الأستاذ الدكتور عزت خطاب استاذ الادب الانجليزي سابقا في جامعة الملك سعود :" كان يحرص على حضور المحاضرات التي يلقيها مدير الجامعة او عميد كلية الآداب وتتصل الجامعة بالديوان الملكي لتخبر الملك بموعد المحاضرات التي سيلقيها هذان الاستاذان "
بقلم . محمد بن عبدالرزاق القشعمي
بمناسبة اقامة معرض سيرة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بالمنامة، والذي سيبدأ مساء الاحد القادم فيسرني ان اسرد شيئا مما اذكره عن جلالته في بدايات حكمه عام 1373هـ/1954م فقبل ان تتبخر هذه الذكريات يجدر بي ان اذكر ما بقي منها خصوصا وقد مضى عليها أكثر من نصف قرن. فقد كنت صغيرا لا يتجاوز عمري الثامنة وانا امسك بيد والدي ليستدل بي على الطريق للتعزية بوفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ فبعد عودتنا من قصر الملك عبدالعزيز بالمربع اذ قام والدي بواجب العزاء للعمة حصة بنت احمد السديري والدة الملك فهد ـ رحمهم الله ـ واشقائه وشقيقاته عدنا مشيا من المربع الى قصر الحكم بوسط الرياض ـ الصفاة ـ حيث يستقبل الملك سعود الذي خلف والده لتعزيته ومبايعته في الوقت ذاته، بعد ان صافحه والدي وقبل جبهته مددت له يدي فأمسك بها وقد هالتني ضخامتها فأول مرة ارى يدا بهذا الحجم، ولم استطع ان اصل الى رأسه لتقبيله ولهذا بقيت هذه الذكرى سنوات طويلة. ولعلها مناسبة طيبة ان اذكر ما سمعته من الأستاذ الدكتور عزت خطاب استاذ الادب الانجليزي سابقا بجامعة الملك سعود، اذ كان اول استاذ سعودي يلتحق بالجامعة بعد افتتاحها عام 1378هـ كمعيد بعد عودته من القاهرة حاصلا على شهادة البكالوريوس بالادب الانجليزي وكان عميد كلية الاداب الدكتور مصطفى السقا ومدير الجامعة عند تأسيسها الاستاذ الدكتور العلامة عبدالوهاب عزام عام 1377/1378هـ (1957/1958م). قال لي وهو يستعيد ذكرياته ان الملك سعود كان يحرص على حضور المحاضرات التي يلقيها مدير الجامعة او عميد كلية الآداب وهي اول كلية تستفتح بها الجامعة مع شقيقتيها كليتي الزراعة والتجارة ويقول ان ادارة الجامعة تتصل بالديوان الملكي لتخبر الملك بموعد المحاضرات التي سيلقيها هذان الاستاذان وكان يهم الملك سعود ـ رحمه الله ـ ان يستمع لما يلقى من محاضرات تاريخية او ادبية يذكر انه يفرش له سجادة ويوضع عليها كراسي في صدر المدرج في الصالة التي يلقى بها المحاضر محاضرته.. فيأتي الملك بموكبه فيعزف له السلام الملكي ثم يأتي المذيع ـ وقتها ـ بكر يونس ليقدم المحاضرة قائلا: بعد تلاوة آي من الذكر الحكيم اليكم الطالب المعيد عزت خطاب ليقدم المحاضر فكان هذا التقديم يغضب الدكتور عزت لكونه استاذا وليس طالبا. على أي حال هذه اشارة عابرة احببت ان أذكرها بمناسبة اقامة هذا المعرض وللتذكير بمناقب ولفتات هذا الرجل الانسان الذي قدم ما استطاع تقديمه وفق الامكانيات المتاحة وقتها لهذا الوطن العزيز ولعل الذاكرة تستجيب لمثل هذه الاشارات فقد سمعت من رائد الرياضة بالرياض الأستاذ عبدالرحمن بن سعيد مؤسس نادي (الاولمبي) بالرياض ثم الهلال فيما بعد انه كان موظفا في الديوان الملكي وصادف ان كان رئيسه الذي يقدم الاوراق والمعاملات ويعرضها على جلالته مريضا مما استدعى الامر ان يقدمها له بنفسه عند جلوسه في القصر.. وصادف ان كانت احدى المعاملات غير مكتملة الشرح او ان بعض مرفقاتها قد فقدت مما اغضب الملك سعود عليه فنهره. وفي اليوم التالي استقبل الملك كعادته مستقبليه عند قدومه صباحا لقصر الحكم بالصفاة، وصادف ان اهدى له احد زعماء القبائل قصره فقبله الملك وعوضه كالمعتاد.. وطلب الملك ان يأتي الموظف الصغير الذي قدم له الاوراق بالامس ونهره.. فسلم عليه واعطاه مفاتيح البيت قائلا هذا لك.. فكان اول مقر لنادي الهلال اذ يجمتع به اللاعبون قبيل اداء التمارين اليومية ثم باعه كما يذكر بحوالي 20 الف ريال ليصرف على النادي من ثمنه. واذكر ان الملك سعود عندما كان يخرج عند اذان الظهر من قصر الحكم وهو متجه الى منزله او الى أي جهة اخرى كان يتجه من الصفاة الى حي دخنة مرورا بباب كبير يدعى (الصفاقات) وكان يتجمهر عدد كبير من المواطنين على جانب الطريق والكل يدعو له.. فكان رحمه الله يخرج النقود بيده ويرميها عليهم وهم يتدافعون لاختطاف ما يقع بالقرب منهم. وبعيد توليه الحكم بدأ جولة تفقدية على جميع انحاء المملكة.. ومنها بلدتي الزلفي فقد كان اهاليها يصطفون على جانبي الطريق للترحيب به فكان الرجال وقوفا والنساء جلوسا ومعهن اطفالهن في الجانب الآخر من الطريق وكان احد مرافقيه يعطي كل رجل مبلغا بحدود 20 ريالا ويعطي النساء 15 ريالا واذا كان معها طفل يعطيها له 10 ريالات وهكذا فمن الوفاء لهذا الرجل ان يذكر ويشكر على ما قدم لهذا المجتمع و ما عمل لهذا الوطن. ونجد جلالة الملك سعود عند بدايات تعليم البنات يشرف حفل افتتاح المعرض العام لنتاج طالبات المدارس الحكومية ـ الابتدائية طبعا ـ وتكتب جريدة القصيم في عددها 73 بتاريخ 24 ذو القعدة 1380 الموافق 9 مايو 1961 ففي عصر يوم الاربعاء 18/11/1380هـ اقيم الاحتفال في مدرسة البنات الثانية بالرياض وقد ألقى الرئيس العام لتعليم البنات الشيخ عبدالعزيز الرشيد كلمة بين يدي جلالته. «ثم نهض جلالته ـ حفظه الله ـ ليستعرض باكورة نتاج طالبات المدارس في فنون الخياطة والتفصيل والتطريز والنسيج وادارة المنزل وقد كان معرضا رائعا يبشر بخير مستقبل الفتاة السعودية اشتركت فيه جميع مدارس المملكة بعد ذلك تناول جلالة الملك المعظم مائدة الحلوى والمأكولات الشهية التي قام بإعدادها وصنعها فتيات الغد طالبات مدارس الرياض ثم ودع جلالته حفظه الله بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم امد الله من عمره ناصرا للفتاة واخذا بيدها من ظلمات الجهل الى انوار المعرفة والبرهان». كما اذكر انني عند تصفحي لمجلة (صوت البحرين) الصادرة خلال الفترة (1369 ـ 1373هـ) قد نشرت وصفا تفصيليا لزيارة جلالته للبحرين في السنة الاولى من توليه الحكم ففي الصفحة (64) في العدد السابع من السنة الرابعة والاخيرة وفي شهر رمضان 1373 نقرأ ما نصه: (وفي الحفلة التي اقامها الوجيه حسن المديفع تكريما لجلالة الملك سعود قال صاحب الجلالة موجها حديثه لعظمة اخيه صاحب العظمة سلمان بن حمد ال خليفة حاكم البحرين: ان الروابط بين البحرين والمملكة قوية ويجب ان نعمل على توثيقها وقد كلمت عظمتكم من قبل بشأن مد جسر بين الخبر والبحرين ولا أزال عند رأيي بضرورة انشاء هذا الجسر. وامل ان تدرسوا هذا المشروع وستساهم المملكة بقسط كبير من مصاريفه».. واردف جلالته قائلا: «ان الوعي القومي اخذ في الازدياد وان الشعوب العربية متيقظة اليوم وان من واجبنا ان نفهم ذلك فنحن رعاة وكل راع مسؤول عن رعيته».. وكان جلالته عند ادلائه بهذا التصريح يقاطع بالتصفيق بعد كل عبارة يتفوه بها جلالته». وإنه رحمه الله كان حريصا على اللغة العربية فعند توليه الحكم زاره امير الكويت وقتها عبدالله السالم الصباح فأقيمت على شرفه بالناصرية مباراة بكرة القدم بين ناديي الشباب والاولمبي وما ان سمع باسم (الاولمبي) حتى طلب حضور رئيسه وهو الأستاذ عبدالرحمن بن سعيد احد موظفي الديوان الملكي فقال له: لماذا تختارون هذا الاسم الغريب؟ وهل عقمت العربية؟ مما استدعاهم الى تغييره لاسم (الهلال) الحالي. وكان جلالة الملك سعود يهتم بالثقافة و بالادب خاصة فبحكم تتبعي للمجالس الادبية في هذه البلاد فقد وجدت في جريدة (البلاد السعودية) انه خلال عام 1376هـ ـ 1957م قد بدأت تلك المجالس او الصالونات الادبية في الديوان الملكي وكان من ابرز من يحضرها جلالته وسمو الامير فهد ـ الملك فيما بعد ـ رحمهما الله و من ابرز من يحاضر بها خير الدين الزركلي والشاعر احمد قنديل وعبدالله بالخير ومحمد سرور الصبان وعبدالعزيز الميمني الراجكوتي والشريف شرف رضا وابراهيم فودة واحمد عبيد واحمد ابراهيم الغزاوي وعبدالقدوس الانصاري وممدوح الاديب السكرتير بالشعبة السياسية واللواء علي جميل ورئيس تحرير الجريدة فؤاد شاكر وغيرهم. ويسرني ان استشهد بشيء مما كتب عن الموضوع في بعض اعداد جريدة (البلاد السعودية) في ذلك الوقت: ولتتبعي لصحافة الافراد منذ بداياتها في المملكة فقد وجدت جريدة (البلاد السعودية) تنفرد عن بقية الصحف وتخصص زاوية بعنوان (ندوة ادبية) من العدد 2473 الصادر يوم الثلاثاء 13 ذي القعدة 1376هـ الموافق 11 يونية 1957م. فنجدها تقول في بداية طرحها هذا الموضوع : «من يمن الطالع للادب ان يكون له وزراء في هذه المملكة ينتمون اليه وينتمي اليهم, يعتزون به ويعتز بهم. نقول هذا بمناسبة ندوة ادبية عابرة شهدتها حديقة منزل معالي الشيخ محمد سرور الصبان وزير المالية والاقتصاد الوطني حيث كان عبير الادب المتضوع ينافس عبير الروضة الغناء وقد حضرها اصحاب السعادة وزيرا الادب الشيخ عبدالله بلخير المدير العام للاذاعة والصحافة والنشر, والاستاذ خير الدين الزركلي الوزير المفوض, والاستاذ احمد قنديل المدير العام للحج, ورئيس تحرير هذه الجريدة. وكان ضيف الشرف فيها العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز الميمني الراجكوتي حيث سمر ادبي ممتع وتناول افانين العلم والثقافة والمعرفة طيلة ساعتين من الزمن. اكثر الله من هذه الندوات الادبية التي هي من فوائد اجتماعات الموسم واجتماعياته. وفي العدد التالي ليوم الاربعاء 14 ذي القعدة وتحت العنوان نفسه نقرأ : «كانت الندوة الادبية ليلة امس ايضا في حديقة حضرة صاحب المعالي الشيخ محمد سرور الصبان وكان شهودها السادة الاساتذة : الشريف شرف رضا, ابراهيم فودة, احمد عبيد, احمد قنديل, مدني بن حمد, ورئيس تحرير هذه الجريدة وآخرين.. وكان موضوع السمر قصيدة من عيون الشعر وفصيحه جادت بها قريحة شاعرنا الكبير الاستاذ احمد ابراهيم الغزاوي في رثاء شاعر العرب الاكبر المرحوم فؤاد باشا الخطيب, وكان الحديث يدور سجالا ويدير دفته بلباقته المعروفة معالي صاحب الدار ورئيس الندوة, وقد تفضل معاليه فقرأ على الحاضرين قصيدة الاستاذ الغزاوي وتناقشوا جميعا في ابياتها وفي التعليق عليها, كما روى رئيس تحرير هذه الجريدة كثيرا من محفوظاته من شعر الفقيد فؤاد الخطيب, وانتقل السمر بعد ذلك الى حديث موسم الحج, وموسم الادب وكيف التقى الموسمان في هذه الديار قديما بفضل اسواق الادب المعروفة, وحديثا بالنهضة الادبية المعاصرة التي قفز في ظلها الادب الى مكانته المرموقة الحاضرة». وبعد خمسة ايام وبالذات الاثنين 19 ذي القعدة الموافق 17 يونية يكتب رئيس التحرير (فؤاد شاكر) في الزاوية نفسها: «قبل ان نتحدث (في الندوة الادبية) تدعونا المناسبة ان نتحدث (عن الندوة الادبية) فقد تحدث الينا كثيرون وكتب الينا اخرون وكلهم معجب بفكرة الندوة واحاديثها, ولكانت استدراكاتهم وملاحظاتهم التي سجلوها لنا, انهم يطلبون المزيد من ايضاح ما يدور خلال الندوة من شائق الاحاديث وطرائفها تفصيلا. وقد كان يسرنا ان تحقق لهم هذه الرغبة لولا العوائق التي تحول دون ذلك وهي ضيق النطاق عن استيعاب كل ما يدور في الندوة من احاديث يحتاج تفصيلها الى صفحات عديدة فضلا عن هذه السطور القليلة المحدودة وكل الذي نقول هو اننا سنعمل على تحقيق رغبة الجميع بما يتسع له الجهد ان شاء الله تعالى. اما ندوتنا ليلة امس فقد كانت على مستوى عال في المكان والمكين – كما يقولون بلغة السياسة – وقد كان ذلك في مجلس استقبال جلالة الملك (سعود) وكان صاحب الندوة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فهد اكبر انجال جلالة الملك المعظم ووزير الدفاع والطيران وقد استهل سموه الحديث بما أبداه من اهتمام سابغ بجريدة البلاد السعودية (...) وقد كان من شهود هذه الندوة سعادة الاستاذ عبدالرحمن البسام السفير السعودي بالباكستان والمنتدب للعمل الآن بوزارة الخارجية السعودية». وفي اليوم الذي يليه الثلاثاء 20 ذي القعدة يكتب الاستاذ عبدالقدوس الانصاري في الموقع نفسه تحت عنوان (الندوة الادبية المتنقلة) مستعرضا فترة ازدهار الادب العربي في العهد العباسي.. وتلته عصور مظلمة.. «نام الادب فيها نومة طويلة.. الى ان جاء عصر الانبعاث.. عصر النهضة العربية الحديثة, حيث انشئت الصحف اليومية والاسبوعية والشهرية والدورية في مختلف البلاد العربية, تشيع النشاط وتبعث الحركة في ذلك الجو الخامد الذي وجدت بادىء ذي بدء فيه». الى ان قال : «اما عندنا فان هذا اللون من التسجيل كان اندر من النادر كان كل ما تهتم به صحافتنا الحديثة حتى الآن هو نشر المقالات الضافية, والقصائد الفياضة, رنانة وغير رنانة, وتسجيل الحفلات الكبرى في اسلوب يكاد يكون واحدا, يضاف الى ذلك تسجيل محدود للحوادث والانباء العامة بحسب ما تصل اليه يد صحافتنا ومقدراتها المحدودة.. اما تسجيل الندوات الادبية الخاصة التي تجيء عفوا, والتي يتجلى فيها روح الادب لدينا ومدى استجابة اقطابه وافراده الموهوبين من ادباء وكتاب وشعراء ومفكرين للادب ومدى تجاربهم مع الحياة.. بنشر عفو تفكيرهم وارائهم وتسجيل ثمار اجتماعاتهم الخاصة تسجيلا لطيفا خفيفا يتسم بالمرونة والحركة وخفة الظل فهذا امر لم نره الا فيما بدأت تنشره علينا هذه الجريدة اخيرا تحت عنوان (الندوة الادبية). ويقترح في ختام مقاله على رئيس تحرير هذه الجريدة (البلاد السعودية) «ان يسجل فيها بصورة أوسع, كل ما يدور فيها.. من احاديث واقوال واراء وادبيات شعرية ونثرية, حديثة وقديمة لتكون احدى الصور لحياتنا الادبية الحاضرة وتفكيرنا العتيد.. بالنسبة للاجيال القادمة.. الخ». وفي الخميس 22 ذي القعدة من الشهر نفسه نجد رئيس التحرير يكتب في الزاوية نفسها قائلا : «كتب الينا بعض القراء الادباء الافاضل يعلقون على الندوة الادبية منهم الاستاذ عباس فائق الغزاوي مدير مكتب الاذاعة والصحافة بالرياض, والسيد توفيق قربان رئيس محاسبة ديوان المظالم بجدة والسيد محمد محبوب من الرياض. كما كتب الينا الاستاذ صالح الجمال بالمراقبة الفنية بالاذاعة بمكة يعتب عليها وقوع خطأ في بيتي ابي الطيب المتنبي اللذين نشرناهما في عدد مضى وقد نشر البيتان هكذا: وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه ولو ان ما في الوجه منه «شراب» يغير مني الدهر ما شاء غيرها وتبلغ اقصى العمر وهي «شباب» وقد تطوع الكاتب الفاضل بتصحيح قافية البيتين, فالكلمة الاخيرة في البيت الاول هي «حراب» بدلا من شراب والكلمة الاخيرة في البيت الثاني هي «كعاب» بدلا من شباب وبذلك تكون صحة البيتين هي: وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه ولو ان ما في الوجه منه حراب يغير مني الدهر ما شاء غيرها وابلغ اقصى العمر وهي كعاب وشكرا للكاتب على تصحيحه وعفا الله عما وجهه من قارص النقد الى محرري الجريدة لقاء هذا الخطأ الذي لم يكن خطأ مطبعيا في هذه المرة كما توقع الكاتب ولكنه خطأ الاملاء بالتلفون اذ ان هذه الرسائل تملى بالتلفون في الهزيع الاخير من الليل, وليس من المعقول ان يكون هذا الخطأ من محرري الجريدة وكلهم شعراء وادباء, كما يقول الكاتب نفسه. اما بعد, فلقد كانت الندوة امس مع اديب لامع مع ادباء الشباب, هو الاديب (ممدوح الاديب) السكرتير بالشعبة السياسية بالقصر الملكي العامر, ولقد ملأ اسماعنا بالشعر الطريف الذي يسمع ولا ينشر من محفوظاته, ثم روى شعرا للمتنبي في المتقدمين, ولابراهيم طوقان واضرابه في المحدثين...». ونجد عدد يوم الاحد 25 ذي القعدة : ينقل ما دار في الندوة الادبية التي جرت ليلة البارحة في القصر الملكي العامر «.. وكان اول من افتتحها معالي رئيسها الشيخ محمد سرور الصبان افتتحها بتحية السلام, ثم اختفى بين الصفوف الى مشاغل العمل ومشاكله وقد ذهبت مجهوداتنا ادراج الرياح في البحث عن معاليه, وكانت الفريسة التالية بل الصيد الثمين سعادة الوزير الاديب خير الدين الزركلي الذي انتحى بنا جانبا واخذ يطرف المجلس بالكثير من ذكرياته الادبية الممتعة (...) وعلى المائدة الملكية الكريمة التقينا بالأستاذ خالد خليفة التشريفاتي بالقصر الملكي والكاتب القصصي المعروف وقد تطرق الحديث عن القصة فقال يجب ان تكون القصة مبسطة جدا وكلما كانت القصة خالية من التعقيد كانت أسهل في تتبع حوادثها وتسلسلها كما يجب ان تهدف الى اصلاح او تهذيب أما مجرد سرد الوقائع فهذه يجب ان تسمى حكايات لا قصص. ونجد الندوة الأدبية المذكورة تتسع دائرتها ويزداد عدد روادها فنجد الزاوية المخصصة لها بالعدد 2487 ليوم الخميس 29 ذي القعدة 1376هـ الموافق 28 يونية 1957م تقول: «انعقدت الندوة الأدبية في احدى غرف التشريفات بالقصر الملكي العامر حيث كان سعادة اللواء على بك جميل يباشر مهام منصبه وانتحينا جانبا لنستمع الى حوار لطيف بين الصاغ عبدالمنعم عقيل مساعد رئيس التشريفات وبين الأستاذ خالد خليفة التشريفاتي فقد كتب الأخير قصة وكان في ختامها يندد بالصداقة والاصدقاء ويرى ان هذا شيء مفقود ليس له أثر في الوجود.. وانتقلت الندوة في نفس القصر الملكي الكريم الى جانب يربض فيه سعادة الأستاذ خير الدين الزركلي والأديب ممدوح الأديب السكرتير بالشعبة السياسية وبعض الحاضرين وتحدث الاستاذ خير الدين في دهشة فقال: لقد عاد اليوم العلامة الاسلامي عبدالعزيز الراجكوتي الميمني من المدينة المنورة وقال لي: انه زار المكتبات المعروفة فيها وهي مكتبة عارف حكمت ومكتبة المحمودية ومكتبة البساطي وانه وجد فيها من المخطوطات النادرة الشيء الكثير وانه وجد جبلا هناك يسمى (جبل النصراني) بل هو جبل صغير ووجد كثيرا من الخطوط المنقوشة على احجاره واستطاع ان يقرأ عبارة على احدها هي (أنا عبدالله) وبجانبها كلمة مطموسة يظن انها كلمة (الزبير) كما وجد خطوطا كوفية اخرى على بعض الاحجار في جبل سلع ذلك الجبل الذي قال فيه الشاعر: ان جئت سلعا فسل عن جيرة الحرم واقرأ سلامي على عرب بذي سلم وقد علق الاستاذ خير الدين على ذلك بقوله: لقد وجدت في جبل السكارى بالطائف نقوشا كتابية صورتها وهي خطوط أقرب الى الهيلوغرافية ووجدت كتابة باسم احد التابعين يذكر فيها اسم الله وزاد فقال: ان كثيرا من الجبال في مختلف انحاء المملكة غنية بالآثار التاريخية والكتابات الاسلامية حبذا لو وجدت من العناية ما يليق بها. وبعد يومين يصدر مرسوم ملكي بتعيين احد فرسان الندوة الادبية (خير الدين الزركلي) سفيرا للمملكة لدى المملكة المغربية. الا ان اللقاءات الادبية تستمر بعد ذلك ويكون نشر اخبارها غير منتظم ولكننا نجد العدد 2704 من الجريدة نفسها ليوم الاثنين 27 شعبان 1377 الموافق 17 مارس 1958م يعيد عنوان الزاوية السابقة نفسها وبشكل اكثر تفصيلا نختار منه قوله:»هذه الندوة الأدبية الثانية حدثت وقائعها في المدينة المنورة حين كان معالي الوزير الشيخ محمد سرور الصبان عميد الأدب العربي في توديع حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم يوم الجمعة 17 شعبان الجاري وحين زار جلالته المدينة لافتتاح بعض المشاريع الانشائية الهامة وكان معاليه مزمعا على السفر ايضا في صباح اليوم التالي السبت 18 شعبان في رحلة للاستجمام والاستشفاء الى الخارج وقد اجتمع في دار معاليه نخبة ممتازة من رجال الشعر والادب كان في مقدمتهم سعادة الوزير الصالح كاسمه وخلقه الشيخ صالح قزاز والأساتذة محمد مصطفى الماحي المراقب بوزارة الأوقاف المصرية – سابقا – والسيد عبيد مدني شاعر المدينة وأديبها الكبير والسيد علي حافظ رئيس جريدة المدينة والأستاذ محمد علي الحوماني الشاعر العربي المعروف وقد انتهز الجميع فرصة لقائهم هذا على غير ميعاد فإذا بها ندوة ادبية رائعة بدات بالحديث والحديث ذو شجون وقد استهلها الأديب الوزير الصالح الشيخ صالح قزاز وقال : إنني اريد ان اثبت للأستاذ فؤاد شاكر انني شاعر على الرغم منه – لعدم اعترافه بشاعريتي وأريد ان اقول شعرا في هذه الندوة ثم قال مفتتحا الندوة: أزفت ساعة الفراق فهزت في فؤادي لواعج الأشجان وكان هذا البيت فاتحة لما بعده من الشعر الذي ورد على نظمه ورويه وأراد الاستاذ فؤاد شاكر ان يتمم هذا الافتتاح بتصويره شعرا فقال: ندوة الشعر اشرقت بالبيان قد تجلت في منزل الصبان بدأت بالقريض فاض عفوا من فم (صالح) كريم الجنان ثم قفى الماحي بجزل من القول رقيق افاض في التبيان واتى بالبديع سحرا رقيقا شاعر القوم انه الحوماني وتجلى من حافظ رائع القول بشعر الشباب في عنفوان فاستمع للذي تحلت به الندوة من لؤلؤ ومن عقيان ومرة اخرى لم يعجب الاستاذ صالح قزاز ان يقول عنه الاستاذ فؤاد شاكر انه «فاض بالشعر عفوا» ورأى في هذا التعبير مساسا بشاعريته فأبدى عليها ملاحظة وأسرها في نفسه. وجرى بعد ذلك القريض سجالا بين الحاضرين فقال الأستاذ محمد مصطفى الماحي مقفيا البيت الأول الذي نظمه السيد صالح قزاز: كرم الله من قدمنا اليه حين جئنا الى اديب الزمان رجل الفضل والمروءة والعلم وخدن الحجى ورب البيان هو طب النفوس بل راحة القلب ومهوى الصحاب والإخوان رب عجل بساعة القرب انى لست اقوى على نوى الخلان نسأل الله ان يعود الينا في صفاء ومتعة وأمان وهنا انبرى سعادة السيد صالح قزاز وجاء ببيتين من الشعر الرقيق اراد ان يثبت بهما للأستاذ فؤاد شاكر انه شاعر حقا وان شعره جاء قصدا ولم يكن عفوا فقال: وفؤاد أفاض في الشعر فيضا رائعا نظمه عقود الجمان ردد اللحن يا فؤاد فشعري جاء قصدا في ندوة الصبان وانبرى كبير الصحفيين في المدينة المنورة الاستاذ الاديب السيد علي حافظ فقال: يسر الله رحلة لعزيز نلتقي بعدها بخير مكان نحن في «طيبة» نودع شهما ما له في الأنام والفضل ثان وكانت الاحاديث الودية والادبية تدور سجالا بين الحاضرين واختتمها الأديب الألمعي الأستاذ محمد مصطفى الماحي فقال: جمعت داره الرحيبة حشدا من ذوي الفضل والخصال الحسان فلقينا بها الكريم المفدى مصدر الجود منبع الاحسان «حسن» كله ونعم السجايا ما له في سخائه من ثان والتقينا بصالح فسمعنا ما طرنا له من الألحان بدا القول بالبيان المصفى مبدعا في تخير الأوزان ولنا عودة بعود «سرور» سلمت داره مدى الأزمان هي دار الندى ومجتمع الأنس ومجلى لرائعات المعاني رحم الله الملك سعود بن عبدالعزيز الذي ترك بصماته واضحة في تاريخ وطننا العزيز وشكرا لهذه المناسبة التي اعادته لنا بذكراه العطرة وشكرا لسمو الأميرة فهدة بنت سعود على وفائها وبرها بوالدها والشكر موصول لجريدة اليوم ممثلة برئيس تحريرها الاستاذ محمد بن عبدالله الوعيل لمبادرته ودعوته لي للمشاركة بهذه المناسبة.