأمينة المبرة ، هن كبريات كريمات صاحب الجلالة الملك سعود بن عبد العزيز ينهضن بهمة وعزيمة صادقتين .. ليشاركن في نهضة البلاد والمساهمة في موكبها الزاحف موكب التقدم والإصلاح..
أن " مبرة كريمات جلالة الملك " مشروع اجتماعي عظيم تقوم به المرأة في بلادنا .. أن فكرة إصلاحية نبيلة جالت في خواطر هذه الثلاث الأميرات كريمات عاهل مملكتنا المفدى ورائد نهضتنا الكبرى .. لقد فكرن كثيراً في حياة بناتنا ورأين قافلة التعليم تمضي بالشباب في طريق الرقي والتقدم وتفتح أذهانهم على آفاق جديدة من الحياة وتزودهم بأفكار وآراء مستنيرة عنها. فرأين أن يسرن بهن في طريق سوي يخرجهن من ظلمات الجهل إلى نور العلم .. ورأين أن الزمن قد باعد مابين عقلية الفتى والفتاة وأوجد اختلافا كبيرا بينهما في التفكير والفهم والتذوق يصعب معه التوافق والانسجام وإقامة حياة زوجية سعيدة.
لذلك رأين ضرورة اتشاء هذه المبرة لتسهر على تنشئة طائفة من يتيمات البلاد تنشئة إسلامية صالحة ينلن فيها حظا من الثقافة والمعرفة. وتؤهلهن لأن يكن زوجات موفقات وربات بيوت ماهرات يحسن القيام بواجبات الزوجية ورعاية وتربية الأبناء.. لقد انتهين إلى هذا الرأي إيمانا منهن بعظم الرسالة الخطيرة التي تستطيع أن تقوم بها المرأة في سبيل إعداد جيل جديد يكون أمل البلاد وذخراً لها في مستقبلها القريب إن شاء الله وشعارهن في ذلك قول الشاعر :
( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق ). ولما صدقت النية وصح العزم سهرن الليالي الكثيرة لإخراج هذا المشروع الجليل إلى حيز الوجود فجمعن المال الوفير واستأجرن دارا كبيرة أنيقة وزودنها بأفخر الأثاث والرياش واستقدمن بعض المدرسات المشهود لهن بالكفاءة والخبرة ثم أقمن حفلة افتتاح للمبرة شرفها حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم . ووقفت فيها إحدى كريماته الثلاث السكرتيرة وألقت كلمة بليغة عن المشروع وأهدافه سر لها جلالته كثيراً وجعلته يعقد أملا كبيراً على هذه المبرة في أن تكون تباشير صباح جديد يزف إلى بلاده الحبيبة جديدا لا ينضب معينه من النور والضياء..
سمعت قصصا حلوة لذّ لي سماعها عن الوليد الجديد الذي حف ميلاده بأحاديث عذبة كلها آمال باسمه وثناء مستطاب فتمنيت أن أسعد برؤيته حتى تصدق عيني ما سمعته أذني .. وتحققت لي هذه الأمنية الغالية عندما تفضلت صاحبة السمو الأميرة حصة المشرفة على المبرة بدعوتي لزيارتها وفي الموعد المحدد ذهبت وفي نفسي سعادة لا تحد وعندما وصلت المبرة طالعتني بدارها الأنيقة في مكانها الهاديء الجميل .
واستقبلتني صاحبة السمو استقبالا كريما ضاعف من سعادتي وفرحتي ثم قمت بجولة مع حضرة صاحبة السمو تفقدت فيها نظام المبرة ونواحي النشاط بها فراعني ما شاهدت ، ولا أستطيع أن أدل القارئ عليه بأصبع بياني العاجز لقد وجدت في المبرة وسائل الراحة والمتعة وافرة كاملة.. وجدت روضا زاهرا ترفرف فيه أحلام الطفولة السعيدة .. هذه ثلاثون زهرة جميلة من الطفلات اليتيمات يعشن من رعاية المبرة الساهرة في خميلة وارفة الظلال تسقى من نمير العلم الصافي ويغذيها نور من عصارة التربية الإسلامية الصحيحة وتهب عليها من كل جهة نسائم حلوة من الحب والحنان فلكل بنت سرير جميل خاص بها ومكان لملابسها ومكان آخر لأدوات الطعام وبعد بضعة أيام سيوجد لكل يتيمة كرسي ودرج من نوع ممتاز.
وبالمبرة الآن مدرستان ، كما أن هناك مدرستين ستصلان بعد بضعة أيام وبالمبرة اثنتا عشرة خادمة يقمن بخدمة البنات ويسهرن على راحتهن والدراسة بالمبرة نفس الدراسة بالمدارس الابتدائية يزاد عليها التدبير المنزلي.. ولشدة ما دهشت عندما علمت من سمو الأميرة أن للمبرة رصيداً ضخماً بالبنك قدره 150 ألف ريال ، وقد قالت لي صاحبة السمو أن المبرة ستكون مستعدة في العام القادم لاستقبال 120 طالبة يتيمة ، وقد شاهدت في أثناء زيارتي بعض الطالبات وهن يقمن بخياطة ملابسهن ولقد كان أشد ما لفت نظري إنني لا حظت أن صاحبة السمو الأميرة المشرفة على المبرة مهتمة بكل صغيرة وكبيرة بها كما أخبرتني بأنها تحس بسعادة لا تعد عندما تتفرغ للإشراف على شئون هذه اليتيمات وأنها لهذا تحب دائماً أن تقضي معظم وقت فراغها في المبرة للسهر على رعاية هؤلاء اليتيمات والعمل على راحتهن وقد ترامى إلى سمع سموها أثناء جولتي معها بكاء طفلة فاستأذنت مني وتركتني مسرعة إليها لتستفسر منها عن سبب بكائها وتعمل على راحتها وسرورها.
وبعد .. فهذا أول الغيث الذي نشعر بأن بلادنا في أمس الحاجة إليه والأمل كبير في أن ينبت نباته الخصب وفي أن تكثر سحب الخير ببلادنا حتى تكون ديمة وطفاء نرى بعدها رياضاً مزدهرة في أنحاء بلادنا..
وأنه لمن دواعي الفخر والسرور أن تكون كريمات جلالة الملك أولى رائدات النهضة النسائية ببلادنا العزيزة.. فقد تعودنا دائماً أن يكون البيت المالك الكريم هو رائدنا إلى كل رفعة ومجد للبلاء إذ أن صاحب الجلالة هن الموجة الأول والقدوة الحسنة في كل ما يفيد البلاد والعباد .. أدامه الله لشعبه ذخراً وعزاً وللإسلام قوة وذخراً.
زائرة.
المنهل
مجلة للعلوم والآداب
أنشئت عام 1355
تصدر شهريا بمكة المكرمة
صاحبها ورئيس تحريرها عبد القادر الأنصاري