( يتحدث على لسان الملك عبد العزيز – الملك سعود ) أحداث العرب"1956 بعد إنتهاء العدوان الثلاثي

وهذه قصيدة تاريخية اسمها أحداث العرب، كانت هناك اتفاقية ما بين السعودية وسوريا ومصر، على توحيد جبهة ضد الأعداء، وكانت تلك الفرصة التي سنح لي بها الزمن لأقول قصيدتي هذه في عام 1376هـ بعد انتهاء العدوان الثلاثي؛ فاجتمع الملك سعود رحمه الله مع الرئيس شكري القوتلي رئيس سوريا، وتأخر الرئيس عبد الناصر واعتذر عن الحضور لسبب كان في مصر، فخاطبت الزعيمين بقولي:
جِهادُكُمُ للشَّرْقِ بعْثٌ ويقْظَةٌ
ولِلْعُرْبِ والإسْلامِ مجْدٌ مُخَلَّدُ
ولِلْوحْدةِ الكُبرى دُعامةُ صَرْحِهَا
وللدَّهْر والتَّاريِخ لحْنٌ مرَدَّدُ
"سعودٌ" لهـا روح "وشكـري" (1) فؤادهـا
"وناصر" يُمنَاهَا الحُسامُ المُجَرَّدُ
منارَاتُها دِينٌ حنيفٌ وأمَّةٌ
نَمَاها "مُعدٌّ" وازْدهاها مُحَمَّدُ
مسَاميحُ في سِلْمٍ مغَاوِير في وغىً
مصَابِيحُ في الظَّلْمَاءِ بالحقِّ تُوقَدُ
تَداعى لهم كِسْرى وأذْعنَ قيْصَرٌ
وطأْطأ جبَّارٌ لهُم مُتَمَرِّدُ
فما خادعوا قَوْماً ولا مزَّقُوهُمُ
ولا كانَ منهمْ ظالمٌ يتَوعَّدُ
كشأنِ الألى بالأمسِ جُنَّ جُنُونُهُمْ
أغاروا علينا في "القناةِ" وأفْسَدُوا
أغَارُوا عليْنَا ظالمِينَ تَجَبُّراً
كأنَّهُمُ منْ كل قلْبٍ تجرَّدُوا
فلم يرْحَمُوا شيخاً تقوَّسَ ظهْرُه
وطفلاً رضيعاً بات في المهدِ يَرقُدْ
وحتىَّ بيوتَ الله صَبُّوا جَحِيمَهم
عليْهَا وفيهَا الراكِعُ المتَعَبِّدُ
فتَبّاً لقوم بالسَّلام تَشَدَّقوا
وهمْ نفْسُهم حَرْبٌ عَلـى الكـَوْنِ أنكَـدُ
فهلْ منطِقُ الإِنصَـافِ أنْ يُضـربَ الَّذي
يُدَافع عن أوطانِه.. ويُهَدَّدُ
وأن يتركَ البَاغي الظلومَ بِجُرْمِه
ويُثنَى عَلى إجْرامِهِ ويُزَوَّدُ
فتعْساً لقومٍ ما يَفِيقُ ضَميرُهُم
ومن كلِّ معْنىً للشَّهَامَةِ جُرِّدُوا
لقد ثارتِ الدنيَا عليْهم ودمْدَمَتْ
وضجَّ لسَانُ الخَافِقيْنَ يُنَدِّدُ
ولكنَّ رُوحَ الغَدْرِ سوْأى ذميمةٌ
وإن دنىءَ الطَّبْع أكمهُ أرمَدُ
وقَادتْهُمُ الأطمَاعُ وهي وضِيعةٌ
وسَاقتْهُمُ للموْتِ رعناءَ تَحْرِدُ
وثَارتْ كراماتُ النُّفوسِ وجرَّدتْ
قُواهَا وإن الحق سيْفٌ مجَرَّدُ
غدَت مصْرُ كالبُركَـانِ تقـذف باللَّظَـى
تُكَبْكِبُهم في الحَافِراتِ وتصْمُدُ
تصدَّى لهُم بالموت كلُّ مُجَاهِدٍ
غيُورٍ عَلى مجْدِ الكِنَانة ينْهَدُ
وصَبُّوا على هَامِ المُغِيرِين نِقْمةً
تحدَّثَ عنهَا العَالَمُونَ وأشهَدُوا
فكلُّ فتاةٍ بِالكنانَةِ نِقْمةٌ
وكلُّ صبيٍّ صَارِمٌ ومُهَنَّدُ
وكلُّ فتى قد بَاتَ ليْثاً غَضَنْفراً
وكلُّ عَجُوزٍ شعلةٌ تَتَوقَّدُ
وحتَّى صِغار القـومِ مَاجَـتْ صدورُهـم
بأحْقادِهَا والثأر يُرغي ويُزْبِدُ
فيَا روْعةَ الإيمانِ تَغْشى نُفُوسَهم
وكُلُّهمُ رَوحٌ وقلبٌ موحِّدُ
صُمودٌ لـه الدُّنْيَا تَلفَّتُ والوَرى
يُصَفَّقُ إعجاباً لـه ويُمَجِّدُ
بِحسبِكِ يا مصرُ الحبيبةُ أَننا
جُنودُك نفْديك الحياةَ ونَرفُدُ
فَفِي كُلِّ قُطْرٍ للعرُوبةِ ثورةٌ
وَفِي كل قلْبٍ يعْربيٍّ توقُّدُ
لقدْ جَيّشوا للذَّودِ عنكَ جيُوشَهم
كتائبَ أسْدٍ بالفَنَاءِ تُهَدِّدُ
وقد قطَّعُوا شِرْيـان (2) خَصْمـِكَ بالقُـوى
وما رَاعهم منه الوَعِيدُ المُهَدِّدُ
ولما عراهُ الوهنُ في مصْرَ واكتوى
بمُرِّ كفاحٍ عارمٍ يتَجَدَّدُ
تلوَّن كالأفعى يدسُّ سُمُومَه
لشعبٍ عريقٍ بالكرَامةِ يسْعَدُ
ومذهبُنَا الإسْلاَمُ ديناً ودَولةً
ومن ذا سِوَى الرحمن هَادٍ ومُرشِدُ
عفَاءاً وسُحقاً للأباطيلِ إنَّهَا
أكاذيبُهم لوْنٌ من المكر أَرْبَدُ
أمِنْ أجل أن ثُرْنَا نحرِّرُ أرضَنَا
نطهِّر عنها الغَاصِبينَ ونطرُدُ
أمِنْ أجلِ هذا يرفَعُ البغْيُ سَوْطَهُ
ويضْربُ أحرارَ النُّفوسِ ويجْلدُ
فواللَّهِ ثم اللَّهِ ما فُلَّ عزْمُنَا
ولا انْطَفأتْ للعُرْب نارٌ تَوقَّدُ
ستحْرقُ في أرضِ الجَزائِر غاصِباً
خؤُوناً بغيضَ القَلْبِ بالحقْدِ يكْمُدُ
وتَغـدو بـلاد العُرْبِ للعُـرْبِ وحْدهـم
فإنَّ قُرابَ السَّيْفِ بالسيْفِ يُحْمَدُ
سنبْعثهَا في الشرْقِ والغرْب وحْدةً
لها في كِتابِ الخُلْدِ ذكْر مُمُجَّدُ
وَنرفَعُها في الشرقِ والغَرْبِ دوْلةً
مُوَحَّدةً أطرافُها لا تُهَدَّدُ
ودستُورها القرآن يُرسَمُ أسُّها
على الدِّين والتقوى مـدى الدَّهـر تَخْلُـدُ
وَتغدُو لهَا في مسمع الكونِ رنَّةٌ
وَيُضحي لهَا فوقَ السِّماكَيْن مقْعَدُ
فلِلَّه هذا المجْدُ أنتم بُنَاتُه
وأنتم لـه الطودُ المنيعُ المشَيَّدُ
أعدْتُم إلى التَّاريخ عِزَّةَ يعْربٍ
وأسْمَعْتُمُ الدنيَا نِداهَا يُردَّدُ
بنَيْتُم لنا مجْداً وعِزاً ورفْعةً
وفخراً وأمْجَاداً لها الدَّهْرُ يَسْجُدُ
فعشْتُم برغم الغَرْبِ قُوَّادَ أمَّةٍ
محرَّرَةٍ فوقَ الوَرَى تَتَسَوَّدُ
عُروشُكمُ فوق القُلوب نُشيدُها
وَطاعتكُم فرضٌ علينَا مُؤكَّدُ
فسِيرُوا على اسم الله صفاً موحداً
ويكلؤكُم عوْنٌ من الله أيِّدُ
الرياض في 5/6/1376 هـ
اللواء علي زين العابدين