الخطاب الذي افتتح به جلاله الملك مجلس الوزراء بالرياض


المرسوم الملكي الخاص بقرار رقم 52 وتاريخ 24 - 3 – 1374
طلع مجلس الوزراء على المعاملة
الخطاب الذي افتتح به جلاله الملك مجلس الوزراء بالرياض

نحمد إليكم الله الذي بفضله تتم الصالحات ، وبعونه وقدرته تنجح المساعي وتتحقق الآمال ، ونصلى ونسلم على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين الذي جاء من عند الله بما كفل لنا خيري الدنيا والآخرة .
أما بعد : فكل منا قدر ويقدر مقدار الفاجعة العظمى التي فجعنا بها بوفاة مجدد مجدنا وباني أساس دولتنا الوالد العزيز عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل قدس الله روحه وتغمده برحمته وجعل مثواه جنات النعيم ، فلقد أعاد لنا بفضل الله مجد آبائنا وأجدادنا وأسس دولتنا فكان لها مركزها بين العالمين ، كما كان له رحمه الله من المنزلة في العالم ما تعلمون ، وان ما تركه لها من التراث ومن السمعة العظيمة في محافل العالم نعتبره ركنا من أركان مفاخرنا تتحدث به الأيام والعصور ولقد كان عزاؤنا الوحيد بعد هذه الفاجعة ما من الله به علينا إذ وهبنا فضيلة الصبر والتجلد في ساعة الفاجعة فلم يذهلنا هول المصاب عن الواجب للسير في الخطى التي رسمها لنا رحمه الله ، وقد واسي جراح قلبنا ما رأيناه من التفافكم حولنا وشدكم أزرنا ومبايعتكم لنا بقلوبكم قلب أيديكم وما أحاطنا به الشعب من تأييد ومبايعة على السمع والطاعة على سنة الله ورسوله ، وهذا يذكرنا بما فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلفاء الراشدين ، فكان ذلك العزاء الوحيد لنا ولكم ولشعبنا وكان حافزاً جديداً حدانا إلى مواصلة الليل والنهار للعمل على ما فيه النهوض ببلادنا وإسعاد شعبنا.
لقد كان همنا منذ تولينا مقاليد الأمور أن نعتصم بكتاب الله ونستهدي بهدي رسول الله وسنة خلفه من السلف الصالحين ثم نتبع سيرة والدنا العظيم في السياسة والإدارة وفي كل مجال من مجالى الإصلاح سلك سبيله وفتح لنا طريقه لنتعهد ما شيد ونتم ما بدأ فيه من أعمال ونقوم بكل ما نستطيعه لما فيه مصلحة بلادنا وشعبنا:
لقد جعل الإسلام الأمر شورى بين المسلمين ، فأول ما عقدنا العزم عليه هو أن نجعل منكم إخواننا وأبنائنا ووزرائنا موضع ثقتنا ومشورتنا لنتعاون معكم على النهوض بأعباء الحكم في هذه البلاد فأنشأنا هذا المجلس - مجلس الوزراء ليكون مصدراً ومرجعه منكم وإليكم على أساس ما يقوم به كل منكم من أعباء وكلنا الأمر فيها إليه طبقاً للأنظمة المقررة له .
وإننا لننتهز هذه الفرصة الأولى لافتتاح هذا المجلس الموقر لنرسم لكم ونبين المنهاج الذي سنسير عليه في حياتنا المقبلة بحول الله وقوته:

- أن أول ما يهمنا جميعاً هو الاعتصام بحبل الله المتين وأن نتخذ من الوسائل في داخل بلادنا ما يمكن روح التوحيد الخالص في قلوب أفراد الشعب كافة حتى يخلص الجميع العبادة لله وحده ، وسنسير في ذلك بهدى كتاب الله في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في كل مجال وعلى الأخص في المدارس وسنحرص بحول الله على مراقبة ذلك وحث الناس على كل ما يأمر به الشرع الإسلامي ومنعهم عن كل ما ينهى عنه ،لأن في ذلك خيري الدنيا والآخرة ولأنه ليس شيء من الخير إلا دعا له الإسلام وليس شيء من الشر إلا ونهى الإسلام عنه.

- أما سياستنا الخارجية فإننا نترسم فيها خطى والدنا العظيم ، وأول ما يهمنا فيها هو العمل على جمع كلمة العرب وتأييد مصالحهم في جامعتهم ضمن ميثاقها وضمن معاهدة الدفاع المشترك ، وقد ابلغنا الوفد الذي مثلنا في جامعة الدول العربية في أول اجتماع لها بعد استلامنا مقاليد الحكم أن يعلن عزمنا الأكيد على مناصرة العرب والتعاون معهم في أي ميدان في أي مجال ممكن لمنع العدوان عنا جميعا والتعاون على تحقيق ما فيه الخير والمصلحة لنا جميعاً . ونحن سنسير بعون الله في دعوة البلاد العربية كافة لجمع كلمتها وتوحيد قواها لما يجمع شمل العرب ويحفظ استقلالهم ويرد غائلة العدوان عنهم من أي جهة كانت .
وقد تسابقت وفود أكثر الدول العربية الشقيقة إلينا لتعزيتنا وتهنئتنا ومشاركتنا الضراء والسراء فلاقينا من مواساتهم ما أشعرنا أن المصاب كان مصابنا جميعاً وقد انتهزنا هذه الفرصة فتباد لنا الآراء والأفكار معهم لما فيه مصلحة العرب .
وكان آخر ذلك ما سعدنا به من زيارة حضرة صاحب الجلالة أخينا الملك حسين الذي اجتمعنا به ( بدنه ) حيث واسانا في مصابنا وهنأنا بتولينا عرش مملكتنا وتبادلنا شعور المودة والإخاء بيننا.
وكذلك فإننا نشعر في قراره نفسنا بالسرور العظيم للعلاقات الودية القائمة بيننا وبين الدول الإسلامية الصديقة واخص بالذكر منها دولة الباكستان التي قام رئيسها العظيم السيد غلام محمد بزيارتنا لمواساتنا في مصابنا وتهنئتنا بارتقائنا عرش هذه المملكة ولتأييد صلاتنا الودية وتعاوننا مع حكومة باكستان الصديقة العزيزة.
وأنه ليسرنا أن نقوم بكل عمل فيه جمع لكلمة الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
كلنا يعلم ذلك السرطان الذي انشىء في جسم البلاد العربية فقام بأفظع ما عرفه التاريخ من الإجرام حيث قتل وشرد ما يقرب من مليون مسلم عربي من فلسطين ذلك السرطان هم الصهيونيون من اليهود الذين عرف التاريخ إجرامهم منذ القدم حتى اليوم وهم لم يكتفوا بما قاموا به من إجرام بل أنهم يعدون لعده جديد على البلاد العربية تمثلها اعتداءاتهم المتكررة على حدود البلاد العربية المجاورة لهم وهم في وضعهم الحاضر لا يهددون البلاد العربية المجاورة لهم فحسب ، بل يهددون العرب في بلاد العالم كله ،ونستطيع أن نقول أكثر من ذلك فإنهم يهددون الإسلام المسلمين في أقطار الأرض كافة ، ونحن عاملون مع الدول العربية ومع من يتفق معنا من الدول الإسلامية للدفاع عن أنفسنا ضد هذا العدوان والله ناصرنا بحوله وقوته.
أنا سياستنا العامة خارج نطاق الدول العربية هي السعي الدائم لتحسين علاقاتنا السياسية مع الجميع ، وإنا بعون الله عاملون على تقوية هذه الصلاة الودية مع كل الدول التي تظهر الصداقة وترغب فيها معنا.
وإننا آسفون أن تكون هناك مشكلة بيننا وبين الحكومة البريطانية الصديقة لم نتمكن من الوصول إلى تسوية فيها حتى الآن ، ونحن عاملون بما فيه الجهد للمحافظة على كياننا وسيادتنا وحقوقنا الموروثة بالتفاوض مع الحكومة البريطانية لإنهاء المشاكل بالطرق السلمية ، ولنا وطيد الأمل بالوصول إلى حل بصورة ودية أن شاء الله .