قضية البريمى
المتتبع لسياسة بريطانيا في تعاملها مع الملك عبد العزيز يرى أن كلا منهما لا يرتاح إلى الآخر ، لكن الظروف والمصالح أملت بقاء هذه العلاقات التي كثيراً ما تتعرض للتدهور والقطيعة فالملك عبد العزيز أدرك جشع بريطانيا وابتززها فأصبح لا ينظر اليها بعين الرضى منذ أن رفضت عرض الامتياز لبترول بلاده ، ومنذ أن سمحت بالتشهير به في الصحف الهندية ، لذا وفي وقت مبكر قرر أن صداقة بريطانيا قد استنفذت ولذا يقول الشيخ حافظ وهبه إنه من سنة (1351هـ / 1932م) إلى سنة ( 1357هـ / 1937م) تباعدت سياسة بريطانيا التقليدية عن المملكة ، وما كادت الحرب العالمية تنتهي حتى أخذت بريطانيا بالتحرش به ولم تراع حق الصداقة ، وقال الزركلي في كتابه شبه الجزيرة العربية:
" أن الملك عبد العزيز كان يخاف بريطانيا على نفسه ، ويتجنب ما أمكن الصدام بهم ، فكان يحذرهم وما خلافه معهم على واحة البريمي إلا وجه واحد من أوجه الخلاف معهم ". وأكد الزركلي أن الخلاف مع بريطانيا قديم وعميق منذ عام (1345هـ - 1925م ). وقد ستر هذا الخلاف في السبع السنوات الأخيرة في حياته ثم برز هذا الخلاف مرة أخرى بعد أن تولى الملك سعود شئون الملك ، ونقل في كتابه مصداقية هذا الخلاف أنه عندما زار الأمير سعود أكبر أنجال جلالة الملك عبد العزيز وولي عهده بريطانيا عام( 1354هـ / 1935م) .
تلقى من والده برقية في 9 ربيع الثاني( 1354هـ / 1935م )رداً على برقية أرسلها الأمير سعود لوالده يقول الملك عبد العزيز فيها: ( برقيتكم وصلتنا من قبل ما نشرته جريدة التايمز ) فليس هو مقصود الإنجليز الخفي . ولو كان مقصدهم ذلك لما نشروه بحضوركم ، وإنما أرادوا أن يظهروا عدم انتهاء الأمر حتى يكبر الأمر عليكم ، فأنتم التزموا موقفكم بثبات تام لأن مالنا عن مطالبنا مهرب . والحاجة لهم ، وتمسككم بمطالبنا مشروع ، وحجتنا قوية وما وراءكم حسوفه.
وبدا وكأن بريطانيا منذ ذلك الوقت آخذة في اتجاه ركود العلاقات بعد أن تأكدت من نجاح شركات البترول الأمريكية في استنباط البترول من أراضي المملكة العربية السعودية ، بعد أن فشلت شركات بريطانيا التي خصها الملك عبد العزيز بالأولوية بإعطاء الامتياز ، ولم يطرأ أي تحسن على تلك العلاقات إلا قبيل الحرب العالمية الثانية.
كانت الحدود بين المملكة والمحيطات البريطانية ( قطر ، الإمارات ، عُمان ) ومحميات عدن ، ومع اليمن في منطقة الربع الخالي موضع خلاف حيث لم يتم الاتفاق على رسم الحدود مع المملكة ، واكتسبت المسألة حدة خاصة في أواخر الخمسينات والستينات الهجرية عندما بدأ البحث عن البترول وجرى بين المملكة العربية السعودية وبين بريطانيا صراع على واحة البريمي ، حيث إدعت بريطانيا باسم إمارة ( أبو ظبي ) وسلطنة ( مسقط ) التي كانتا آنذاك تحت الحماية البريطانية ، ادعت ملكية تلك الواحة التي تمثل زهاء ألفي كيلو متر مربع وكانت تلك المنطقة تقليديًّأ مركز تقاطع طرق القوافل المتجهة للجنوب الشرقي للجزيرة العربية وألحقت تلك المنطقة بالدولة السعودية الأولى وأصبح البريمي آنذاك جزءاً من المنطقة الشرقية السعودية لكن بريطانيا رفضت ذلك باسم محمياتها.
استمر الخلاف التاريخي وتطور بين المملكة وبريطانيا ومنعت بريطانيا المملكة من التنقيب في تلك الأراضي عام( 1369هـ / 1949م )وقررت الحكومة العربية السعودية ألا تصعد تلك الأزمة فأجلت أعمال التنقيب.
وفي عام( 1370هـ / 1950م) احتجت الحكومة السعودية على بريطانيا بسبب بحثها عن البترول في أرضٍ لم يتفق على عائديتها وادعى سفير بريطانيا بأن دعوى المملكة العربية السعودية امتلاك تلك الأراضي ليس له أساس.
وفي عام (1371هـ / 1950م) اتفقت بريطانيا والمملكة العربية السعودية على وقف أعمال التنقيب وعقد مؤتمرات متوالية لهذا الغرض في كل من المملكة وبريطانيا ولكن تلك المؤتمرات والمباحثات لم تتمخص عن نتائج ، وهنا تدهورت العلاقات السعودية البريطانية حتى شملت مجالات الخلاف على ( البريمي ) وعلى إثر ذلك أصدر الملك عبد العزيز أمراً بتشكيل بعثة مدنية لإدارة المنطقة وحل مشاكل البادية فيها برئاسة الأمير تركي بن عطيشان وباشر عمله عام( 1372هـ/ 1952م)في منطقة البريمي لكن البريطانيين عادوا إلى المنطقة في السنة التي تلتها وحاصروا البعثة.
وفي عام( 1374هـ/ 1954م )بعد وفاة الملك عبد العزيز وتولى الملك سعود وقع مندوبون عن المملكة العربية السعودية وبريطانيا اتفاقية في فرنسا حول رفع الخلاف إلى لجنة تحكيم في جنيف وفي مطلع (1375هـ / 1955م )أدركت بريطانيا أن قرار اللجنة سوف لا يكون في صالحها فأوعزت لممثلها بالاستقالة ، وقامت باجتياح منطقة البريمي بالقوة المسلحة ، وعلى إثر ذلك اشتد غضب الملك سعود وحكومته وصرح في أكثر من حديث لمراسلي الصحف والإذاعة والتليفزيون أنه لا يوجد خلاف بين حكومته وحكومة أبو ظبي ومسقط وأن الخلافات بين حكومته وبين الحكومة البريطانية فقط ، واحتج الملك سعود على بريطانيا بعنف وطالب بسحب قواتها من المنطقة فوراً ، وعزز ذلك برفع شكوى ضد بريطانيا إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة في هذه المسألة قد التزمت الحياد ، وعملت وسيطاً بين الدولتين خوفاً من تفاقم النزاع ، فاقتنعت المملكة العربية السعودية بسحب بعثتها وقطع المفاوضات .
وفي عام( 1376هـ / 1956م )وصل وكيل وزارة الخارجية البريطانية إلى المملكة وعقد سلسلة من الاجتماعات مع حكومة الملك سعود كما وصل السفير البريطاني إلى جدة من بعده ، وبينما كانت المفاوضات على وشك الابتداء أمر الملك بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا ، وأمر بحظر تصدير البترول إليها بسبب اشتراكها في العدوان الثلاثي على مصر.
ثم يشاء الله أن تجتمع المملكة وبريطانيا في خندق واحد لحماية الكويت عام( 1381هـ / 1961م )عندما واجهت الكويت الشقيقة خطر غزو العراق لها أيام عبد الكريم قاسم ، فقد أنجد الملك سعود الكويت بقوات سعودية لغرض الدفاع عنها ، ثم أخذت هذه التناقضات السعودية البريطانية تنحسر تدريجياًّ حتى حلول( 1382هـ/ 1962م )عندما التقى الأمير فيصل وزير الخارجية السعودي مع وزير الخارجية البريطانية في الأمم المتحدة واتفقا على استئناف العلاقات الدبلوماسية واستئناف محادثات جديدة حول منطقة البريمي( 1383هـ/ 1963م ). عاد السفير السعودي بعدها ليباشر عمله في العاصمة البريطانية لندن.
هذا هو مسلسل العلاقات والاتجاهات السياسية لسياسة المملكة الخارجية تجاه بريطانيا وأثر الملك سعود البارز في تلك العلاقات أميراً وملكاً ، ولعل أبرز ما في هذا الأثر وأكثره خطورة في تميز العلاقات بين البلدين ما ورد في تلك الوثيقة التي نقلها خير الدين الزركلي في كتابة شبة الجزيرة العربية ، والتي ورد فيها تأكيد الملك سعود نيابة عن والده للرئيس الأمريكي وأعضاء حكومته آنذاك أن المملكة منذ نشأتها لا تزال وفيه لأصدقائها البريطانيين على الرغم من حصول مشكلات ومتاعب عديدة ، وأن التفاهم بينهم وبين بريطانيا يمكن أن يكون سهلاً على الرغم مما اتخذته تلك الدولة من مواقف سلبية وغير ودية في بعض الأحيان إزاء المملكة ، وإنهم يشعرون في المملكة بانحياز بريطانيا ضدهم ، وقد تركوا السياسة المتوازنة وشرعوا في تقوية الخصوم بصورة مباشرة وغير مباشرة.
المرجع: تاريخ الملك سعود تأليف – سليم واكيم
خلاف بين سعود ودالاس
الملك سعود لا يصدر بيانا طلبته منه أمريكا ..
واشنطن في 3- وكالة اليونايتدبرس الأمريكية - عرف في وزارة الخارجية الأمريكية اليوم إن خلافا قد وقع بين الملك سعود وبين وزارة الخارجية الأمريكية .
وكان المستر جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية قد طلب من الملك سعود أن يصدر بيانا عن الموقف في سوريا بشير فيه ولو بطريق غير مباشر إلى أخطار الشيوعية .
ولكن الملك سعود التزم الصمت ولم يصدر هذا البيان لأنه كان يريد من جون فوستر دالاس أن يقوم بدور رئيسي في سبيل الوصول إلى حل النزاع بين السعودية وبريطانيا على مشكلة واحة البوريمي.
وقد أعرب المراقبون الدبلوماسيون من اعتقادهم بأنه ليس من المتوقع أن يصدر الملك سعود مثل هذا البيان حالياً ، ويشيرون إلى أن لوى هندرسون ، مبعوث أمريكا الخاص للشرق الأوسط لم يتوجه لزيارة الملك سعود في الرياض أثناء جولته في المنطقة .
وتعتقد هذه المصادر أن دالاس لا يزال ممتنعاً عن بذل أي ضغط ضد بريطانيا ليدفعها إلى عقد اتفاقية مع الملك سعود بشأن البوريمي.
سعود ينذر بريطانيا بقبول أسلحة من رُوسيَا
منح بريطانيا امتياز التنقيب عن البترول في البر يمي إذا سوت مشكلتها
لندن في 6 - من هاري هويز مدير مكتب الأهرام - نشرت جريدة " ديلى اكسبريس " برقيه بعث بها سيفتون ديلمر ، مراسلها الخاص الذي زار الرياض أخيراً بدعوة من الملك سعود ، وقد جاء في هذه البرقية أن الملك سعود ينذر بإنشاء علاقات دبلوماسية مع روسيا إن لم تسو بريطانيا نزاعها مع المملكة السعودية بشأن واحة البريمي.
قبول أسلحة من روسيا
وقال المراسل : إن الملك سعود هدد أيضاً بقبول أسلحة من روسيا ، وبإعطاء بولندا عملية إنشاء خط السكك الحديدية في الحجاز .
امتياز التنقيب عن البترول
ثم قال المراسل : انه إذا قبلت بريطانيا تسوية مشكلة واحة البريمي ، فان الملك سعود لن يمانع في إعطائها امتياز التنقيب عن البترول في تلك الواحة إذا شاءت .
حلف بغداد ضد العرب
ثم ذكر المراسل : أن الملك سعود ندد بالحلف العراقي البريطاني ،وقال انه لا يخدم إلا مصالح خصوم العرب ، وأعرب جلالته عن أمله في أن تعود العلاقات الودية مع بريطانيا إلى سابق عهدها وأنه لا يدهش إذا قامت ثورة في العراق ضد المذكور.
والمعروف عن ديلمر انه من أنصار إسرائيل وانه سبق أن هاجم المملكة السعودية ، ولكن الملك سعود غض النظر عن كل ذلك ، وتحرر في نظرته إلى مسألة عامة ، ودعا ذلك الصحافة إلى مقابلته والتحدث معه في العلاقات بين البلدين
المصدر :الأهرام
التاريخ : 7 / 2 / 1956م.