حوار الأمير خالد عن والده

خطَــــــــرات نفــــس - لصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود بن عبدالعزيز

عفواً يا أبي إن اخترت لك هذا اللقب في هذه الخطرات ، ذلك لأنه لقب حبيب إلى النفس ، فأنت أبي لا يشاركني في أبوتك سوى أخوتي الأعزاء من أبنائك .

***

وعفواً إذا لم أخاطبك بصاحب الجلالة الملك المعظم ، فذلك لقب الرسميات ، ولكني أريد أن أتحدث إلى أبي حديث نفس ، وأن أهمس إلى أبي همسات قلب .

أريد أن أعترف بفضل أبي ، أن أتحدث إلى سعود الأب لا سعود الملك ، تدفعني عاطفة بنوية قوية ، تعبر عن نفسها في كل مناسبة تجمع بين الأب الملك والأبناء الأمراء ، حيث تتلاشي كل الاعتبارات ، ولا يبقى إلا اعتبار واحد هو انك أب ونحن من حولك الأبناء ..

***

أبي ... سُعُوُد

أحمد لك تلك الاجتماعات العائلية التي تهيؤها لنا بين الحين والحين ، حيث نشعر فيها نحن الأبناء بعاطفة الأبوة الجياشة في قلبك الكبير ، وحيث ننعم بالجلوس إليك ، وحيث نقدر لك هذا العمل النبيل ، وحيث تقوى تلك الرابطة المقدسة بيننا .. وحيث تكون وإيانا كشجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء..

***

أبي ... سُعُوُد

أقدر نصائحك الذهبية ، تلك النصائح التي وجهتها إلينا - نحن أبناءك - في اجتماعنا العائلي والتي أوصيتنا فيها بالحرص على ديننا ، دين الإسلام .. دين الله الذي لا إله إلا هو .. والتي وجهتنا فيها إلى أن التمسك بالدين سبب كل نجاح ، بل سبب السعادة في الدنيا والآخرة .

ولعلك أشفقت علينا من غرور الدنيا ، وفتنة الأمارة ، فأردت ان تحصن شبابنا بالدين ، وهو الحصن الحصين .

ثم اتجهت بنا إلى الوطن ، تأمرنا برعايته ، وتحثنا على رفعته ، وكان أسلوبك في ذلك حكيماً حيث قلت :" إن الدين يدعو إلى حماية الوطن ، ويدعو أهله أن يكونوا أعزة أقوياء .. "

فكان لنصيحتك فعل السحر في نفوسنا ، ونحن نعاهدك عهداً لا حنث فيه ، على أن نضعها نصب أعيننا ، وان نعمل بها ما وسعنا العمل ، والله يوفقنا.

***

أبي ... سُعُوُد

لعلك رأيت أنا التعليم هو الوسيلة الناجحة لرقي الأمة ورفعة الوطن ، وأن الدين يدعو إليه ، وأن العالم يتخذ منه سلاحاً وعدة للمستقبل ، فلم ترد أن تسبقنا قافلته ، فهيأت لنا المدارس ، ووجهتنا إلى التعليم ، وأوصيتنا أن نأخذ منه بنصيب موفور ، وكأنك أردت بتعليمنا أن تتم نقصاً بدا فيما مضى.

ونحن بحمد الله نؤمن بما ترى ، ونعمل جاهدين على الفوز منه بنصيب نستضيئ بنوره ،ونهيئ به لأمتنا حياة كريمة ، ونسير بوطننا في قافلة الحضارة والمدنية .

ولعلك أردت أن نشعر بمدى اهتمامك بتعليمنا ، فمنحتنا فيضاً من زياراتك الحبيبة في مدارسنا وكنت ألمح على محياك السرور ، وأشعر أن عينك تَقَرُّ بنا وقد انصرفنا إلى الدرس والتحصيل ..

***

أبي ... سُعُوُد

إن ما خرج من القلب حل في القلب ، وإن حبك لنا قد خرج من قلبك فوصل إلى قلوبنا ، ننعم به ونشعر بدفئه وحرارته حينما تشرف حفلاتنا ، وتحضر مبارياتنا ، حيث أستقبلك بقلبي ، فتمنحني الثقة بنفسي ، وتنفخ فيّ من عزمتك ، فأشعر بقوة هائلة وعزيمة وثابة ، فألعب وأجيد ، وكأني أقصد بذلك إسعادك وإدخال السرور على قلبك ،وكأن هذا واجب علي أؤذيه إليك .

ثم أنت . أنت أيها الأب الحكيم ، تأبى إلا أن تهدينا فوق عطفك وحبك فيضاً من الكئوس والجوائز ، فنتقبلها تقبل الأبناء هدية الآباء ، وما أعظم سرورنا بها ، وما أجمل ابتهاجنا لها .

***

أبي ... سُعُوُد

لا ننسى لك ما هيأت لنا من مناسبات ، حيث تصحبنا معك في زياراتك للكثير من دول العالم وليس لك غرض من وراء ذلك إلا أن تمكننا من الاتصال بالعالم ، والوقوف على ألوان من الحياة الاجتماعية في مختلف الدول ، والتعرف إلى رؤساء هذه الدول وقادتها ، حتى تتسع مداركنا ، وتقوى شخصياتنا ، وتنمو معارفنا ، وبذلك تكون قد أعددتنا إعداداً صالحاً للمستقبل ، وأسهمت في تربيتنا مع المدرسة .

ذلك ما يراه الابن فيما يمنحه الأب من أمثال هذه الأسفار.

أبي ... سُعُوُد

خرجت بنا إلى البر ، وصحبتنا إلى البادية ، وخلفنا المدينة وراءنا بما فيها من وسائل للحياة الناعمة ، وذهبت بنا إلى الصيد والقنص ، ولعل الناس يظنون أن ذلك مظهر من مظاهر الملك ولكن الحقيقة غير ما يظنون ، فأين البادية بحياتها الخشنة ، وطبيعتها القاسية من مظاهر الملك والأبهة ؟ وأين الخيام من القصور ؟ .

لم يكن عملك هذا إلا طريقه من طرق تربيتك لنا ، حيث تعودنا الخشونة ، وذقنا التقشف ، وبعدنا عن الترف والنعيم ، فصلب عودنا وقويت شكيمتنا.

ثم عروبتنا لن ننساها ، وهي تدعونا إلى تعلم الصيد والرمي ، وما كان أسعدنا حينما كنا نشرق ونغرب في البادية ، نطارد الصيد ، ونطلق عليه صقورنا ، ثم نسدد إليه رصاصنا وأخيراً نظفر به ونهرع إليك .. إلى أبينا وحبيبنا .. نقدمه بين يديك راجين أن تقبله منا ، فتباركه لنا وأنت راضي النفس قرير العين ..

***

أبي ... سُعُوُد

بالأمس القريب أعد المعهد ندوة أدبية ، اشترك فيها لفيف من الطلبة ، وكان موضوع الندوة " شخصيات تاريخية " فاخترتُ أن أتحدث عن شخصيتك ، لأني أراك شخصية تاريخية تستحق الحديث عنها ، وتحدثت عن شخصية سعود الملك ، وعن شخصية سعود ولي العهد في حياة أبيه وشخصية سعود الذي يطير من الشرق إلى الغرب ويتحمل مشاق السفر ومتاعبه في سبيل رفاهية شعبه وسعادة أمته ، تحدثت وكان العالم كله يتحدث عنك معي ، ذلك لأنك كنت وقتها في زيارتك التاريخية لأمريكا ودول الغرب.

أبي ... سُعُوُد

هذه كلمتي ، ترجمة عن خواطري ، وصدى لحديث نفسي ، أقدمها تحية من خالد الابن إلى سعود الأب ، واعترافاً بفضل هذا الأب على ذلك الابن.

وختاماً . أدعو الله مخلصاً أن يبقى الأب لأبنائه ، وأن تقرّ بهم عينه ، وأن يحفظ الملك لشعبه
وأن يسعدهم به .


خالد بن سعود
ثانية ثانوي

 
 

المصدر: الناصرية: صِحيفة مَعهْد أنجال جلالة الملك سعود المعظم 1376