خطاب الملك سعود بمناسبة مرور سبع سنوات على تبوئه عرش البلاد 1960م

شعبي العزيز:

يسرني أن أتحدث إليكم اليوم بمناسبة مرور سبعة أعوام على تولينا لمقاليد الأمور في مملكتنا رافعاً أكف الشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه علينا إذ وفقنا لإقامة دينه وشريعته والعمل بكل جد واجتهاد ولإسعادكم وتوفير الرخاء لكم باذلين كل رخيص وغال في سبيل تحقيق ذلك ، ساهرين الليالي مفكرين في أموركم ومتدبرين في أحوالكم وما كان ليتحقق لنا هذا لولا تمسكنا بأهداب الدين الحنيف وجعلنا كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دستورنا.

في هذه المناسبة أجد من الواجب علىّ أن أطلعكم على بعض ما قمنا به وما عزمنا القيام به من أعمال ومشاريع داخلية ، ومارسمناه لسياستنا الخارجية.



في الحقل الداخلي

لازال العمل جارياً بهمة ونشاط في عمارة الحرم المكي الشريف وتوسعته دون ضن بالمال أو الجهد آملين أن يصبح عند انتهائه بحول الله وقوته في جمال بنائه وروعة عمارته كما هو في قدسيته وعظمته ، كما تم بعون الله شق وتوسيع الطرق في مكة المكرمة والمؤدية إلى المناسك في عرفات ومنى كل ذلك تيسيراً للحجاج الوافدين إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج في يسر وأمن وطمأنينة.

وقد وضعنا خطة كاملة لربط أجزاء مملكتنا بطرق ممهّدة تربط شرقها بغربها وشمالها بجنوبها للمساعدة على النهوض باقتصاديات البلاد ولفتح آفاق جديدة لأبناء وطننا عن طريق تسهيل طرق المواصلات لهم ليعم الرخاء وتزدهر المدن والقرى.

ومن ناحية أخرى فلقد خطونا خطوة عملية نحو تحقيق مشروع إعداد سكة حديد الحجاز بالاتفاق مع حكومتي الجمهورية العربية المتحدة والأردن.

ولا زلنا نولي جيشنا الكثير من عنايتنا واهتمامنا وتزويده بالأسلحة الحديثة والثقيلة كما عملنا على رفع مستوى التدريب بين أفراده حتى يصبح بحول الله من أحسن الجيوش تدريباً وتسليحاً .

وقد عقدنا العزم على أن تسير نهضتنا الزراعية مع النهضة العمرانية ، وتقدم طرق المواصلات جنباً إلى جنب في سبيل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاعتماد على موارد البلاد الزراعية.

وقد أولينا عنايتنا الخاصة موضوع التنمية الاقتصادية ومضاعفة الدخل القومي فقد أمرنا بعمل دراسات شاملة وتخطيط كامل الإمكانيات الممكنة على أسس سليمة نضعها تحت تصرف أبناء شعبنا الكريم قريباً ، متعاونين معهم ومشجعين لهم في سبيل تصنيع البلاد والاستفادة من اليد العاملة في كل مرفق من مرافق الحياة العامة. وإني أنتهز هذه الفرصة لأدعو أبنائي المواطنين وأرباب الثروات للمساهمة في إقامة الصناعات وتأسيسها بما هيأ الله لهم من وسائل الثروة ليجعلوا من هذا الشعب وهذا الوطن مثلا صالحاً نعيش جميعاً في رغد من العيش مطمئنين إلى مستقبلنا ومستقبل أبنائنا ونحن على أتم استعداد لمعاضدتكم ومساندتكم مادياً ومعنوياً والسير معكم في هذا السبيل إلى أبعد مدى ممكن.

وتحقيقاً لهذا العرض فنحن ندرس الآن موضوع إنشاء مصرف لتمويل المشاريع المفيدة من زراعية وصناعية تعود بالنفع على البلاد ونأمل أن تنتهي الدراسة قريباً إن شاء الله ويوضع المشروع موضع التنفيذ .

وقد أولينا التعليم القسط الوافر من اهتمامنا فوضعنا له برنامجاً طويل الأمد وأنشأنا جامعة سعود وهي تشتمل على كلية العلوم والآداب والتجارة والصيدلة ، وإن من دواعي سرورنا أن أصبح يؤمها طلاب من البلاد العربية الشقيقة أيضاً ، وسنعمل إن شاء الله على فتح بقية الكليات العملية.

وأمرنا بفتح مدارس للبنات ، ومما أثلج صدورنا ما شاهدناه من إقبال على تلك المدارس ، ووجهنا .. التعليم الوجهة الصحيحة النافعة التي تتفق مع مبادئنا الدينية ومتطلّبات نهضتنا الصناعية والزراعية والعمرانية مع الاهتمام بصفة خاصة بالتعليم المهني والفني .

تمشياَ مع هذه السياسة وحرصاً على نشر المبادئ والتعاليم الإسلامية الصحيحة فقد عملنا على فتح جامعة إسلامية في المدينة المنورة ، وهذه الجامعة سيؤمها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم سعياً وراء البحث والمعرفة ، ونأمل إن شاء الله أن تقوم بإعداد جيل جديد واع مسلّح بالعلم والمعرفة والدين الصحيح يدعو إلى كتاب الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

ولما كان من أعز أمانينا محاربة المرض فقد بذلنا المزيد من العناية في مقاومة الأمراض والأوبئة وتوفير العلاج المجاني لمختلف طبقات الشعب مع الاهتمام بصفة خاصة بإخواننا أهل البادية ، فقد قدمنا لهم على نفقتنا الخاصة أربعة مستشفيات متنقلة لعلاجهم وتوفير الدواء لهم لحمايتهم من الأمراض المستوطنة.

كما أننا نعمل جاهدين على الاستعانة بالأكفاء من أبناء شعبنا وإفساح المجال أمامهم لخدمة بلادهم وأمتهم ، وإننا نهيب بالمسئولين في الدوائر الحكومية والشركات والبنوك أن يولوا اهتمامهم للاستعانة بأبناء البلاد.

في الحقل الخارجي

أما سياستنا الخارجية فهي سياسة واضحة المعالم تقوم على أساس تمسكنا بميثاق الجامعة العربية وتأييد البلاد العربية الشقيقة والوقوف بجانبها والانتصار لقضية إخواننا عرب فلسطين ومساعدتهم بكل ما نستطيع لاستعادة حقوقهم المسلوبة.

وإننا ننظر وقد مضت ستة أعوام على الثورة الجزائرية بإعجاب وإكبار إلى جهادهم ونضالهم في سبيل تحرير بلادهم من الحكم الاستعماري والسيطرة الأجنبية . وما إعجابنا بإخواننا العمانيين بأقل من إعجابنا بجهاد إخواننا الجزائريين ونحن نعمل كل ما في وسعنا متكاتفين مع إخواننا في البلاد العربية حتى ينال الشعب العربي المجاهد حقوقه كاملة غير منقوصة .

أما موقفنا من الاعتداء البريطاني على ذلك الجزء العزيز من بلادنا (البريمى) فإننا عملنا كل ما في وسعنا لحل النزاعة بالطرق السلمية ، وقد زارنا مؤخراً المستر" ربخ "مندوب
المستر "همرشولد" سعياً وراء إيجاد حل لهذه القضية .. وفي حالة فشل المساعي التي يقوم بها السكرتير العام للأمم المتحدة فإننا لن نتوانى في اتخاذ ما نراه مناسباً من إجراءات لاستعادة ذلك الجزء العربي من بلادنا.

أما علاقتنا بالدول الأجنبية فهى قائمة على أساس الاحترام المتبادل والحياد التام متعاونين مع الدول العربية والإسلامية والكتلة الآسيوية الإفريقية تأكيداً لمبادئ "باندونج" وميثاق الأمم المتحدة ..

أسال الله التوفيق لي ولكم وأدعوه أن يوفقنا إلى مافيه الخير والفلاح لبلادنا وشعبنا وسائر المسلمين والعرب . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

البريمى:

لقد حدد جلالة العاهل المفدى موقف بلاده ، من قضية البريمى القطعة العزيزة من الأراضي العربية السعودية ، وقال جلالته في خطابه بمناسبة الذكرى الثانية لاعتلائه العرش..

لقد علمتم ما كان من العدوان الغادر من حكومة بريطانيا على أطراف مملكتنا واحتلالها لمنطقة البريمى بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار ، ولم نعلم لذلك سببا ، فقد كنا أوفياء لعهودنا حينما عقدنا اتفاقية التحكيم معهم ، ولم نعلم سبباً موجبا لان ينقض الإنجليز عهودهم ، ومواثيقهم ولم أجد تعليلاً لهذا إلا أنهم ضاقوا ذرعا بنا ، فلم يجعلونا متكأ لهم في أغراضهم الاستعمارية وأغراضهم الحربية ن التي لا تتفق مع مصالح بلادنا ولا مصالح المسلمين والعرب ، فقد دعونا للدخول في أحلافهم ودعونا أن نسير في ركابهم فأبينا إلا أن نكون في ركاب المصالح العربية والإسلامية ، ولقد أبهج قلبي ما لقيت من حماس وغيرة واستعداد للتضحية أمام هذا الاعتداء الغاشم ، وإننا لعاملون بحول الله وقوته لإرجاع حقوقنا كاملة غير منقوصة مستنفذين الوسائل السلمية للوصول لأهدافنا .. وسنعمل في كل مجال لرد العدوان عن بلادنا بكل ما نستطيع من قوة وجهد...