ثانياً: موقف المملكة العربية السعودية
كانت المملكة العربية السعودية طرفاً معنياً بأزمة الحدود العراقية ـ الكويتية، التي أثارها عبدالكريم قاسم، في 25 يونيه 1961. وكان موقفها حاسماً ومؤازراً، بقوة، لموقف الحكومة الكويتية. وينبع ذلك من عدة عوامل، منها موقعها الزعامي وسط المجتمع الخليجي، إضافة إلى مساس الأزمة بمصالحها، الإقليمية والاقتصادية والنفطية. وفي 26 يونيه، اليوم التالي من انطلاق شرارة الأزمة، طلب أمير الكويت تدخّل المملكة العربية السعودية، لحمايتها، بكافة السبُل. فأبرق الملك سعود بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، إلى أمير الكويت، في اليوم عينه، قائلاً: "تناولت برقية سموكم... التي أشرتم فيها إلى ما أدلى به الزعيم الركن عبدالكريم قاسم. والحقيقة أن هذا الموقف عجيب مؤسف. أمّا نحن، فمعكم، في السرّاء وفي الضرّاء، وسنكون أوفياء فيما تعاهدنا عليه. ونحن على أتم الاستعداد لمواجهة أي خطر يتعرض له الكويت الشقيق. والله الموفق". وفي اليوم عينه، وجه الملك سعود، الرسالة التالية إلى ملوك ورؤساء الدول العربية: "أعتقد أنكم تشاركونني الأسف في البيان الذي نُشر من اللواء عبدالكريم قاسم، بشأن الشقيقة دولة الكويت المستقلة، وبالنظر لما يربطنا بالكويت، بصورة خاصة، فقد أعلنت البيان التالي: (يجب أن يكون معلوماً لدى الجميع أن الكويت والمملكة العربية السعودية بلد واحد، وما يمس الكويت يمس المملكة العربية السعودية، وما يمس المملكة العربية السعودية يمس الكويت). وقد أحببت إحاطتكم علماً بهذا، ولي أمل كبير في أن نتعاون جميعاً في رتق هذا الفتق، الذي لا يستفيد منه إلاّ أعداء العرب، ولا يتضرر منه إلاّ العرب أنفسهم، راجياً أن تروا رأيكم السديد الذي يحول دون هذا الأذى الذي يصيب هذا البلد الشقيق". ثم انتقل الملك سعود من التصريحات، إلى نطاق العمل الفعلي، فبعث رئيس الأركان السعودي إلى الكويت، لدراسة الوضع، الأمني والعسكري، فيها. وفي 27 يونيه 1961، وفي الساعة الرابعة صباحاً، عقد مجلس الوزراء السعودي، جلسة استثنائية، برئاسة الملك سعود، لبحث التهديد العراقي ضد الكويت. وفي نهاية الجلسة، أصدر مجلس الوزراء البيان التالي: "إن حكومة حضرة صاحب الجلالة، الملك المعظم، في الوقت الذي تستنكر فيه التصريحات الماسة باستقلال الكويت، القطْر العربي الشقيق، ووفاءً بالعهد الذي بين هذه البلاد والكويت. نؤيد استقلال الكويت تأييداً تاماً، ونقرر اتخاذ الخطوات الإيجابية اللازمة للحفاظ على استقلاله وسيادته، وهي لا تزال تأمل في أن تتغلب الحكمة والمصلحة العربية على كل اعتبار للحفاظ على السلم وجمع الصف العربي. كما يقرر اعتبار جلسته الاستثنائية مستمرة لمواجهة ما يستجد في الأمر". واستأنف مجلس الوزراء جلسته، بعد عصر اليوم نفسه، ودعي إلى هذا الاجتماع، رئيس أركان الجيش السعودي، وقدم تقريراً مفصلاً أثر عودته من الكويت. وذكر أن الحكومة السعودية، قررت، إثر اطِّلاعها على تقرير رئيس الأركان، إرسال عدة كتائب، في اتجاه الحدود الكويتية. وفي اليوم نفسه، وبعد جلسة مجلس الوزراء السعودي، وجه الملك سعود، طلباً إلى عبدالخالق حسونة، الأمين العام لجامعة الدول العربية، مؤكداً ضرورة دعوة مجلس الجامعة، لبحث الأزمة، ولبحث طلب انضمام الكويت إلى الجامعة العربية، في أقرب فرصة. < وفي 27 يونيه، كذلك، استدعى الملك سعود السفير العراقي لدى الرياض، وأبلغه رسالة شفهية، لتبليغها إلى عبدالكريم قاسم، معبراً فيها عن إحساسه العميق بالحزن والأسف، لما صدر عنه، تجاه الكويت، وأن ما حدث هو محاولة لشق الصف العربي، واعتداء على دولة عربية، تحررت من الحكم الأجنبي. وناشد عبدالكريم قاسم، أن تسود الحكمة والتعقل والحرص على المصالح العربية. وفي 30 يونيه 1961، بثت إذاعة الكويت، أن القوات السعودية، وصلت، بالفعل، إلى الأراضي الكويتية، بناءً على طلب أمير الكويت، وذلك بعد ساعات قليلة من إنزال القوات البريطانية. كما بعث الملك سعود برسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، حملها وزير الخارجية السعودي، تمحورت حول الأزمة، وتناولت المساندة العسكرية السعودية للكويت. وفي ظهر اليوم نفسه، وصل إلى علم الملك سعود، نبأ حشود عسكرية عراقية، في طريقها من البصرة إلى الحدود الكويتية، فأرسل، من الفور، برقية إلى رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، يناشده فيها: "باسم الله العروبة والوطنية، تجنب كل سبب، يؤدي إلى اضطراب العلاقات بين العرب أنفسهم، بل إلى تصادمهم، في وقت هم أشد ما يكونون حاجة فيه إلى جمع كلمتهم، ودعم قوّتهم، للوقوف في وجْه أعدائهم. (أُنظروثيقة برقية الملك سعود بن عبدالعزيز إلى رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم في 30 يونيه 1961يطالبه بعد استخدام القوة ضد الكويت) وفي 4 يوليه 1961، انعقد مجلس جامعة الدول العربية، بناءً على طلب المملكة العربية السعودية، لبحث انضمام الكويت إلى الجامعة العربية. وأصرّ المندوب السعودي على سرعة بت الطلب الكويتي، خصوصاً أنه صادر عن بلد نال استقلاله، واعترفت بهذا الاستقلال جميع الدول العربية، في برقيات بعثت بها إلى حاكم الكويت. وحين طالب أغلب الأعضاء بتأجيل بت الطلب الكويتي، رفض مندوب المملكة العربية السعودية، حتى لا يساء معنى التأجيل، ويُعد تسويفاً. وإزاء تهديد العراق بالانسحاب من الجامعة، إذا قُبِلَتْ الكويت عضواً فيها، هدد المندوب السعودي، هو الآخر، بانسحاب بلاده من الجامعة إذا لم تُقبل الكويت عضواً فيها. وفي 5 يوليه 1961، انتشرت الأنباء، حول اقتراح للملك سعود بن عبدالعزيز، بمعالجة الأزمة في اجتماع شخصي، يعقده مع رئيس الوزراء العراقي، عبدالكريم قاسم، على الحدود العراقية. وهذا الاقتراح ورد في رسالة، حملها أمين الحسيني، رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين، إلى عبدالكريم قاسم. وفي 5 يوليه، 1961، وصل إلى الطائف، الشيخ جابر الأحمد الصباح، ولي عهد الكويت، يرافقه عبدالخالق حسونة، أمين عام جامعة الدول العربية. وقد اجتمع الملك سعود، في مكتبه بالطائف، مع أمين عام الجامعة، الذي عرض ما بذله من جهود، في بغداد والكويت، حول الأزمة العراقية ـ الكويتية. وقد أكد الملك سعود لأمين عام الجامعة، رغبته المستعجلة في تلبية طلب حكومة الكويت الانضمام إلى الجامعة، ورحب الأمين العام بهذا الطلب، ووعد بالعمل من أجل سرعة تلبيته، في أقرب وقت ممكن. وبعد ظهر اليوم نفسه، تسلم الملك سعود رسالة، بعث بها إليه الشيخ عبدالله السالم الصباح، حملها وليّ العهد الكويتي، الشيخ جابر الأحمد الصباح، حين ألقى وليّ العهد كلمة، أعرب فيها عن شكر أمير الكويت وشعبها وحكومتها، للملك سعود والشعب السعودي، إذ قال: "إنني مكلف، يا صاحب الجلالة، من سمو أخيكم، الشيخ عبدالله السالم، وحكومته، ومن جماهير الشعب الكويتي بأسْره، بأن أعرب لكم عن عجزنا عن أداء الشكر لجلالتكم ولحكومتكم ولشعبكم بأسْره، على هذا الموقف المشرّف من بلادكم الكويت. إننا لم نستغرب منكم، ولا من حكومتكم، ولا من شعبكم هذا، فنحن نعرف ما بيننا وبينكم، ولكننا نجيء إليكم شاكرين، مقدرين، معترفين لكم بهذه اليد الكريمة، التي أنتم أهل لها، والكويت محل لها" ورد الملك سعود على كلمة وليّ العهد الكويتي، بكلمة، قال فيها: "إن هذه النازلة التي حلّت بالأمة العربية، في صميم عزتها وقوميتها، يشترك في آلامها كل عربي، وذلك أن الفرحة التي تباشرنا بها، وتبادلنا التهاني القلبية بحلولها، بعد الصبر والانتظار، وهي استقلال الكويت، الجار الشقيق، الجديرة بالحرية والاستقلال والازدهار، تلك الفرحة الغالية على الأمة العربية، التي كدرتها الحوادث الأخيرة، التي نعتبرها نكسة مخيفة، لا يعلم مدى مصيبتها للعرب، إلاّ الله وحده". وأضاف قائلاً: "إنني شخصياً، وجميع أفراد أسْرتي، وحكومتي والشعب السعودي، نقف اليوم معكم وقفة رجل واحد، ندافع عن ذلك الجزء العربي الغالي من وطن الأمة العربية، ونذود عنه ذودتنا عن أي شبر آخر من بلادنا العربية كلها". واستطرد الملك سعود يقول: "نهب اليوم جميعاً، أنا وشعبي والأمة العربية بأسْرها، في كل مكان، للدفاع عن ذلك الجزء العربي، والمستقل، من بلادنا، وهو الكويت، نريد له ما يريده له حكامه وشعبه، بعد كفاحهما الطويل المشرف للاستقلال الذي نالوه واستحقوه، وأن يكون الكويت عضواً كريماً عاملاً مع جيرانه في الجامعة العربية، وفي هيئة الأمم المتحدة، وفي المجالات الدولية، التي تتعاون على السلام ورفاهية البشر والإنسانية". وختم الملك سعود كلمته، قائلاً: "إن بعض الإذاعات تتعرض الآن لما تسميه الوساطة في هذه المشكلة. وأنا لا أعلم كيف تكون الوساطة في مثل هذه المشكلة، والموضوع موضوع استقلال أو اغتصاب، ولا شيء بينهما، فلا مساومة ولا وساطة في استقلال، وهو شيء اعترف به الجميع، ومطلوب من الجميع حمايته والذود عنه" (أُنظر وثيقة كلمة الملك سعود بن عبدالعزيز في 5 يوليه 1961، عند استقباله ولي عهد الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح رداً على كلمته). وأسفر موقف الملك سعود، وحكومته، من الأزمة، عن تصعيد الحملة ضد المملكة العربية السعودية، وعاهلها. ولكن المملكة، لم تنثنِ عن موقفها المؤيد للكويت، والذي اتَّضح، بقوة، في اجتماع مجلس الجامعة العربية، يوم 20 يوليه 1961، من إصرار على ضرورة حصول الكويت على كامل حقوقها في ترابها الوطني، وكامل عضويتها في الجامعة العربية. وبناءً على ذلك، انعقد لواء قيادة القوات العربية المشتركة للمملكة العربية السعودية، للدفاع عن الكويت. واستمر الموقف السعودي ثابتاً، يشد من أزر الكويت، حتى وضعت الأزمة أوزارها، بمقتل عبدالكريم قاسم، وقيام انقلاب 8 فبراير 1963، ضد نظامه.