الحجة الأولى للامير سعود نيابة عن والده الملك عبد العزيز

حجة الأول عام 1366 الذي ناب فيه عن جلالة الملك والده

ما كان يطرق أسماع الناس في الرياض نبأ اعتزام حضرة صاحب السمو الملكي ولى العهد الأمير سعود المعظم السفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج نيابة عن جلالة الملك والده يوم الاثنين المصادف في 6 ذي الحجة من عام 1366هـ . حتى تقاطروا من كل صوب للتشرف بتوديع سموه في قصره العالي ، ومنذ الصباح الباكر تحرك الركب الملكي مؤلفا من سمو الأمير ولى العهد واصحاب السمو الملكي الأمراء الكرام ، بعد أن أقيمت لهم حفلة توديع فخمة اشترك فيها رجال القصر ورؤساء الدوائر وكبار الموظفين والحرس الخاص والجند والاعيان والوجهاء وسائر طبقات الشعب التي احتشدت في الرياض ومطارها وفي طول الطريق الموصلة بينهما وعلى رأس الجميع السمو الملكي الامراء الكرام وكانت الهتافات بحياته تعلو حتى تبلغ عنان السماء .

وبينما كانت حفلات التوديع الرسمية تقام في الرياض كانت مدينة جدة تستعد لاستقبال موكب سمو الامير العظيم ومن معه من امراء البيت المالك وكبار رجال الحاشية الملكية ، وفي مطار جدة احتشدت الناس افواجا بانتظار قدوم الطائرات السعودية التي تقل سادة الحجاز واعلام المشرق العربي ، وقد حضر الى المطار رؤساء دوائر جدة وكبار موظفيها واعيانها ووجها ئها ووفد من رؤساء دوائر مكة وكبار موظيها واعيانها ووجهائها وكذلك قد حضر الوفد الاندنوسى بكامل اعضائه ، كما احتشد جمهور غفير من مختلف طبقات الشعب واصطفت ثلة من رجال الشرطة وافراد الجيش وابناء المدارس والفرق الرياضية على جانبي الطريق الموصل إلى صالون الاستقبال ، وقد ازدان موضع هذا الاحتفال بالاعلام العربية السعودية التي كانت ترفرف على أرجائه ، فتبرهن بذلك للعالم أجممع ان هذه الإعلام التي رفعتها ايدى عربية جبارة ستظل مرفوعة إلى السماء ناشرة ظلها المديد فوق هذه الربوع المقدسة ابد الدهر ، وكان رجال بلدية جدة يشرفوت على ترتيب هذا الاحتفال والمحافظة على نظامه ، وقد كان على رأس هؤلاء المحتفلين باستقبال سمو ولي العهد المعظم اصحاب السمو الملكي الأمير سعود ابن عبد الرحمن ، والامير خالد بن عبد العزيز ووزير الدفاع سمو الأمير منصور ، وسمو الأمير عبد الله الفيصل ، وفي الساعة الخامسة من اليوم المذكور وصل موكب سمو ولي العهد المعظم إلى مطار جده فخف لاستقبال سموه حين نزوله من الطائرة أصحاب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد الرحمن ، والأمير خالد بن عبد العزيز ، ووزير الدفاع الأمير منصور ، والأمير عبد الله الفيصل ، وأدت ثلة من رجال الشرطة التحية العسكرية وانشد أبناء المدارس والفرق الرياضية الأناشيد الترحيبية الحماسية ، وكانت أصواتها وأصوات التصفيق والهتاف ممتزجة بأصوات المدافع التي دوى بها الفضاء بإطلاقها إحدى وعشرون طلقة تحية لسموه العظيم.

وقد وصل بمعية سمو الأمير سعود من الرياض لتأدية فريضة الحج المقدسة عدد من أصحاب السمو الملكي أحفاد جلالة الملك عبد العزيز بن سعود المعظم وفي طليعتهم ، سمو الأمير فيصل بن تركي ، وسمو الأمير محمد بن تركي ، وسمو الأمير فهد بن سعود ، وسمو الأمير مساعد بن سعود وسمو الأمير محمد بن سعود ، وسمو الأمير عبد الله بن سعود ، وقد جاء بصحبتهم كذلك موظفو ديوان جلالة الملك المعظم وهم ( مع حفظ الألقاب ) : الشيخ إبراهيم بن جمعية رئيس الضيافات بديوان جلالة الملك المعظم ، والشيخ ابر أهيم بن عيدان رئيس مكتب البادية بديوان جلالة الملك
والشيخ عبد الله التويجري مساعد أمين السر العام بديوان جلالته والقائد سعيد بك جودة رئيس الحرس الملكي ، كما ان حاشية سمو الأمير سعود ولي العهد المعظم كانت تتألف من حضرات الشيوخ والسادة : عبد الله السعدون ونايف بن عريعر ، وسليمان العبيد ، وسليمان بن هذلول ، وسعود بن دغيثر ، وطلحا بن عريعر ، وعبد العزيز بن عبود ، وكذلك وصل بمعية سموه موظفو ديوانه الخاص وهم السادة الآتية اسماؤهم ( مع حفظ الالقاب ) : فهد بن كريديس رئيس ديوان سموه ، ومساعده محمد بن سعيد ، وعثمان التويجري رئيس شعبة البرقيات بديوان سموه ، وابرهيم بن سويلم رئيس مكتب الشكايات بديوان سموه والاديب النابغ الاستاذ عبد الحميد مشخص وكيل هيئة رئيس المراقبة العامة بالرياض ، والدكتور اديب العنتابي طبيب سموه الخاص ، والضابط محمد النملة مرافق سموه العسكري ، وبقية موظفي ديوان سموه وهم ( مع حفظ الالقاب

موسى بن طياش ، وخالد خليفة المترجم بديوان سموه ، ومحمد التويجري ، وسعود التويجري ، وعبد الرحمن الحميدى ، وعبد الرحمن بن سليمان ، وعبد الله بن سعيد وغيرهم من السادة الافاضل والامراء الاكارم الذين تشرفوا بمرافقة سموالامير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية من الرياض الى جدة ومن ثم الى مكة المكرمة.

وبعد ان استقر بسموه المقام في صالون الاستقبال بمطار جدة تقدم احد الخطباء فالقى بين يدى سموه خطبة ترحيبية ، ثم توافد الجميع للتشرف بالسلام على سموه فكان حفظه الله وابقاه ذخراً للامة العربية جمعاء يقابلهم بما فطر عليه من البشاشة والايناس ومكارم الاخلاق السامية ، وبعد ذلك تناول الحاضرون القهوة العربية وكؤوس المرطبات ، وبعد انتهاء هذا الحفل الفخم شيع سموه بمراسم الحفاوة البالغة ، وتوجه على سيارة ملكية يتبعها رتل من السيارات المقلة لاصحاب السمو الأمراء الكرام إلى القصر الملكي العامر ، وفي مدخله ادت ثلة من جنود الدفاع المصطفة لسموه التحية العسكرية ، وحينما استقر بسموه المقام في صالون الاستقبال بالقصر الملكي العالي ، تدفق على القصر المهنؤون والمرحبون من رجال السلك السياسي والمؤسسات الاجنبية وفريق من رجال الحكومة والاعيان والوجهاء ، وبعد ان استقبلهم سموه الواحد بعد الأخر وشكر وطنيتهم الصادقة واخلاصهم العميق دعاهم الى تناول حفلة الغذاء على مائدته.

وبعد انتهاء هذه المراسيم الملكية المعتادة ارتدى سمو الأمير ملابس الاحرام وكذلك فعل اصحاب السمو الامراء ورجال الدولة الذين سيؤدون فريضة الحج المقدسة هذا العام ، ثم توجه سموه على سيارة ملكية من جدة إلى مكة المكرمة وخلفه أصحاب السمو الامراء فحاشية سموه الكريمة على رتل من السيارات وقد كانت جنود الشرطة المصطفة اما م مراكزها على طول الطريق من جدة إلى مكة تؤدي لسموه التحية العسكرية.

وفي نفس الوقت كنت في مكة المكرمة أشاهد بام عيني اهتمام الشعب المكي الكريم البالغ بقدوم ولى عهد مليكة المحبوب ، فقد كنت ترة جموعاً حاشدة من مختلف الناس قد اصطفت على جانبي الطريق من خارج باب جدة حتى باب الحرم الشريف ، ولم يكن هناك موضع لقدم في هذا الشارع الكبير ، وكانت رجال الشرطة وبعض افراد الجيش السعودي يحافظون على النظامويهيئون الطريق للموكب الملكي السامي حتي يمر بسلام ، وفي الساعة العاشرة والنصف من يوم الاثنين المصادف 6 ذي الحجة سنة 1366هـ. دخل موكب سموه الكريم مكة المكرمة فأدت لسموه ثلة من الشرطة المصطفة بباب جدة في مدخل مكة التحية العسكرية ، كما صدحت الفرق الرياضية المصطفة هنالك باناشيدها الترحيبية الحماسية ، ودوت الارجاء باصوات المدافع التي اطلقت احدى وعشرين طلقة ترحيباً بمقدم سموه الكريم.

وقد مشى من مدخل مكة بين يدى سموه رتل من سيارات الجيب والدراجات النارية التابعة للشرطة ، كما أدت جنود الشرطة المصطفة امام باب السلام لسموه التحية العسكرية ، وكانت الجماهير المحتشدة على جانبي الطريق تدمى اكفها بالتصفيق وتحي اميرها المفدى بعبارات نبيلة تخترق اجواء الفضاء وكان سموه يرد على هتافاتهم العالية وتصفيقهم الحاد بيده الكريمة وابتسامته المشرقة ووجهه المنير ، وعند ما وصل سموه إلى المسجد الحرام دخل من باب السلام كما هي العادة التبعة في مراسم الحج ودخل من ورائه أصحاب السمو الامراء الكرام فرجال الحاشية والموظفون عن يمينه وشماله الحرس الخاص ومشى بين يدى سموه اغوات الحرم وخدمه بمباخر الطيب ، فطاف سموه سبعاً بالبيت الحرام وصلى بعد ذلك خلف المقام ثم سار إلى الصفا فسعى بينها وبين المروة سبعة اشواط مشياً على قدمية وقبل مغرب يوم الأثنين المذكور أتم سموه نسكه.

وبعد ذلك توجه موكب سموه الكريم إلى القصر الملكي العالي وعند مدخله ادت جنود الدفاع المصطفة هنالك لسموه التحية العسكرية ، وقد كانت اصوات التصفيق والهتافات العالية بتحية سموه تخترق عنان السماء على طول الطريق من مدخل مكة المكرمة إلى المسعى الملكي من الجماهير المحتشدة من أهل البلاد والحجاج، فكان ذلك من أروع المظاهر بهجة وجمالا ، كما أن العاصمة الحجازية كما كانت مزدانة بالأعلام العربية السعودية المرفوعة على جميع دوائرها ابتهاجا بتشريق سمو الأمير سعود ولى العهد المعظم لمكة المكرمة.

وبعد صلاة المغرب تناول العشاء على مائدة سموه بالقصر الملكي العالي فريق من كبار الموظفين والأعيان .

وفي الساعة الثالثة من اليوم الثاني ( الثلاثاء ) أقيمت في القصر الملكي أيضا حفلة استقبال فخمة عامة ترحيباً بسمو الأمير حضرها رؤساء دوائر الحكومة السعودية وكبار موظفيها واعيان الأمة الحجازية ووجهاؤها وممثلو كافة طبقاتها ووجهاء الحجاج وأعيانهم ، ولما اكتمل عقد الجميع وجلس كل واحد منهم في مقعده المعد له ، أقبل عليهم سمو ولي العهد المعظم في صالون الاستقبال العام فوقف الجميع إجلالا لسموه ، وبعد أن استقر بسموه المقام أديرت على الحاضرين القهوة العربية الممتازة ثم تقدم الشاعر الكبير الأستاذ احمد إبراهيم غزاوى شاعر جلالة الملك المعظم وعضو مجلس الشورى فالقي بين يدي سموه قصيدة عصماء أجاد في إلقائها كما أبدع في إنشائها وهانحن ننشرها بنصها الكامل فيما يلي:

{ سعود} كله ألق ومجد

وفيه { الشعب } يجمع وهو{ فرد}

تهافت نحوه { البطحاء } حباً

وتهتف باسمه طرباً وتعدو

***

كأني بالحجاز – وقد توافى

اليه – وأشرقت بضحاء { نجد}

تدفق من روابيه اليه

وملء لهاته شكر وحمد

عليه من بشأشته ملاء

وفيه من ندى كفيه رغد

كأن البدر منه في تمام

وما للشمس دون سناه وقد

تأثلها مكارم خالدات

لها في قومه جزر ومد

روتها عن مواهبه صلات

وعن عزماته بيض وجرد

وأكبرها – بنو الدنيا – جميعاً

ولج بذكرها شيب ومرد

مواكب من طلائعه أراها

وليس لها وراء الأفق حد

مشت فوق الثرى تترى تباعاً

وصافحت الثريا وهي بند

ومن يزهو بأغظم من ابيه

اباً – في تاجه انتظمت معد

نمته غطارف شمس أباه

إليهم كل مكرمة ترد

ولم يبرح لدن نيطت عليه

تمائمه يصد ولا يصد

وكم في بابه ازدحمت وفود

لها من غيشه المنهمل رفد

وكم قااد الفيالق دارعات

عليها الطير بالعادات تغدو

وكم خاض المعارك داميات

عواصفها من الصدفين ربد

وكم بالسيف – أقبل مستبيحاً

معاقل مالها في الفتح بد

وكم في فيه رحبت ظلال

عليها من يد الرحمن برد

***

ولى العهد – وضاح المحيا

يباهي الحكم فيه – وهو طود

ولم يبرح – تضئ به الدياجى

ويملى سفره ، برق ورعد

حملت اليه افئدة تغشت له

بالحب وهي اليه تحدو

تملكها هواء على ضياء

كأن شعاعه للشرق عقد

وكيف ؟ وبين كفين حظوظ

وفيه للضحى المفتر عهد

تلألأ في جبين منه ضاح

كما يجلى من الغمد الفرند

فيها مهوى { العروبة } في رؤاها

ومن هو في أمانيها { المعد }

لقد أبلى النوى فينا بلاء

وحسبك أنه جنف وصد

أقلنا من تجنيه وشيكا

فإن شراكه عكس زطرد

وإن لنا عليك الحق { حولا }

وحولا – ان تقيم ، وذاك وعد

***

أجل – وعدتنا – حتى تقضت

بنالجج – { تعود } ولا تعد

لبسناها على مضض طويلا

وقسناها – دهوراً – وهى سرد

كفى بك – داعياً – وكفى مجيباً

ومنك الحكم ، عدلا يستمد

***

وتلك { أمانة } عندي لشعب

أؤديها إليك – ولا – أرد

تكاد بها جوانحه تصدى

وعطفك قد عهدنا – لا يحد

ولازالت بك { النعماء } تترى

ومنك السعى توفيق وقصد

وعاش { مليكنا } وبنوه طراً

{ وشبلك } – قرة العينين { فهد }

***

ثم تقدم الاستاذ فؤاد شاكر تشريفاتي القصر الملكي فألقى قصيدة بين يدى سموالامير سعود قوبلت بالاعجاب الشديد والاستحسان التام واستعيد الكثيرون ابياتها ، ثم تلاه الاستاذ محمد حسين زيدان المدير المساعد لادارة الحج العامة فألقى بين يدى سموه خطبة بليغة كان لها احسن وقع في النفوس وقوبلت بالتصفيق الحاد ، ثم تقدم الاستاذ ضياء الدين رجب معاون مدير الاوقاف العام فألقى بين يدى سموه قصيدة رائعة كانت درة من الدرر الشعرية الخالدة ، ثم وقف الدكتور محمد مرعي فالقى بين يدى سموه قصيدة عبرت عن شعوره الفياض نحو مليكه المعظم وبلاده المحبوبة وقوبلت بالاعجاب والتقدير ،ثم تقدم خطيب دار الايتام بمكة المكرمة الطالب النجيب السيد عبد العزيز مسعود فألقى بين يدى سموه خطاباً رائعاً قوبل بالاستحسان ، ثم تقدم بعده الشاعر البدوى المشهور السيد عليان الجبري فألقى بين يدى سموه قصيدة رائعة على عادته في الالقاء كان لها وقع حسن في نفوس الحاضرين ، ثم وقف الشاعر مصطفى السكران فالقى قصيدة بديعة أجاد في إلقائها وحازت الاستحسان.

وبعد ذلك اديرت على الحاضرين كؤوس المرطبات ، ثم توافدوا للتشرف بالسلام على سموه وهو واقف على قدمية يتقبل ذلك منهم بما جبل عليه من السجايا الشريفة زالمزايا الحميدة طبقة بعد أخرى ، وكان آخر الطبقات ضباط شرطة العاصمة وطلاب دار الايتام بمكة المكرمة الذين حظوا بشرف السلام على سموه ، فمروا بين يدية براياتهم الخاصة مؤدين لسموه التحية على نظام بديع واسلوب رائع ، وبذلك انتهى هذا الاحتفال الذي اشرف على تربية ةتنظيمه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل فكان آية في البهاء والجمال والروعة.

وقد كان موكب سمو الامير سعود ولى العهد المعظم ومايحيط به من جلال وكمال بهجة الحجيج وزينته ومبعث سرور كافة الحجاج واغتباطهم ، وفي يوم الاربعاء المصادف 8 من شهر ذى الحجة تحرك ركاب سموه العالي من العاصمة وهو بثياب الاحرام على سيارة ملكية ومن ورائه أصحاب السمو الامراء الكرام فحاشيته الكريمة ومن بين يدية وعن شماله ومن خلفه الحرس الخاص والجميع بثياب الاحرام على رتل من السيارات ملبين مهللين حتى وصل سموه إلى منى فأقام بالقصر المكي فيها إلى ان أدى بها خمس صلوات كما تقتضية السنة النبوية المحمدية الشريفة ، وفي صبيحة اليوم التاسع توجه موكب سموه الى عرفات فنزل بالمخيم الملكي بها وظل ملبياً مهللاً مبكراً إلى ان زالت الشمس فتوجه حينئذ موكبه السامي الى مسجد غرة ودخله سموه من الباب العزيزى وادى به صلاتي الظهر والعصر جمعاً اتباعاً للسنة الشريفة ، مؤتماً بسماحة رئيس القضاة الشيخ الجليل عبد الله بن حسن آل الشيخ وسمع هنالك خطبته القيمة التي بين فيها مناسك الحج واحكامه وكانت الالوف المؤلفة من الحجاج التي حضرت هنالك صلاتي الظهر والعصر جمعاً تستمع إلىهذه الخطبة بواسطة مكبرات الصوت الحديثة ، وبعد ذلك توجه سموه ومن معه الى جبل الرحمة فوقف ازاء الصخرة التي كان يقف عندها النبي صلى الله عليه وسلم فكم كان رائعاً هذا الموقف العظيم الذى يتجلى بنوره وقدسيته بابهج صورة واروع تصوير ، وقد ظل سموه هنالك مع سائر الحجيج بقية اليوم خاشعاً لله تعالي ملبياً مكبراً ذاكراً داعياً الله سبحانه وتعالى بالدعوات المأثورات الى ان غربت شمس ذلك اليوم ، وبعد ذلك افاض موكبه السامي من عرفات يتبعه الحجيج الى مزدلفه ، وبعد ان أدى سموه هنالك صلاة صبح اليوم العاشر وقف بالمشعر الحرام الى ان ارتفع النور فتوجه موكبه السامي الى منى حيث رمى جمرة العقبة ، وبعد أن ادى سموه عندها مالزم من النسك سار موكبه السامي الى مكة المكرمة فطاف بالبيت الحرام طواف الافاضة ثم عاد إلى منى وعند انتهاء اليوم الثاني من أيام التشريق توجه موكب سموه حفظه الله في كافة اعمال حجة اسوة حسنة للحجيج وقدوة طيبة لهم .

وبعد ان انتهى الحجاج من اداء فريضتهم المقدسة اقام سمو الامير سعود ولي العهد حفلة استقبال كبرى في منى لوفود الحجاج من مختلف الاقطار العربية والاسلامية، وقد كان سموالامير منصور وزير الدفاع يشرق بنفسه على تنظيمها وإعدادها ويتفقد شؤونها بدقة كاملة وقد اعد مقاعد خاصة للرجالات الرسميين والشعبيين ومان كل مقعد يحمل اسم صاحبه، وقد حضرها اعيان الحجاج وامراء مقاطعات هذه المملكة ورؤساء دوائر الحكومة وكبار موظفيها ووجهاء الامة وممثلو كافة طبقاتها ، وكان في مقدمة من حضر من وفود الدول الاسلامية صاحب المعالي الاستاذ حيدر بك مردم الوزير المفوض لسوريا بالديار الحجازية وسعادة أحمد خشبة باشا امير الحج المصري واعضاء بعثة الشرف المصرية ثم مندوب الجمهورية الاندونوسية ثم الوزراء والمفوضون المسلمون للدول العربية وغيرها ، وكذلك رجال المفوضيات الاسلامية وموظفيها ورؤساء الوفود الاسلامية الشعبية واعضائها والعلماء والزعماء والوجهاء من كافة المسلمين على إختلاف اجناسهم، وبعد ان تشرفوا بالسلام على سمو الامير سعود ولي العهد المعظم وتهنئة ببلوغه الحج وبعيد الاضحي المبارك واستقر بهم المقام ، تقدم بين يدي سموه الاستاذ احمد بن ابراهيم الغزاوي شاعر جلالة الملك المعظم وعضو مجلس الشورى فألقى قصيدة عصماء آثارت المشاعر وألهبت العاطفة.

ثم وقف بعده فضيلة الاستاذ عبد الرزاق الحمصى رئيس البعثة السورية فالقى خطاباً رائعاً بديعاً جامعاً قوبل بالتصفيق الحاد والاستحسان التام ، ثم نهض الشاب الاديب عضو البعثة السعودية في كلية الآداب بجامعة فؤاد الاول بمصر فالقى قصيدة بديعة كان لها احسن الوقع في نفوس الحاضرين ، وبعد ذلك أديرت كؤوس المرطبات على الجميع وبعد برهة وقف سموالامير وخلفه الحاضرون من ممثلى الامم الاسلامية واعيانها لدى شرفة القصر الملكي المطلة على الساحة التي استعرض بها سموه الجيش العربي السعودي ، فعرضت بين يدي سموه أولا وحداثت الدفاع النظامية بقيادة حضرة صاحب السمو الملكي وزير الدفاع الامير منصور وقد كانت هيئته العسكرية بديعة مهيبة تستلفت الانظار حيث كان مرتديا بدلة مشير ( مارشال ) وقد كان المكرفون ( مكبر الصوت ) يوضح للمشاهدين في قاعات القصر وساحاته المترامية اسماء وحدات هذا الجيش اثناء عرضها بحسب ترتيبها اولا فأولا وهي : المشاة ، فالمدرعات ، فالمصفحات ، فسيارات مدفعية الميدان فسيارات مدفعية الصحراء ، فسيارات المدفعية المضادة للدبابات ، فسيارات المدفعية المضادة للطائرات ، فسيارات المدافع الرشاشة فيسيارات الرشاشات اليدوية ، فسيارات الهلال الأحمر ، فسيارات الورشة الصناعية ، وقد استوجب عرض هذا الجيش بنظامه البديع وترتيبه الحسن اعجاب جميع الحاضرين والمشاهدين الذين غصت بهم جوانب ساحة العرض فامتلأوا حماسة وشجاعة واخترقت عنان السماء أصوات تصفيقهم وهتافهم للجيش العربي السعودي ، وبعد أن انتهى عرض وحدات الدفاع النظامية عرضت وحدات الشرطة فمرت بين يدى سمو ولي العهد المعظم مرتبة هكذا : قسم المشأة ، فقسم الخيالة ، فقسم الموتوسيكلات ( الدراجات النارية) فقسم سيارات الجيب وعليها وحدات التفتيش وتنظيم المرور وبعد ذلك كعرضت وحدات المجاهدين على سموه بهيئتهم المسماة ( العرضة ) العربية يتقدمهم ابطال العرب ومفاخرهم احفاد جلالة الملك المعظم وهم أصحاب السمو الملكي الامير عبد الله الفيصل ، والامير فيصل ابن تركي ، والامير مساعد بن سعود ، والامير محمد بن سعود والامير عبد الله بن سعود.

وكان عرض الجميع في زيهم العربي الجميل وهم يتهادون بسيوفهم المصلته اللامعه وبنادقهم الممتازة ويهزجون بأناشيدهم الحماسية المبهيجة الممزوجة بأصوات طبول الحرب التي تدق أمامهم تتقدمهم الراية السعودية المظفرة وما ان مرت هذه الراية أمام سمو ولي العهد المعظم حتى تفجرت ينابيع الحماسه من هؤلاء المجاهدين الاشاوس فاشتدت حركتهم وصاروا يعدون عدو المهاجمين وتعالت أصواتهم وتتابعت طلقات الرصاص من بنادقهم وأصبح موقفهم أشبه بموقف معركة هجوم فاصلة فأثار هذا المنظر الرائع نفوس المشاهدين وحرك نفوسهم فاشتد تصفيقهم وتعالي هتافهم للجيش العربي السعودي المظفر والراية السعودية المنصورة . وقد كان سمو ولي العهد المعظم مدة هذا العرض واقفاً بيده الكريمة جميع وحدات الجيش التي تمر بين يدي سموه . وفي نحو الساعة الخامسة والنصف انتهى العرض العسكري و أخذ الحاضرون يقبلون يد سمو ولى العهد المعظم وينصرفون وبذلك انتهى هذا الاحتفال الكبير.

وبعد ذلك غادر سمو الأمير سعود والحاشية الملكية الكريمة منى إلى مكة المكرمة حيث كانت الاستعدادات تقام للاحتفال بتركيب الباب الجديد للبيت الحرام بعد أن تقادم عهد الباب القديم وأخذ في التضعضع والاختلال ،وقد أراد جلالة الملك المعظم أن يضم مأثرة حميدة إلى مآثره التي لا تعد ولا تحصى في سبيل خدمة العروبة والإسلام فأمر إن يكون صنع هذا الباب الجديد على نفقته الخاصة وقد صنع هذا الباب الجديد بصفائح من خالص الفضة محلاة بكتابات آيات قرآنية بأحرف ونقوش من خالص الذهب ، كما أن حلقتي الباب العظيمتين صنعتان من خالص الذهب بشكل بديع رائع لم يسبق له مثيل ، وقد كسيت تلك الصفائح الفضية والأحرف والنقوش الذهبية بألواح من طيب العود الشذى الذي هو أزكى أنواع الطيب.

وقد جرى تركيب هذا الباب في موضعه المقدس باحتفال رسمي عظيم رأسه حضرة صاحب السمو الملكي ولى العهد المعظم الذى رفع بيده الكريمة هذا الباب ووضعه في موضعه الشريف من الكعبة المعظمة ، وقد حضر هذا الاحتفال صاحب السمو الملكي وزير الدفاع الامير منصور ، وصاحب السمو الملكي الامير عبد الله الفيصل ، وأصحاب السمو الملكي الأمراء الكرام ابناء سمو ولى العهد المعظم ، والعلماء وعلى رأسهم سماحة رئيس القضاة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ وفضيلة محمد بن ابراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ وفضيلة الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ وبقية آل الشيخ وسعادة مدير المعارف العامة فضيلة الشيخ محمد بن مانع وأمراء المقاطعات ورئيسا سدنه الكعبة الأول والثاني مع سدنتها معالي وزير المالية ومعالي نائب وزير الخارجية ومدير الامن العام ومدير الاوقاف العام وهيئة موظفي المسجد الحرام وخدمة واعواته ورؤساء الوفود والبعثات الاسلامية وكبار الشخصيات من الحجاج.

وقد قامت إدارة الاوقاف العامة بتنظيم هذا الاحتفال العظيم وإعداد برنامجه وتوجيه الدعوة إلى المدعوين فيه خير قيام . وحينما وصل سمو ولى العهد المعظم إلى باب المسجد الحرام أدت له هنالك ثلة من الشرطه التحية العسكرية فدخل المسجد الحرام ومشى بين يديه الاغوات وموظفو المسجد الحرام بمباخر الطيب حتى حاذى باب الكعبة فجلس امامه بخشوع تام وجلس خلفه المدعوون وابتدئت الحفلة اولا بتلاوة آى من الذكر الحكيم تلاها المقرئ الشهير الشيخ سراج قاروت ، ثم تفضل سمو ولي العهد المعظم فأسمع الحاضرين بمنطقة العذاب الجذاب خطايا رائعاً عظيما كان له أحسن الاثر في نفوس السامعين وهانحن ننشر نصه الكامل بالحروف الواحد للذكرى والتاريخ :

شعبي العزيز ووفود بيت الله الحرام:

احييكم بتحية الاسلام والحمد لله الذي شرفنا بخدمة بيته وشرفني بوضع هذا الباب لهذا البيت العتيق . فهذا فضل من الله من به علينا وتلك مأثرة من مآثر جلالة والدى الملك المعظم حفظه الله وابقاه.

واني أسال الله في هذا الموقف العظيم ان يجعل عملنا كله خالصا لوجهة وان يتقبل منا ومنكم وأن يرفع الكرب عن شقيقتنا مصر وسائر بلاد المسلمين وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بعد ذلك ألقى الشيخ عبد الله الشيبى السادن الثاني لبيت الله الحرام خطاباً بليغاً اشاد فيه بمآثر جلالة الملك المعظم وختمه بالداء لجلالته ولسمو ولى عهده ولكافة أفراد الاسرة المالكة قام على اثره فضيلة الاستاذ ضياء الدين رجب معاون مدير الاوقاف العام فألقى كلمة نثبتها بالحرف الواحد لانها تتحدث عن تاريخ باب الكعبة المعظمة وتشير الى التطورات والانقلابات التي طرأت على هذه الباب باب الكعبة المعظمة وتشير إلى التطورات والانقلابات التي طرأت على هذا الباب .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبة أجمعين.

يامولاى لقد شاء الله بمحض فضله وكرمه ان تتعاقب المحامد في صفحات العهد السعودي الزاهر وان تتوالى المآثر والمفاخر . فما من مكرمة سلفت ولا مفخرة مضت الا ويعيد التاريخ فيها نفسه فتتجلى من جديد مشرقة لا معه في سجل اعمال البطل الخالد جلالة مولانا والدكم المعظم .

يا مولاى في مثل هذا اليوم منذ ثلاثمائة واثنين وعشرين عاماً خلت أمر السلطان مرادخان ابن السلطان أحمد خان والى مصر ان يجعل للكعبة بابا جديداً . فعين والى مصر لذلك الامير رضوان بك المعماري واضاف اليه يوسف المعماري مهندس العمارة اذذاك فوصلا إلى مكة في موسم تلك السنة . ثم لما كان السابع عشر من شهر ربيع الاول عام 1045 وصل إلى الكعبة المشرفة وفتح آل الشيبى بابها فعلقوه وركبوا غيره عوضا عنه بابا من خشب لم يكن عليه شئ من الحلية وانما عليه ثوب قطنى أبيض . وفي يوم الثلاثاء التاسع عشر 19 من الشهر المذكور شرع في تهيئة باب جديد ، وركب عليه حلية الباب السابق ، وكتب عليه السلطان مرادخان ابن السلطان أحمد خان وركب الباب الجديد بمحفل حضرة امير مكة وشيخ الحرم وسدنة البيت المعظم وكبار العلماء والاعيان وكذلك في يوم الخميس الموافق 20 رمضان عام 1045 وارسل الباب القديم الى السلطن مراذخان بناء على امره.

وفي يوم الخميس هذا يجدد التاريخ الفضيلة العظمي لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود الذي أمر بصنع هذا الباب للكعبة المشرفة ، وفي هذا اليوم يتجلى شرف الموقف في هذا الاحتفال الذي يراسه حضرة صاحب السمو الملكي ولى عهد المملكة العربية السعودية مولاى الامير سعود المعظم الذي يضع الذى يضع بيده الكريمة هذه المأثرة الدينية التاريخية الخالدة.

أجل انه لمن اعظم الماثر ان يأمر صاحب الجلالة العاهل الاكبر بصنع هذا الباب المشرف وان يصنع في مكة المشرفة بأيد مكية تولت صنعة وان يحظى بشرف وضعه وتركيبه صاحب السمو الملكي ولى عهد المملكة العربية السعودية فالحمد لله على نعمه وفضله . هذا هو الباب الجديد المشرف ترصعة الآيات القرانية الشريفة المطرز بها كما ترون ايها السادة الحاضرون بهذا الترتيب الذي اتلوه امامكم : ( بسم الله الرحمن الرحيم . واتقوا الله الذى اليه تحشرون . جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس . قل رب ادخلنى مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لى من الدنك سلطانا نصيراً . لا إله الا الله محمد رسول الله . قل ياعبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعاً أنه هو الغفور الرحيم . كتب ربكم على نفسع الرحمة . وقال ربكم ادعوني استجب لكم . امر بصنع هذا الباب جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل السعود ملك المملكة العربية السعودية.).

وفي الختام نرفع اكف الضراعة إلى الله ان يمتع الاسلام والمسلمين بطول حياة جلالة مولانا الملك المعظم ، وأن يحفظ به معاقل دينه ، وان يؤيد بعزه ونصره وتمكينه ، وان يكلاً بعين رعايته التي لا تنام انجاله واحفاده الميامين .

وبعده تلى الاستاذ جميل آشى آيات من الذكر الحكيم ، وحين انتهائه من تلاوتها تقدم سمو ولى العهد المعظم ، فركب حلقة باب الكعبة على مصراعية بين تهليل المدعوين والجماهير الاسلامية المحتشدة وتكبيرهم فدخل سموه الكعبة المشرفة ودخل معه اصحاب السمو الامراء الكرام ورؤساء الوفود الاسلامية والعلماء وعليه القوم ومكث سموه مدة في جوف الكعبة يدعو الله بدعوات مباركات خص بالكثير منها المسلمين في مشارق الارض ومغاربها وبعد ذلك خرج سموه من الكعبة وطاف بها سبعا ثم صلى بمقام ابراهيم وقفل راجعا مشيعا بمثل ما استقبل به من مراسم الحفاوة الفخمة.

وبعد ذلك أقام حضرة صاحب السمو الملكي الامير سعود ولى العهد العظيم مأدبة العشاء الفاخرة التي تقام عادة في كل سنة تكريما لوفود بيت الله الحرام ، وقد دعى اليها ما ينيف عن الخمسمائة رجل من رؤساء الوفود والبعثات الرسمية وشخصيات الحجاج البارزة وعلمائهم وادبائهم ومندوبوالدول الاسلامية وبعثاتها وممثلى الدول العربية ورجالاتها وزعماء الامة العربية وكانت السيارت الملكية الحديثة تنقل المدعوين الذين لا يملكون سيارات خاصة الى القصر الملكي العالي وفي صالون الاستقبال كان رجال القصر والحاشية الملكية يستقبلون المدعوين ويجلسونهم في المقاعد المخصصة لهم وكانت تبدو روح الديمقراطية الصادقة على وجوه الجميع " وكان رجال القصر الملكي يتنقلون بين المدعوين لكي يحققوا لهم رغباتهم ويلبوا طلباتهم حتى ليشعر كل فرد انه جالس في بيته بين أهله وعشيرته.

وبعد ان اديرت عليهم القهوة العربية اعلن بمكبرات الصوت الموضوعة في الصالون وفي الشرفات ان يتقدموا من غرفة الطعام وياخذ كل منهم مكانه حول المائدة الملكية ... وبعد لحظات شرف سمو الامير ولى العهد المعظم صالون الطعام وتصدر المائدة وكان يجلس عن يمينه وشماله كبار المدعوين واشرافهم وقد افاض صاحب السمو الامير سعود على المائدة من أنسه وحسن ضيافته ما ألهج السنة الجميع بالشكر والحمد لله تعالى الذي هيأ لهذه الامة العربية الاسلامية الكريمة رجال افذاذ كهؤلاء العظماء ليقودوا خطاها نحو مدارج الحضارة والمجد.

وبعد ان انتهى المدعوون من تناول الطعام عادوا ثانية الى صالون الاستقبال الفخم واخذوا اماكنهم فيه ، واديرت عليهم اقداح القهوة العربية النفيسة. ثم تقدم حضرة صاحب المعالي وزير الدولة ونائب وزير الخارجية الاستاذ الشيخ يوسف ياسين والقى خطاب سمو ولى العهد العظيم ، واني لا نشر نصه الكامل للذكرى والتاريخ:

ايها الاخوان المسلمين

أحييكم بالنيابة عن جلالة والدى الملك ، وبالإصالة عن نفسي.

احييكم بتحية الاسلام ، واحيي في اشخاصكم الكريمة المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ، وأحمد الله الذي وفقنا وإياكم لأداء مناسك الحج تلبية لأمر الله ، وإستجابة لدعوة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ، وإتباعا لسنة نبينا محمد r لقد فرض الله علينا حج بيته رحمة منه وفضلا ، ليجمع كلمتنا على عبادته وليؤاخي بيننا في طاعته ويؤلف بين قلوبنا في محبته ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام ) واى منفعة اجل واعظم من ان تهوى افئدة المسلمين الى هذا البيت العتيق ليتعارفوا في الله ويتعاهدوا على العمل بكتاب الله.

ففي مثل هذا المجتمع العظيم كان رسول الله r يدعو الناس لتوحيد ربهم ومعرفته ، وفي مثله القى رسول الله خطبته في حجة الوداع فكانت هدى للمهتدين ، وكذلك كان يفعل خلفاؤه الراشدين المهديون من بعده ، وكذلك درجنا في الاتباع ، فكان جلالة والدي حفظه الله كما هو دأبنا داعية إلى الله في مثل هذه المواقف العظيمة وفيها نتناصح والمسلمين على العمل بكتاب الله واتباع هدى رسول الله واول ما ندعو اليه هو مادعا إليه رسول الله r من إخلاص العبادة لله وحده ، فلا نعبد الا الله ولا ندعو إلا الله ولا نشرك معه في عبادته غيره ( ان صلاتي ونسكى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلمين ) أدعو المسلمين في هذا الموقف العظيم بنبذ كل ما يخالف أمر الله وان يتواصوا بينهم بالصبر والتقوى ، نستمد العون من الله لينصرنا ويؤيدنا وياخذ بايدينا لما يرضية ، سبحانك لا نحصى ثناء عليك بما سهلت لنا القيام بطاعتك في بيتك الحرام ، ونحمده على ما منحنا من القوة والعزيمة حتى تأمنت السبل في هذا الوادى المبارك ، ونسأله ان يهبنا القوة والتوفيق في العمل كل مايسهل امر الحج لحجاج بيته ، كما نسأله أن يوفقنا لخدمة أهل هذه البلاد الذين هم من قلوبنا وقلوبنا منهم نعيش معهم ويعيشون معنا كما يعيش الولد مع ابيه والاب مع ابنائه .

أيها الاخوان:

ان السرور ليملأ قلبي حينما أشاهد جموع المسلمين عزهم وسؤددهم وللعرب اوطانهم وبلادهم لتكون لهم لا لغيرهم فيتمتع أهل كل بلد بنعمة بلادهم.

لقد اراد الله ان تجتمع كلمة العرب على تأسيس جامعة لهم فكانت مشيئة الله في اجتماع تلك الجامعة ، وكلنا نرمقها بقلوبنا ونذود عنها وعن مبادئها بكل ما نملك من قوة . وكلكم يعلم أعمالها ومساعيها ونحن وسائر الدول العربية نعمل جاهدين وراءها للوصول الى ماينبغي ونريد.

لا اريد ان أخص في هذا الموقف قضية فلسطين بالذكر وحدها فكل قضية للمسلمين قضية لنا وكل قضية للعرب قضية لنا نعمل دائمين للوصول لاهدافنا .

وفي الختام اسأل الله أن يتقبل منا ومنكم وان يردكم الى دياركم سالمين وان يوفقنا الله للقائكم في هذه البلاد مرات عديدة وان يرفع الله الكرب الذي حل بشقيقتنا مصر وان يجمعنا في هذه البلد الامين محفوفين برضاء الله ثم بحضور جلالة الوالد الملك وان يعز المسلمين والعرب وينصرهم على اعدائهم والسلام .

وبعد ان انتهى معالى الشيخ يوسف ياسين من القاء هذا الخطاب القيم نهض الاستاذ احمد بن ابراهيم الغزاوى فألقى بين يدى سموه قصيدة عصماء كان لها ابلغ الاثر في نفوس الحاضرين.

ومن ثم نهض شاعر العرب الكبير الشيخ فؤاد باشا الخطيب فألقى بين يدى سموه قصيدة غراء كانت آية في الاجادة والروعة وقد قوبلت من الحاضرين بالتصفيق الحاد واستعيدت ابياتها مراراً وتكراراً ، وبعد ذلك وقف الاستاذ فؤاد شاكر فالقى ابياتاً من الشعر كانت في الواقع الحانا رائعة من السحر والبيان وبعد ان انتهى الاستاذ فؤاد شاكر من القائه اديرت على الحاضرين مباخر عود الطيب وقماقم ماء الورد ثم تشرف الجميع بالسلام على سموه وانصرافوا مشيعين بما استقبلوا من الحفاوة والاكرام.

وفي اليوم الثاني كنت مع الزميل الفاضل الاستاذ عبد الله عريف صاحب جريدة
( البلاد السعودية) في طريقنا إلى القصر الملكي العامر لمقابلة سمو ولي العهد الامير سعود لنلقى عليه بعض الأسئلة التي تهم الرأى العام العربي والاسلامي ، وما ان وصلنا القصر حتى وجدنا ابوابة مفتحه تستقبل آلاف الزوار الذين جاءوا ليحظوا برؤية سمو الأمير عن قرب ويتشرفوا بالسلام عليه ، وكانت اروقه القصر وغرفة تموج كالبحر الزاخر بحجاج بيت الله الحرام الذين يشكلون مختلف الطبقات، لا فرق بين احد منهم بعد ان ساوى الدين الاسلامي بينهم ، وبعد أن تساوواهم انفسهم في بلاط آل سعود.

وكان سمو ولى العهد في مكانه من قاعة المجلس يصافح هذه الآلاف في ابتسامة تتم عن خلائفة التي رفعته مكاناً عليا.

ولم يشغله اهتماهة بزواره عن اعماله الضخمة الكبيرة ، فقد كان سموه يصرف الشئون بماعهد فيه من الدقة واليقظة ، فتراه يهمس لرئيس ديوانه ، أو سكرتيره الخاص أو أمين برقياته أو موظفى ديوانه باوامره ، وفي الوقت نفسه بأن سموه كان يجيب على الصحفيين ، ومندوبي محطات الاذاعة ، ومن مختلف الاقطار والاجناس واللغات الذين خرجوا من عند سموه وهم يلهجون بذكر هذه الشخصية التي ابصروا أكرم الخلائق ، وأنبل الصفات التي جعلت لسموه مكانا في نفس كل عربي ومسلم وتركت في نفس رواده الكرام ، أجمل الاثر الذى يعودون به الى بلادهم وهم سعداء بأداء فريضة الحج ، وبالمثول بين يدى أعضم عربي بعد عاهل الجزيرة المفدى.

في هذا الجو المهيب الرائع الذى يسوده البشر والايناس والسماحة ، تشرفت بالمئوية بين يدى سموه باسم البريد السورى مسلماً.

وبعد ان تلطف بي سموه بادرته بالسؤال الاول قائلا:

ولقد كانت راحة الحجاج هذا العام جد عظيمه فما سبب ذلك؟

فقال سموه : الفضل في راحة الحجاج في هذا العام ، هو لله سبحانة وتعالى الذي يسر الاسباب لتأمين راحتهم وهيأ لنا تنفيذ شئ من المشاريع التي أر بتنفيذها جلالة والدنا الملك المعظم ، فقد تم بعض الاعمال ، وكان له أثر بين في راحة الحجاج ، والحمد لله ، وسيتم ان شاء الله ... كما ستقام بحول الله ، مشاريع أخرى من شأنها راحة الحجاج وتقدم البلاد ، وهذه الأشياء تسير طبقاً لتطورات الظروف الاقتصادية ، وقد كان لوجود العدد الكافي من السيارات أثر في راحة الحجاج وسيزداد عددها ان شاء الله . وقد كان لتضافر موظفي الدولة ، وأفراد الشعب في قيام كل واحد منهم بواجبه أثر في تأمين راحة الحجاج.

قلت: لقد قام سموكم برحلة أول هذا العام إلى امريكا ، فما هدفكم منها وما رأى سموكم فيما شاهدتم بها من آثار الحضارة.!

فقال سموه: "أمريكا بلاد عظيمة ، ورحلتي اليها بشئون تتعلق بخدمة البلاد العربية ، ونحن لم نتعود الكلام فيما نقوم به وسيعرف العرب والمسلمون ذلك عندما يحين الوقت المناسب ، وقد شاهدنا فيها من آثار العمران والتقدم ، ما هو معروف عند الجميع ، ونحن نأخذ من جميع البلدان ما هو صالح لبلادنا ومفيد لها ، ويتفق مع أنظمتنا وتقاليدنا ".

قلت: ما هو موقف العرب إزاء فلسطين إذا أريد تقسيمها.!

فقال سموه: " إن موقف العرب من قضية فلسطين ظاهر ، والعرب لن تحيد عن آرائها ، وكيف يمكن أن يغير الإنسان نفسه ، إن فلسطين عربية ، فكيف يراد نقلها إلى شكل آخر ، هذا لم يقع في تاريخ البشرية والعرب عازمون على المضي في أمرها إلى النهاية ".

قلت: هل يسمح سموكم بكلمة عن مشروع سوريا الكبرى!

فقال سموه: " قد أبدى العرب رأيهم في هذا المشروع بكل وضوح ، ولا يحتاج الأمر فيه إلى الإعادة ، وأنا على يقين بأن قضية فلسطين هي التي تصرف العرب جميعهم ، عن كل خلاف بينهم ليكونوا يداً واحدة ، في الدفاع عن الخطر الداهم في فلسطين ".


 

كتاب الامام العادل تاليف عبدالحميد الخطيب