السياسة النفطية

استعان الملك سعود رحمه الله بالعديد من أبناء الوطن المؤهلين بعد إستكمال تخصصاتهم فى الخارج ومنهم على سبيل المثال عبد الله الطريقي أول وزير نفط سعودي لاول وزارة نفط في تاريخ المملكة فى عام (1960م 1380هـ).كان اعتماد الملك سعود على الكوادر المحلية المدربة لتأخذ مكانها المناسب في إدارة شئون البلاد التنموية نتيجتة جهوده السابقة في دعم القوى البشرية المدربة والمؤهلة بدءاً بفتح المدارس والمعاهد والجامعات والاستعانة بالخبراء من الدول الشقيقة والصديقة وإرسال البعثات إلى الخارج لتأهيل الشباب السعودي .

وباعتبار ان النفط يشكل مصدراً حيوياً لدخل البلاد , كانت سياسة الملك سعود هى احترام ا لبنود والاتفاقيات السارية المفعول مع شركات النفط العالمية بالرغم من كونها مجحفة بحق الدول المنتجة للنفط ولذلك كان يعمل حثيثا لتحقيق حلمه الكبير بذلك اليوم الذي يملك فيه السعوديين الكفاءات والقدرات والإمكانيات لإدارة هذه الصناعة والاستفادة من جميع جوانبها حق الاستفادة دون الاعتماد على الشركاء الأجانب. وكان حريصاً كل الحرص عندما كان يطلب منه الموافقة على اتفاقيات جديدة مع شركات النفط، أن يبذل أقصى الجهود لتكون للدولة نسبة أعلى من الفوائد مقارنة بالاتفاقيات السابقة التي كانت تحصل فيها شركات النفط العالمية على نسبة أعلى من السعودية على أن تكون أعمال هذه الشركات وحساباتها تحت مراقبة أقوى من قبل الحكومة السعودية عبر إدخال أعضاء ممثلين لها في مجالسها بعدد يوازي نسبة مصالحها من الفوائد, وعملاً بذلك وافق الملك سعود على منح امتياز للشركة اليابانية للبترول في 14 تشرين أول( 1957م 1377هـ ).

ودعماً لرغبته في تحقيق حصة أكبر لبلاده تم تحديد فوائد الجانب السعودي بنسبة 56% من الأرباح بدلاً من المناصفة , و لقد اعتبرت هذه المبادرة من قبله بمثابة " ثورة " على عرف التعامل مع هذه الشركات حيث أن الدول المنتجة الأخرى ومنها العربية حذوت حذوه بمطالبة شركات النفط التي تتعامل معها بمنحها نسباً أعلى من الفوائد. 
[1]

كما أنه أمر بتأسيس مشروع شركة ناقلات سعودية تلتزم بحمل النفط السعودي إلى أسواقه, وكان ذلك في إطار المشاريع التي تضمن للدولة والمواطن السعودي مجالاً للاستفادة من عمليات التنقل. وتم ذلك باقتراح من عبد الله السليمان ومحمد علي رضا وزير التجارة الجديد الذين عرضا فكرتهما هذه على الملك حتى يتم تنفيذها بالمشاركة مع رجل الأعمال اليوناني الكبير " أوناسيس " الذي كان يملك أسطولاً ضخماً من الناقلات. لم يتردد الملك سعود في إصدار موافقته السامية علي هذا المشروع الجبارلمصلحة بلاده الاقتصادية , ولكن هذا القرار التاريخى ادى الى تضارب المصالح الوطنية السعودية مع مصالح الولايات المتحدة مما ادى الى احتجاجات شركة " أرامكو " والحكومة الأمريكية.

وبالرغم من الاعتراضات ، تم تدشين أول ناقلة سعودية قادرة على حمل 46.000 طن في 20 نيسان 1954م ( 17 شعبان 1373هـ ) وسميت " الملك سعود الأول " نسبة إليه، مما جعل " جون فوستر دلس " وزير الخارجية الأمريكية يعتبر أن هذه الخطوة هي الأولى من قبل الملك سعود لفرضه المزيد من السيطرة على النفط، والأضرار بمصالح شركات النفط الأمريكية بالمنطقة,

حتى ان وصلت الأمور إلى درجة أن الوزير الأمريكي " دلس " طلب من سفيره في جدة " وارد زورث " ( WARD SWORTH ) ، أن يذكر الملك سعود بما حصل عندما حاول الدكتور مصدق تأميم مصالح النفط الإيرانية وعلق على ذلك : "بأنه يجب على الملك ومستشاريه أن يسألوا أنفسهم أين سينتهي بهم الأمر بعد ثلاث سنوات، أو حتى بعد سنة واحدة بدون عائدات من النفط, و في حالة مقاطعة النفط السعودي حيث أن اعتمادهم الأساسي عليه ، وبأنه إذا حصل مثل ذلك فعلاً فإنها ستكون كارثة ".
[2] و قامت الولايات المتحدة بتهديد ضرب البواخر السعودية فى البحر ,وذكروا الملك سعود بأن الاتفاقية بين المملكة وأمريكا (امتياز شركة أرامكو) تقتضى "استخراج ونقل البترول السعودى وتسويقه" ولكن الملك سعود لم يتأثر بهذه الإنذارات ، واعتبرها تدخلاً في شؤون دولته .

وفي وجه تصدى الملك لهذه التدخلات، حصل ما لم يكن في الحسبان، فقد رفع أحد المتعاملين مع أوناسيس دعوى ضده وكشف فيها أسراراً عن تبادل عمولات بين الأطراف المتنازعة، ومن ثم تناولتها وسائل الإعلام. وفي الوقت ذاته رفعت شركة أرامكو دعاوى على أوناسيس ( وكسبتها فيما بعد ).

وعندما بُلِّغ الملك سعود كل أسرار تلك ألاحداث ," صُدم " بها وقرر التخلي عن المشروع بشيء من الندم وخيبة الأمل، حيث أن هذا المشروع كان مجدياً ومفيداً لمصالح وطنه على المدى الطويل.

وكما يقال عن أوناسيس، فقد كان دائماً يكررعند ذكر هذه الأحداث أمامه بأن مشروعه هو الذي أنذر بتأسيس منظمة على نمط " أوبك " وبتأميم مصالح وقطاعات صناعات النفط في العديد من الدول المنتجة.
[3] وقد كان أيضا للمملكة دورا رائدا في تأسيس منظمة أوبك حيث قامت حكومة المملكة العربية السعودية بدعوة كل من إيران والكويت والعراق إلى اجتماع تحضره فنزويلا أيضاً للتباحث في هذا الموضوع , وبعد الاجتماع قرر المجتمعون إقامة منظمة للبلدان المصدرة للبترول يكون من أهدافها الرئيسية التضامن فيما بينها والتشاور من أجل تحديد سعر النفط على مستوى عالمي ومن ثم القيام بكل ما يخدم مصلحة الدول الأعضاء والدفاع عن حقوقها في استثمار وصناعة النفط. [4]

ونتيجة لقرارات هذا المؤتمر تم إنشاء منظمة أوبك في سنة( 1338هـ 1960م ) وأصبحت المملكة من الدول المؤسسة لها إلى جانب كل من فنزويلا وإيران والعراق والكويت, وقد وقع من الجانب السعودي وزير النفط عبد الله حمود الطريقي , وبدئ العمل ببنود الاتفاقية في كانون الثاني 1961م.



فهدة بنت سعود

References

  1. ^ 1957 SAUDI ARABIAN REVIEW FOR ( 303 . P ) ( 6 . V ) SAUDI ARABIAN POLITICAL DIARIES مصدر سابق - وثائق بريطانية ( 1957م ) . ( ص 303 )
  2. ^ ليسي ، روبرت . المملكة، لندن ( 1987م )، للترجمة العربية ص 221
  3. ^ المملكة العربية السعودية قام قدرها الكبير، المؤلف عبد الكريم نزل – الطبعة الثانية موسعة عام 1403هـ. 
  4. ^ نفس المصدر ص 223