أحب الملك سعود مصر منذ أن كان ولياً للعهد في بلاده وحتى آخر يوم في عمره ، وكانت صداقته مع الرؤساء المصريين السابقين ( محمد نجيب ) و( جمال عبد الناصر ) – رحمهما الله – مثاراُ للإعجاب حتى سنوات أواخر الخمسينات الميلادية,
ثم تعرضت الصداقة المصرية السعودية إلى نكسة خطيرة صنعها أعداء الأمة العربية والاسلامية. وقف الملك سعود – رحمه الله
منذ توليه عرش بلاده مع مصر وساند قضاياها بدايةً من محاولته حل خلافات القيادة الواعدة داخل مصر في سنتي 1953/ 1954م ، ولم يتبدل موقفه المشرف ذاك أثناء حرب السويس حيث امر الملك سعود بالتعبئة العامة في المملكة و وضع إمكانات المملكة لصد العدوان ووقف إمدادات النفط عن فرنسا وبريطانيا, وسمح للطائرات المصرية أن تهبط وتستقر في المطارات السعودية ، وتنازل عن جزيرتين سعوديتين لصالح الشقيقة مصر حتى تستطيع مصر مراقبة حركة السفن المعادية . ولا يمكن أن تنسى الذاكرة موقف الملك سعود المساند لموقف مصر وقيادتها ضد حلف بغداد ولمشروع ايزنهاور وفي تلك الأيام استطاعت – للأسف – الأيدي الأجنبية الخبيثة أن تلعب في ملف الصداقة والأخوة السعودية المصرية وليشاهد العالم العربي بعد ذلك فترة سوداء في تاريخ العلاقة بين البلدين بل في تاريخ العلاقات بين الدول العربية جمعاء . حيث قُسمت تلك الدول إلى معسكرين ,معسكر تقدمي ومعسكر رجعي, وهي تقسيمات مُضحكة لو طبقنا معاييرنا في هذه الأيام على تلك التقسيمات المتعجلة .
و لا تزال فترة الخمسينات والستينات في القرن العشرين في العلاقات المصرية السعودية الأقل دراسة وفهماً في تاريخ العالم العربي ، وذلك لعدة أسباب أهمها : عدم وجود الوثائق العربية التي تثبت ما حدث ، وثانياً لأن تاريخ الملك ( سعود ) غُيب بالكامل عن تاريخ الأمة العربية بكاملها ودوره الذي نفتخر به كشعب سعودي وبالتالي كأمة عربية لكونه من القادة العرب الذين كان لهم دور بارز على المستوى الإقليمي والعربي والعالمي والإسلامي في سبيل قضايا الشأن العربي وخاصة المصري .
قضية الشيكات – كمثال على هذا – التي زُعم أن الملك قد كتبها لمتآمرين في سوريا حتى لا تستمر الوحدة بين مصر وسوريا آنذاك ما هي إلا قصة مُختلقة للوقيعة بين الدولتين السعودية والمصرية بين الزعيمين الشهيرين في تلك الأيام ( الملك سعود ) و ( الرئيس جمال عبد الناصر ) رحمهما الله.
فهل يصدق عاقل أن وحدة متينة بين شعبين يمكن أن يفسدها شيكُ يرسل لمغمور هنا أو دعمّ لضابط صغير هناك ؟ ما هي تلك الوحدة الواهية التي يُهدم بناءها اجتماع عشاء مجهول ؟ إن الإجابات المنطقية تقول : إن الوحدة الصحيحة المبنية على رو اسخ من العلاقات القوية لا يمكن أن تتعرض لأي هزة حتى لو جاءت جيوش حربية لتمزيقها وليست دولارات خضراء مزعومة, ولكن لم يأخذ هذا المنحى التحليلي سوى كتابات قليلة تخلو من العمق والدراسة .
لقد أشارت أدبيات التاريخ وسردياتها في تلك الأيام إلى أن الانفصال بين سوريا ومصر جاء بأسرع مما توقع الواهمون لأسباب موضوعية ، أشار إليها الرئيس ( عبد الناصر ) رحمه الله – نفسه ... ومنها : إن الوحدة قامت بدون تهيئة شعبية واقتصادية وسياسية ، قامت أثناء اجتماع سريع بين قيادتين تملكان فقط الحماسة الثورية بدون رؤية واضحة لخطوات الوحدة المقبلة ، واعترف الرئيس ( عبد الناصر ) رحمه الله في خطبة أنه أجبر على سرعة الموافقة على تلك الوحدة من قبل العسكريين الحاكمين في سوريا آنذاك وأثناء زيارته لسوريا ، ثم أقر الرئيس ( عبد الناصر ) أن اتجاهات كثيرة في سوريا لم تكن راغبة أساساً لتلك الوحدة فكان هناك الشيوعيون والبعثيون والقوميون السوريون وغيرهم وكثير من الكتب أشارت كثيراً إلى أخطاء التعامل الكثيرة من قبل القيادة الموحدة التي كان مقرها دمشق ورأسها ( المشير عبد الحكيم عامر ) ويمكن الرجوع إلى سرديات الأخطاء التاريخية التي ذكرها الرئيس ( عبد الناصر ) والتي نُسبت لوزير الدفاع المصري السابق –وذلك بعد انتحار المشيرعبد الجكيم عامر ....
الملك سعود - رحمه الله – لم يكن بالتأكيد راضياً عن الوحدة المصرية السورية ، لا لأنها وحدة عربية إسلامية منشودة من الجميع ، بل لأنها بُنيت على أساس خاطئ وفي عجلة من ( الموحدين ) وبدون استشارة رفيق الدرب الثالث والذي وقف مع الجميع قبل ذلك , ولأن الملك سعود – رحمه الله توجس خيفةً – وله حق في ذلك كزعيم لبلد محافظ – في أن تكون تلك الوحدة موجهة ليست لخدمة الأمة العربية ، بل لزيادة عمق فرقتها وتقسيمها بين جبهتين عدائيتين .وتدل سرعة الانفصال وإشكالية ، حداثة وسوء العلاقة المصرية السورية لا حقاً على صواب نظرة الملك سعود رحمه الله – ومعه عقلاء الأمة العربية ، بل أن الرئيس ( عبد الناصر) نفسه أشار في خطابات ما بعد الانفصال ومحاضر قمة الخرطوم ، إلى أن الزمان لو عاد به إلى الوراء لم يكن ليتخذ قرار الوحدة بهذه السرعة والانفعال العاطفي المبالغ فيه ، ولم يكن ليتدخل كنتاج منطقي للانفصال في اليمن وشؤونه الداخلية وللأحداث العسكرية في جنوب المملكة أثناء الأزمة اليمنية المصرية السعودية, وغني عن التذكير معرفة مقدار خسائر مصر التي دفعتها ثمناً لهذا التدخل ، ولعل الذاكرة تحتفظ باعترافات كثيرين من القيادة العسكرية المصرية بأن نكسة 1967م المشؤومة لم تكن لتحدث لولا نتائج الوحدة المصرية السورية والانفصال السريع اللاحق ، وما تبع ذلك من بعثرة لجهود الجيش المصري في وديان وجبال اليمن .
كم كان مجدياً لو أن العلاقات المصرية السعودية استمرت مثلما رسمها الزعيمان ( عبد الناصر ) و ( الملك سعود ) رحمهما الله – منذ أوائل الخمسينات وحتى آخر تلك الحقبة ، لو أن هذا حدث لما شاهدنا أياماً سوداء عربية في عام 1967م ولما تعرض الداخل السعودي للقلاقل المعروفة ، ولما أهتز الاقتصاد المصري إثر سنوات الغليان في علاقات الدولتين العربيتين المهيمنتين في تلك الأيام ,و لقد شاهدنا كيف يثمر التوافق السعودي المصري من خلال شواهد حرب رمضان ، كما في هذه الأيام كذلك .
حتى بعد خروج الملك سعود – رحمه الله – من بلاده وانتهاء فترة حكمة استمرت العلاقة بين الزعيمين الملك (سعود) والرئيس (عبد الناصر) قوية وأخوية وإنسانية ، ولقد أشار المرحوم الكاتب المصري جلال الدين الحمامصي في كتابه الشهير (حوار وراء الأسوار) إلى قصة إمداد الملك سعود للخزانة المصرية التي كانت تفتقد لكل شيء بعد خمسة أيام من حرب يونيو المشؤومة ، حينها وبالرغم من حصار الغرب
الاقتصادي والعسكري والملاحي على مصر ، أرسل ضيف مصر الكبير الملك سعود رسولاً إلى مكان (ما) ليأتي هذا الرسول بعشرة ملايين من الدولارات ثم يسلمها الملك للرئيس جمال عبد الناصر وليقول له : خمسة ملايين من الدولارات هدية منى لمصر نُصرة لها ولجهادها ، وخمسة ملايين دولار قرض طويل الأمد لبلدي الثاني وبدون فوائد ، ولو احتاجت مصر إلى أرواح أبناء الملك سعود فلن يتردد في هذا . ذكر ذلك المرحوم ( الحمامصي) وعليكم بالرجوع إلى صفحات كتابه ، وهنا نُشير إلى أن ما قررته دول الدعم جميعاً في مؤتمر الخرطوم دعماً لمصر بعد النكسة ، يمثل فقط ثلاثة أضعاف من دعم الملك سعود وحدده المحب لمصر وقائدها.
سيف الاسلام بن سعود