خطاب الملك سعود في الأمم المتحدة

ولقد وجدت مبادئ الميثاق في الأمم المتحدة تجاوباً صادقاً وترحيباً حاراً من أمتي ونحن قوم مسالمون بطبيعتنا ولا شك أن الكثيرين منكم يعرفون إن معنى الإسلام هو السلام وأن تحيتنا اليومية تهنئ بالسلام بعضنا للبعض الآخر وشريعتنا الإسلامية قد سجلت منذ أكثر من 13 قرناً أن الناس سواسية وقد خلقهم الله شعوباً وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا فوضعت بذلك مبادئ التعاون الدولي والسلم الدائم والأمن المتبادل وقواعد درأ العدوان ونصرة المظلوم .

إننا نؤمن بالقيم الإنسانية والروحية وبالمُثل الأخلاقية وبحق كل إنسان في الحياة الحرة الكريمة والتعاون المستمر الصادق بين البشر لخيرهم المشترك من أجل هذا كان من الطبيعي أن يحدونا الرجاء وتصح مبادئ الأمم المتحدة الدستور المنظم لعلاقات الشعوب لا فرق بين كبيرها وصغيرها وأن تزول أسباب المنازعات بين الدول فتحرر من الخوف وخطر العدوان وتنصرف إلى الأعمال الإنسانية والوصول إلى بناء مجتمع سعيد ولكن سياسة السيطرة والتمسك بالنزعات العتيقة البالية هي التي كثيراً ما ألقيت بالإنسانية في أتون الحروب وسببت الآلام والدمار والاضطراب في النفوس فتنكبت مبادئ العدالة التي أتى بها ميثاق الأمم المتحدة وبذلك ضلت السبيل القويم وأخطأها التوفيق وبهذه السياسة الخاطئة يمكن معرفة أصل حالة التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار الذي تتردى فيه الإنسانية الآن وهي حالة الحرب الباردة التي تشهدها اليوم ومنها التسابق في التسلح الذي يستنزف كثيراً من موارد البشرية ويوجهها إلى أعمال التدمير والتخريب وهي أساس ما عاصر الأمم المتحدة من عدوان وقتال وضغائن وأحقاد في بعض مناطق العالم.

أن الرجوع إلى حظيرة الأمم المتحدة ورد علاقات الدول والشعوب إلى مبادئها وتعاليمها والتمسك بأحكام ميثاقها نصاً وروحاً وتمكين الشعوب المطالبة بحقها في الحرية والاستقلال من تقرير مصيرها وهو السبيل الوحيد لتجنب الإنسانية شرور الأزمات وويلات الحروب وافتتاح عهد جديد من السلام الحقيقي والتفاهم المتبادل في علاقات الأمم عهد تسوده المحبة والتعاون الصادق لخير البشرية جمعاء ومن حسن حظ الإنسانية فقد شهدنا في هذه المنظمة في الأيام الأخيرة انطلاقا أحيا الآمال وأعاد إلى النفوس بعض الثقة ولمسنا منها تصميماً مشكوراً على التمسك بمبادئها والسير بها في الاتجاه القويم.

وكان للجهود التي بذلها ويبذلها أمينها العام مستر دوج همرشولد ، أثرا محموداً نحو الغاية يستحق التقدير والثناء وخالص الرجاء أن تثابر الأمم المتحدة على التمسك بمبادئها وعلى استلهام مثل العدالة واحترام حقوق الإنسانية التي أكدها الميثاق في كل أعمالها مع الأسرار في عزم وتصميم على أداء رسالتها السامية في المحافظة على الأمن والسلام الدوليين وبذلك ستعيد هيبتها وتصبح مرتل الإنسانية عن حق وجدارة والله أرجو أن يوفقنا جميعاً لما فيه خير الإنسانية والسلام عليكم .

وانتهى خطاب جلالة الملك سعود بين عاصفة من التصفيق والهتاف الشديدين وبذلك يكون العاهل العربي هو أول من تحدث والعالم أجمع من مقر الجمعية العمومية للأمم المتحدة باللغة العربية وأول ملك عربي تقام له المهرجانات والحفلات في جميع طبقات الشعب الأمريكان في الولايات المتحدة .

وكانت نيويورك تذيع على موجات الأثير مبلغ الحفاوة التي لقيها ضيفها العظيم وتعلن بين الحين والآخر عن الحفلات الكبرى التي يعدها العظماء الأمريكيين وسفراء الدول العالمية والجاليات العربية والمؤسسات الوطنية وغيرها.

وكان سيل البرقيات ينهال على قصر الضيافة الذي ينزل فيه جلالة الملك سعود وحاشيته الكريمة من كل الجهات الداخلية والخارجية ، وكان جلالته يرد على الجميع شاكراً لهم هذا الشعور الطيب وهذا الترحيب الجميل .

كما كان القصر يعج بوفود المسلمين على ضيف أميركا العظيم ويسجلون أسماءهم في سجل التشريفات الملكية ، وقضت نيويورك ليالي سعيدة ومعالم الزينة عمت جميع شوارعها والإعلام السعودية وشعارها " لا إله إلا الله محمد رسول الله " إلى جانب الأعلام الأمريكية ارتفعت على كل شرفة ومحل ولافتات الترحيب تحمل عبارات رقيقة منشورة فوق أقواس النصر وأنوار النيون تصل النهار بالليل بألوانها المتعددة وتنسيقها الفني الساحر.

وكان الرئيس أيزنهاور قد خصص لجلالة الملك سعود طائرته الخاصة " كولومبان " لتكون تحت تصرف جلالته إذا ما انتقل من نيويورك إلى واشنطن.