أيها الأشقاء.. احذروا غضب الأوفياء

أيها الأشقاء.. احذروا غضب الأوفياء



بقلم - رشاد بدور الخميس , 02 فبراير 2012 11:52
دهشت وتألمت من تصريح الدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر، حينما قال إن الأشقاء فى الدول العربية وعدونا بمساندة مصر فى محنتها الاقتصادية، ولكن بكل أسف لم يوفوا بوعودهم، وقد شاركنى هذا الغضب بعض من رجال الصحافة والإعلام والمثقفين من أبناء مصر،

حيث اجتمعنا فى أحد المنتديات وتناولنا هذا التصريح بأسف مرير، وكلنا نعرف عن الدكتور الجنزورى عقليته الرتيبة وتصريحاته التى توزن فيها كل كلمة بمعيار من ذهب، فهو رجل عملى وليس من هواة الكلام.. وأضطر بمضمون هذا الحدث العجيب إلى أن أرجع بذاكرتى قليلاً إلى الوراء وسأتجنب ما قدمته مصر للأشقاء طوال الماضى، الذى ليس ببعيد.. لأن شعب مصر حينما يقدم الخير لأشقائه ليس بالمن ولكن بواجب الأخوة.. ولكنى سأذكر الأخوة الأشقاء بمواقف حكامهم الميامين المشرفة لشعب مصر العظيم.. وأبدأ بموقف الملك الراحل العظيم مؤسس المملكة العربية السعودية وهو الملك عبدالعزيز آل سعود الذى كان دائماً يشيد بمصر والشعب المصرى ولا ننسى موقفه لما تنازل لملك مصر الراحل فاروق واختار منفاه فى إيطاليا وخصص له راتباً شهرياً وأوصى أولاده بهذا بعد وفاته لأن فاروق خرج من مصر خاوى الوفاض ولم يكن يملك درهماً واحداً فى الخارج.. كل ذلك لأنه يعرف طبيعة الشعب المصرى، الذى لا ينسى الجميل ولا يتنكر للفضل.. ولما رحل الملك عبدالعزيز إلى رحاب الله وخلفه الملك سعود ظل هذا الراتب يرسل للملك السابق فاروق، وقد طلب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من الملك سعود أن يوقف مساعدة المملكة للملك فاروق، فرد عليه الملك سعود رحمه الله بكلماته الخالدة وبفروسية العربى الهمام قائلاً لعبدالناصر: «نحن لا نسمح لبناتنا أن يتسولن فى أوروبا، وستظل المنحة قائمة للملك فاروق»، هذا كل ما دار بين الملك سعود رحمه الله وعبدالناصر، وقد عرفنا ذلك هنا فى مصر وكبرنا موقف الملك الفارس الهمام سعود.. لأننا اعتبرنا ذلك تكريماً لشعب مصر وليس للملك الراحل فاروق فقط، ولما اعتزل الملك سعود رحمه الله الحكم فى المملكة العربية السعودية، طلب أن يعيش بقية أيامه فى مصر ونزل إلى أرض الكنانة سهلاً وأحل بها أهلاً.. وكنا نراه حينما يذهب فى موكبه للصلاة أو للتنزه، تتكاثر حول سيارته فى شوارع القاهرة مرحبين به فرحين بوجوده، متذكرين ومنوهين بموقفه العظيم من ملك مصر السابق، وحرصه على صون بناته من ضيق ذات اليد، ونأتى إلى موقف آخر يحمد لصاحبه وهو المغفور له الملك فيصل رحمه الله، حيث إنه فى أعقاب هزيمة مصر عام 1967 اجتمع الملك والرؤساء العرب فى مؤتمر الخرطوم وذهب إلى هناك الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. كما ذهب أيضاً الملك السياسى المحنك فيصل بن عبدالعزيز.. وفى بداية الاجتماع طلب الملك فيصل الكلمة، فتكهرب جو المؤتمر، حيث ظن الرؤساء أن فيصل سيهاجم عبدالناصر، حيث كان بينهما خلاف فى وجهات النظر، وكان عبدالناصر قبل ذلك شديد القسوة فى هجومه للملكة العربية السعودية، خاصة الملك فيصل، ولكنى أقول والشهادة للتاريخ إن الكبير يظل كبيراً بمواقفه وهذا ما حدث حينما أخذ الكلمة الملك العظيم الراحل فيصل مستهلاً كلماته بأن هزيمة مصر لا تخصها وحدها ولكنها هزيمة العرب جميعاً، وعلى العرب كلهم أن يساندوا مصر ويعضدوا من عزم الرئيس جمال عبدالناصر، وقال الملك فيصل قولته المشهورة: «وسأبدأ بنفسى والمملكة العربية تساند مصر بكل احتياجاتها وليس من المعقول أن نعيش فى بلادنا نرى مصر العظيمة تئن من جراحها»، أسوق تلك الحوادث لنرى كيف تكون مواقف العظماء والتى عظمت بهم مواقفهم الكبيرة فالإنسان موقعه بفكره.. وليس ذلك تاريخ ولكنها مواقف نبيلة محفورة فى قلوب الشعب المصرى الذى لا ينسى الفضل إطلاقاً وتلك هى من شيمة الشعب المصرى العظيم.. ثم نأتى اليوم للتصريحات الحقيقية التى صرح بها الدكتور كمال الجنزورى بعدم وفاء الأشقاء لمصر وردى على ذلك بأنكم أيها الأشقاء لا تحسبوا الشعب المصرى كله بلهاء.. ونحن نعرف الغث من الثمين ولكن ننظر إلى تصرفاتكم بالعجب والرثاء وأقولها كلمة مدوية «احذروا غضبة الأوفياء»، فأنتم عندكم المال الوفير.. ومصر عندها العقول النادرة ولن تتسول مصر ولا تمد يدها إطلاقاً لأحد يمن عليها.. وليس هذا للتحذير ولكنه للتفكير.. ولا تنسوا أن مصر لن تجوع وتذهب إليكم راكعة على ركبها.. والمثل يقول: «تموت الحرة ولا تأكل بثدييها» وأرجو أن تتذكروا أن نبى الله يوسف بن يعقوب عليه السلام كان وزيراً لمالية مصر.. وستظل مصر العظيمة هى مصر الكبيرة بعون الله.. وستظل هامة المصرى وكرامته ورأسه مرفوعة إلى عنان السماء، فلا الريالات تصنع الرجال ولا الدراهم تعضد الحكام ولا الدينارات ترفع من هامة الأمراء وهذا للتذكير وليس للتحذير.. وكفى ما ضيعناه من عمرنا ومالنا ومقدراتنا فى قضايا تخصكم أنتم ولا تخصنا ومرحباً بجمهورية إيران الشقيقة التى قال رئيسها إنه يتطلع إلى اليوم الذى يرى فى سماء بلاده طائرة مصرية ونحن لنا صلة رحم بإيران ولم تنقطع بعون الله.. ولك الله يا مصر.

------

رشاد بدور

عضو الهيئة الوفدية