مقال زينب الغزالى الجبيلي

مقال زينب الغزالى الجبيلي

شخَصِيّة سَـــــــــــــعُود

الملك سعود رجل طويل القامة . قمحي اللون ، جهوري الصوت ، في نظراته وفي قسمات وجهه وقار وجلال ، يقابلك بابتسامته الوادعة ، ويمد إليك نظراته الهادئة ، فتنقاد إليه قبل أن يتكلم فإذا أخذ يحدثك أو يجيبك أصغيت إليه في مهابة وإيمان بما يقول لأنه حكيم الرأي بليغ العبارة ، لا ترهبه فتخافه ولكن تحبه فتطيعه ، ويستمع إليك بعطف وتقدير وإن خالفت رأيه ، فيقوى فيك الإيمان به والتفاني في خدمته فتنصب من نفسك جنديا متطوعاً لخدمته وخدمة كل من يتصل به.

ويبدو مهتما بلقائك مهما كان مركزك بل ويشعرك أنك أخوه إن كنت تقارب سنة . وبأنك ابنه إن كنت في مثل سن أبنائه . وبأنك أبوه إذا كنت أكبر منه سناً .

وهكذا يلقاك إذا كنت شخصاً عادياً أما إذا كان الماثل بين يديه زعيماً أو ملكاً أو أميراً أو حاكماً فيجد فيه الشخصية القوية الجبارة المتواضعة في عزة ومنعة وفي غير استعلاء ، فهو الهادئ المهاب في أخوة حلوة أو أبوة رحيمة أو زمالة كريمة.

ولا تكاد تمر بعض الدقائق إلا وتجده شخصية فذة تتجسم فيها مقدرته وعروبته ومكارمه وتواضعه وحكمته وعزمه ورأيه الصائب ، فلست بواجد شخصية تستطيع أن تطفي على شخصيّة سعود العظيمة ، بل تجده عظيما في غير كلفة بطبيعة فطرته التي نشأ عليها ونما في أحضانها.

وتلك الميزة العظيمة هي من خصائص سعود الموروثة عن أبيه العظيم وأجداده الأمجاد.

فقد كان عبد العزيز العظيم يلتقي بملوك العالم وحكامه فلا يستطيع الواحد منهم أن يكون في حضرته أكثر من مؤمن به ومتبع لرأيه ومرتسم لخطوط مجده وسعود الملك هو الوارث بجدارة كل أمجاد أبيه العظيم.

وعلى الجملة فشخصية سعود شخصية إسلامية بكل ما جمعت هذه الكلمة من معاني الإنسانية والرحمة أو القدرة والبطش والعظمة.

ومن أبرز خصائصه : حبه للعلماء وتوقيره لهم والرجوع إليهم في كل دقائق حكمة والنزول عند رأيهم ، فهو يزورهم ويجاملهم في المناسبات العامة والخاصة ولا يخلو أبداً مجلس من مجالسه من أفاضلهم وفقهائهم وهم دائماً رءوس استشاراته وأصول ثقته ومرجع حكمه ، والحاكم إذا كان هذا مركز العلماء من نفسه فهو بخير وأمته بخير فالعلماء ورثة الأنبياء ولن تضل أمة – حكاماً ومحكومين – تهتدي بهدى علمائها.

وأبرز ما في شخصية سعود إيمانه بدينه عن دراسة وتحقيق وبحث ، فهو مسلم عامل بالإسلام لا ليرضى رعيته ويجمع حوله شعبه ولكن لأنه يعرف الإسلام حق المعرفة ، فالإسلام يجرى منه وجوداً في نبضات قلبه ويتألق نوراً في خلجات نفسه ، ويشع إشراقاً في تقاسيم وجهه ، لذلك فهو يقيم أركان الإسلام بروحه وجوارحه مؤمنا به معتقداً في عدالته ولا يرى الإسلام أبداً إلا حكماً وسياسة وعبادة ، ولا يعتقد أن الإسلام يكون على حقيقته في نفوس المسلمين وأحكامه معطلة بل هو على أتم استعداد لبذل روحه وماله وجاهه وكل ما يملك في سبيل إسعاد رعيته ما دامت مسلمة منفذة لأحكام الإسلام.

وفي نفس الوقت لا يتأخر أبداً عن قتال وتأديب أي خارج على الدين أو مفرط في حد من حدوده.وكما تجده ملكا عظيما تجده مسلماً عاملا ، وهو أب عطوف وزوج رحيم وأخ كريم،ورأيت جلالته وهو يجلس بين زوجه وأبنائه وأفراد أسرته ، كأنه الرحمة المنسابة من جداولها والمودة الخالصة من منابع الحب والصداقة الصافية والأخوة الكريمة ورأيته يعامل جواريه وعبيده معاملة فيها أخوة وعطف ورحمة وكأنه يعمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " خدمكم إخوانكم "...

ولذلك : فهو مطاع عن حب أكثر من مطاع عن رهبة ، والرعية عندما تستمد ولاءها لراعيها من تجاوب المحبة المتبادلة بينها وبينه يستقر فيها الحكم ويستتب الأمن الذي يمكن الحاكم من التفرغ لمصالح الرعية ويصرف الرعية إلى العمل والاطمئنان والإنتاج المستمر وعلى الجملة فشخصية سعود شخصية فذة أقامتها عروبة أصيلة خالصة فأمه من أصول نجد وأبوه من سويداء أصول سراتها فهو سليل العروبة وفرعها الزكي.

ولقد برزت شخصية سعود الحربية منذ نشأته الأولى – فهو مقاتل مبرز وقائد محنك وعبقري في رسم خطة الغزو ، وداهية في فهم أعدائه ودراسة أطماعهم والوصول إلى سر سياسة غزوهم كما أنه داهية سياسية في الوصول إلى ما يثني به أعداءه عن عزمهم في القتال والتسليم له والانقياد لإمرته.

والذي يدرس غزواته وحروب والده التي قاد سعود جيوشها وعاد منها جميعاً منتصراً يعلم ذلك عن دراسة ويعلم كيف يدين للمكارم والشجاعة والبطولة والفروسية والمحامد المتألقة في شخصية سعود القوية الجذابة.

ملك وآمال شعب

بقلم زينب الغزالي الجبيلي
ملك وآمال شعب