العلاقات الثقافية مع العالم


العلاقات الثقافية التي سعت إليها المملكة العربية السعودية في السنين الأخيرة فقد كانت على أسس واضحة ترعى إلى تحقيق الوحدة الثقافية ، هذه الوحدة التي ستزيل جميع الخلافات فتؤدي إلى الاتحاد المنشود ،وظهرت الخيوط الأولى لهذه السياسة الثقافية التي رعاها العاهل السعودي في عام 1955م , حين أوفد وزير المعارف السعودي إلى سورية والأقطار العربية ، فقد كانت لهذه الرحلة غايتان تهدفان لتوطيد العلاقات الخارجية ، أولاهما توثيق أواصر الرخاء العربي وثانيهما أحكام الصلات الثقافة بين المملكة العربية السعودية وبين القطر السوري.

وقد نوهت التعليقات على الزيارة في حينها إلى أهمية هذه المحاولة التي أنيطت بسمو وزير المعارف السعودي ،وقد ذكرت أن الوحدة الثقافية والإخاء العلمي والأدبي هو الأساس القويم الذي تبنى عليه وحدة الوطن العربي وتحقيق الهدف القومي الذي ما برح غاية العاملين وقبله المخلصين.

ولم تكن الغاية من الوحدة الثقافية أن تبقى في النطاق الفكري بل أن تتلوها وحدة التدريس ووحدة البرامج التعليمية بعد أن أدرك العاهل السعودي فضائل المعرفة وفوائدها حين تستوعبه الصدور ، وكان أول عمل تحقق في العلاقات الخارجية استقدام الأساتذة من مصر وسوريا والأقطار العربية الأخرى كما أكثر البعوث الثقافية إلى الأقطار العربية والحواضر الأوروبية والأميركية ، ومن الطلاب الذين أوفدتهم المملكة السعودية كثيرون في كل عام ، أوفدتهم لدراسة العلوم السياسية والهندسة ، والهندسة الميكانيكية والفنية والعلوم والكيمياء والعلوم الطبيعية والجيولوجية " طبقات الأرض " والآداب واللغات والعلوم العسكرية وهندسة الطيران والعلاج بالكهرباء والتدريب في البنوك والمصارف ومختلف الدراسات الجامعية الأخرى ، هذا بالإضافة إلى الطلاب الذين أوفدتهم الحكومة إلى ألمانيا وإنجلترا ، وقد عاد منهم القسم الأكبر وتسلموا مهام الوظائف في أعمال الدولة كل حسب اختصاصه وخبرته.

والمعروف أن المملكة العربية السعودية أوفدت إلى مصر مئات الطلاب توزعوا على كليات الطب والصيدلة والتجارة والحقوق والآداب والزراعة والعلوم ودار العلوم والهندسة والشريعة الإسلامية والمعهد العالي للعلوم المالية والتجارية والاقتصادية ومعهد التربية العالي للمعلمين ومعهد التجارة ومعهد التربية البدنية العالي وكلية الصناعات والمركز الدولي للتربية الأساسية .

ومن نشاط المملكة العربية السعودية في ميدان العلاقات الخارجية أن العاهل استقدم أساتذة الرياضة البدنية من مصر ليرعوا الحركة الرياضية فيها كما انتدب جلالته عشرات المعلمين للتدريس الرياضي والاشتراك في مركز التدريب الذي أنشأته جامعة الدول العربية في الإسكندرية .

ولا يفوتنا في مستهل هذا البحث ألا أن نذكر كلمة العاهل السعودي التي قالها عن الخطة التي رسمها لنفسه ليسير عليها ويطبقها في علاقاته مع حكومات وشعوب شقيقاته البلاد العربية وديار المسلمين على السواء قال :

" إن سياستي هي سياسة والدي ذاتها التي تقوم على أساس التفاهم والتعاون مع الجميع لخير العرب جميعاً ،وإننا نمد أيدينا إلى كل حكومة عربية ترغب بالمسير معنا نحو تحقيق رغبات شعوبنا وفي سبيل ذلك نبذل أنفسنا وأولادنا وأموالنا لنتقدم الصفوف ونحن لا نطلب مقابل ذلك إلا الإيمان بالله ، وأن حل هذه القضايا لا يتحقق إلا بصدق العزيمة وصفاء النية وإذا شاء العرب أن يحققوا آمالهم وأمانيهم فعليهم أن يتخلوا نهائياً عن سياسة الارتجال التي كانت السبب في كل ما لحق العرب في العصور السالفة من كوارث ونكبات ،وأن الشعوب العربية لم تقتصر في سبيل السعي لتحقيق وحدتها وسياستها وبلوغ أمانيها إنما التقصير يرجع إلى الذين في أيديهم مقاليد الأمور، وأن الذي أطاح بفلسطين ومكن العدو من اغتصاب أرضها هو الارتجال وانعدام الإخلاص والنية الصادقة وأقول ذلك صراحة وأدعو إلى الصراحة لاسترجاع الوطن المسلوب ، فنحن أمه تقدر بخمسين مليون من السكان نملك ثروات طائلة وموارد لا ينضب معينها ، وإننا لن نقدر على بقاء اليهود في فلسطين وأنه ليس بيننا وبين اليهود عداوة سياسية إذا تخلوا عن الديار التي اغتصبوها وأعادوها إلى أهلها ونحن لا نقدر على بقائهم فيها لأن الخطر الصهيوني كالسرطان لا دواء له الاستئصال ، ومن الواجب أن نعمل بجد وصراحة وإخلاص لاستخلاص الوطن المسلوب من مغتصبيه ، وأعود فأؤكد أننا لن نتردد في بذل كل غال ورخيص في سبيل تحقيق رغبات الشعوب العربية ". 

 

المصدر : الوثبة السعودية –بقلم محمد السلاح—الصحفى الطيار