(أم القرى العدد 1597 15 جمادى الأولى 1375 الموافق 30 ديسمبر 1955)
الحقيقة أن الوقت الذي تجتازه الأمة العربية اليوم هو امتحان جبار لعزيمتها، وقوة إرادتها، ووعيها القومي، ولقد دلت الحوادث في السنوات الأخيرة على أن الشعوب العربية، جديرة بتحمل المسؤولية التي تحاول اليوم أن تضطلع بحملها، والرسالة التي انتدبت نفسها لأدائها في سبيل الحرية؛ التي يكافح العرب من أجلها منذ نصف قرن، وحسبنا الحوادث والإرهاصات، والانتفاضات المتجددة في كل شبر من الوطن العربي الكبير اليوم دليلاً على وجود هذه الروح، ووجوب التمسك بها، إن العرب اليوم بلغ بهم الوعي القومي نحو وحدتهم، واجتماع شملهم، المبلغ الذي لا يحاول الغرب الصديق أن يتفهمه، مع الأسف الشديد، حتى الآن، إنهم يعربون عن أمانيهم وآمالهم وآلامهم بكل وسيلة سلمية، وهم بكل ذلك يرغبون أن لا يتجاهل أصدقاؤهم هذه الأحاسيس، ولكن الظواهر حتى الآن تدل على أنه لا تزال أمامهم مراحل طويلة؛ حتى يحملوا الغرب على تقدير هذه الأحاسيس، وذلك الشعور، ومهما كان الأمر، فإننا جميعاً بالاتحاد والتفاهم والتعاون فيما بيننا على الوصول إلى أهدافنا السلمية الطبيعية؛ للوصول إلى هدفنا المشترك، وغايتنا التي نسعى إليها من الوحدة العربية العامة الشاملة، التي لا نهدف من السعي والعمل لتحقيقها إلاَّ إلى أن يعيش العرب في بلادهم أحراراً مكرمين، يساهمون بجهودهم في بناء السلام العالمي، ونشر المدنية العالمية الصالحة؛ لنهضة ورخاء وسعادة الإنسانية في كل مكان، وأشهد بالله بأن الأمة العربية، في كل موطن من مواطنها الشاسعة، قد برهنت، في كل حادثة تحريرية تقوم بها، بأنها جديرة بالعزة والكرامة، وبأنها أمة واحدة، وشعب واحد، مهما تباعدت ديارها، واتسع موطنها، والواجب يقضي اليوم على قادة هذه الأمة وساستها، المضطلعين بمسؤولية هذا الشرف العظيم في القيادة، أن يكونوا مثالاً صحيحاً للشعور العربي القومي الصادق المخلص، وأن يكونوا القدوة الصالحة لهذه الروح العربية، التي تجيش بها صدور هذه الملايين العديدة من عرب اليوم؛ لبناء وحدتهم التي آمنوا بها، ويسعون اليوم في كل مكان لتحقيقها.
ام القرى