الملك سعود الذاكرة والتاريخ

22-2-2016

وحدة الجزيرة العربية على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ارتكزت على العقيدة الصحيحة التي تنشدها أقاليم الجزيرة العربية، من تحقيق النظام وتأمين الطريق
فان تجربة المملكة العربية السعودية في الوحدة تجربة رائده.
وعندما تصدى الدكتور الأمير سلمان بن سعود بن عبد العزيز لتجربة الملك سعود في الحكم ( 1373 هـ / 1384هـ في كتابه ( تاريخ الملك سعود / الوثيقة والتاريخ ) شعرت أن الرجل تقمص دور المؤرخ الراصد والمحلل لمرحلة من تاريخنا السياسي والاجتماعي ولم أجد الابن الذي اطل على الحياة ( 1373 هـ ) مع تولي والده سدة الحكم ملكا للمملكة العربية السعودية توافق تاريخ الولادة مع تاريخ المبايعة، ليذكرنا بمصادفة ميلاد الملك سعود عام 1319 هـ في الكويت مع دخول الملك المؤسس عبد العزيز الرياض في خطوته الأولى لبناء كيان شامخ يسمى المملكة العربية السعودية
وأتذكر أنني عندما أشرفت على المكتبة العامة بالطائف والزملاء يقومون بإعادة فهرسة الكتب وتوزيعها بين صالات المكتبة أني عثرت في المستودعات على نسخ من كتاب ( الملك الراشد جلالة المغفور له عبد العزيز آل سعود ) تأليف عبد المنعم ألغلامي فقمت بتصوير الجزء الذي يتحدث عن الملك سعود ولما أقمت في الرياض اقتنيت صوره من كتاب بعنوان ( الملك سعود من أحاديثه وخطبه ) للأستاذ فؤاد شاكر، وصورة من نظام مجلس الوزراء الصادر في رجب عام 1373هـ الذي نشر حينه في مجلة المنهل وتطرق جلا لته في خطابه مفتتحا جلسات المجلس إلى الخطب العظيم قائلا ( فكل منا يعلم ويقدر مقدار الفاجعة العظمى التي فجعنا بها بوفاة مجدد مجدنا وباني أساس دولتنا الوالد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل قدس الله روحه وتغمده برحمته ) وتحدث عن محاربة الجوع والفقر والمرض والجهل، فأنشاء وزارة المعارف ووزارة الزراعة وحث وزارة الصحة لرفع المستوى الصحي في البلاد
ولما تصفحت الجزء الأول من ( تاريخ الملك سعود ) لصاحب السمو الملكي الدكتور سلمان بن سعود عدت لمصوراتي أتابع مع المؤلف حقبة هامة من تاريخنا الوطني السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإذا بها كانت مرحلة تنظيم سياسة دولة حديثة وبناء وطن يملك الكثير من الخيرات وعقول الرجال
جاء الملك سعود بن عبد العزيز الذي شارك في التكوين ثم الإشراف على جزء هام ( نجد كنائب للملك ) من الوطن أمينا في عملة وقوله ودعمه مما زاد التلاحم بين القائد والمواطن من خلال أن
( الذود عن الوطن يأتي من الجميع حكام ومواطنين ) ويركز المؤلف على هذه الأهداف تحت عنوان ملامح سياسة الملك سعود الداخلية ( ويمكن القول بناء على ذلك أن الملك سعود وضع لنفسه أهدافا أربعة وطن نفسه على تحقيقها على الصعيد الداخلي في المملكة، وهي كالتالي:
أ ــ تنظيم هيكل العمل الحكومي
ب ــ تنفيذ برنامج تنمية واسع يشمل ميادين النقل والزراعة والتعليم والصحة والاتصالات
ج ــ بناء القوة العسكرية للبلاد
د ــ القضاء على كل ما يخالف الأنظمة في سير العمل الحكومي
ولقد شكلت هذه الأهداف الكبرى الأربعة إطارا عاما لأهم الإنجازات التي شهدها عهد الملك سعود في مختلف مراحله )
إذا نحن حيال مرجع هام صادق في تعامله مع الوثائق وتحليلها؛ المرحلة بحاجة إليه ونحن نوثق مصادرنا راصدين تاريخ أمه وقيادة شعرت بمسؤوليتها في كل المراحل
وهنا ندرك أن الملك سعود بن عبد العزيز الذي أم المصلين في صلاة الجمعة بباكستان عندما كان في زيارتها في شعبان عام 1373هـ وقال في رسالته إلى المسلمين في باكستان ( أن المسلمين لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه يوم قادوا أمم الدنيا، ونشروا العدل والسلام والحق بين الشعوب إلا بالعقيدة والصدق والإخلاص ونكران الذات والتضحية في سبيل كلمة المسلمين ) يدرك أهمية التعاون ووحدة الصف، وهذا نجده تحت عنوان مفهوم التضامن الإسلامي ومرتكزا ته عند الملك سعود في قول المؤلف( إن فكرة التضامن الإسلامي، كانت تمثل جزءا كبيرا من مكونات الفكر السياسي والإسلامي للملك سعود، حتى أن الدارس لا يكاد يجد حديثا، أو مقابلة، أو خطابا عاما للملك سعود، قد خلا من طرح تلك الفكرة، وإثارتها والإلحاح عليها بصورة أو بأخرى )
وتطرق المؤلف الدكتور الأمير سلمان بن سعود إلى الدور العربي للملك سعود ودفاعه عن فلسطين ووقوفه مع مصر لما تعرضت للعدوان الثلاثي ( 1956م ) ودوره في قيام جامعة الدول العربية لتوحيد الموقف العربي في وجه الاستعمار وسلب خيرات الأقطار العربية ويذكر احد الشواهد وهي جمع التبرعات لدعم الثورة الجزائرية عام 1376هـ وكيف استمر الدعم الشعبي حتى تحررت الجزائر عام 1962م
الجزء الأول ( 840 ص ) من الكتاب يضم ثلاثة محاور المحور الأول وعبر أربعة فصول مركزة وغنية بالمعلومة الموثقة تحدث عن الملك سعود سيرته وفترة حكمه من 1373 هـ إلى 1384 هـ ( 1953م /1964م )، في المحور الثاني تحدث عن جهود الملك سعود في المجال الإسلامي وقسم المحور إلى خمسة فصول أشتمل الفصل الثاني على أربعة أبحاث والفصل الثالث على ثلاثة أبحاث وتوزع المحور الثالث المعنون منظومة الفكر السياسي عند الملك سعود توزع على قسمين القسم الأول أشتمل على دراسة نقدية للأدبيات السياسية في الخمسينيات والستينيات وتحليل منظومة الفكر السياسي عند الملك سعود موزعة على ثلاثة فصول ويشير المؤلف إلى أهمية إعادة النظر في تفاعلاتها المركبة أنها ( لا تزال تفتقر إلى تقديم المنظور العربي الأدق والأعمق عن كيفية إدارة الأحداث وأزمات تلك الفترة المهمة ) وتوزع القسم الثاني الذي عنوانه الملك سعود وإدارة أزمات سنوات الغليان وتفاعلاتها: رؤية تحليلية للدوائر الخمس:
1 ــ الملك سعود ودوره في تعظيم ناتج مباريات التنازع والتحالف في إدارة أزمة 1956م
2 ــ التفاعلات العربية العربية والعربية الدولية: رؤية الملك سعود لخطر المشروع الصهيوني عربيا ودوليا
3 ــ التفاعلات العربية العربية والعربية الدولية، ودور الملك سعود في دعم المثلث الاستراتيجي للأمة العربية والأسلامية
4 ــ الملك سعود وإدارة تفاعلات المساعي الحميدة والوساطات والدعم الدبلوماسي والعسكري في سنوات الغليان
5 ــ الملك سعود وإدارة تفاعلات النفط والسياسة: رؤية من الماضي للمستقبل
وفي الجزء الثاني ( 648 ص ) تحدث المؤلف عن الإصلاحات الإدارية والتطور الاقتصادي في عهد الملك سعود وقسم المجلد إلى محورين
المحور الأول تحدث فيه عن الإصلاحات الإدارية:
1 ــ تنظيم العمل الحكومي
2 ــ المؤسسات العامة
3 ــ تنظيم أجهزة الرقابة
4 ــ تنظيم حركة التنمية والإدارة المحلية
وفي المحور الثاني ناقش التطور الاقتصادي: البترول والمعادن، الصناعة، الزراعة، النقد، سوق العمل، التجارة، المواصلات والاتصالات
وفي الجزء الثالث (610 ص ) المقسم إلى أربعة محاور:
1 ــ المحور الأول التعليم في عهد الملك سعود
2 ــ المحور الثاني الإعلام في عهد الملك سعود
3 ــ المحور الثالث الرعاية الصحية في عهد الملك سعود
4 ــ المحور الرابع التطور الاجتماعي في عهد الملك سعود
في محور التعليم نلاحظ اهتمام الملك سعود بالتعليم خلال فترة ولاية العهد ثم في فترة حكمه ( وأمرنا بفتح مدارس للبنات، ومما أثلج صدورنا ما شاهدناه من إقبال على تلك المدارس، ووجهنا التعليم الوجهة الصحيحة النافعة التي تتفق مع مبادئنا الدينية ومتطلبات نهضتنا الصناعية والزراعية والعمرانية )
الكتاب ينمي فينا الفخر بمعطيات قائد قدم لوطنه الكثير ولما غادر كرسي الحكم كان حكيما فقد جاء تنازله شفافا مدركا أهمية البقاء على الوحدة ألداخليه للوطن والأطماع تحاك حوله في زمن اختلطت فيها القيم واستشهد المؤلف بمقطع من مذكرات خالد العضم ( كان الملك سعود أول رئيس دولة يتناوله عبد الناصر ( جمال عبد الناصر ) بالطعن والشتم في الخطب العديدة التي ألقاها وأذاعها من محطات دمشق والقاهرةالاذاعية. ولحقه فيما بعد الملك حسين وخرشوف وعبد الكريم قاسم وأبو رقيبة وكميل شمعون وسامي الصلح ونوري السعيد وفاضل الجمالي، بخطب قاسية أختلط فيها القذف والشتم بالتهديد وإيغار الصدور والإثارة ) نحن في هذا الكتاب ( تاريخ الملك سعود ) نكتشف الوسائط التي تستغل لتشويه القمم وإغلاق منافذ الخير وكيف شوه الكتبة رموز المرحلة التي هي من أثرى العقود في تاريخ الوطن العربي والأمة الاسلامية.
لقد كان الدكتور سلمان بن سعود وفيا مع الوثائق والصور والكتب وهو يستخلص سيرة قائد عربي متفرد تتلمذ على يد القائد المؤسس الملك عبد العزيز فكان يعي ما حوله ويستجلي المستقبل بعين الحكيم الخبير ببواطن الأمور
وقدم لنا كتابا يوضح جوانب تاريخية أساسية فيشير إلى طبيعة الأحداث السياسية والصراعات العربية التي أحدثت شرخا واسعا في الخريطة السياسية التي شكلها إطار المزايدات وأطماع طرف على حساب طرف اخر إلى جانب الدور الذي لعبته القوى الخارجية
والمؤلف هنا حرص على أن يتوجه إلى القارىء المعني بالاستراتيجية وبالتاريخ ونتيجة لهذى الاهتمام قدم دراسة تفصيلية عن بروز دور الملك سعود باعتباره الزعيم العربي الأهم والمؤثر في المنطقة وهو يقدم ما يعتبر أنه الوثيقة الحقيقية على أن الإصلاحات كانت وارد التفكير الاستراتيجي والسياسي الذي هو أحد مقومات الملك سعود.
الشيء الرائع الذي يأخذ القاريء بعيدا عن مسار البحث الدقيق الذي يتعاقب في صفحات الكتاب هو إعجاب المؤلف بشخصية الملك سعود وانه لم يوظف هذا الإعجاب في تلمس الحقيقة تاركا للوثائق والصور مفاتحة القاري بما تحمل السطور والمؤلف يخوض تفصيلات شخصية كثيرة، ختاما إن كتاب الدكتور الأمير سلمان بن سعود بن عبد العزيز آل سعود
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2006/06/22/48497.html