حوار مع الامير محمد عن والده

الأمير محمد من عشاق السفر.. متى كانت أول رحلة لكم خارج المملكة وهل تذكرون محطاتها ؟.


وأذكر أن الوالد كان يرسل لنا وقت صلاة الفجر أحد مرافقيه ليوقظنا من النوم قبل موعد صلاة الفجر بنصف ساعة لنستعد بالوضوء لحضور الصلاة جماعة معه وكان قصره في الرويس بجدة . ولكن هذه المرة فقد كان الأمر مختلفا فقد جاءنا المندوب في ذلك اليوم قبل صلاة الفجر بساعة كاملة وهو المرافق المخلص للوالد عبد الله بن بلال يرحمه الله ، وذريته لازالت موجودة بالناصرية ... كان كما أشرت مبكراً على غير العادة فسألناه عن السبب فقال : والدكم ذهب بالطائرة إلى الطائف وكان الملك عبد العزيز هناك فعرفنا أن الأمر به سر ما ... خاصة بعد أن أرجع والدي الطائرة أمرا باللحاق به وفعلا امتطينا الطائرة وسافرنا إلى الطائف... ولدى وصولنا كانت هناك سيارة في انتظارنا أقلتنا إلى قصر الملك فيصل سابقاً وهو مقر مجمع الوزارات الحالي وقصر الملك فهد ... فلما وصلنا عبر طلعة المطار نزولا إلى الطائف لفت نظري أمام مستشفى الأمير منصور العسكري وجود ، حشد من المواطنين يبكون ويمسحون دموعهم بالغتر عندها أدركت أن هنالك كارثة ما ... فلما نزلنا من الطلعة وجدت العلم السعودي منزوع من مكانه ولم يبقَ سوى عاموده وكان على قصر الملك فيصل الذي يسكنه الملك عبد العزيز فلما دخلنا تأكد لنا أن الملك عبد العزيز أما أن يكون مريضاً جداً أو أنه توفي ... وعند دخولنا القصر وجدنا الملك سعود وجميع إخوانه الملك فيصل والملك خالد والأمير سعد والأمير ناصر وخادم الحرمين الشريفين وكافة الأمراء مجتمعين مع الوالد في غرفة وفور دخولنا استقبلنا عبد الرحمن الطبيش يرحمه الله حيث قال أدخلوا على والدكم وأعمامكم وعزوهم فقد توفي جدكم يرحمه الله ليلة البارحة فدخلنا وعزينا الجميع وكان ذلك بعد أن تمت البيعة للملك سعود من إخوانه وتعيينه للملك فيصل ولياً للعهد ... بعد ذلك قال لنا الوالد ... أدخلو شوفوا جدكم فدخلنا فوجدناه مسجى على فراش وضع على الأرض فكشفنا وجهه وقبلنا جبينه كان تأثرنا وقتها عميقا وبليغا لهذا الفقد الجلل عقب ذلك نقل جثمان الملك عبد العزيز بعد أن أديت عليه الصلاة في مسجد العيد المفتوح إلى الرياض ... فاضطر الوالد أن يبقى في الطائف ثم نزل جدة لقبول الاعتراف بالملك الجديد والحكومة الجديدة التي سوف يشكلها من السفراء والقناصل الموجودين في جدة آنذاك ... وقد رافق جثمان جدي الملك عبد العزيز أعمامي الأمراء فيصل وخالد وسعد وناصر وطلال وعبد الله وسلطان وجميع أبنائه تقريبا... وكان الملك فيصل مريضاً جداً آنذاك ... وكان يشرف على علاجه طبيب الملك عبد العزيز الخاص ويدعى البروفيسور ميليز وهو أشهر طبيب في فرنسا آنذاك ... وقد جلست معه فأطلعني على الملف الطبي للملك عبد العزيز والعلاج الذي كان يستعمله وما كان يعانيه من أمراض وكذا ملف الملك سعود وكنت أنا أيضا أتعالج عنده ولازالت الملفات لديه الى الآن ... فقد كان يَعز الملك عبد العزيز ويُقدره كثيراً وكذا كافة أفراد العائلة المالكة الذين كان يعالجهم أذكر أنني جلست مع والدي ولم يكن له مسكن في الطائف وكان يقيم في موقع اسمه جبره وراء شبره وهو القصر الذي كان مكتبا للملك فيصل وكان مستأجر الموقع عبد الله السليمان بواقع مائة جنيه لمائة عام من الإشراف وكان يوجد بالقصر بركة سباحة كنا نسبح فيها دائماً بعد ذلك نزل الوالد إلى جدة فنزلنا في قصور لعبد الله ومحمد السليمان يرحمهما الله . وكان يعقد مجالسه فيها وهناك أيضاً قصر الملك عبد العزيز ويطلق عليه القصر الأخضر وكان قديماً نوعا ما فسكن والدته وبعض عوائله فيه ... وظل حوالي سبعة أيام في موقعه حيث كان يستقبل يوميا بين أربعة إلى ستة سفراء غير المواطنين الذين كانوا يتوافدون لتقديم التعازي من كافة أنحاء منطقة مكة المكرمة وكانت أفواجهم مستمرة ليل نهار حيث خصصت ثلاثة مجالس لاستقبالهم.

عند انتهاء العزاء - يضيف سموه - غادرنا بطائرة إلى الرياض ومن المطار توجهنا رأسا إلى مقبرة العود للاطمئنان على قبر الملك عبد العزيز وقد رافق الوالد الشيخ ابن فارس وكان المسئول عن المقبرة وأذكر أن والدي كان يحمل عصاة مثل الخيزرانة فوضع خطاً بجوار قبر الملك عبد العزيز وقال هذا الموقع أمانة يا ابن فارس وكان مع الوالد آنذاك الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض يحفظه الله وفعلاً عندما توفي الملك سعود يرحمه الله ووصل جثمانه من اليونان قال لي الأمير سلمان " شوف يا محمد دفنا الملك سعود في الموقع الذي حجزه بجانب والده ودفن بجوارهما شقيقة الملك عبد العزيز " نورة " وبجانبهم والد الملك عبد العزيز الإمام عبد الرحمن الفيصل يرحمهم الله جميعاً.

•  هل جرت أية ترتيبات بشأن الحكومة خلال عودتكم إلى الرياض؟.

نعم عقب وصولنا إلى الرياض ألف الوالد أول حكومة وكان الأمير عبد الله بن عبد الرحمن عضوا فيها ومستشاراً للملك وعقد أول مجلس للوزراء يعقد في المملكة فقبل وفاة الملك عبد العزيز لم يكن هناك سوى ثلاثة فقط كان الأمير فيصل بن عبد العزيز وزير الخارجية ونائب الملك في الحجاز وكان عبد الله السليمان وزيرا عمومياً متعدد الاختصاصات فيما كان الأمير منصور بن عبد العزيز وزيراً للدفاع ... وكانت الطريقة التي يتخذها الملك عبد العزيز في ظل عدم وجود وزراء يعتمد على عدة مستشارين أذكر منهم يوسف شاهين ورشدي محلس وابن دغيثر وحمزة غوث وهو رجل ضليع في السياسة الدولية ... وجميعهم إنتقلوا إلى رحمة الله أما ناظر الخاصة الملكية فقد كان عبد الرحمن الطبيش ومساعده صالح بن شلهوب ... هذا ما أتذكره خلال الطفولة.

•  سموكم توليتم العديد من المناصب الهامة وكانت لسموكم إسهامات في تنظيم بعض المؤسسات الحكومية لاسيما العسكرية منها إبان توليكم لوزارة الدفاع والطيران فهل لنا أن نتعرف على إسهاماتكم وذكرياتكم في الحياة العسكرية؟.

في الواقع كنت ثالث شخص يتولى وزارة الدفاع فقد سبق أن عملت بالديوان الملكي ونقلني والدي يرحمه الله إلى وزارة الدفاع بعدما قدم أخي فهد بن سعود الذي كان يعمل بوزارة الدفاع استقالته وقبل ذلك الأمير مشعل بن عبد العزيز فتوليت وزارة الدفاع وكان مساعدي كل من اللواء إبراهيم الطاسان يرحمه الله وكان نائبي ومساعدي للأمور العسكرية والشيخ ابن صالح وكان مساعد للشئون المدنية وكان هناك ضباط أكفاء وكلية حربية يرأسها علي الشاعر وزير الإعلام السابق ... وعلى أيامنا وصلت أول طائرات بوينج نفاثة إلى الخطوط السعودية حيث أمنا طائرتين كانتا أصلا لإثيوبيا ولكن لم تكن آنذاك مستعدة لاستقبالها لأن مطاراتها لم تكن مجهزة وكان وزير المالية حينها الأمير طلال بن عبد العزيز – يحفظه الله – وهو الذي أشار بشراء هذه الطائرات حيث اذكر أنه كان يوجد ثلاثة أنواع من الطائرات البوينج الأمريكية والكومت الإنجليزية وطائرة فرنسية فتقدموا للوالد بالعروض الثلاثة للطائرات فاختار الأمير طلال بصفته وزير المالية بالتشاور مع الوالد طائرتي البوينج وفعلا وصلتا مطار الظهران حيث كان يوجد لدينا بعثة أمريكية وكذا مطارا مهيأ لاستقبال مثل هذه الطائرات وهو مطار الظهران ...

وكان مؤجر للبعثة الأمريكية بعشرة ملايين دولار في السنة.

وأذكر إننا من أوائل الدول التي استخدمت هذه الطائرات ضمن أسطولها بعد لبنان بعد ذلك أحضرت مصر طائرات من طراز كومت ومن ثم انتشرت طائرات البوينج بكثرة ... وكان نهار نصار أصغر طيار على ما أذكر في العالم يقود نفاثة سعودية وصادف أن الملك سعود كان متواجدا في أمريكا لعمل فحوصات طبية فقام نصار بقيادة إحدى هذه الطائرات في رحلة عودة الملك سعود من الولايات المتحدة إلى الرياض ثم رجع مرة أخرى ليأتي بطائرة نفاثة ثانية رغم وجود طيار أمريكي لعشقه وإبداعه في مجال عمله.


المرجع: جريدة عكاظ 2 محرم 1421
 

 

 

المرجع جريدة عكاظ 2 محرم 1421