بســــــــــــم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله سبحانه وأسأله دوام النعمة والتوفيق لكل خير . اللهم كما زودتنا نعما فألهمنا شكرا . والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين رزقنا الله إتباع شريعته والعمل بسنته وبعد فقد مضت خمس سنين منذ تغمد الله والدنا الكبير فمضى حميد السيرة محمود الأثر بعد أن جاهد في لله حق جهاده . ولم يأل سعيا في إصلاح العباد وتأمين البلاد..
وقد احتملنا العبء من بعده وحملنا الأمانة على أثره وباشرنا في إتمام ما ابتدأه جلالة والدنا العظيم تغمده الله برحمته من المشاريع العمرانية متوكلين على الله مستعينين به غير ألين جهدا في أداء حقوق الله تعالى وحقوق عباده والقيام على الرغبة بالعدل والرأفة والبر و الشفقة وقد مضت هذه السنوات والعالم في قلق واضطراب وجدال وخصام بما فرق الناس الهوى وباعدت بينهم المطامع فحرصت كل الحرص على أن تتمسك أمتنا في هذه الأحداث بإيمانها وتعتصم بشريعتها وتحافظ على أخلاقها وآدابها وحضارتها لتحقق قول الله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
ففي الخمس سنين التي احتملت فيها أعباء المسؤولية العظيمة - قبل الله والأمة - خطت هذه البلاد السعودية خطوات واسعة في العمران لا مثيل لها في أكثر بلدان الشرق الأوسط ، وهيا الله سبحانه لنا نعمتي الأمن والرخاء ، بما لم يكن لهذه البلاد المترامية الأطراف في مئات السنين .
لقد عملنا جهدنا وبذلنا وسعنا لتكون بلادنا دار أمن وعمران وتقدم ، فاحتفظنا في سياسة الدولة الخارجية بأصول من شانها إدامة أحسن العلاقات مع الدول العربية والإسلامية ، متخذين من التمسك بميثاق الجامعة العربية والأمم المتحدة نبراساً لهذه العلاقات ، فقد سرنا في صلاتنا بالبلاد الإسلامية على ما يوجبه الإسلام وتقضى به الأخوة بين المؤمنين ، فأحكمنا عرى المودة والمحبة بيننا وبينها وزرنا بعضها رغبة في الاطلاع على أحوالها والتعرف إلى أولى الأمر فيها ، والعمل لأحكام التآلف والتعاون معها ودعونا رؤساءها لزيارة بلادنا .
وأما دول العالم الأخرى فقد تبعنا معها سياسة وسط مخلصة لميثاق الأمم المتحدة فلم نتحيز ولم نخرج عن جادة المعاملة الحسنة ، ولم نخاصم الأمن اعتدى علينا ، وان كنا اليوم في نزاع مع بعض الدول الكبيرة . فقد عملنا جهدنا لفض هذا النزاع بالطرق الودية ، فقبلنا التحكيم في مسألة حدودنا الشرقية في البريمي وغيرها ، ولا زلنا نقبله حلا كريما ، ولكن الطرف الآخر نزع إلى القوة واعتدى على أرضنا ثم اعتدى بعد ذلك على حليفتنا وشقيقتنا مصر ، فقطعنا علاقاتنا الدبلوماسية معه ولا تزال مقطوعة ومتى عاد إلى الحق واحترام الاتفاقيات القائمة فإننا نرحب باستئناف علاقاتنا العادية معه.
وأما فرنسا التي ليس لها معنا الآن علاقات دبلوماسية أيضا ـ فان إسرافها في البطش بالمسلمين في الجزائر وعدوانها على مصر .. اضطرنا لقطع هذه العلاقات ، وما كان لنا أن نغض الطرف عن عدوانها على إخواننا الجزائريين . وفيما عدا هاتين الدولتين فان علاقاتنا ودية مع جميع دول العالم .
وأما إسرائيل فنحن لمن نعتبرها في أي وقت دولة ولا عرفنا لوجودها أي كيان شرعي بل نعتبر قيامها على أرض العرب وتشريدها أبناء فلسطين عدوانا على البشرية كلها.
ونحن نحمد الله إن سياستنا السلمية وعلاقاتنا الطيبة مع دول العالم قد ساعدت على استمرار الأمن والسلام في منطقتنا وحظيت ولله الحمد البلاد العربية السعودية بأمن شامل في الداخل والخارج وذك بفضل إتباعنا كتاب الله وسنة نبيه .
لقد قامت سياستنا في السنين الخمس الأخيرة على الرغبة الصادقة في السلم ومحبة الإنصاف للجميع وان طبيعة بلادنا ومكانتها في عالم الإسلام وكونها مجمعاً لحجاج المسلمين وفيها قبلتهم والحرمان المقدسان يجعل من واجبها الحياد التام ، في كل نزاع والمحافظة على أحسن الصلات مع جميع الدول - الأخرى مرعية في تنمية صلات الإخاء البشرى وتيسير للمسلمين في جميع الأرض أن يؤدوا مناسكهم وقد من الله علينا بالنجاح في هذه السياسة التي هي إحدى خططنا الأصلية .
وإنني وحكومتي نرقب في يقظة سير الحوادث العالمية لأجنب هذه البلاد المقدسة المزالق , وقد أكرمني الله بولاية شؤونها ليديم الله عليها نعمة الإسلام ، والأمانة العظيمة التي ائتمننا الخالق سبحانه عليها ، وهي خدمة الحرمين الشريفين ، نبذل الجهد كل الجهد في أدائها على وجهها.
وقد أنشانا من الأبنية والطرق ما ييسر الحج ويرفه الحجاج في المناسك كلها في مكة وعرفات وبنينا المستشفيات في مجامع الحج ، لعلاج من يمرض من حاج المسلمين على إختلاف أجناسهم وألوانهم .
وبعد الفراغ من عمارة الحرم النبوي التي تمت على أجمل الأشكال واجل الهيئات شرعنا في توسعة الحرم المكي وتشييده وتجميله وإحاطته بالشوارع والمسالك التي تيسر وفود المسلمين إليه . وقد جاء ما أنشئ من العمارة الجديدة دليلا على عظم العمارة المقصودة وعلى روعتها وإجلالها ، وفائدتها لحاج بيت الله الحرام وموافقتها لما تمناه المسلمون زمنا طويلا في تشييد الأماكن المقدسة ، وبذل الجهد والمال في جعلها لائقة بالحضارة الإسلامية ، شاهدة بعناية خدام الحرمين بهما دون ضن بمال أو جهد.
وقد كان كثير من المسلمين يشكون ما يلقون من عناء السعي وإنهم يسعون في سوق يكثر فيه الزحام والضوضاء وتقطع السابلة الطريق على الساعين ، فاليوم يعجب كل مسلم ويفخر بما يرى في السعي من سعة وراحة وجمال .
ولا يزال العمل مستمراً في جدودأب لتوسعة الحرم والله ييسر لنا أداء الواجب ويعيننا عليه ويجعل عملنا فيه خالصا لوجهه الكريم .
وقد تصدع سقف الكعبة وبعض جدرها فلم نأل جهدا ولم ندخر وسعا حتى تم ترميمها وتدعيمها واحتفل بهذا التجديد إحتفال شهده ممثلو الأمم الإسلامية فرحين مستبشرين معجبين بالمبادرة إلى تدعيم الكعبة والفراغ من ترميمها في أيام قليلة.
لقد كان فضل الله علينا وعلى بلادنا في السنين الأخيرة كبيراً . فنمت موارد الدولة نموا عظيما , ونما معها العمران والتقدم بما ترون من مدن جديدة منتشرة من شق هذه الجزيرة العربية إلى غربها هذه المدن وما تبع نحوها من طرق وخدمات متعددة وتحسين وتجميل يحق لبلادنا أن تفخر بها وبالسرعة في إنشائها ، ولقد أنفق في سبيلها أموال طائلة ولكنها كانت ضرورة لتطور البلاد العربية السعودية من البداوة إلى الحضارة وضماناً ضد العطالة ، وتكثيرا للعمل ، وهي لا شك مقدمة لظهور موارد جديدة وأعمال متنوعة في الصناعة والتجارة مما يهيئ للبلاد أرزاقا أخرى.
وقد كان لهذا العمران السريع المتزايد أثره في توزيع الثروة بين الناس والقضاء على البطالة والفقر في البلاد حتى توارد عليها طلاب الرزق من بلاد العرب والمسلمين وقد عاشت قبل قرونا في حاجة إلى صدقات المسلمين ، وهي اليوم ولله الحمد في مقدمة الأوطان أمنا ورخاء وقد شعرنا بسرعة هذا التطور العمراني سواء في المدن الجديدة والقديمة أو مراكز الإنتاج للثروة الرئيسية من النفط فوضعنا خططا وأوامر ضمنت للعمال في بلادنا أحسن شرائط الخدمة والعمل في البلاد الراقية.
ففتحنا أمام العامة سبل العيش وسبل الأمن الاجتماعي ، وقدمت الدولة لهم من الخدمات المجانية في الصحة والتعليم ، والزراعة والضمان ضد الكوارث والحوادث ما تفخر به البلاد العربية السعودية . وهي خدمات مجانية في التعليم والصحة والزراعة قليلة النظير في الشرق كله.
وان نمو هذه الخدمات وتوسعها في فترة قصيرة هو مدعاة للفخر وموجب لشكر الله تعالى , وقد اطرد التقدم في مرافق المعايش كلها ، وفي نظام الحكومة وأعمالها وهذه أمثلة مما نالته بلادنا في سنين قليلة .
•� عنيت كل العناية بتعليم الدين ، وفي الدين صلاحنا وفلاحنا ، فأكثرنا من المعاهد الدينية ويسرنا لأساتذتها وطلابها المعيشة ، ليفرغوا لطلب العلم ، فازداد عدد الطلاب والمتخرجين فسدوا حاجة البلاد في القضاء والفتيا والوعظ والإرشاد وأمور أخرى .
وانشأنا المدارس الابتدائية والثانوية في سنين قليلة فوجدت ناشئة البلاد موارد العلم ميسرة قريبة إليهم . في المدن والقرى ، في الإرجاء الدانية والقاصية ، وقد تقدم التعليم الابتدائي والثانوي في سنوات قليلة تقدماً نال الثناء والإعجاب من المتتبعين لتاريخ التعليم في بلادنا وغيرها فحمدنا الله سبحانه على ما يسر لبلادنا من إحياء سنن المسلمين في طلب العلم وبذل المال والجهد في تحصيله وبلوغ الغاية فيه .
ولما شرعت مدارسنا الثانوية تخرج طلبتها وكثر المتخرجون بادرنا إلى إنشاء الجامعة وقد أنشئت فيها كليات ، وستنشأ أخرى حتى تستوعب كل أنواع المعارف وتساير جامعات العالم في إخراج العلماء النافعين والباحثين المدققين في كل علم وفن ائتمارا بأوامر الإسلام التي تأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض ، والنظر في أحوال الأمم ما ضيها وحاضرها وطلب العلم في أقصى الأرض.
وقد وضعت خطط الجامعة على أن تكون جامعة إسلامية عربية تأخذ بأقصى ما بلغه العلم وتستمسك بالدين والأخلاق وتنشئ للأمة ناشئة عالمة مسلمة عربية إن شاء الله .
وقد خطط للجامعة أبنية كبيرة كثيرة إشترك في تخطيطها مهندسون من أرجاء العالم واختير أحسن تخطيط لتبنى عليه الجامعة قريبا بتوفيق الله تعالى.
وكذلك أنشئت مكتبة كبيرة في الرياض ستملأ بأمهات الكتب النافعة في كل علم وتبلغ ما بلغته خزائن الكتب في التاريخ الإسلامي وفي العصر الحديث ، وقد تعاونت بلدية الرياض التي أنشأتها مع جامعتنا على إمداد هذه المكتبة بأنواع الكتب في شتى العلوم لتكون مثابة للراغبين في القراءة الطامحين إلى الاستزادة من العلم .
•� ولم نغفل الزراعة فشرعنا في بناء سدود على الأودية لحفظ المياه وتيسير الانتفاع بها وإرشاد الزراع إلى خير الوسائل في الزرع والري وأعينوا على أحياء الأرض بوسائل مختلفة منها آلات الرى التي وزعت عليهم مجانا وخفض لهم ثمنا ويسر لهم أداؤه في مدد طويلة وشرع في إنشاء مدارس زراعية يرجا أن تكون فاتحة خير ومقدمة لمدارس كثيرة متفرقة في أرجاء المملكة تعلم الناس فنون الزراعة الحديثة وتمكن من الانتفاع بكل ارض صالحة للزرع في بلادنا أن شاء الله .
وكذلك عنيت حكومتي بالصناعة فشرعت تنشئ مدارس صناعية ووضعت الخطط لصناعات نافعة ومصانع كثيرة في نواحي البلاد تعين الناس على كسب معايشهم وتغني البلاد عن كثير مما تجلبه من البلاد الأجنبية من جليل المصنوعات ودقيقها.
ولا تزال بلادنا في أول الطريق ولكننا عازمون بتوفيق الله أن ننشر الصناعات النافعة ونيسر لناشئة البلاد تعليمها والاستفادة منها والإفادة بها .
وقد اتخذت خطوات لازمة لكشف المعادن برسم وتصوير مساحات شاسعة ستشمل البلاد كلها وتهيئ لاكتشاف المجهول فيها.
•� وعنيت حكومتي بالصحة كل العناية فأنشئت المستشفيات الكبيرة والصغيرة و المستوصفات في أنحاء المملكة ، واتخذت الوسائل الناجعة لمكافحة الأمراض في كل مكان وأنشئت مستشفيات كبيرة واضحة لمعالجة الحجاج في موسم الحج كان لها اثر واضح في إسعاف الحجاج ومداواتهم .
•� والجيش تقدم تقدما سريعا في نظامه وعدده ويستمر تنظيمه وتسليحة على أنفع الوجوه.
•� وقد أنشئ في مملكتنا طرق عدة تمتد مسافات بعيدة أعظمها الطريق بين المدينة المنورة وجدة ووضعت الخطط لإنشاء طرق أخرى تصل إطراف المملكة ما بين الخليج العربي والبحر الأحمر ومابين شمالي البلاد وجنوبها ، وشرع في إنشاء طريق بين الطائف ومكة يمر على جبل الهدى وعرفات.
ولا يخفى ما في إنشاء هذه الطرق من تيسير السفر في أرجاء المملكة وتسهيل نقل السلع وتبادل المنافع التجارية وتقريب الأقوات لطالبيها في زمن قصير بنفقة قليلة والله نستعين على المضي قدما في تعمير البلاد وترقية أهلها.
وأمور أخرى فيها عمران البلاد وصلاح العباد لا تحتاج إلى تعداد وتبيان .
ولقد ترتب على نمو العمران في البلاد وتنوع الخدمات التي تقوم بها الدولة واتساعها في الخمس السنين الأخيرة أن رأينا ضرورة التطور في نظم الدولة لتنمية وتحسين أدوات الحكم واصدرنا الأوامر اللازمة لذلك والتي تهدف نحو التقدم المناسب لحاجات البلاد فوسعنا سلطات مجلس الوزراء وحددنا المسئوليات واصدرنا التعليمات والأوامر لحسن القيام على موارد الثروة وتوزيعها وسنراعى ذلك في كل حين فنساير حاجات الدولة النامية ومصالح الرعية بما يلزم من تعديل وتحسين في إدارة الأعمال وسياسة الحكومة لخير رعيتنا وبلادنا.
نذكر هذا تحدثا بنعمة الله وتذكيرا لنفسي وأمتي بشكر هذه النعمة وما شكرها إلى الإبانة إلى الله سبحانه والعمل بشرعة وتعظيم شعائره والعدل بين الناس والقيام بالحق والسعي في أن يصلح نفسه وأمته ويدأب لعمران بلاده ويجد في كل إصلاح قاصدا به وجه الله وما يحتمه الواجب.
أسأل الله التوفيق لي ولكم وادعوه أن يهدينا للتي هي أقوم ويجمع قلوبنا على التقوى ويجعلنا كما قال في كتابه المبين " ولتكن منكم أمه يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " .
البِلاَد السُّعُودَية
صَحيفَةُ الشعب العَرَبي السُّعُودي
{مكة المكرمة في يوم الأربعاء29 ربيع الثاني سنة 1378هـ- 12 نوفمبر سنة 1958م 20 العقرب سنة 1336 شمسية}
{ العدد 2898 - السنة الثانية والعشرون}
رئيس التحرير : فؤاد شاكر
أحمد الله سبحانه وأسأله دوام النعمة والتوفيق لكل خير . اللهم كما زودتنا نعما فألهمنا شكرا . والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين رزقنا الله إتباع شريعته والعمل بسنته وبعد فقد مضت خمس سنين منذ تغمد الله والدنا الكبير فمضى حميد السيرة محمود الأثر بعد أن جاهد في لله حق جهاده . ولم يأل سعيا في إصلاح العباد وتأمين البلاد..
وقد احتملنا العبء من بعده وحملنا الأمانة على أثره وباشرنا في إتمام ما ابتدأه جلالة والدنا العظيم تغمده الله برحمته من المشاريع العمرانية متوكلين على الله مستعينين به غير ألين جهدا في أداء حقوق الله تعالى وحقوق عباده والقيام على الرغبة بالعدل والرأفة والبر و الشفقة وقد مضت هذه السنوات والعالم في قلق واضطراب وجدال وخصام بما فرق الناس الهوى وباعدت بينهم المطامع فحرصت كل الحرص على أن تتمسك أمتنا في هذه الأحداث بإيمانها وتعتصم بشريعتها وتحافظ على أخلاقها وآدابها وحضارتها لتحقق قول الله تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
ففي الخمس سنين التي احتملت فيها أعباء المسؤولية العظيمة - قبل الله والأمة - خطت هذه البلاد السعودية خطوات واسعة في العمران لا مثيل لها في أكثر بلدان الشرق الأوسط ، وهيا الله سبحانه لنا نعمتي الأمن والرخاء ، بما لم يكن لهذه البلاد المترامية الأطراف في مئات السنين .
لقد عملنا جهدنا وبذلنا وسعنا لتكون بلادنا دار أمن وعمران وتقدم ، فاحتفظنا في سياسة الدولة الخارجية بأصول من شانها إدامة أحسن العلاقات مع الدول العربية والإسلامية ، متخذين من التمسك بميثاق الجامعة العربية والأمم المتحدة نبراساً لهذه العلاقات ، فقد سرنا في صلاتنا بالبلاد الإسلامية على ما يوجبه الإسلام وتقضى به الأخوة بين المؤمنين ، فأحكمنا عرى المودة والمحبة بيننا وبينها وزرنا بعضها رغبة في الاطلاع على أحوالها والتعرف إلى أولى الأمر فيها ، والعمل لأحكام التآلف والتعاون معها ودعونا رؤساءها لزيارة بلادنا .
وأما دول العالم الأخرى فقد تبعنا معها سياسة وسط مخلصة لميثاق الأمم المتحدة فلم نتحيز ولم نخرج عن جادة المعاملة الحسنة ، ولم نخاصم الأمن اعتدى علينا ، وان كنا اليوم في نزاع مع بعض الدول الكبيرة . فقد عملنا جهدنا لفض هذا النزاع بالطرق الودية ، فقبلنا التحكيم في مسألة حدودنا الشرقية في البريمي وغيرها ، ولا زلنا نقبله حلا كريما ، ولكن الطرف الآخر نزع إلى القوة واعتدى على أرضنا ثم اعتدى بعد ذلك على حليفتنا وشقيقتنا مصر ، فقطعنا علاقاتنا الدبلوماسية معه ولا تزال مقطوعة ومتى عاد إلى الحق واحترام الاتفاقيات القائمة فإننا نرحب باستئناف علاقاتنا العادية معه.
وأما فرنسا التي ليس لها معنا الآن علاقات دبلوماسية أيضا ـ فان إسرافها في البطش بالمسلمين في الجزائر وعدوانها على مصر .. اضطرنا لقطع هذه العلاقات ، وما كان لنا أن نغض الطرف عن عدوانها على إخواننا الجزائريين . وفيما عدا هاتين الدولتين فان علاقاتنا ودية مع جميع دول العالم .
وأما إسرائيل فنحن لمن نعتبرها في أي وقت دولة ولا عرفنا لوجودها أي كيان شرعي بل نعتبر قيامها على أرض العرب وتشريدها أبناء فلسطين عدوانا على البشرية كلها.
ونحن نحمد الله إن سياستنا السلمية وعلاقاتنا الطيبة مع دول العالم قد ساعدت على استمرار الأمن والسلام في منطقتنا وحظيت ولله الحمد البلاد العربية السعودية بأمن شامل في الداخل والخارج وذك بفضل إتباعنا كتاب الله وسنة نبيه .
لقد قامت سياستنا في السنين الخمس الأخيرة على الرغبة الصادقة في السلم ومحبة الإنصاف للجميع وان طبيعة بلادنا ومكانتها في عالم الإسلام وكونها مجمعاً لحجاج المسلمين وفيها قبلتهم والحرمان المقدسان يجعل من واجبها الحياد التام ، في كل نزاع والمحافظة على أحسن الصلات مع جميع الدول - الأخرى مرعية في تنمية صلات الإخاء البشرى وتيسير للمسلمين في جميع الأرض أن يؤدوا مناسكهم وقد من الله علينا بالنجاح في هذه السياسة التي هي إحدى خططنا الأصلية .
وإنني وحكومتي نرقب في يقظة سير الحوادث العالمية لأجنب هذه البلاد المقدسة المزالق , وقد أكرمني الله بولاية شؤونها ليديم الله عليها نعمة الإسلام ، والأمانة العظيمة التي ائتمننا الخالق سبحانه عليها ، وهي خدمة الحرمين الشريفين ، نبذل الجهد كل الجهد في أدائها على وجهها.
وقد أنشانا من الأبنية والطرق ما ييسر الحج ويرفه الحجاج في المناسك كلها في مكة وعرفات وبنينا المستشفيات في مجامع الحج ، لعلاج من يمرض من حاج المسلمين على إختلاف أجناسهم وألوانهم .
وبعد الفراغ من عمارة الحرم النبوي التي تمت على أجمل الأشكال واجل الهيئات شرعنا في توسعة الحرم المكي وتشييده وتجميله وإحاطته بالشوارع والمسالك التي تيسر وفود المسلمين إليه . وقد جاء ما أنشئ من العمارة الجديدة دليلا على عظم العمارة المقصودة وعلى روعتها وإجلالها ، وفائدتها لحاج بيت الله الحرام وموافقتها لما تمناه المسلمون زمنا طويلا في تشييد الأماكن المقدسة ، وبذل الجهد والمال في جعلها لائقة بالحضارة الإسلامية ، شاهدة بعناية خدام الحرمين بهما دون ضن بمال أو جهد.
وقد كان كثير من المسلمين يشكون ما يلقون من عناء السعي وإنهم يسعون في سوق يكثر فيه الزحام والضوضاء وتقطع السابلة الطريق على الساعين ، فاليوم يعجب كل مسلم ويفخر بما يرى في السعي من سعة وراحة وجمال .
ولا يزال العمل مستمراً في جدودأب لتوسعة الحرم والله ييسر لنا أداء الواجب ويعيننا عليه ويجعل عملنا فيه خالصا لوجهه الكريم .
وقد تصدع سقف الكعبة وبعض جدرها فلم نأل جهدا ولم ندخر وسعا حتى تم ترميمها وتدعيمها واحتفل بهذا التجديد إحتفال شهده ممثلو الأمم الإسلامية فرحين مستبشرين معجبين بالمبادرة إلى تدعيم الكعبة والفراغ من ترميمها في أيام قليلة.
لقد كان فضل الله علينا وعلى بلادنا في السنين الأخيرة كبيراً . فنمت موارد الدولة نموا عظيما , ونما معها العمران والتقدم بما ترون من مدن جديدة منتشرة من شق هذه الجزيرة العربية إلى غربها هذه المدن وما تبع نحوها من طرق وخدمات متعددة وتحسين وتجميل يحق لبلادنا أن تفخر بها وبالسرعة في إنشائها ، ولقد أنفق في سبيلها أموال طائلة ولكنها كانت ضرورة لتطور البلاد العربية السعودية من البداوة إلى الحضارة وضماناً ضد العطالة ، وتكثيرا للعمل ، وهي لا شك مقدمة لظهور موارد جديدة وأعمال متنوعة في الصناعة والتجارة مما يهيئ للبلاد أرزاقا أخرى.
وقد كان لهذا العمران السريع المتزايد أثره في توزيع الثروة بين الناس والقضاء على البطالة والفقر في البلاد حتى توارد عليها طلاب الرزق من بلاد العرب والمسلمين وقد عاشت قبل قرونا في حاجة إلى صدقات المسلمين ، وهي اليوم ولله الحمد في مقدمة الأوطان أمنا ورخاء وقد شعرنا بسرعة هذا التطور العمراني سواء في المدن الجديدة والقديمة أو مراكز الإنتاج للثروة الرئيسية من النفط فوضعنا خططا وأوامر ضمنت للعمال في بلادنا أحسن شرائط الخدمة والعمل في البلاد الراقية.
ففتحنا أمام العامة سبل العيش وسبل الأمن الاجتماعي ، وقدمت الدولة لهم من الخدمات المجانية في الصحة والتعليم ، والزراعة والضمان ضد الكوارث والحوادث ما تفخر به البلاد العربية السعودية . وهي خدمات مجانية في التعليم والصحة والزراعة قليلة النظير في الشرق كله.
وان نمو هذه الخدمات وتوسعها في فترة قصيرة هو مدعاة للفخر وموجب لشكر الله تعالى , وقد اطرد التقدم في مرافق المعايش كلها ، وفي نظام الحكومة وأعمالها وهذه أمثلة مما نالته بلادنا في سنين قليلة .
•� عنيت كل العناية بتعليم الدين ، وفي الدين صلاحنا وفلاحنا ، فأكثرنا من المعاهد الدينية ويسرنا لأساتذتها وطلابها المعيشة ، ليفرغوا لطلب العلم ، فازداد عدد الطلاب والمتخرجين فسدوا حاجة البلاد في القضاء والفتيا والوعظ والإرشاد وأمور أخرى .
وانشأنا المدارس الابتدائية والثانوية في سنين قليلة فوجدت ناشئة البلاد موارد العلم ميسرة قريبة إليهم . في المدن والقرى ، في الإرجاء الدانية والقاصية ، وقد تقدم التعليم الابتدائي والثانوي في سنوات قليلة تقدماً نال الثناء والإعجاب من المتتبعين لتاريخ التعليم في بلادنا وغيرها فحمدنا الله سبحانه على ما يسر لبلادنا من إحياء سنن المسلمين في طلب العلم وبذل المال والجهد في تحصيله وبلوغ الغاية فيه .
ولما شرعت مدارسنا الثانوية تخرج طلبتها وكثر المتخرجون بادرنا إلى إنشاء الجامعة وقد أنشئت فيها كليات ، وستنشأ أخرى حتى تستوعب كل أنواع المعارف وتساير جامعات العالم في إخراج العلماء النافعين والباحثين المدققين في كل علم وفن ائتمارا بأوامر الإسلام التي تأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض ، والنظر في أحوال الأمم ما ضيها وحاضرها وطلب العلم في أقصى الأرض.
وقد وضعت خطط الجامعة على أن تكون جامعة إسلامية عربية تأخذ بأقصى ما بلغه العلم وتستمسك بالدين والأخلاق وتنشئ للأمة ناشئة عالمة مسلمة عربية إن شاء الله .
وقد خطط للجامعة أبنية كبيرة كثيرة إشترك في تخطيطها مهندسون من أرجاء العالم واختير أحسن تخطيط لتبنى عليه الجامعة قريبا بتوفيق الله تعالى.
وكذلك أنشئت مكتبة كبيرة في الرياض ستملأ بأمهات الكتب النافعة في كل علم وتبلغ ما بلغته خزائن الكتب في التاريخ الإسلامي وفي العصر الحديث ، وقد تعاونت بلدية الرياض التي أنشأتها مع جامعتنا على إمداد هذه المكتبة بأنواع الكتب في شتى العلوم لتكون مثابة للراغبين في القراءة الطامحين إلى الاستزادة من العلم .
•� ولم نغفل الزراعة فشرعنا في بناء سدود على الأودية لحفظ المياه وتيسير الانتفاع بها وإرشاد الزراع إلى خير الوسائل في الزرع والري وأعينوا على أحياء الأرض بوسائل مختلفة منها آلات الرى التي وزعت عليهم مجانا وخفض لهم ثمنا ويسر لهم أداؤه في مدد طويلة وشرع في إنشاء مدارس زراعية يرجا أن تكون فاتحة خير ومقدمة لمدارس كثيرة متفرقة في أرجاء المملكة تعلم الناس فنون الزراعة الحديثة وتمكن من الانتفاع بكل ارض صالحة للزرع في بلادنا أن شاء الله .
وكذلك عنيت حكومتي بالصناعة فشرعت تنشئ مدارس صناعية ووضعت الخطط لصناعات نافعة ومصانع كثيرة في نواحي البلاد تعين الناس على كسب معايشهم وتغني البلاد عن كثير مما تجلبه من البلاد الأجنبية من جليل المصنوعات ودقيقها.
ولا تزال بلادنا في أول الطريق ولكننا عازمون بتوفيق الله أن ننشر الصناعات النافعة ونيسر لناشئة البلاد تعليمها والاستفادة منها والإفادة بها .
وقد اتخذت خطوات لازمة لكشف المعادن برسم وتصوير مساحات شاسعة ستشمل البلاد كلها وتهيئ لاكتشاف المجهول فيها.
•� وعنيت حكومتي بالصحة كل العناية فأنشئت المستشفيات الكبيرة والصغيرة و المستوصفات في أنحاء المملكة ، واتخذت الوسائل الناجعة لمكافحة الأمراض في كل مكان وأنشئت مستشفيات كبيرة واضحة لمعالجة الحجاج في موسم الحج كان لها اثر واضح في إسعاف الحجاج ومداواتهم .
•� والجيش تقدم تقدما سريعا في نظامه وعدده ويستمر تنظيمه وتسليحة على أنفع الوجوه.
•� وقد أنشئ في مملكتنا طرق عدة تمتد مسافات بعيدة أعظمها الطريق بين المدينة المنورة وجدة ووضعت الخطط لإنشاء طرق أخرى تصل إطراف المملكة ما بين الخليج العربي والبحر الأحمر ومابين شمالي البلاد وجنوبها ، وشرع في إنشاء طريق بين الطائف ومكة يمر على جبل الهدى وعرفات.
ولا يخفى ما في إنشاء هذه الطرق من تيسير السفر في أرجاء المملكة وتسهيل نقل السلع وتبادل المنافع التجارية وتقريب الأقوات لطالبيها في زمن قصير بنفقة قليلة والله نستعين على المضي قدما في تعمير البلاد وترقية أهلها.
وأمور أخرى فيها عمران البلاد وصلاح العباد لا تحتاج إلى تعداد وتبيان .
ولقد ترتب على نمو العمران في البلاد وتنوع الخدمات التي تقوم بها الدولة واتساعها في الخمس السنين الأخيرة أن رأينا ضرورة التطور في نظم الدولة لتنمية وتحسين أدوات الحكم واصدرنا الأوامر اللازمة لذلك والتي تهدف نحو التقدم المناسب لحاجات البلاد فوسعنا سلطات مجلس الوزراء وحددنا المسئوليات واصدرنا التعليمات والأوامر لحسن القيام على موارد الثروة وتوزيعها وسنراعى ذلك في كل حين فنساير حاجات الدولة النامية ومصالح الرعية بما يلزم من تعديل وتحسين في إدارة الأعمال وسياسة الحكومة لخير رعيتنا وبلادنا.
نذكر هذا تحدثا بنعمة الله وتذكيرا لنفسي وأمتي بشكر هذه النعمة وما شكرها إلى الإبانة إلى الله سبحانه والعمل بشرعة وتعظيم شعائره والعدل بين الناس والقيام بالحق والسعي في أن يصلح نفسه وأمته ويدأب لعمران بلاده ويجد في كل إصلاح قاصدا به وجه الله وما يحتمه الواجب.
أسأل الله التوفيق لي ولكم وادعوه أن يهدينا للتي هي أقوم ويجمع قلوبنا على التقوى ويجعلنا كما قال في كتابه المبين " ولتكن منكم أمه يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " .
البِلاَد السُّعُودَية
صَحيفَةُ الشعب العَرَبي السُّعُودي
{مكة المكرمة في يوم الأربعاء29 ربيع الثاني سنة 1378هـ- 12 نوفمبر سنة 1958م 20 العقرب سنة 1336 شمسية}
{ العدد 2898 - السنة الثانية والعشرون}
رئيس التحرير : فؤاد شاكر
إدارة الموقع