عندما انتقل الملك عبد العزيز إلى جوار ربه صباح يوم الإثنين 2 ربيع الأول سنة 1373هـجرية ، ونمي الخبر إلى الشعب بأن مؤسس الدولة العربية السعودية فارق الحياة ، أجمع أبناء الشعب على مختلف طبقاته على مبايعة " سعود " بالملك لأنه خير خلف لخير سلف ، ولأنه خير من يستحق أن يكون ملكاً على الجزيرة ، ذلك .. لأنهم عرفوه وخبروه منذ نعومة أظفاره حتى اكتمل نموه، وأصبح ساعداً أيمن لوالده المرحوم. عرفوه واختبروا مواهبه وكفاءته اختباراً عملياً في ظروف محرجة وفي ظروف عاديةفي حياته الخاصة والعامة وفي حياته مع أهله وذويه ، فاتجهوا من كل أنحاء المملكة شيبا وشبانا إلى رحابه وبايعوه بالملك على السمع والطاعة في اليسر والعسر وتمت البيعة في مكة المكرمة ، حيث ازدحمت آلاف الناس وكان أول من بايعه أفراد الأسرة المالكة – ثم تلى ذلك العلماء والقضاة ورجال الحل والعقد وعلى رأسهم المفتي الأكبر وكتبوا بالبيعة وثيقة تاريخية يؤيدون عرشه ويؤمنون باستحقاقه الحكم ويقدمون فيها الولاء والطاعة والخضوع وأقسموا على أن يكونوا جنوداً لله تحت حكمه وقيادته وأمرته، يوجههم إلى العمل الصالح ويمضي بهم قدماً إلى الطريق وإلى المكانة الرفيعة لشعبه التي وهب شبابه لها فيما مضى وفي المستقبل وكانت بيعة شرعية ثبتت على أعناق أفراد أمته بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد رفعوا إلى مقامه الكريم عقد البيعة وهذا نصها
يا إمام المسلمين الملك سعود ابن عبد العزيز ابن عبد الرحمن الفيصل المتوفى يوم الاثنين 2 ربيع الأول سنة 1337هـ -رحمه الله – فقد عهد الأمانة من بعده إليكم وأخذت لكم البيعة في عام 1352 هـ فإن إمامتكم بذلك منعقدة وثابتة شرعاً وإننا بمناسبة وفاة والدكم الإمام الملك بعد العزيز رحمه الله وتوليكم إمامة المسلمين من بعده نجدد ونؤكد بيعتكم التي في أعناقنا على العمل بكتاب الله وسنة رسوله وإقامة العدل في كل شيء ، وتحكيم الشريعة الإسلامية ولكم علينا السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ونسأل الله لكم العون والتوفيق فيما حملتم من أمور المسلمين وأن يتحقق على أيديكم ما ترجوه الأمة الإسلامية من مجد وتمكين .
وفي مساء يوم الخميس 5 ربيع الأول 1373هجرية توجه جلالته إلى المسجد الحرام وأم الناس لصلاة المغرب ثم طاف بالبيت العتيق ودعا الله أن يوفقه ويعينه على حمل هذه الأعباء الضخمة والمسئوليات العظيمة .
ثم وجه جلالته خطاباً تاريخياً إلى شعبه المخلص الأمين والى العالم العربي والإسلامي والى الأمم ، رسم في هذا الخطاب سياسته وإبان خطته في حكمه وولايته ووضح لعالم موقفه.
ويجمل بنا أن نورد في هذه المناسبة هذا الخطاب التاريخي
في هذه الليلة المباركة توجهت إلى الله تعالى وأنا أطوف بيته العتيق أن يمدني من عنده فيما تفضل علي به من ولاية الأمر في بلده الحرام ، وما أولاني به من شرف خدمة الحرمين الشريفين وضيافة الوافدين اليهما من مختلف أقطار العالم ،وتوجهت إلى الله تعالى وملء نفسي نية حسنة أن يضاعف الله لي من هذه المنة ويريني الحق حقاً، ويرزقني إتباعه ويريني الباطل باطلا ويرزقني اجتنابه ، وتوجهت إلى الله أن يمنحني القدرة على شكر نعمته بطاعة أوامره ومراقبته في خلقه ، وسألته تعالى أن يجعل لي منكم خير عون في طاعته.
وأني أعاهدكم الله على أن أبذل كل جهدي جاعلا نصب عيني وأنا أنظر في شؤون الدولة أنني أراقب الله كأنني أراه فان لم أكن أراه فانه يراني.
أما وقد قضت على البيعة الشرعية التي في عنقي أن أرتقي عرش الملك وأتقلد مسؤولية الحكم فإنني سأجعل نصب عيني سيرة والدنا المغفور له وآراءه السديدة وسجاياه الحميدة ومزاياه المجيدة في إدارة البلاد وتصريف شؤونها متبعاً أحكام الدين معتصماً بحبل الله المتين أعاهد الله بالتمسك بكتابه الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسأكافح دونهما بلساني وجناني باذلا قصارى جهدي في إسعاد شعبي العزيز ورفاهيته والعمل على رقي البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ساهراً على مصالح البلاد وتأمين حقوق أبنائها وسأولي عنايتي الخاصة إلى قواتنا العسكرية الوطنية ، كما أني سأواصل في توثيق عرى الإخاء الإسلامي والعربي مع الدول الإسلامية والعربية وسأحتفظ بصداقة الدول الأجنبية.