تولي الملك سعود العرش

استلامه لمقاليد حكم البلاد:

فور استلام الملك سعود لمقاليد حكم البلاد قام بزيارة سريعة إلى عدة مدن رئيسية ابتداءًبمكة المكرمة حث أم المصلين في المسجد الحرام ووعد الأهالي أن يولي تلك البلدة المباركة " أعظم عنايته وأكبر اهتمامه".

وعند زيارته للمدينة المنورة أم المصلين فى المسجد النبوي الشريف وتفقد أعمال البناء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ساهم في نقل الحجارة والأتربة وحفر المئذنة الشمالية الغربية أمام الخاصة والعامة، مقتدياً في هذا العمل بسيرة الرسول وصحابته الكرام، تاركاً أعمق الأثر في نظر مشاهديه، الذين هللوا وكبروا فرحاً و ابتهاجاً وتيمناً.

وقبل عودته إلى العاصمة أصدر الملك في 21 ربيع الأول( 1373هـ 1953م ) بياناً معلناً ثقته بجميع أركان موظفي الدولة، يشكرهم ويثبتهم في مراكزهم، وعن رغبته في النهوض بالبلاد إلى ما تصبو إليه من مجد ورقي ورفاهية في إطار كتاب الله وسنة رسوله والشريعة السمحة، والقيام " بمشاريع عمرانية وأعمال نافعة ونشر العلم وبناء قوى الجيش " مؤكداً أنه سيكون أباً شفيقاً بهم ، سائلاً من الجميع أن يعمل كل من ناحيته وبقدر استطاعته على مساعدته في حمل أعباء الحكم .

وقبل مغادرته الحجاز، وعد الملك سعود بتنفيذ عدة مشاريع على الفور وعلى رأسها توسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وبناء الطرق بينهما والخدمات الصحية فيهما . وفي عاصمته الرياض وعد أهاليها برغبته في أن يضمن لهم حقهم في التقدم والازدهار .

مجلس الوزراء

أبقى الملك سعود التشكيل الوزاري الأخير في عهد والده بإضافة عدة وزارات، وذلك في 16 من ذي الحجة( 1373هـ 1954م )، مانحاً رئاسة مجلس الوزراء لأخيه وولي عهده الأمير فيصل بن عبدالعزيز ولما كان الملك سعود يولي وزارة المعارف اهتماماً خاصاً فقد عين أخاه الأمير فهد بن عبدالعزيز أول وزير لها مع رفع ميزانيتها أربعة أضعاف. وعين الشيخ أحمد السديري وزيراً للزراعة وتولى وزارة الصحة الدكتور رشاد فرعون، وزارة التجارة والصناعة محمد علي رضا عام( 1374هـ 1955م ).

كما ضم إلى عضوية مجلس الوزراء مجموعة من المستشارين وكان على رأسهم عمه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن وأضاف كلاً من الشيخ خالد أبو الوليد القرقني, وجمال الحسيني, والشيخ يوسف ياسين, الذي كان وزير دولة ونائباً لوزير الخارجية والشيخ إبراهيم بن معمر، كما أضاف دائرتين هامتين إلى هذه الوزارة هما: إدارة العمل والعمال والثانية الإذاعة في عام( 1475هـ 1955م ). ^[1] 

قامت الحكومة الجديدة بوضع معالم للتنمية المنظمة عبر خطة خمسية للمرة الأولى في تاريخ المملكة. وفي نفس العام قام الملك سعود بإنشاء ديوان المظالم. ^[2] وفي وقت لاحق وعند استقالة الأمير طلال بن عبدالعزيز وتعيينه سفيراً في فرنسا، عين أخاه الأمير سلطان وزيراً للمواصلات عام( 1374هـ 1955م ) كما عين محمد سرور الصبان بدلاً عن عبد الله السليمان كوزير للمالية ومن ثم تم تعيين محمد بن لادن وعبد الله بالخير بمرتبة يحق لهما فيها حضور اجتماعات مجلس الوزراء، فأصبح بن لادن ممثلاً للأشغال العامة وبالخير ممثلاً للإعلام.

ومن ثم افتتح الملك سعود عهده برحلات أخرى إلى بقية أنحاء المملكة لدراسة حاجتها للمشاريع والإصلاحات والاستماع إلى رغبات الأهالي، ابتداء بالمنطقة الشرقية ومنشآتها النفطية ومراكز الإحساء الزراعية، كما زار مناطق الشمال وعلى رأسها حائل والجنوب بما فيها عسير ونجران.

وقد بدأت النتائج الخيرة لهذه الزيارات تظهر سريعاً. وكان يقول رحمه الله بأن ما تم من أعمال ومشاريع فور استلامه الحكم ليس بالشيء المقرر مقارنة بما رسم لها وقرر بتنفيذها، لرغبته الكبيرة في رؤية بلده يتمتع بأكبر قدر من التقدم والعمران وفي رفع مستوى شعبه.

أما عن نهجه ومعالم سياسته الاجتماعية والتنموية والخارجية، فقد كان يقول رحمه الله بأنه لا يجب قبول " الدنية " من صغير أو كبير أو دولة مهما كان، كما لا يجب التراجع عن صداقة من رغب فيها إلا إذا كان فيها ما يمس الدين وا لكرامة والاستقلال.

وكان يشدد على المساواة والمحبة والتقدير، ويعامل الجميع بإخلاص " فالكبير والداً والمتوسط أخاً والصغير ابناً له على الدوام " وكان يعترف دائماً بوجوب الاستفادة من عِبر و دروس التاريخ وسير الأولين، وبالصلات المتينة بين الشعوب العربية والإسلامية بحكم الدين، كما كان يعتقد بأن تقوية هذه الروابط من العناصر الضرورية التي تتم عبر التعاون في كل المجالات. أما نظرته إلى الحضارة الغربية، فمع اعترافه بأن إنجازاتها مبنية على التقدم العلمي فقد كان يعتقد رحمه الله بأنه يجب على أمته الأخذ منها بما يعزز قوة البلاد ويحفظ كيانها وأبدى اهتمامه بالقضية الفلسطينية وكل قضية تخص كرامة العرب والمسلمين ومصالحهم. فكان يؤمن بأنه يجب على الأمة أن تعمل بجد وإخلاص لتحرير فلسطين، وبأن المملكة لن تتردد يوماًُ في بذل كل نفيس وغال في سبيل تحقيق رغبات الشعوب العربية والدفاع عن كيانها والتضحية في سبيل استقلالها. وبخلاف العديد من سياسي عصره وعصرنا، كان صادق النية في كل ما قاله رحمه الله ^[3]فكانت سياسته تتسم بكثير من مزايا المروءة الشخصية :وأولها الصدق, والوفاء ,والأمانة, والكرم, والإخلاص, والتسامح ,والتضحية في سبيل مصلحة دينه ووطنه.


نهج الملك سعود:

كانت شخصية والده الملك الراحل عبدالعزيز رحمه الله تقليدية ومحافظة , تغلب عليها القيم والنظريات العملية التي تربي عليها وعاصرها في فترة حكمه,فكانت سياسته تتسم بمبدأ عدم التدخل في شؤون الغير ورفض تـدخل الآخرين في أموره ,وعندما اعتلى الملك سعود العرش بعد والده اتبع نهج أبيه وسياسته الداخلية والخارجية .

و كان يعلم جيداً الدور المتوقع ان يلعبه كملك لدولة عربية في وسط بيئة إقليمية وسياسية مضطربة وهائجة يوجهها العديد من الشعارات الخيالية الرنانة , وايضا كخادماً وأميناً للمشاعر الإسلامية المقدسة مما منحه أهمية كبرى في أنظار جميع الشعوب الإسلامية نظراً لعدم وجود أي سلطة مركزية إسلامية بديلة تنافسه في ذلك الوقت منذ إلغاء الخلافة العثمانية. كان هم الملك سعود الاكبر هو رعاية مصالح وشؤون الإسلام والمسلمين كافة, الدينية منها والاجتماعية لما تتمتع به بلاده من إمكانيات مالية تفوق امكانيات العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى وبالتالي, كانت رغبته واستعداده لبذل الغالى والرخيص في سبيل الدفاع عن حقوق وكرامة قومه وأمته, لذلك أعد سياسته الداخلية والخارجية تجاوبا مع هذه الأدوار القومية والإسلامية والعالمية المطلوبة منه محافظاً بذلك على تأييد السلم وعدم التدخل في شئون الغير والاجتهاد للدفاع عن كل حق شرعي.

من هذا المنطلق أراد الملك سعود أن يرتب داره , فسعى لتقوية نظمه, وإدارته, واقتصاده, ومجتمعه, ودفاعه حتى يكون في وضع يخوله مساعدة إخوته العرب والمسلمين في محنهم بأسلوب فعال مع رغبتة الشديدة في النهوض بوطنه وإيصاله إلى كل ما يصبو إليه إلا أنه كان يعلم أن العملية تتطلب صبراً وجهداً متواصلين لكي يصل إلى غايته المنشودة .

المرجع : الدور الذي لعبه الملك سعود بجانب والده في توحيد المملكه - فهدة بنت سعود