مبدأ إيزنهاور


كان دور الملك سعود القوي فى الدفاع عن القضايا العربية ضمن أهم العوامل التي جعلت الرئيس الأمريكي ايزنهاور ينظر إلى الملك سعود كقائد يمكن الاعتماد عليه بعد كسبه كصديق وحليف الذى بادر بإرسال دعوة له لزيارة أمريكا رسمياً في( 1957هـ \ 1377هـ ) لايمانه أن للملك سعود دورا بارزا فى مشروعه للتصدي للشيوعية ومحاربتها فى الشرق الأوسط والدول الاسلامية .وفور تلقي الملك سعود للدعوة بادر إلى الاجتماع مع الرئيسين جمال عبدالناصر وشكري القوتلي فى القاهرة فى يناير( 1957م-1377هـ) واتفق معهما على:1- محاولة اقناع الرئيس آيزينهاور بالضغط على اسرائيل بخصوص خليج العقبة والانسحاب إلى خطوط الهدنة السابقة على جميع الجبهات,2- الاستمرار فى دعم دول المواجهة مع اسرائيل,وترجم الملك سعود هذا الدعم من خلال دخوله فى اتفاقية مع الرئيسين ومع الملك الأردني حسين مدتها عشر سنوات لتخفيف العبء المالي عن الأردن نتيجة لما تعانيه من مشاكل بسبب الاعتداءات الصهيونية, وكانت المساهمة السنوية من مصر والسعودية للأردن بمقدار خمسة ملايين جنيه مصري من كل منهما.

وحين زيارته للولايات المتحدة الأمريكية رداً على الدعوة التي تلقاها ، قوبل باستقبال حافل من الحكومة الأمريكية إلا أن محافظ مدينة نيويورك اليهودي " واغنر " رفض استقبال الملك سعود بسبب سياسته القومية والإسلامية والتي تتعارض مع المصالح اليهودية.

ألقى الملك سعود خطبة هامة في المأدبة التي أقامها همرشولد ، الأمين العام السويدي لهيئة الأمم المتحدة ، وتناولت جميع جوانب الشكاوى العربية في إطار ميثاق الأمم المتحدة وصلاحياته ، واقترح على الجميع التمسك والعمل المخلص به ، كما تطرق إلى نتائج الحرب الباردة وسلبياتها .

وخلال مفاوضاته مع الرئيس الأمريكي في واشنطن في (2 شباط 1957م - جماد الثاني 1376هـ ) شرح له الرئيس الأمريكي مبادئ وأهداف مشروعه والمعروف باسمه " مشروع آيزنهاور " Eisenhower Doctrine والدور الإيجابي الفعّال الذي يتوقعه منه كصديق قوي لأمريكا، وكزعيم عربي وإسلامي بارز في سبيل مقاومة التيار الشيوعي الزاحف إلى منطقة الشرق الأوسط ومناطق الدول الإسلامية. 
[1]

وتمهيداً لهذه المبادرة قدم آيزنهاور للحكومة السعودية في 24 يناير( 1957م - 1376هـ ) قرضاً مقداره ( 25 مليون دولار ) .

وكان رد الملك سعود له أنه على الرغم من وجود عروض سوفيتية لتقديم المساعدة العسكرية لمواجهة بريطانيا ، فإنه رفضها ، وأن سوء سياسة بريطانيا هي التي دفعت العرب إلى طلب العون من الاتحاد السوفيتي ، كما أن دول عدم الانحياز ، تستفيد أكثر من المساعدات السوفيتية مقارنة باستفادة أصدقاء الولايات المتحدة من المساعدات الأمريكية ، والتي يجب أن تتضاعف لكي يتسنى للرئيس الأمريكي التوفيق في مساعيه .

وطلب الملك سعود من آيزنهاور استخدام نفوذه لدى إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة وتسوية القضية الفلسطينية ، وإقناع فرنسا للوصول إلى حل حول استقلال الجزائر كما وعده بإطلاع إخوانه العرب على مشروع ايزنهاور وأهدافه وجس نبض الرأي العام العربي ( على الإطارين الرسمي والشعبي ) قبل تقديم أي التزامات من طرفه .

وحيث أن الملك سعود أوضح للرئيس الأمريكي أن قسطاً كبيراً من ميزانية دولته تنفق على التنمية وتنفيذ الخطة الخماسية ، وأنه في حاجة إلى المساعدات العسكرية قبل تمكنه من لعب أي دور يتوقع منه في مجال التصدي للزحف الشيوعي .وافقت الحكومة الأمريكية على منحه قرضاً مقداره ( 250 مليون دولار ) وتزويده بجميع أنواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية وتدريب السعوديين على استخدامها وقيادتها وإدارتها ، ومقابل هذه العروض وافق الملك سعود على تقديم تسهيلات للحكومة الأمريكية باستخدام مطار الظهران لمدة خمس سنوات على أن يسلم المطار مع تجهيزاته للحكومة السعودية بصفة نهائية عام (1381هـ \ 1962م ).
[2] إضافة إلى ذلك تباحث مع الرئيس الأمريكي في خلافة مع بريطانيا حول واحة البريمي وهي المنطقة البترولية بين الحدود السعودية وعُمان وأبو ظبي الواقعة تحت الحماية البريطانية . وقد كانت قضية واحة البريمي من القضايا المثارة منذ عهد والده الملك عبد العزيز واستمر الخلاف قائماً فيها ، وتم عرضها في عهد الملك سعود للتحكم الدولي ، بعد حدوث عدة مناوشات .

ولعل الجهود التي بذلها الملك سعود لبلاده في هذه الزيارة الهامة أتت بنتائجها الإيجابية. وقبل قيامه بإطلاع زملائه العرب عن نتائج زيارته وشرح مضمون مشروع آيزنهاور ، زار الملك سعود إسبانيا والمغرب وتونس وليبيا وأخبر زعماءها عن تلك النتائج .

ثم اجتمع في القاهرة في رجب 1376هـ ( شباط 1957م ) مع زعماء مصر وسوريا والأردن و أطلعهم على أهداف آيزنهاور . وتحت تأثير من الرئيس المصري جمال عبد الناصر والسوري شكري القوتلي ، ورغبة من الملك سعود في وقوفه بجانب الإجماع العربي ، فقد قرر أن يؤيد رئيسي سوريا ومصر بعدم الارتباط بمشروع آيزنهاور .

كانت مساعي وتضحيات الملك سعود من أجل توحيد الصف العربي في سبيل خدمة قضاياه من الأمور التي أولاها جل اهتمامه إلا أن نتائج السياسات السلبية للدول العظمى وظروف الحرب الباردة وأنانيات بعض الزعامات العربية حالت دون النتائج التي كان يتطلع إليها ويحلم بها وقدم التضحيات من أجلها .

و لذلك انتهت سياسات وتدخلات الدول العظمى إلى تمزيق الصف وانقسام العرب إلى معسكرين رئيسيين مما أدى إلى انفجار وتفاقم صراعات جديدة بينهما ، وأصبح كل طرف عربى يمثل مصالح دولة عظمى أو تكتلاً سياسياً يدعمه .

المرجع- بحث بعنوان "الدور الذي لعبه الملك سعود بجوار والده في توحيد المملكة - فهده بنت سعود

 

الهوامش

  1. ^ ANNUAL REPORT " 1957 ( V.6 ) . ( P294 ) POLITICAL DLARIES " مصدر سابق . وثائق بريطانية ، التقرير السنوي ( 1957م ) ( ص 294 ) 
  2. ^ ( 299 . P ) , ( 6 . V ) POLITICAL DLARIES 1957 " ANNUAL REPORT " مصدر سابق . وثائق بريطانية ، التقرير السنوي ( 1957م ) ، ( ص 299 ) .