‏الملك سعود والرئيس ايزنهاور‏.

الاجتماع الاخير إلى البيت الابيض (أمريكا)

هذا وقد عقد اجتماع خطير في البيت الأبيض في الساعة الثامنة من مساء الجمعة بالتوقيت العالمي للمملكة العربية السعودية حيث اجتمع حضرة صاحب الجلالة الملك سعود المعظم بحضرة صاحب الفخامة الرئيس أيزنهاور اجتماعاً خاصاً تناول فيه الرئيسان مراحل المحادثات النهائية لزيارة جلالة الملك فيما يتعلق بعلاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة وبعلاقة العالم العربي أيضا بأمريكا ،

وبعد ذلك اجتمع جلالة الملك والرئيس أيزنهاور ومعهما رجال حكومتيهما وقد حضر من الجانب السعودي هذا الاجتماع صاحب السمو الأمير مساعد بن عبد الرحمن رئيس ديوان المظالم وصاحب السمو الأمير فهد بن سعود وزير الدفاع والطيران وأصحاب المعالي الشيخ يوسف ياسين والشيخ خالد أبو الوليد والشيخ جمال الحسيني والشيخ محمد سرور الصبان والشيخ عبد لله الخيال. ومن الجانب الأمريكي المستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية والمستر راونترى رئيس قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية وسعادة السفير الأمريكي بالمملكة العربية السعودية . وقد وضعت جميع شؤون المباحثات التي دارت خلال هذا الأسبوع على بساط البحث تمهيداً لإصدار بلاغ مشترك من الطرفين . وقد دامت هذه الجلسة ساعة كاملة في جو ودي .
وفي الجانب الآخر من البيت الأبيض اجتمع سعادة المستر سنايدر السكرتير الصحفي لفخامة الرئيس أيزنهاور وسعادة الشيخ عبد الله بالخير المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر للإشراف على إعداد البلاغ المشترك الذي صدر بهذه المناسبة وكان ينتظر هذا البلاغ في الغرف المجاورة أكثر من مائة صحفي ومصور لإذاعة هذا البلاغ في جميع أنحاء العالم في الوقت الذي أتفق عليه .
وقد تقرر أن يتأخر بعض مستشاري جلالة الملك في واشنطن لإتمام المباحثات التي اتفق على مبادئها.
وفي تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم السبت غادر جلالة الملك سعود المعظم مطار واشنطن العسكري على متن طائرة الرئيس أيزنهاور الخاصة متوجها بحفظ الله ورعايته إلى اسبانيا في زيارة رسمية بناء على دعوة فخامة الجنرال فرانكو . وقد جرى لجلالته وداع حافل في المطار اشترك فيه كبار رجال الدولة في الولايات المتحدة وفي طليعتهم المستر ريتشارد نيكسون نائب الرئيس أيزنهاور والأميرال آرثر راد فور رئيس هيئة أركان الحرب الأمريكية المشترك والمستر جورج وادزورث سفير الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية والمستر وليم راونتري والمستر روبرت ميرفى والمستر لوي هند رسون من كبار المسئولين في وزارة الخارجية الأمريكية والمستر بوشنان مدير المراسم والبربجادير جنرال ديل سميث وهو الضابط الذي انتدب لمرافقة جلالة الملك المعظم طيلة مدة زيارة جلالته للولايات المتحدة ، كما كان في شرف وداع جلالته رؤساء البعثات الدبلوماسية في العاصمة الأمريكية يتقدمهم سفير النرويج بوصفه عميد السلك الدبلوماسي في واشنطن والمستر خوزيه ماريا سفير أسبانيا وسعادة الشيخ عبد الله الخيال سفير المملكة العربية السعودية والسيد عبد الخالق حسونة الأمين العام للجامعة العربية وكذلك السفراء والوزراء المفوضين العرب.
وما أن شرف جلالته أرض المطار حتى عزفت الموسيقى السلامين السعودي والأمريكي ، ثم تفضل جلالته فتفقد ثلة من حرس الشرف اصطفت في نظام بديع لأداء التحية لجلالته . وعند مدخل الطائرة التي وضعها الرئيس إيزنهاور تحت تصرف جلالته وقف ثلاثة من فرق حرس الشرف الأمريكي يمثلون سلاح الطيران والبحرية ومشاة الأسطول ، بينما أطلقت المدفعية أحدى وعشرين طلقة تحية لجلالته.
وعندما فرغ جلالته من تفقد حرس الشرف اتجه إلى الطائرة وارتقى منصة أقيمت بالقرب من مدخلها حيث تلطف فاستمع إلى الكلمة التي ألقاها المستر نيكسون بالنيابة عن الحكومة والشعب الأمريكي وفيما يلي نصها:
" يا صاحب الجلالة ..
عندما قدمت إلى هذه البلاد كنا ندرك أنك صديق للولايات المتحدة .. أما وجلالتك الآن بين ظهرانينا فقد تسنى لنا معرفتك شخصيا أكثر من ذي قبل الأمر الذي زادنا تقديراً لصداقتك .. إن علاقاتنا كانت دوما وثيقة لكننا الآن تمكنا بفضل اجتماعنا بجلالتكم من تعزيز التفاهم وتوثيق العلاقات بين بلدينا ".
" يطيب لي أن أشكر لك هذا الترحيب الرقيق ، وأود أن أؤكد لك الصداقة التي تربطنا بهذه البلاد لقد كانت زيارتي لهذه البلاد الصديقة قصيرة نسبياً لكنها تركت في نفسي انطباعا عظيما . وإنني إذ أتطلع إلى قيام علاقة قوية وودية بين بلدينا فإنني أود الإعراب عن امتناني للرئيس إيزنهاور وللشعب الأمريكي على ما لقيته من ترحيب قلبي " .
أما وقد انتهت الرحلة الملكية الكريمة ، تلك الرحلة التي تعلقت بها القلوب العربية منذ غادر جلالته مطار المدينة المنورة فيحسن بنا أن نورد فيما يلي تعليق وكالة اليونايتد برس على آثارها ونتائجها الباهرة والتي أن دلت على شئ فإنما تدل على شخصية الملك سعود ، الذي كان قطب الرحى في أحداث الشرق الأوسط وما يهم الدول العربية على وجه الخصوص ، إذ برزت أهدافه السامية ووضحت نواياه الكريمة تجاه العروبة والإسلام.
يقول مراسل اليونايتد برس من واشنطن في برقية خاصة بصحيفة الأهرام إن الأوساط العربية الدبلوماسية تشاطره الرأي بعد الاستقصاء في أن زيارة جلالة الملك سعود للولايات المتحدة كانت جد موفقة وجد مفيدة . فقد وصل جلالته في وقت كانت فيه العلاقات العربية الأمريكية ليست على ما يرام وقد رغب الأمريكيون بعد إدراكهم هذه الحقيقة في تحسين تلك العلاقات .
وما أن وصل جلالته حتى اجتذب القلوب جميعها بشخصيته المحببة , وقد تمكن من أن يظهر المملكة العربية السعودية بمظهرها الحقيقي ولا سيما عندما رأى الأمريكيون بأن جلالته ذلك الرجل الواقعي والسياسي الرشيد وتقول البرقية أن جلالته لم يدع مناسبة تفوت دون أن يدافع عن صديقه الرئيس جمال عبد الناصر وعن مصر وسوريا ، وأكد قوله بأن الرئيس جمال عبد الناصر زعيم عربي يعمل لمصلحة بلاده ويكافح العدوان . ونفى جلالته الدعاية المغرضة التي تزعم بأن مصر وسوريا تسيران في طريق الشيوعية . كما وانه أكد معارضته لحلف بغداد . ونجح جلالته في إقناع أمريكا بأن العدوان على العرب يأتي بنتيجة واحدة مهما كان مصدره .. وهذا ما ورد في البلاغ المشترك الذي نقح سبع مرات قبل نشره.
وأولى جلالته قضية الانسحاب من غزة والعقبة اهتمامه فكان يشدد بهذا الصدد يوميا على وزارة الخارجية ، والدوائر السعودية متفائلة من حيث النتيجة .. ونجح جلالته أيضا بأن حمل الرئيس أيزنهاور على التوقيع على تعزيز استقلال الشعوب وتقرير مصيرها.
وقد علمت عن ثقة بان جلالة الملك أبدى عدم ارتياحه لموقف الولايات المتحدة من قضية الجزائر في هيئة الأمم ، ولكنه حسبما علمت أخذ تأكيدا من الأمريكيين بأن الجزائر ستستقل على غرار ما حدث في مراكش وتونس وذلك في مدة غير بعيدة ، وفيما يتعلق بإسرائيل لم يخف جلالته رأيه الصريح الذي أدلى به لفخامة الرئيس أيزنهاور والصحف بان على إسرائيل تنفيذ جميع مقررات الأمم المتحدة إذا كان للحرب أن تتوقف .
وأما فيما يتعلق بمشروع إيزنهاور فإن جلالته صرح بأنه إذا طبق بالروح التي فهمها جلالته فان العرب على استعداد لأخذه بعين الاعتبار.
اضواء على المملكة العربية السعودية 1377- تاليف الشيخ عبدالله بلخير