الملك سعود كان معدا لأخذ القرارات المصيرية التي لم تكن ترضي الغرب

توضيح لبعض الحقائق عن الوثائق البريطانية فيما يتعلق بتاريخ الملك سعود والعلاقات السعودية والعربية ـ البريطانية

المؤلف: فهدة بنت سعود بن عبد العزيز* 


خلال العام المنصرم كان تاريخ الملك سعود ـ رحمه الله ـ من أهم المحاور التي تناقلتها الصحافة المحلية والعربية، ولقي اهتماما كبيرا من قبل الشعب السعودي من خلال ندوة الملك سعود التي تناولتها دارة الملك عبد العزيز. وكانت أهمية هذه الندوة هي الكشف عن تاريخ الملك سعود للشعب السعودي وذلك لغياب معلومات موثقة عن حياة وتاريخ الملك سعود وبالتالي تاريخ المملكة العربية السعودية في تلك الحقبة.

وكان هذا الجهد الكبير الذي قام به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس ادارة الدارة وفي عهد والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوثيق تاريخ المملكة في تلك الحقبة المهمة، والدور الذي لعبه الملك سعود والذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ المملكة المشرف بما يحتويه من مواقف سياسية قيادية خلال حقبة مصيرية اتسمت بصراعات اقليمية وعالمية أدت إلى تغييرات عنيفة في موازين القوى على غرار ما يجري الآن على الساحة العربية والعالمية. وكانت هذه الندوة بصيصاً من النور استبشرنا به ليكون بداية للباحثين ليتعمقوا في البحث عن حقائق تلك الفترة وأن لا يكتفوا فيما قدم من ابحاث لا تزال موجودة لدى الدارة قيد النشر حتى يمكن الاستفادة منها. وكان البحث الذي قدمته في الندوة يتطرق إلى دليل أولي عن المراجع التي يمكن الاستناد إليها في دراسة تاريخ الملك سعود ومنها الوثائق البريطانية، وذلك لغياب الارشيف الوطني السعودي عن الباحثين، وكنت أتمنى من جميع من يهتم بالكتابة عن تلك المرحلة بالعودة إلى هذا الدليل الأولي، خاصة ان من يريد البحث في تاريخ الملك سعود وفهمه على حقيقته يجب ان يكون متعمقا في دراسة الاحداث السياسية من خلال الوثائق البريطانية، والأميركية، والروسية ليفهم ماهية الأسباب التي كانت تعصف بالمنطقة العربية والصراعات والاطماع العالمية في هذه الرقعة من العالم.

news.425635.jpg

في مقال الاستاذ اياد ابو شقرا عن الوثائق البريطانية الذي حمل في عنوانه الفرعي (الرياض كانت الأشرس في مناوأة «حلف بغداد»...) لم نجد كقراء في طي المقال الاجابة عن هذا السؤال الذي طرحه، ولكننا رأينا اعتماد الكاتب على قراءته للتاريخ السعودي في تلك الفترة على كتب أو تحليلات شخصية مثل كتب هيكل في تلك الفترة التي كانت منحازة وغير دقيقة مما يدل على الضعف في الحصول على المراجع التي تختص بتاريخ الملك سعود ومواقفه في تلك الفترة التي لا تزال في بداياتها من الكشف عن الحقائق والتحليل، وهذا الذي لم نلمسه في المقال الذي مس جوانب على غاية من الأهمية باعتماده على قراءات كتب وتحليلات ترددت في العقود الخمسة الماضية لم تبن على وثائق داخلية أو خارجية ونستنبط من ذلك انه قارئ في التاريخ وليس متخصصا، والدليل على ذلك التناقض في المعلومات التي قدمها بما انه لم يتمكن من الخروج من المطبات التي وضع نفسه فيها. 1 – عندما بدأ بالكلام عن الملك سعود قال: (بان اتسمت مرحلة الملك سعود بلعب أخيه ولي العهد فيصل دورا سياسيا بارزاً على الصعيد الداخلي والخارجي كان قد هيأه له والده). فمن اذاً هيأ الملك سعود ليكون وليا للعهد اذاً نحن جميعا سلمنا بحنكة الملك عبد العزيز ورؤيته بتسليم حكمه لمن له المقدرة بالمحافظة عليه والسير بالبلاد وتطويرها داخليا وبناء علاقات وطيدة مع العالم العربي والإقليمي والدولي وأخذ القرارات التي اتسم بها منذ ان كان محاربا ثم قائدا لجيوش والده الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ الذي وحد المملكة، ثم نائبا عن والده في نجد، ووليا للعهد لمدة عشرين عاما، وبعد ذلك الحاكم الفعلي للبلاد في السنوات الخمس الأخيرة لحكم والده عندما لازمه المرض حتى انه كانت تصدر مراسيم من ديوان ولي العهد كالمرسوم رقم (140) في 19 اكتوبر 1952 الذي يتضمن اصلاحات في منطقة الحجاز، سميت باصلاحات ولي العهد وجدتها فقط في الوثائق الأميركية ضمن المعلومات الأمنية السرية رقم (129)، نوفمبر 16/1952، ومرسوم آخر رقم (331) في نوفمبر 1952 لتوسعة مجلس الشورى ووضع نظام له.

وعندما حانت فترة حكمه بعد وفاة والده كان قد قضى ثمانية وثلاثين عاما (1915 ـ 1953) من عمره هيأه الملك عبد العزيز لقيادة البلاد من بعده، وذلك منذ ان كان في الثالثة عشرة من عمره (حيث انه ولد في عام 1902 عند فتح الرياض). فكان الملك سعود معدا ليس فقط لأخذ القرارات المصيرية، بل ايضا لتحمل نتائجها التي لم تكن ترضي الغرب مثل حظر البترول لأول مرة في تاريخ المملكة عن فرنسا وانجلترا بعد العدوان الثلاثي على مصر بموجب المرسوم الملكي (1 ـ 11 ـ 16 ـ 993 ) في 3 ربيع الثاني 1367/1956 والذي دام حتى انسحاب القوات المعتدية من مصر في 10 شعبان 1376، واعلن التعبئة العامة في البلاد، وقطع أيضاً العلاقات الدبلوماسية معهما لمدة عامين. ولكن هذا الموقف الشجاع الذي وضع فيه جميع امكانات بلاده الاقتصادية واللوجستية تحت تصرف القيادة المصرية قل ما يسلط عليه الضوء حتى من اخواننا المصريين، لذلك وجب على الجانب السعودي ابرازه ودراسته لفهم ردود الفعل العالمية ونتائجها على سياسة الملك سعود، وبالتالي سياسة المملكة العربية السعودية.

2 ـ بعد ذلك يذكر الكاتب بأن مشكلة واحة البريمي كانت قضية خليجية صغيرة، ولكنها لم تكن صغيرة كما وصفها، وانما كانت القضية الأبرز بالنسبة للعلاقات السعودية ـ البريطانية التي تأثرت فيما بعد بشكل حرج للغاية منذ اندلاع هذه المشكلة في عام 1954 في بداية عهد الملك سعود. والواقع انها كانت من قبل ذلك، أي منذ عام 1952 وقبل وفاة الملك عبد العزيز عندما لاحظ ازدياد النشاط الاستعماري الانجليزي في منطقة الخليج، خاصة بعد ازدياد التطلعات البريطانية نحو واحة البريمي. ولا بد من الاشارة الى ان مسألة واحة البريمي قد ظلت معلقة ولم تحل في عهد الملك سعود ـ رحمه الله ـ بسبب رفضه السياسة البريطانية المنحازة وقتها الى الامارات العربية المتحدة وعمان ضد المملكة العربية السعودية ومصالحها الوطنية، وقد اكدت الوثائق البريطانية الصادرة من الارشيف الوطني البريطاني التابع لوزارة الخارجية في 16 ابريل 1955 على موقف بريطانيا الرافض تماما لاية سياسة دبلوماسية او تسوية سعودية بخصوص واحة البريمي حتى ان دور الامم المتحدة في عام 1960 لم يتوصل الى أي مشروع اتفاق بين الجانبين البريطاني والسعودي. فيما يتعلق بواحة البريمي نتيجة لتصلب الموقف البريطاني، وكذلك لتمسك الملك سعود ـ رحمه الله ـ بمصالح وطنه العليا والحفاظ على حدود اراضيه.

3 ـ اللافت في مقال السيد إياد أبو شقرا التناقض الغريب في عرض الحقائق، فمن ناحية يتحدث بشكل صريح عن عدم وجود خلاف في الرؤية السياسية بين الملك سعود وولي عهده الملك فيصل، ثم يتحدث في صلب المقال عن ان الشخصيتين كانتا مختلفتين من حيث الطبع والمزاج والاهتمامات، ولكن لا توجد مؤشرات لوجود خلافات سياسية بينهما في السنوات الاولى من حكم الملك سعود كما اشارت اليه الوثائق البريطانية التي يعرفها كاتب المقال. والواقع ان الملك سعود والملك فيصل كانا مقربين من والدهما الملك عبد العزيز لانهما كانا ابنيه الكبيرين بعد وفاة ابنه البكر الامير تركي، وهيأ لهما كل الاسباب التي اعانتهما على خوض معترك السياسة منذ الصغر ليمسكا بزمام الامر بعد وفاته، سعود كملك للبلاد وفيصل ولي للعهد. وهذا هو نظام الحكم السعودي المتبع حتى الآن وهو انتقال الحكم الى ابناء الملك عبد العزيز. ومن الطبيعي ان كل شخص يختلف في طباعه ومزاجه حتى لو كان شقيقه، ولكن النقطة التي اتفق عليها الملك سعود وولي عهده الامير فيصل هي الحفاظ على وحدة البلاد ووحدة مصالحها العليا ضد الاطماع والمؤامرات الخارجية، خاصة وان البلاد في تلك الفترة كانت مكشوفة امام اطماع الآخرين، وأن الدولة كانت في بدايات بناء القوات المسلحة وتسليحها والتي وضع اساسها الملك عبد العزيز رحمه الله.

4 ـ ان مسألة إشراك المملكة العربية السعودية في حلف بغداد عام 1955 كان هو الامل الذي عقدت عليه الدول الغربية (بريطانيا وامريكا) لكي تحاول من خلاله إبعاد الاتحاد السوفياتي عن المنطقة اثناء الحرب الباردة. اما لماذا كانت الرياض هي الاشرس في مناوأة «حلف بغداد» فهذا يعود الى ان فكرة الحلف كانت فكرة استراتيجية بريطانية في اساسها، وكان انضمام الملك سعود لهذا الحلف شبه مستحيل خاصة وان العلاقات السعودية ـ البريطانية كان مقطوعة بسبب تأزم مشكلة واحة البريمي منذ عام 1955. وهذا ما اشارت اليه الوثائق البريطانية السياسية المتعلقة بموقف المملكة العربية السعودية من حلف بغداد في (11) ديسمبر 1957، حيث اشارت الى ان هناك اختلافا في وجهات النظر حول امكانية إشراك الملك سعود في حلف بغداد، فقد كانت تركيا وهي احدى دول الحلف ترى بأن مشاركة الملك سعود قد تكون مضمونة اذا ما قطعت تركيا علاقتها مع اسرائيل، أما الولايات المتحدة الامريكية فقد كانت ترى بأن مشاركة الملك سعود ستنتج عنها صعوبات كثيرة لسياسة المملكة العربية السعودية خاصة أن العلاقات الدبلوماسية السعودية ـ البريطانية شبه مقطوعة منذ عام 1955 على الرغم من رغبة بريطانيا وأمريكا في وقوف الملك سعود معهما والانضمام الى الحلف.

5 ـ ومن الغريب ما ينقله السيد كاتب المقال عن الجنرال «غلوب باشا» بأن على بريطانيا تحاشي اعطاء أي انطباع بالضعف قولا وعملا... وذلك خلال مباحثاتهم مع الأمير فيصل وعدم وصف تراجعاتها بأنها هزائم دبلوماسية أمام سياسة المملكة الخارجية في عهد الملك سعود مما يؤكد على تراجع سياسة بريطانيا الدولية أمام السياسة الخارجية السعودية التي كان صانع القرار فيها هو الملك سعود.

6 ـ أشار الكاتب الى بعض مستشاري الملك سعود غير السعوديين وهم من ابناء العالم العربي والتي كانت بريطانيا تخشى من تأثيرهم على الملك سعود، وبالتالي فقد أثروا من وجهة نظر بريطانيا على سياسة المملكة في عهده. والواقع ان السياسة الخارجية للمملكة كانت ومنذ عهد الملك عبد العزيز ترسم من الملك ومستشاريه الذين ورثهم الملك سعود وكانوا أعضاء عاملين في مجلس الوزراء وكان الشيخ يوسف ياسين هو الابرز في ملف العلاقات السعودية الامريكية والبريطانية خلال عهد الملك عبد العزيز والذي أصبح وزير دولة ونائب وزير الخارجية في أول مجلس وزراء سعودي، ثم الشيخ حافظ وهبة الذي تسلم الملف المصري، وجمال الحسيني الفلسطيني، وخالد أبو الوليد القرقني، ورشدي ملحس، وغيرهم. وبقيت السياسة الخارجية للبلاد كما رسمها المؤسس والتي سار عليها الملك سعود وذكرها في أول خطاب له عند افتتاح أول مجلس وزراء في التاريخ السعودي في عام 1953، وكان يرددها في جميع خطبه السنوية الموجهة لشعبه، والتي يمكن الرجوع اليها لفهم سياسة الملك سعود الداخلية والخارجية والتي رسمها، وخلاصة القول بأن القرارات العربية وفهمها للمواقف الدولية السياسية اذا كانت مغلوطة احيانا، أو العكس فإن ذلك يخضع بالتأكيد لمصالح كل طرف وما يريد ان يحصل عليه من الطرف الآخر، لذلك كان الملك سعود يضغط دائما على بريطانيا من خلال ورقة الاتحاد السوفياتي السابق، وامكانية اقامة علاقات دبلوماسية معه اذا لم تستجب بريطانيا لمطالب المملكة سواء بحل مسألة واحة البريمي مما يتفق مع حقوقها الوطنية، أو مسألة عقد صفقات الاسلحة التي كانت المملكة تحتاجها لبناء وتسليح جيشها السعودي في ذلك الوقت من الدول الكبرى والذي رفضته بريطانيا، وحاولت الضغط على اميركا لرفضه بينما كان الاتحاد السوفياتي يرسل اشارات للمملكة بأنه على استعداد لقيام علاقات دبلوماسية وإمداد المملكة بما تحتاجه من صفقات الاسلحة، وهذا ما كانت تخشاه بريطانيا وتحاول الضغط بكل الوسائل لمنع حدوث اقامة اية علاقات بين المملكة والاتحاد السوفياتي، والذي كان يكشف آنذاك ان الملك سعود كان صانع القرار في حالات الصراع الدولي من خلال اعتماده على قدرة سياسة المملكة الخارجية على توقع ما سيفعله الطرف الآخر، ومن خلال موقعه الهام والمؤثر في العالمين الاسلامي والعربي. فقد أثبت للسياسة الدولية بأنه كان قائدا ذا رؤية مستقلة عن الارادة الدولية، ويخدم مصالح بلاده أولا ومصالح أمته العربية والاسلامية ثانيا، مما ادى إلى عدم الرضا عنه من القوى العظمى. وأخيراً فإن ما أود الإشارة إليه هو ما طرحه الكاتب من عدم وجود خلاف في الرؤية السياسية بين الملك سعود ونائبه الامير فيصل مما يعني اتفاقهما على السياسة الخارجية للمملكة فيما يتعلق بواحة البريمي وكذلك رفض الملك سعود الانضمام لحلف بغداد وموقف المملكة المشرف من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م. وموقف المملكة الرافض لمبدأ ايزنهاور عام 1957، وكل ذلك في الفترة التي بينها الكاتب وهي السنوات الأولى من حكم الملك سعود ما بين (1955 ـ 1957) والتي كان حينها هو اللاعب الاساسي في السياسة السعودية كما تبينه الوثائق البريطانية ولم يستطع الكاتب إيضاحه الى القارئ الكريم.

المصدر: الشرق الاوسط / الخميـس 12 جمـادى الثانى 1428 هـ 28 يونيو 2007 العدد 10439

http://archive.aawsat.com/