أولا : لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرسول الكريم الذى هاجر إليها، لينشر بين الناس تعاليم الإسلام الهادي إلى الخير والمكافح للشر وليبعث في نفوسهم روح التآلف والتوادد والتعاون فيما بينهم لينالوا العز والسعادة في دينهم ودنياهم .
ثانياً : لتفقد شئونكم والتحدث إليكم ولأتحقق بنفسي كل ما تحتاجه هذه البلاد المقدسة من أعمال نافعة ، وترقية حال أبنائها المادية والمعنوية وتوفير كل ما هو ضروري لرفع مستواهم ولهذا فقد رأيتموني رجحت السير لهذه المدينة المباركة على الطريق البرى ، رغم ما فيه من نصب وتعب ، لأني أحس في نفسي أن الاتصال المباشر بالشعب يأتي بالفوائد الجمة ويمهد التجاوب الطبيعي بينه وبين ولاة الأمور ، ويمكن من تقوية روابط المحبة والثقة فضلا عن أنه يقوى الأفكار الإصلاحية ، ويعطيها حقها من الاهتمام والرعاية ، وإني لمغتبط أشد الاغتباط لما لا قيته منذ دخولنا حدود هذه البلدة المقدسة من أبنائها حضرهم وبدوهم من حفاوات زاهرة تضطرم حماساً وطنياً واستقبالات حارة تفيض شعوراً حياً ، بعيدة عن التصنع والرياء ، كما أنه لتغمرني موجة من التقدير والإعجاب بتلك الخطب ومن تلك القصائد المملوءة عواطف كريمة وإخلاصا فياضا ، تبعث على البشر والسرور ، وإني لا شكر لكم ولهم ذلك الشعور وتلك الحفاوات التي كست روعتها أحاسيس الجماهير المخلصة ، وقد خلد ذلك في قلبي أثراً بليغاً وذكرى جميلة لا تنسى ولا أغالي إذا قلت لكم إنما يختلج بين جنبات قلبي من إحساس فياض بالحب لبلدتكم وبالخير لكم وما يجيش في نفسي من عواطف التقدير لحفاوتكم الشعبية لا يقل عن شعور ولائكم وإخلاصكم بل يزيده أضعافاً مضاعفة ، وسأبذل قصارى جهدي أن لا أبقى هذا الحب والتقدير محصوراً في دائرة العواطف والشعور ، بل أو اصل السعي بإخراجه إلى حيز العمل والوجود ، وقد التفتُّ كثيراً لخطب خطبائكم وقصائد شعرائكم وأصغيت لما عبروا به من أمان وطنية ، وآمال قومية .
وكم يسرني أن أصارحكم بأن أغراضنا التقت في نقطة واحدة وأهدافنا تجمعت في غاية واحدة ، ألا وهي الأعمال والإصلاح . وإني لمست بنفسي الحالة التي تعيشون فيها وأحطت عن كثب بما يعوز البلاد من رقى وأعمال تعود عليكم بالنفع إن شاء الله .
إخواني: كلما أمعنت النظر في حالة المجتمع وتعمقت في دراسة ما يعانية أبناؤه ازددت يقيناً ، بأن أشد العلل فتكا هو الفقر حيث تتولد منه العلل الأخرى . كالمرض والجهل ، وحسبنا هذا دليلاً على أن الفقير يحول فقره بينه وبينما يبتغيه من تداوى لمرضه ، ومن تعلم لعلمه أو مما يرفعه ، فلذلك ما زلت ولن أزال أهتم قبل كل شئ بمعالجة هذا الداء الوبيل ، ولا بد أنكم عرفتم أنني قمت وأنا عندكم بتدابير سريعة في هذا الشأن لتخفيف الوطأة وإنعاش المؤسسات العلمية وقمت في الوقت نفسه بتأليف لجنة من ذوى الخبرة بشأن بلديتكم لتوضع ما تحتاجه من مشاريع عمرانية وخطط إصلاحية ترمى إلى مكافحة كل علة تنخر في جسم البلاد وتؤدى بأبنائها إلى الإضرار بحالتهم الصحية والمعيشية والاجتماعية ، وتجلب لهم الرخاء والرفاهية من جميع النواحي الحيوية ، ومن جهة أخرى أنى أعنى في وضع برامج ثابتة لتضمن تنفيذها في مدى معين ، وإني لقوى الأمل في أن دراستي حالة البلاد ستكون بدء صفحة جديدة مليئة باليمن والخير للشعب بمشيئة الله تعالى ، وإنني عامل على ذلك بكل جهد ، وإنه لمما يسعدني أن أشاهد جميع إخواني لهذه البلاد ينظرون إلى المستقبل بنظرة باسمة ملؤها الثقة والطمأنينة ، وأراهم على حق ، إذ ليس بيننا وبين تحقيق أغراضنا وأهدافنا كاملة سوى صدق العزيمة والإخلاص في العمل ، وهذا متيسر إن شاء الله ، غير أنه يجب أن لا يغرب عن البال أن أمر الأعمال والإصلاح ، وبعبارة أخرى أن الواجب الملقى على عاتقنا لصالح الوطن وبنية لكبير جداً يتطلب عملا متواصلا ووقتاً غير قصير ، فعليكم إذاً أن تتذرعوا بالصبر ويهون هذا عليكم إذا علمتم أن سفينة الأعمال والإصلاح سائرة في طريقها ، مقتحمة كل موجة تطفو عليها حتى تصل إنشاء الله إلى ساحل الأمان ، متوجه بإكليل النجاح والتوفيق وتأكدوا أننا جادّون فعلا في القيام بعمل كل شئ يفيد الشعب ويرفعه .
إخواني: أحب بهذه المناسبة أن أستودعكم الله تعالي حيث قررت مغادرة البلدة المقدسة في القريب ، مكرراً شكري وامتناني العظيم لجمعكم على عواطفكم النبيلة وحفاوتكم الشائقة ، ولو كانت ظروف العمل في الجهات الأخرى من البلاد تساعدني لقضيت في هذه البلدة الطيبة أطول وقت ، لأني أشعر بقدسيتها وأنها رمز للشعور الوطني الفياض والولاء الصادق ، وأحب أن أشكر أيضاً وفد مكة المكرمة الذي قدم إلى المدينة لتوديعي باسم أهالي مكة الذي أبوا إلا أن يتبعوني بولائهم وإخلاصهم إلى هنا ، فلهم ولبقية الوفود الأخرى من مختلف جهات بلادنا تقديري وشكري وامتناني الصادق من كل قلبي ، وختاماً أرجو الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لأداء الواجب في سبيل تقويم أحكام الدين الإسلامي المتين ، وتعزيز الوطن المحبوب تحت ظل جلالة الملك المعظم أيده الله وأبقاه ذخراً للبلاد والعروبة والإسلام . والسلام عليكم ورحمة الله .
( ربيع الأول 1372 – ديسمبر 1952 )
الملك سعود أحاديثه وخطبه – بقلم فؤاد شاكر
ثانياً : لتفقد شئونكم والتحدث إليكم ولأتحقق بنفسي كل ما تحتاجه هذه البلاد المقدسة من أعمال نافعة ، وترقية حال أبنائها المادية والمعنوية وتوفير كل ما هو ضروري لرفع مستواهم ولهذا فقد رأيتموني رجحت السير لهذه المدينة المباركة على الطريق البرى ، رغم ما فيه من نصب وتعب ، لأني أحس في نفسي أن الاتصال المباشر بالشعب يأتي بالفوائد الجمة ويمهد التجاوب الطبيعي بينه وبين ولاة الأمور ، ويمكن من تقوية روابط المحبة والثقة فضلا عن أنه يقوى الأفكار الإصلاحية ، ويعطيها حقها من الاهتمام والرعاية ، وإني لمغتبط أشد الاغتباط لما لا قيته منذ دخولنا حدود هذه البلدة المقدسة من أبنائها حضرهم وبدوهم من حفاوات زاهرة تضطرم حماساً وطنياً واستقبالات حارة تفيض شعوراً حياً ، بعيدة عن التصنع والرياء ، كما أنه لتغمرني موجة من التقدير والإعجاب بتلك الخطب ومن تلك القصائد المملوءة عواطف كريمة وإخلاصا فياضا ، تبعث على البشر والسرور ، وإني لا شكر لكم ولهم ذلك الشعور وتلك الحفاوات التي كست روعتها أحاسيس الجماهير المخلصة ، وقد خلد ذلك في قلبي أثراً بليغاً وذكرى جميلة لا تنسى ولا أغالي إذا قلت لكم إنما يختلج بين جنبات قلبي من إحساس فياض بالحب لبلدتكم وبالخير لكم وما يجيش في نفسي من عواطف التقدير لحفاوتكم الشعبية لا يقل عن شعور ولائكم وإخلاصكم بل يزيده أضعافاً مضاعفة ، وسأبذل قصارى جهدي أن لا أبقى هذا الحب والتقدير محصوراً في دائرة العواطف والشعور ، بل أو اصل السعي بإخراجه إلى حيز العمل والوجود ، وقد التفتُّ كثيراً لخطب خطبائكم وقصائد شعرائكم وأصغيت لما عبروا به من أمان وطنية ، وآمال قومية .
وكم يسرني أن أصارحكم بأن أغراضنا التقت في نقطة واحدة وأهدافنا تجمعت في غاية واحدة ، ألا وهي الأعمال والإصلاح . وإني لمست بنفسي الحالة التي تعيشون فيها وأحطت عن كثب بما يعوز البلاد من رقى وأعمال تعود عليكم بالنفع إن شاء الله .
إخواني: كلما أمعنت النظر في حالة المجتمع وتعمقت في دراسة ما يعانية أبناؤه ازددت يقيناً ، بأن أشد العلل فتكا هو الفقر حيث تتولد منه العلل الأخرى . كالمرض والجهل ، وحسبنا هذا دليلاً على أن الفقير يحول فقره بينه وبينما يبتغيه من تداوى لمرضه ، ومن تعلم لعلمه أو مما يرفعه ، فلذلك ما زلت ولن أزال أهتم قبل كل شئ بمعالجة هذا الداء الوبيل ، ولا بد أنكم عرفتم أنني قمت وأنا عندكم بتدابير سريعة في هذا الشأن لتخفيف الوطأة وإنعاش المؤسسات العلمية وقمت في الوقت نفسه بتأليف لجنة من ذوى الخبرة بشأن بلديتكم لتوضع ما تحتاجه من مشاريع عمرانية وخطط إصلاحية ترمى إلى مكافحة كل علة تنخر في جسم البلاد وتؤدى بأبنائها إلى الإضرار بحالتهم الصحية والمعيشية والاجتماعية ، وتجلب لهم الرخاء والرفاهية من جميع النواحي الحيوية ، ومن جهة أخرى أنى أعنى في وضع برامج ثابتة لتضمن تنفيذها في مدى معين ، وإني لقوى الأمل في أن دراستي حالة البلاد ستكون بدء صفحة جديدة مليئة باليمن والخير للشعب بمشيئة الله تعالى ، وإنني عامل على ذلك بكل جهد ، وإنه لمما يسعدني أن أشاهد جميع إخواني لهذه البلاد ينظرون إلى المستقبل بنظرة باسمة ملؤها الثقة والطمأنينة ، وأراهم على حق ، إذ ليس بيننا وبين تحقيق أغراضنا وأهدافنا كاملة سوى صدق العزيمة والإخلاص في العمل ، وهذا متيسر إن شاء الله ، غير أنه يجب أن لا يغرب عن البال أن أمر الأعمال والإصلاح ، وبعبارة أخرى أن الواجب الملقى على عاتقنا لصالح الوطن وبنية لكبير جداً يتطلب عملا متواصلا ووقتاً غير قصير ، فعليكم إذاً أن تتذرعوا بالصبر ويهون هذا عليكم إذا علمتم أن سفينة الأعمال والإصلاح سائرة في طريقها ، مقتحمة كل موجة تطفو عليها حتى تصل إنشاء الله إلى ساحل الأمان ، متوجه بإكليل النجاح والتوفيق وتأكدوا أننا جادّون فعلا في القيام بعمل كل شئ يفيد الشعب ويرفعه .
إخواني: أحب بهذه المناسبة أن أستودعكم الله تعالي حيث قررت مغادرة البلدة المقدسة في القريب ، مكرراً شكري وامتناني العظيم لجمعكم على عواطفكم النبيلة وحفاوتكم الشائقة ، ولو كانت ظروف العمل في الجهات الأخرى من البلاد تساعدني لقضيت في هذه البلدة الطيبة أطول وقت ، لأني أشعر بقدسيتها وأنها رمز للشعور الوطني الفياض والولاء الصادق ، وأحب أن أشكر أيضاً وفد مكة المكرمة الذي قدم إلى المدينة لتوديعي باسم أهالي مكة الذي أبوا إلا أن يتبعوني بولائهم وإخلاصهم إلى هنا ، فلهم ولبقية الوفود الأخرى من مختلف جهات بلادنا تقديري وشكري وامتناني الصادق من كل قلبي ، وختاماً أرجو الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لأداء الواجب في سبيل تقويم أحكام الدين الإسلامي المتين ، وتعزيز الوطن المحبوب تحت ظل جلالة الملك المعظم أيده الله وأبقاه ذخراً للبلاد والعروبة والإسلام . والسلام عليكم ورحمة الله .
( ربيع الأول 1372 – ديسمبر 1952 )
الملك سعود أحاديثه وخطبه – بقلم فؤاد شاكر
فؤاد شاكر