تزامناً مع الندوة العلمية التي تنظمها - مشكورة - دارة الملك عبدالعزيز بعنوان (تاريخ الملك سعود رحمه الله) أجدها فرصة سانحة لتسليط الضوء على بعض جهوده المباركة ولمساته المميزة في دعم الأقليات المسلمة خلال فترة تقلده للحكم، ومن ذلك:
تأسيس الجامعة الإسلامية:
فقد أنشأ الملك سعود تلكم الجامعة العريقة في طيبة الطيبة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بموجب المرسوم الملكي رقم (11) وتاريخ 1381/3/25ه تلاه المرسوم الملكي رقم (117) وتاريخ 1381/4/9ه القاضي بالمصادقة على أول نظام أساسي لها وعلى اللائحة الداخلية لمجلس إدارتها.
وأوضح الأهداف الحقيقية لإنشاء هذه الجامعة في خطابه الموجّه لحجاج بيت الله عام 1380ه المتضمن: لقد رأيت من واجبي أن أخدم هذين الحرمين الشريفين وأن أبدأ العمل في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة، فأمرت بإنشاء جامعة إسلامية في المدينة المنورة التي هي مأوى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهيأت لها من الأسباب والوسائل ما يكفل لها أداء الرسالة السامية المرجوة منها، فاستقدمت عدداً من علماء المسلمين من بعض الأقطار الإسلامية. وصنعوا لذلك برامج ونظماً ومناهج، وستضم هذه الجامعة طلاباً من سائر أنحاء العالم، وسأحرص على أن يكون فيها عدد غير قليل من إخواننا الافريقيين والآسيويين الذين يتشوفون لمعرفة الإسلام في منابعه، وبذلك ستحوي طلاباً من أقاصي البلاد حتى إذا أكملوا دروسهم وتفقهوا في الدين رجعوا إلى الدين القويم، وهذا عمل يحتاج المسلمون أمداً طويلاً تى يؤتي أكله، ولكنه الطريق السوي لبث الدعوة وتوصيلها إلى أقصى المعمورة عن طريق هذه الجامعة والمنتسبين إليها حتى إذا تفرقوا في الأقطار جمعتهم دعوة الحق وكانوا سبباً في اجتماع كلمة المسلمين وتعاضدهم وتعاونهم في كل قطر وفي كل حين". وفي عام 1381ه خاطب الملك سعود حجاج بيت الله الحرام قائلاً: ولم نهمل مصالح المسلمين، وحاجتهم إلى التبصر بشؤون دينهم ودنياهم، وتعطشهم إلى العلم والمعرفة. فلقد وفقنا الله تعالى بفضله إلى إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وهي التي أعلنا في مثل هذه الأيام من العام الماضي عزمنا على تأسيسها؛ لتكون مركزاً لنشر علوم الدين والحضارة الإسلامية بين المسلمين في كافة أنحاء المعمورة. وهذه الجامعة التي هدانا الله إلى إنشائها، يشرف على توجيهها مجلس من أئمة المسلمين وثقاتهم من مختلف البلاد، وتستقبل الطلاب من جميع أقطار الأرض أعزاء مكرمين في وطنهم الروحي، وبين إخوان لهم مقدرين. وتثقفهم في أمور دينهم ودنياهم، وتظهرهم على أمجاد دينهم وحضارة إسلامهم، وعندما يتم هؤلاء الطلاب مراحل دراساتهم يعودون إلى بلادهم، رسل هداية ونور، ودعاة لكلمة الله والحق، ولقد استقبلت الجامعة في عامها الدراسي الأول باكورة طلاب من مختلف البلاد الإسلامية.
وقد نوّه الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - في كلمة ألقاها في شهر جمادى الآخرة عام 1381ه بما أنعم الله عليه به من إنشاء هذه الجامعة المباركة فقال: "ولقد كان من توفيق الله أن أعاننا على إنشاء جامعة إسلامية في المدينة المنورة، وهي الأساس في بناء نرجو أن يكون رمزاً لوحدة المسلمين واسترداد قوتهم وكسب عزتهم". وتضمن أمره الكريم بإنشاء الجامعة إيضاحاً للأسباب التي دعت للقيام بهذه الخطوة الجليلة، وهي كما نص عليه الأمر السامي:
1- تقدير ما لنشر العلم من أثر نافع في تثبيت دعائم الدين، والنهوض بالأمة في مشارق الأرض ومغاربها.
2- الرغبة في تبليغ رسالة الإسلام.
3- العمل على تشجيع العلم ونشر المعرفة.
4- حرصه - رحمه الله - على السير على هدى القرآن والسنّة وسيرة السلف الصالح، ابتغاء لمرضاة الله وثوابه.
5- كما نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للجامعة الذي اعتمده - رحمه الله - على أن الغرض من إنشاء هذه الجامعة "تثقيف من يلتحق بها من طلاب العلم في المملكة العربية السعودية، ومن البلاد الإسلامية ليتفقهوا في الدين، ويفقهوا العلم الشرعي والعربية، ويتعلموا بعض اللغات الأجنبية ليتبصروا بأصول الدين وفروعه، ويتمرنوا على طرائق البحث والمناظرة، وليكونوا دعاة للدين، وأنصاراً للحق، وليقوموا بإلقاء المحاضرات، والكتابة في الرد على الملحدين، والذود عن حوزة الدين، وحل ما يعرض من المشاكل للمسلمين في شؤون دينهم ودنياهم".
تأسيس (إذاعة صوت الإسلام) نداء الإسلام حالياً:
كما أصدر الملك سعود مرسوماً ملكياً يقضي بإنشاء إذاعة (صوت الإسلام) نداء الإسلام حالياً. وباشرت الإذاعة بثها في 1380/12/7ه.
قال د. سلمان بن سعود: والذي يتأمل المرسوم الملكي الذي أصدره الملك سعود - في بداية حكمه - والذي وصف بأنه مرسوم تأسيسي للإذاعة السعودية، يتبين له أنه قد سعى من خلاله إلى تحديد تلك السياسة الإعلامية التي مازال يسير عليها الإعلام السعودي بوسائله المختلفة إلى اليوم. وكان من أبرز تلك الملامح أن تحرص الإذاعة السعودية على ألا تثبت من المواد الإذاعية ما يخالف كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو يؤدي إلى فرقة بين العالم الإسلامي، أو يعمل على إضعاف عرى العلاقة الأخوية بين شعوبه. ومن المعالم الأخرى أن تقوم الإذاعة - وغيرها من وسائل الإعلام - بمهمة دعوية تتمثل في العمل على بث تعاليم الإسلام ونشرها في داخل البلاد وخارجها.
إقامة المؤتمر الإسلامي الأول
فقد دعا الملك سعود - يرحمه الله - المسلمين إلى عقد مؤتمر إسلامي بمكة المكرمة في موسم الحج عام 1374ه لبحث أوضاع المسلمين ومشكلاتهم وتفعيل التضامن الإسلامي، واستجابة لهذه الدعوة وتقديراً لأهدافها رحب بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وتوافدت الوفود الإسلامية المختلفة قاصدة مكة المكرمة من مصر وسوريا والأردن والعراق وتونس واليمن وأفغانستان وباكستان وإيران واندونيسيا وغيرها.
تأسيس رابطة العالم الإسلامي:
"تمخض المؤتمر الإسلامي المنعقد في موسم حج عام 1380ه عن تأسيس رابطة العالم الإسلامي، وقد زفَّ سمو الأمير خالد بن سعود رئيس الديوان الملكي للحاضرين البشرى السارة الكريمة الغالية "أن حضرة صاحب السمو الجلالة الملك المعظم أمر ببناء دار للرابطة بمكة المكرمة على نفقة جلالته، كما أمر بصرف مبلغ مليون ريال عربي مشاركة من جلالته في ميزانية الرابطة".
دعم الأقليات المسلمة بالهند:
قال د. سلمان بن سعود: شملت رعاية الملك سعود الكريمة دعم عدة جهات دعوية وجمعيات خيرية ومساعدتها ومنا: "مسجد الجامع بدلهي، وجمعية العلماء بدلهي، وجمعية أهل الحديث - المؤتمر العام - وجمعية غرباء أهل الحديث بدلهي، وجمعية الإغاثة والإسعاف جامعة بنارس، ندوة العلماء لكهنو، ودار العلوم ديوبند، نجمة إسلام في بومباي، والجمعية الهندية العربية ببومباي، وجامعة عليكره، ومنكوبي العواصف في جنوب الهند، وجمعية العلماء ببومباي، ومسامر خانة ببومباي، ولجنة الحج، ومدرسة موليد ينابونا، ومدرسة انفلوار دويونا، ودار أيتام البنات الإسلامية بونا، ودار أيتا الأولاد الإسلامي بونا، ودار الأول بنقلور، وجمعية تعليم القرآن بونا، وجامعة أهل الحديث بونا، ومدرسة سورت الإسلامية، وجمعية خدام النبي صلى الله عليه وسلم وجمعية العميان المركزية، مستشفى اليوليو،. وبلغت إجمالي المبالغ المصروفة لتلكم الجهات (805.000) روبية هندي".
ومن خلال هذه النماذج يتضح بجلاء أن الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - كان يحمل هم الأمة الإسلامية ويستشعر أهمية دعم ومناصرة ودعوة الأقليات المسلمة في شتى بقاع المعمورة، نسأل الله تعالى ألا يحرمه أجر ما بذله لإخوانه المسلمين في شتى بقاع الأرض.
خالد بن هدوب المهيدب
@باحث في مجال الأوقاف