«ملك من المشرق» .. رحلة ألمانية تستكشف معالم من تاريخ الجزيرة العربية (1-2)

 

تحقيق - عبدالله فهد أبا الجيش:

كانت وما زالت أرض شبه الجزيرة العربية ومنذ قديم الأزل مقصدا ووجهة للعديد من الرحالة والمستشرقين الذين قادهم شغفهم وفضولهم لاستكشاف هذه الرقعة المترامية الأطراف من العالم والتي تضم بين جنباتها أطياف وأشكال مختلفة من الثقافات والعادات التي وصفوها بكتبهم بالنبل والشرف، إذ تعد هذه الكتب والمعلومات توثيقا وجمعا يضاف لتاريخ المنطقة وما تبع ذلك من دراسات مستفيضة في تلك الحقبة، فتنوعت الكتب وزخرت المكتبات بكم هائل من المعلومات عن الجزيرة العربية مما جمعه أولئك الرحالة خلال إقامتهم بالجزيرة ونشروها ككتب وروايات في بلدانهم طبعت بلغاتهم، الأمر الذي جعل القارئ العربي يفتقر إلى هذا السرد التاريخي لمنطقته. ولعقود زلت لم تتوفر هذه الكتب إلا باللغات الأجنبية، حتى بدأت مشاريع الترجمة للعربية والتي أضفت الكثير من الحقائق والوقائع الهامة لقاعدة المعلومات العربية.

ومن أبرز الكتب وأهمها في تناول واقع الحال ووصفه بالمملكة العربية السعودية خلال خمسينيات القرن الماضي -وتحديدا في عهد جلالة الملك سعود رحمه الله- كتاب (ملك في المشرق) للكاتب النمساوي الدكتور ماكس رايش، والذي ترجم بواسطة الملحقية الثقافية بالنمسا و بإشراف سعادة الدكتور عبدالرحمن بن حمد الحميضي الملحق الثقافي السابق في النمسا والحالي بألمانيا المشرف العام على مشروع الترجمة وبقية أعضاء فريق العمل، حيث أثمرت الجهود بترجمة هذا المؤلف الثمين الذي احتوى على وصف دقيق ومتقن لشخصيات ذلك العهد وجميع الأماكن التي قصدها الكاتب وما التقطه كذلك من صور تعد اليوم من أندر الصور، ويتناول الكتاب العديد من الأحداث التي صادفها د.ماكس ومرافقه الطبيب رولف هيكر أضافة إلى وصف للطرق البرية والمدن وتوثيق للشخصيات التي التقوها أثناء الرحلة جمعها السيد رايش في كتابه مقسمة على سبعة وعشرين فصلا أضافة إلى ملحق للصور التي التقطت أثناء الرحلة. وفي مقدمة الكتاب اعتبر الدكتور الحميضي بأن هذا النوع من المؤلفات ينتمي إلى الأدب الرفيع المتضمن مادة علمية رصينة يطلق عليه اصطلاحا أدب الرحلات، مقدما شكره لمقام وزارة التعليم العالي ممثلة بوزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري على سعيها لترجمة هذا الكتاب من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية.

الحميضي ذكر أن الكتاب يسجل بين دفتيه وصفا شيقا لرحلة الكاتب رايش ومرافقه هيكر في السيارة إلى المملكة العربية السعودية بعد وفاة مؤسسها المغفور له بإذنه تعالى جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن- طيب الله ثراه- وتولي ابنه الملك سعود زمام الحكم. مضيفاً أن أحرف الكتاب استعرضت وصفا دقيقا بعيون وقلم الكاتب للمواطن السعودي المتمسك بمبادئه الإسلامية وعاداته وتقاليده، وجوانب أخرى من ملامح شخصيته عكست صبره على شظف العيش، كما أشادت المقدمة بحرص المؤلف على دقة نقل ما شاهده في رحلته، والتي وثقها بمجموعة نادرة من الصور الفوتوغرافية التي أرشفت لتلك الحقبة الزمنية. وتطرق الحميضي في تقديمه إلى الجهد المبذول بالتواصل مع ابن مؤلف الكتاب بيتر رايش من أجل الحصول على حقوق الترجمة والمادة لصالح الوزارة، مختتما تقديمه أن أمله كبير أن تكلل الجهود بالتوفيق وأن تبلغ مرامها وأن يضيف مشروع الترجمة للقارئ العربي بعداً آخر لما يعلمه، أو جديدا عما يجهله.

قلب الجزيرة.. حياة خاصة بلا تاثيرات خارجية

وفي الفصل الأول من الكتاب والذي عنون بـ (البلد المتحفظ) يبتدئ الكاتب حديثه عن سهولة السفر بالعقود السابقة إذ يومها لم يكن مصطلح الفيزا معروفا بل إن المرء لم يكن حتى بحاجة لجواز سفر مقارنا ذلك الحال آنذاك بالواقع المعاصر والذي بات فيه الحصول على فيزا بالنسبة له عسيرا، مبدياً سعادته بالحصول على إذن السفر إلى كل من لبنان وسوريا والأردن والعراق والكويت مما قربه ولو من الناحية الجغرافية إلى هدفه المنشود الذي كان يحلم به وهو السفر إلى المملكة العربية السعودية، بواسطة سيارته الشبيهة بالبيت المتحرك والتي سماها لاحقا(صديقي)، واصفا السعودية بالبلد المغلق أمام الغرباء معللا ذلك إلى عدة أسباب أتى بمقدمتها أن الملك في الشرق يستفيد من التطور التقني الغربي ويستدعي لذلك الخبراء إلى بلاده، ولكنه يعلم أن الثقافة الغربية لا تتوافق مع العادات المحافظة في دولته، ما حصل في بعض الدول العربية كان بمثابة الإنذار حيث أدى تأثير الثقافة الغربية إلى نشوء طبقة من المستهترين بالتقاليد في تلك المدن، مثنيا على طريقة تفكير الملك سعود والتي وصفها بالتقدمية نظرا إلى فهمها لما يحتاجه شعبه من زمن للتطور.

ويستهل الفصل محتواه بذكر خطوات مشروعه لدخول المملكة مطلقا على المشروع اسم :(حملة استكشاف الجزيرة العربية بالسيارة) وكان خلال أشهر الإعداد للحملة يتحدث كثيرا عن البلدان العربية التي حصل مسبقا على إذن الدخول لها ولكن فكره ظل منشغلا بشكل اساسي بالمملكة العربية السعودية لاسيما وقد أوحت له تحرياته أن أي محاولة للحصول على سمة الدخول للسعودية من سفارات المملكة في أوروبا أمر لا طائل من ورائه، ولكي يعزز موقفه للحصول على تأشيرة الدخول للسعودية حصل رايش على توصية من مكتب المستشار النمساوي باللغة العربية والألمانية والفرنسية والإنجليزية، واصفا تلك التوصية بالجيدة مما جعل منها بصيص أمل للحصول على الفيزا.

وعلى متن السفينة إسبيريا التي نقلته مع مرافقه الدكتور رولف هيكر، وصل رايش إلى بيروت حيث سأل الكثير من العرب عن السعودية وقد كانوا يجهلون عنها الكثير، إذ يذكر في كتابه قائلا:(كنت أسال العرب عن أسباب عدم سفرهم إلى المملكة العربية السعودية «وماذا سافعل هناك ؟»كانت الأجابة: «هناك صحراء، ليس إلا الصحراء.»ولقد ثبت لي بعد ذلك، كم كانوا يجهلون هذا البلد، وكم كانوا مخطئين) مضيفا أنه كان يشعر في قرارة نفسه أن السعودية بلد شامخ بين كل البلدان مضيفا أن قلب الجزيرة العربية -المملكة العربية السعودية- بقي بعيدا عن تلك الهجرات البشرية والحروب المتتالية وحتى عن التأثيرات السلمية ولقد عاش حياته الخاصة دون أي تأثير سلبي أو إيجابي من الخارج، مما جعلها مختلفة عن بقية الدول العربية التي تأثرت من تبعات الأحتلال الأنجليزي والفرنسي خلال المائة سنة السابقة فقط.

المؤلف.. ورحلة الحصول على «سمة الدخول»

وفي الفصل الثاني من الكتاب والذي حمل اسم (الخطوات الأولى) يستمر ماكس بالحديث عن الأقاويل التي كانت تدار حول المملكة والصورة التي كان يحملها بعض العرب عنها، والتي جعلته يتردد في الذهاب ولكن عند سؤاله لهم عن أن كنتم زرتموها من قبل وكانوا يجيبون بـ»لا» اعتبر ذلك عامل تهدئة معللاً بوجود الاختلاف الثقافي والحضاري الكبير بين هولاء الجيران، فالعرب الشماليون وهنا يقصد بهم لبنان وسوريا والأردن لطالما كانوا ينعتون على حد وصفه كل ما هو منجز غربي في مجال التقنيات والقضايا الفكرية بالتحضر والثقافة، بينما يستقي السعوديين ثقافتهم من الله ورسوله ويفهمون الحضارة على أنها التقاليد بمعناها القديم والجيد ايام المنجزات العربية الكبيرة. ويستمر الفصل الثاني بسرد أحداث رايش ومرافقه هيكر وصولا إلى محاولته الأولى للحصول على الفيزا السعودية عندما التقى بالسيد هومر متس مسؤول الأتصال بين شركة التابلاين والحكومة السعودية والذي أراد منه الدكتور رايش تقديم دعوة له لمعاينة المنشآت النفطية بالسعودية ليستطيع بذلك تجاوز العقبة الأولى في السفارة السعودية ببيروت وهنا علق متس على طلبهم بأن حصولهم على دعوة يستلزم حيازتهم على الفيزا السعودية أولا، وبذلك فشلت أولى محاولات المؤلف بالحصول على سمة الدخول ويمضي المؤلف بهذا الفصل حديثه عن لقائه بامين عام وزارة الخارجية اللبنانية السيد فؤاد بيك عمون الذي يهدف من التعرف عليه بالحصول على الفيزا السعودية.

ويمضي الكتاب بفصله الثالث المعنون بـ (الواحد بالمئة المفقودة) عن توطيد علاقة ماكس بسكرتير أمين عام وزارة الخارجية اللبنانية السيد عمر نامي بيك والذي أهداه رايش عدد من مؤلفاته إضافة إلى تسليمه نسخة من رسالة التوصية النمساوية ليعرضها على أمين وزارة الخارجية اللبنانية ليتمكن من مساعدته لدخول الأراضي السعودية، وهكذا كانت سمة الدخول السعودية بالخط العربي والعلم السعودي والسيفان والنخلة تم ختمهما على جوازهما وبلغت مدة صلاحية الفيزا ثمانية أيام والدخول والخروج من جدة مما كان ضربة قاسية لفرحتهم العارمة ولم يصدقوا أنها فقط لثمانية أيام والدخول من جدة مرفأ الأجانب والذي لا يمكن الوصول عليه إلا عن طريق البحر أو الطائرة.

سفر في أرض لا متناهية.. ومنفذ يلوح أخيرا

وفي الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان (قلق في المنطقة الحدودية العازلة) والذي ذكر فيه الكتاب أبرز الخطوط البرية في خريطة الشرق الأوسط، وعندما وصل إلى مقربة من الحدود السعودية لا حظ فريق حراسة من فيلق الجيش الأردني حيث سمحوا لهم الحراس بالمتابعة ورأوا الفارق بين خط نفط الشركة العراقية وخط التابلاين وهناك التقوا بمسؤول النقطة ويدعى محمد يوسف الذي أثار تعجبه من حصولهم على سمة دخول للسعودية، ومن ثم أبرق محمد يوسف لطريف لاسلكيا للإعلام عن قدومهم حيث قطعوا مسافة 160 كيلو متراً للوصول لطريف. بدأت رحلتهم من الساعة السادسة صباحا على الطريق الذي وصفه رايش بأنه كـصحراء يصدر حمم بركانية تؤثر ن توائتها الحادة على العجلات وتنال منها، مبينا أنه شعور عظيم أن تسافر في هذه الأرض اللامتناهية الزرقاء البنفسجية، وفي طريقه من الحدود الأردنية إلى طريف لم يقابل أية سيارة لأن هذا الطريق بين المحطات لايقطع إلا بالطائرة. وفي الساعة الثالثة بعد الظهر من اليوم ذاته باتوا على مقربة من منفذ الحدود السعودية فاستحموا وتجملوا ليكونوا على استعداد لمقابلة السلطات السعودية وهكذا ساروا إلى طريف بتقاسيم وجوه جادة ورباطة جأش، وعندما وصلوا إلى المنفذ والذي كان عبارة عن بعض أكواخ طينية أوقفهم سعودي بشعر مجدول وطويل ولحية وعينيين متوقدتين، يقوم بعمل البواب لم يعلم شيء عن قدومهم واتصل من الهاتف على أحد في الداخل حيث سمح لهم بالدخول إلى منطقة التابلاين.

الدخول إلى الرياض.. برفقة الفاكهة !

ويستكمل الكتاب فصوله بالفصل الخامس والذي حمل عنوان (دبلوماسي ومترجمه الشجاع) إذ يحمل هذا الفصل الكثير من المواقف والأحداث التي صادفت رايش ومرافقه رولف كمحاولتهم لقاء رئيس محطة التابلاين ولقائهم بالشاب الأمريكي شيزبروغ كينيدي الذي صاحبهم لرئيس الجمارك السيد أحمد شيبان الذي سمح لهم بالمرور بعد إنهاء الإجراءات وأخذ تعهد بإخراج السيارة معهم عندما يغادرون البلاد. وفي الفصل السادس المعنون بـ (فواكه إلى الرياض) والذي يذكر فيه رايش أنه وأثناء عبورهم الصحراء التقوا ولأول مرة بسائق شاحنة أردني يحمل شحنة من البرتقال للقصر الملكي بالرياض إذ علم منه رايش أي طرق تؤدي إلى العاصمة الرياض وفي هذا الحدث يذكر رايش الموقف قائلا): إلى الرياض زاد انفعالي ومعي رولف. كم نحسد هذا السائق لأنه يسمح له بالدخول هناك ولو تحت رقابة سعودية)، واصفا روعة الرحلة بموازاة خطوط التابلاين خلال الأراضي السعودية ماضين قدما تجاه هدفهم الأهم وهو السفر للرياض أو كما أسماه (مقر الملك ابن سعود) التي ظنوا أنها محرمة عليهم.

لقاء مميز بالأمير محمد الأحمد السديري

(بدنة-محطة ضخ ومدينة) بهذا المسمى عنون رايش فصله السابع من الكتاب الذي روى فيها جملة من المعلومات عن منطقة بدنة حيث يوجد هناك كوريسون رجل الاتصال مع الأمير محمد بن أحمد السديري، فيصف رايش مقابلته لكوريسون أنه تفاجأ عند دخول مكتبه بوجود علم سعودي كبير وصور معلقة للملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية وعلى يسارها صورة للملك سعود بن عبدالعزيز، ويقطع تأمل رايش بالمكتب حديث كوريسون الذي وجهه لهما (لم أتلق أية برقية من بيروت ولا أعرف شيئا عن سبب قدومكم إلى هنا) فصعق رايش ورولف وأظهرا له برقية الدعوة وهنا رحب بهما، ومن ثم أخذهم في جولة على المحطة، وحدثهم عن مدينة بدنة التي لم تكن قبل ثلاث سنوات آنذاك إلا عبارة عن نبع صغير مع بعض الأكواخ وأما الآن فهناك مدينة كاملة طور الإنشاء فخطوط التابلاين على حد وصف كوريسون لا تجذب البدو فحسب وإنما كذلك التجار وأصحاب المقاهي وغيرهم من أهل الحرف. كما تحدث رايش بهذا الفصل عن لقائه بأمير بدنة محمد السديري الذي اعتاد لنصب خيمة كبيرة أمام قصره للقاء المواطنين ومد أرضها بالسجاد وتقديم الشاي والقهوة للحضور، ووعد رويكسون رايش ببحث فرصة للقاء الأمير مشترطا عليه عدم التصوير حيث كان الأجانب أكثر حزما من العرب بتطبيق وتفسير هذا المنع على حد تصور المؤلف، ووصف رايش بعد هذا اللقاء الأمير السديري باللطف والكرم وتحدثا معه عن أوروبا وعن سيارتهما كما أراهم الأمير صقوره والذي يعد نوعا من التفضيل عند العربي، وقد أخبر أحد صقاري الأمير رايش بأنه اصطاد بالموسم الماضي ما يزيد على المائة وخمسين حبارى.

مواقف طريفة مع خطوط الأنابيب والصيد والجراد

ينتقل رايش بالحديث إلى ما رآه من تقنية متطورة في بدنة حيث قام بعمل بعض الإصلاحات والتغييرات بسيارته وذهل مما أبداه العمال السعوديون من فطنة وذكاء إضافة إلى الإتقان الكبير الذي يجيده العاملين الأجانب للعربية التي تعلموها في مدرسة ببيروت قبل مجيئهم للسعودية، كما ذكر رايش قاعة الأفلام التي ارتادها في سكن الأجانب ببدنة والتي كتب على مدخلها (بأمر من الحكومة السعودية تمنع مشاركة المسلمين بمشاهدة هذه الأفلام). ويستمر رايش بذكر مغامرته الشيقة بهذا الكتاب ففي فصله الثامن المسمى بـ (السيد بيمبيرتون) يسرد المؤلف تفاصيل رحلته لرفحاء والتي تبعد 260 كم عن طريف، ولقائهم بشاب إنجليزي يعمل لصالح شركة فريق لوكوست البريطاني ويدعى بيمبيرتون. وتتخصص شركته بمكافحة الجراد ولوكوست هي إحدى الآفات السبع بالجزيرة العربية جراد صحراوي كبير الحجم يبتلع كل ما على وجه الأرض من مزروعات ويهدد الشرق الأوسط بأكمله.

وفي الفصل التاسع (إلى صحراء الدهناء) تطرق المؤلف إلى مغادرتهم رفحاء متوجهين للدهناء وإلى لينة متزودين منها بالماء والوقود إضافة إلى مؤونة طعام تكفيهم لزهاء الأربعة عشر يوما، سالكين طريق درب زبيدة واصفا رايش رحلته للينة بأنها (سفرة ملؤها العذاب فوق حقول حصوية قاسية) وهنا يروي رايش حادثة طريفة عايشها عند سفره للينة بأنه عادة ما تستظل الغزلان بخطوط الأنابيب فيصوب البدو بنادقهم عليها فتصيب الخط محدثة تسربا يستنفر الطاقم الهندسي بالتابلاين وعندما روى المهندسون هذه المشكلة المتكررة على الملك سعود رد عليهم مازحا: (لا أستطيع منع البدو من الصيد، كما لا أستطيع أن أمنع الغزلان من الاستظلال بأنابيبكم فعليكم تصنيع أنابيب لا ظل لها وبذلك تنتهي المشكلة).

القرن العشرون.. والبئر التي لا يعرف سرها أحد

في الفصل العاشر يكمل المؤلف حديثه عن لينة إذ اختار رايش عنوان الفصل العاشر باسم (قصص غريبة من لينة)، أثناء تأملهم بهذا الحي الصغير لاحظ بناء عاليا ببرجيه الجانبيين وبوابته الخشبية من خشب النخيل مرجحا أن يكون سكن الأمير شادا نظره عمودان من خشب الخيزران وقد ربط بينهما سلك لمحطة الاتصال اللاسلكية وهنا نطق رايش قائلا: (يا لهذا التفاوت القرن العشرين في لينة السرمدية) وهنا تابع رايش سيره دون المرور بأمير لينة خوفا أن يفضحهم وتقوم السلطات السعودية بطردهم ولكن عدم معرفتهم بتضاريس المنطقة حالت دون رجوعهم لقصر الأمير طلبا للمساعدة، توجهوا لبوابة القصر وطلبوا مقابلة الأمير يحيى بن ضاري بن سلطان أمير لينة، سمح لهم بالدخول والانتظار في إحدى الساحات حتى طلب منهم التوجه لغرفة تستمد ضوءها من فتحة الباب فقط وعندما تعودت أعينهم على الضوء الخافت رأوا أمير لينة جالسا بكل وقار بمنكبيه العريضين وطوله البالغ مترين خلفهم على كرسي حديث من المعدن مرتديا عباءة بيضاء مطرزة بشريط ذهبي، فقدم رولف نفسه للأمير على أنه طبيب ألماني فسهل ذلك على رايش وعليه الحديث مع الأمير، وفي قصر الأمير شاهدوا نبع الحياة في لينة ألا وهو بئر الماء الوحيد حيث أثار استغراب رايش وجود بئر محفور بمنطقة صخرية ورملية فوجه تساؤلاته للأمير عن كيفية حفر البئر ومن قام بحفره ولم يكن جواب الأمير ضاري إلا (هذا لا يعلمه إلا الله) مضيفا أن حتى آل مرة البارعين بحفر البئر لا يعلمون كيفية حفره. ومن ثم سألا الأمير عن مكان فريق مكافحة الجراد إلا أنه أبى أن يخبرهما حتى يقوم بواجب الضيافة لهما.

جريدة الجزيرة