بقلم : الأستاذ فتحي رضوان
وزير الدولة المصرية
رأيت الملك سعود ، وهو واحد من الشخصيات العالمية الثلاث التي أعجبتني ... رأيته في مصر وكان إذ ذاك شاباً وكنت بين الطفولة والصبا ، إذ لم أكن قد أكملت الخامسة عشرة من عمري وكان هو ولياً للعهد. فلم يستوقف نظري في شخصيته إلا هدوءه وبساطته ، وندرة حديثه.
ثم مرت الأيام وتتابعت ، فرأيت صوره ، فزادت شخصيته ظهوراً . وبدأت أفكر في نشاطه وفي مستقبله السياسي، وفي مستقبل الدولة التي يشتق اسمها من اسم عائلته. ثم ولي الملك ورأيته في قصره بجده ، وصحبته عندما زار مصر في مارس من هذه السنة ، في رحلته بالطائرة إليها ، وفي أكثر تنقلاته في بلادنا وسمعته يتحدث في شؤون السياسة وفي شؤون الدين ، وفي شؤون الحياة العادية المألوفة ، ورأيته يعامل الوزراء والرؤساء والعامة ..
وكنت طوال الوقت أفكر في القوى الكثيرة التي تنطوي عليها الدولة السعودية والفرص الدولية العظيمة المتاحة لها ، كما كنت أفكر في أن مستقبل هذه القوى ، ومصير تلك الفرص معلق- إلى حد كبير- بشخص الملك سعود ومقدار رغبته في الانتفاع بها ، وقد أستقر في يقيني أنه بحكم كل هذه الظروف ، شخصية دولية ذات خطر ، ولا يرجع خطرها إلى العناصر المادية فقط ، التي أشرت إليها بل لأن حكمه وسلطانه ينبسط على الحجاز والأراضي المقدسة ، حيث توجد مكة قبلة المسلمين وحيث توجد المدينة التي تتشرف بالحرم النبوي.
وفي مكة والمدينة يجتمع كل عام ألوف هائلة ، من جميع البقاع والأصقاع والأجناس والألوان والطبقات والمراكز الاجتماعية وهم يذهبون ويغدون ، كما كانت تغدو وتروح.
تحت طبقات الأرض في نجد، بحار البترول المجهولة ، وقد استخرجت القوى العظيمة والثروات الضخمة من بترول نجد ، ولم تستخرج بعد من جموع الحجاج الذين تهوي أفئدتهم إلى مكة والمدينة وما فيهما وحولهما من مواطن الذكريات الخالدة ، القوات الأعظم قدراً وأكبر مقاماً، فلو استخرجها الملك سعود أو نظم لها ما يستخرجها فانه لن يكون قوة دولية فحسب ، بل سيكون فوق ذلك تحولاً في تاريخ الإنسانية.
وأعظم صفات الملك سعود ، أن طابعه العام طابع إنساني . ويدخل تحت هذه العبارة المجملة الشيء الكثير . فأنت مثلا ، لا ترى منه ، ولا تسمع ، ما يدع على أنه يريد أن يشعر الناس بأنه ملك فليس في حركاته ولا سكناته ، ولا في تعابير وجهه ، ما يحرص ذوو السلطان على أن يصطنعوه أو يتظاهروا به ، مع أن له من طول قامته ، وضخامة بنائه ، وهدوء خلقه ما يذكر الناس دائماً
بأنه أكبر منهم أن لم يكن له مركز الملك فيهم . وهو يداعب الذين حوله ، ويستمع إلى دعاباتهم بروح راضية متسامحة، تشعر بأن منصبه لم يفقده الميل الإنساني إلى مخالطة الناس والائتناس بهم والاستماع إليهم .
قال لي يوماً أنه إذا سمع القرآن انشرح صدره وانقبض في وقت واحد . أنشرح لمعانية الربانية والدعوة إلى الخير والى التسامي ، وانقبض لإحساسه ببعده عن الوصول إلى المستوى العالي الذي يقدره القرآن للإنسان . وهو إذ يقول هذا الكلام ، تحس أنه يعنيه ، وأنه يصدر عن قلب يؤمن حقاً . وأنه يتكلم كما يتكلم الإنسان لاكما يتكلم الملك.
وهو أبعد الناس عن الزهو والصلف والادعاء ، وقد سمعته كثيراً وهو يقول مثل ، " هذا خطؤنا نحن" أو " نحن قصرنا في هذا " أو " ما كنت أعرف هذا" .
ومن الأمور التي تدخل في تقدير شخصيته العالمية ، أنه شديد الحب للعروبة لا يرى فيها شيئاً جميلاً حتى تنشرح نفسه، وكأنما يرى هذا الشيء الجميل في بلاده ، بل قل في قصر من قصوره . قصدنا حدائق القناطر في إحدى زياراته وكان الجو جميلا ، فانبسطت نفس جلالته ، فكان أول ما عبر به عن سروره من المنظر قوله: " لماذا يسافر أولادنا إلى الخارج ؟ ولماذا لا يأتون إلى مصر وفيها ما ينفع عقولهم ، وما يريح نفوسهم ، وهم إذا أنفقوا شيئاً فيها ، أو في أي بلد عربي كانوا كأنما ينقلون القرش من جيب في الثوب إلى جيب آخر في الثوب نفسه؟ " .
جريدة الرياض اليومية
الأثنين 15 شعبان 1426هـ - 19 سبتمبر 2005م - العدد 13601
جريدة الرياض اليومية