خطاب الملك سعود في مهرجان جامعة علي قرة

 
(أم القرى العدد 1595  في 1 جمادى الأولى 1375 الموافق 16 ديسمبر 1955)
          بسم الله الرحمن الرحيم
          والصلاة والسلام على رسوله الأمين
          سعادة العميد .. حضرات السادة،
          لقد كنت منذ أمد بعيد أتشوق لزيارة هذا المعهد العلمي العظيم، الذي أدى للهند خدمات جلى، بما أخرجه من زعماء كانت لهم اليد الطولى في استقلالها، والعلماء الغر في الكتب القيمة التي نشروها في الآراء والفكر السامية، مع تجاوزه فوائدها صدور الهند إلى الكثير من بلاد الشرق والديار الإسلامية، وإنه ليغمرني اليوم السرور أن أجد نفسي في وسط هذا المعهد، أذكر بالتقدير والإعجاب الكثيرين ممن عرفت، والخريجين الذين حملوا لواء الحرية، وترأسوا العلم والفضيلة، فقد تضاعف سروري لما تكرم به العميد من الدكتوراه الحقوقية الشرقية؛ التي ربطتني بكم، وألحقتني بمعهدكم.
إخواني،
          إن العلم والمعرفة هما الدعامة الأساسية لكل رقي بشري؛ والإنسان بلا علم ومعرفة لا يتميز عن الحيوان إلاَّ بالنطق البسيط، والعلم بأنواعه الواسعة نعمة كريمة، أمرنا الله أن نطلبها أينما وجدت، ولكن العلم يمكن أن يكون أيضاً نقمة على صاحبه وعلى المحيط الذي يعيش فيه، والفرق بين العلم النافع والعلم الضار ليس في كيانه؛ فالعلم علم مهما كان، وإنما الفرق يقوم على الأساس الذي يبنى عليه العلم، فما كان أساسه روحياً مقبولاً لدى علام الغيوب تحقق نفعه، وكثر خيره، وأصبح صاحبه نبراساً يستضاء بنوره، وما كان أساسه مادياً تحقق الخطر من شره، وأصبح كالنار المحرقة، ثم أهلكت وآلمت. فهو كالسيف الماضي، إن وقع في قبضة يد حكيمة كان أداة صالحة لدفع الشر، وجذب الخير؛ وإن وقعت عليه يد غريرة، وقع الخطر في شره وأذى به، وإن صح هذا في الناس، فهو أصح فينا معشر المسلمين؛ فإن الله، سبحانه وتعالى، أنعم علينا بنظام سماوي نعيش عليه، قد تناول جميع حياتنا العامة والخاصة. فإذا أسسنا ما نقتبسه من العلم والمعرفة في أمثال معهدكم هذا على مبادئه، وسرنا في صراطها المستقيم انتفعنا، وإن أسسناه على المبادئ المادية الصماء حزنا نقمة الله علينا، وأسأنا للمجتمع بعلومنا، ومبادئ الإسلام ماحقة للشر، جلابة جماع الخير، ولا مجال هنا لتعدادها، أما الاستفاضة في شرحها، أود أن أذكر إخواني الطلاب بالأخذ بثلاثة منها؛ كي يؤسسوا عليها ثقافتهم ويجعلوها دعامة الحياة.
          وأولها الإيمان بالله، والتوكل عليه، سبحانه، لقد أجمع علماء النفس وأهل التربية على أن الخوف هو مصدر المفاسد النفسية الدافعة إلى الموبقات البشرية؛ خوف الفقير من الجوع، وخوف الغني من الفقر، وخوف العزيز من الذل، وخوف الذليل من العزيز؛ ذلك الخوف الذي يستحوذ على النفوس من الأذى المعلوم، والمجهول الممكن وغير الممكن، والذي يدفع الإنسان في سبيل الشر، فقد يغلق في وجهه سبل الخير. وجاء الإسلام وقال لنا  وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ  التوكل على الله هو ملجأ المسلم، وجنة من مفاسد خوف النفس، وليس العجز والكسل والاستكانة من التوكل في شيء. عندما توكل المسلم، وأدى الواجب في الرضا بحكم المولى العزيز القدير.
          ففي ذلك راحة النفس والجسم، وفي ذلك الخروج من مفاسد الخوف.
          وثاني هذه المبادئ هو الأخوة الإسلامية. قال الله تعالى في كتابه الحكيم  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ  ولا يصح للمسلم أن يقول للمسلم أنت أخي، ويقف عند هذا القول، بل يجب أن يقوم المسلم للمسلم بما يقوم الأخ لأخيه؛ بل يؤثره على نفسه لقد قال الله تعالى:  وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ  هذه هي الأخوة الإسلامية الصحيحة.
          وثالثها حسن الجوار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه . أو كما قال أي كاد يجعل الجار بمقام الأخ والأخت. آباؤكم في صدر الإسلام تفتح الشرق والغرب بسيوفهم؛ بل فتحوها بالغالب لإنصافهم، وحسن جوارهم، والإحسان إلى من أحاط بهم من الناس. فالإيمان بالله، والتوكل عليه، ثم بالأخوة الإسلامية المتراصة، وبحسن الجوار نشر الإسلام ألويته في الخافقين، حتى قال الفيلسوف الفرنسي (رينان) "لم يذكر لنا التاريخ فاتحاً أرحم ولا أعدل من العرب المسلمين".
          قال الله تعالى:  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  وقال صلى الله عليه وسلم:  لا فضل لعربي، على عجمي ولا لأبيض على أسود إلاَّ بالتقوى   إن أكرمكم عند الله أتقاكم  وأنتم أيها الإخوة، الذين تستعدون اليوم بالدخول إلى معترك الحياة، وأن بنيتم علمكم وثقافتكم على الأسس السامية، وجعلتم الإيمان بالله سلاحكم، والتوكل عليه وقاكم، والأخوة الإسلامية قوتكم، وحسن الجوار والإخلاص لمواطنيكم مدار أعمالكم، فزتم في الحياة الدنيا، ورجوتم عند الله نعيم الآخرة.
إخواني مسلمي الهند،
          إنكم تحتلون في قلبي منزلة الأخوة، وإن راحتكم ومصلحتكم تهمني، وتهم كل مسلم، ولقد ابتهج صدري، واطمأن بالي بما أكده لي فخامة رئيس جمهوريتكم الحكيم، أثناء زيارتي لبلادكم الكريمة المضيافة، إنه ورئيس حكومة زعيمكم قائمون بصدق وعزيمة حتى مساواة جميع أهل الهند، والسهر على مصالحكم بدون أي تفريط ديني، وقد توثقت من ذلك بما سمعته من علمائكم المسلمين من التأكيد على ذلك القول السديد، وإني لأرجو أن تحقق وحدتكم في بلادكم، وأن يسود التآلف بينكم وبين مواطنيكم وأهل ديرتكم، وأن تكونوا قدوة صالحة في خدمة بلادكم، وخدمة مبادئ الإسلام.
          وربما يسركم أن تعلموا، أنتم والمسلمون الأبرار الذين عرفت، أني جاد، بحول الله وقدرته، على القيام بإصلاح شامل للحج؛ حتى يصبح أداء الفريضة، ليس فقد متعة وروحية، بل لتصبح راحة جسمية وصحية لجميع حجاج بيت الله، وكذلك فإني جاد، بحول الله وقدرته، في إحياء العلوم الإسلامية والعقيدة الصالحة في البلاد العربية المقدسة؛ لكي تعود كما كانت مصدراً لنور الإسلام، ومقراً لأهل العلم من جميع الديار الإسلامية ، وإني أطلب من قلوبكم الفتية الطاهرة أن تتوجه إلى العزيز الجبار داعية لي بالتوفيق، وطالبة لي العون في هذا الجهد العظيم، كما إني سأتوجه بالدعاء عند الكعبة، إن شاء الله، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقكم، ويحسن مستقبلكم، ويجعل منكم رجال صالحين في خدمة بلادكم، ويجري بالنفع على يدكم للإسلام والناس أجمعين".