كلمة الأستاذ محمد صلاح الدين

الملك سُعُــــــود بن عَبــــدِ العزيِز



بقلم : الأستاذ محمد صلاح الدين

وزير الخارجية المصرية السابق

المملكة العربية السعودية أمجد البلاد دون إستثناء وأحبها إلى أفئدة العرب والمسلمين . فيها الكعبة المشرفة يحج إليها المؤمنون من جميع أقطار الأرض ويتجهون إليها بالصلاة في كل يوم خمس مرات . وفيها قبر الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي بعثه الله بآياته البينات هدى ورحمة للعالمين.

المملكة العربية السعودية أو الجزيرة العربية هي مهد العرب أجمعين إليها ينتمون على اختلاف الديار والأقطار وبها تتصل نفوسهم وأرواحهم وإن شط المزار وتقطعت الأسباب العادية على مر الأعوام.

في هذه الجزيرة القاحلة نشأ العرب منذ آلاف السنين وفيها استوت طبيعة العرب وأخلاق العرب وتميز من بينها الكرم الحاتمي والنجدة والنخوة والشجاعة والاعتزاز بالأصل وعزة النفس وعشق الحرية ، وهي خصال فائقة الروعة لولا ما كان يشوبها من روح الفردية الجامحة التي لا تستغرب من أهل البادية والتي جعلتهم يتنابذون ويتنازعون ويتقاتلون ويضمر بعضهم لبعض شر الانتقام ويفاخر بعضهم بعضاً في صلف وغرور وتأخذهم العزة بالإثم فيرتكبون الكبائر بل يشركون بالله . إن الشرك لظلم عظيم .

ثم أراد الله لهذه الجزيرة الخير السابغ والفضل البالغ فبعث فيها نبياً عربياً من أهلها اجتمعت فيه فضائل العرب واجتنبته نقائصهم فجاء علوي الذات كامل الصفات جديراً عند الله بما نزل عليه من الوحي الكريم.

وأخرجت آيات الوحي وأخلاق الرسول أمة العرب من الظلمات إلى النور ونقلتهم من ذل الجاهلية إلى عز الإسلام الحنيف وخاطبهم رب العالمين أحكم خطاب إذ قال لهم في قرآنه المبين . واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً.

وبالإيمان والاتحاد رفع العرب لواء الإسلام فرفع الإسلام لواء العرب حتى بلغوا من نور العلم والعرفان ومن الرقي والمدنية ومن القوة والمنعة واتساع الرقعة وامتداد السلطان مالم يسبقهم إليه السابقون غير أنهم من بعد ذلك عادوا يتواكلون ويتخاذلون ويغفلون عن ذكر الله وعن الاعتصام بحبله المتين فحق عليهم غضبه . وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

خبا عليهم وذوت حكمتهم وذهب قوتهم وأصبحوا في ذيل الأمم بعد أن كانوا في رأسها وأضاعوا استقلالهم ووحدتهم فاقتسم الأجنبي أرضهم وتحكم فيها . ثم أضاء استبداد الأجنبي بصائرهم وأيقظ ضمائرهم من جديد فهبوا في جميع أقطارهم يعملون لسيادتهم ووحدتهم واسترداد فخارهم القديم .

ونهضت الجزيرة العربية فيما نهض من أقطار العرب وكان نهوضها على يد رجل عظيم هو الملك الراحل المبرور عبد العزيز آل سعود.

كانت إمارة نجد نفسها قد ضاعت من أسرته فلم يكد يبلغ العشرين حتى نهض لاستعادتها وفتح الرياض عاصمة نجد في قوة لا تزيد على أربعين رجلاً . حاصر المدينة بأكثرهم وتسلق أسوارها على رأس سبعة منهم قد أتت الرياض لشجاعة هذا الرجل الفرد وهذا النفر القليل.

كانت هذه معجزة من معجزات الإقدام وحسن التدبير وكانت فاتحة الخير الوفير فقد انتقل بعدها عبد العزيز آل سعود من نصر إلى نصر ومن توفيق إلى توفيق حتى شيد في جزيرة العرب هذا الملك الكبير.

ووطد الملك الراحل ملكه بالحزم والعزم وبالعفو والتسامح وبالعرف واكتساب القلوب. كان في حربة ريحاً عاتية ، وفي سلمه روحا حانية ، وفي حكمة ذا رأي ثاقب وصبر أريب . وكان ولا ريب من السعداء ذوي الحظ الباسم فابتسم الحظ في عهده للجزيرة العربية أيما ابتسام هذه الجزيرة الصفراء هذه الصحراء الجرداء. هذا الوادي القاحل الذي لا زرع فيه شاء الله أن يرزقه من الطيبات وأن يغدق عليه أعظم الخيرات فتدفق فيه الذهب الأسود مدراراً حتى أصبحت بلاد العرب أغنى البلاد في إنتاج البترول وهو عصب الحياة.

ولما انتقل عبد العزيز إلى جوار ربه الكريم ترك وراءه مملكة وطيدة الأركان سليمة البنيان ناهضة فتية عاملة غنية نابضة بالحركات الإصلاحية رافلة في ظل وارف من الأمن والسلام.

وكانت الجزيرة العربية قبل عبد العزيز في حالة من القلق والاضطراب والفقر والحاجة والجمود والضلال أشبه شيء بحالتها الغابرة في أيام الجاهلية الأولى قبل نور الإسلام .

وقد كان المتشائمون يخشون على المملكة العربية السعودية بعد موت عبد العزيز ، فالعبء ثقيل والولد كثير والفراغ الذي تركه الملك الراحل فراغ كبير ، ولكن الله اللطيف الخبير خيب ظن المتشائمين وأبى سبحانه للمملكة إلا الخير والفلاح.

تجمع أشبال الأسد حول كبير الأشبال وأحاطوا به مؤيدين مخلصين متفانين . كما يحيط السوار بالمعصم . وكان الشبل الكبير قد اكتمل في حياة أبيه واستوى بل كان قد أصبح صورة ثانية طبق الأصل من والده العظيم له قامته وله سحنته وله سمته وله عقله وله نفسه وله روحه وله هيبته وله حزمه وعزمه وله حكمته وفطنته . وقال الملك الجديد سعود بن عبد العزيز قولة موسى عليه السلام " واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ، أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيراً".

والقافلة اليوم تسير على بركة الله وبسم الله الرحمن الرحيم تلحظها عيون العرب والمسلمين وتكلؤها أرواحهم مٍن جميع الأرجاء . أليست المملكة العربية السعودية أو الجزيرة العربية مهد العرب ، أليس فيها كعبة المسلمين وقبلة المؤمنين أليس فيها قبر النبي الكريم.

نعم ويسعد العرب والمسلمين أن يعلموا أن القافلة تسير في الجزيرة العربية في يمن ورخاء وأمان.

يسعدهم أن يسمعوا منها وان يسمعوا عنها خير الأنباء.

يسعدهم أن تملأ آذانهم صيحة سعود . وأن إسرائيل لسرطان خبيث في قلب الشرق الأوسط ولا بد من أن يستأصل هذا السرطان ولو كلفنا استئصاله ملايين كثيرة من كريم الأرواح.

ألا مرحى للملك الكريم ألا مرحى للعربي العظيم.

إن سعود ملك الجزيرة العربية لا ينسى المصيبة العظمى والكارثة الكبرى التي حلت بجميع العرب يوم أخرج العرب من ديارهم في فلسطين على ذلك النحو الغاشم الذي لم يعرف له التاريخ نظيراً في الظلم والعسف والطغيان.

إن سعوداً لا ينسى العرب اللاجئين وما هم فيه من الظلم والإهانة ومن البؤس والحرمان .

إن سعوداً حارس القبلة الثانية لا ينسى قبلة المسلمين الأولى وهيهات أن ينساها أحد من المسلمين.

وليس العرب متعنتين وليس المسلمون متعنتين بل هم أهل الكرم والسماحة ودينهم دين الحب والصفو. ولكنهم يأبون الضيم ولا يقيمون على الهوان.

أقولها وأكررها ليس العرب متعنتين وليس المسلمون متعصبين ولكن العرب والمسلمين يأبون أن يكونوا عرضاً لاعتداءات المتعصبين .

هذه خواطر سانحة منها الضاحك ومنها الباكي صورتها في ذهني ثم أملتها على بياني شخصية الملك سعود بن عبد العزيز وطبيعي أن أذكر معها خواطر قيمة أخرى تخصنا نحن المصريين.

يعلم الناس جميعاً أن مصر والمملكة العربية السعودية لم تختلفا على شيء من تفصيلات السياسة الخارجية منذ أنشئت جامعة الدول العربية .

وقد كان الملك الفقيد عبد العزيز لا يترك فرصة تمر إلا دافع فيها عن القضية المصرية . دافع عنها وعن سائر القضايا العربية عندما قابل الرئيس روزفلت على أرض مصر في أثناء الحرب العالمية الثانية . ودافع عنها عندما عرضتها مصر على مجلس الأمن الدولي في سنة 1947. ودافع عنها في أثناء محادثات سنة 1950- 1951 ثم دافع عنها أمجد دفاع عندما ألغت مصر معاهدة 1936 وفي أثناء حوادث القنال . وكان رحمة الله عليه يقول دائماً للانجليز وحلفائهم الأمريكيين لن يستقر للشرق الأوسط حال حتى يذهب عن مصر وزر الاحتلال.

وورث الملك سعود كما قال أخيراً بلسانه عن أجداده وآبائه حب مصر والعروبة ونحا نحو أبيه العظيم في الدفاع عن قضيتهم العادلة قضية الجلاء ووحدة مصر والسودان.

ولكنه خطا بعد أبيه خطوة واسعة في هذا الدفاع المجيد.

فبينما الولايات المتحدة الأمريكية تعمل جاهدة لفصم وحدة العرب وعزل مصر وقضيتها عن عناية شقيقاتها والضغط المتواصل على بعض الدول العربية لعقد صلح مع إسرائيل .

وبينما تعلن أنباء الاتفاق التركي الباكستاني ويلوح للعراق الشقيق بالانضمام إلى هذا الاتفاق فتميل حكومته بعض الميل ويصدر عنها بعض التصريحات والتصرفات ما يدل على أنها قد تمضي أيضاً في هذا السبيل.

بينما تجرى هذه المناورات في الشرق الأوسط إذا بسعود بن عبد العزيز يصدر تصريحه البليغ الحاسم عن إسرائيل ويرفض ما عرض عليه من المساعدات الأمريكية ويعلل رفضه في وضوح بأن المملكة العربية السعودية لا تستطيع أن تقبل هذه المساعدات العربية حتى تحل أولاً قضية مصر الشقيقة حلاً عادلاً بجلاء القوات الانجليزية عن أرضها .

أيها الملك العظيم . إنك لعلى خلق عظيم . إنك لعلى نهج قويم . وإن مصر والعروبة لن ينسوا لك هذا الجميل إلى أبد الآبدين.

أما بعد فيخطئ أبلغ الخطأ من يظن أن مصر والمملكة العربية السعودية تتكتلان في جامعة الدول العربية فكل ما هنالك إنهما تسيران على صراط مستقيم وتتبعان ما تعلمان أنه اتجاه الشعوب العربية جمعاء ولكم يسعدهما ألا تشذ أية حكومة عربية عن إتباع هذا النهج والتضامن مع القافلة في سلوك هذا السبيل فهو وحده السبيل الجدي إلى استقلال العرب والى وحدتهم الشاملة.