تعيش مدينة الرياض، خلال هذه الأيام، أحداثاً ثقافية مهمة، ففي شمالها يُعقد الأسبوع الثقافي في كلية اليمامة، وفي غربها الأيام الثقافية التونسية، وفي وسطها تنتظم حلقات وندوات عن الملك سعود بن عبدالعزيز، وهي ندوة لاشك أنها ستثري تاريخنا المحلي من خلال تناول تاريخ الملك سعود بن عبدالعزيز، الذي ولد في العام الذي استعاد فيه والده الرياض، قاعدة حكم آبائه وأجداده، ليكون الملك سعود شاهداً ومساهماً في هذا التاريخ المجيد، من خلال مساهمته في معارك التوحيد (المتأخرة) ومن خلال أعماله ومنجزاته التي بدأها ولياً لعهد والده المؤسس، ثم تتويجه ملكاً للبلاد السعودية، وما تحقق خلال هذه الفترة من منجزات اقتصادية وإدارية واجتماعية وعسكرية وتعليمية وصحية وغيرها.
الملك سعود بن عبد العزيز هو أول رئيس لمجلس الوزراء السعودي، الذي وجّه بتشكيله المليك المؤسس في الأشهر الأخيرة من حياته، ومن خلال الحكومات التي تعاقبت على هذا المجلس عرفنا عدداً من رجالات الإدارة، الذين كانت لهم بصمات واضحة في مسيرة العمل الإداري، خاصة أن بعضهم توزّر مع تأسيس الوزارة، فكان لهم الفضل في وضع أُسس العمل الإداري. منهم من استمر في وزارته أو انتقل إلى أُخرى، فكانت أسماؤهم حاضرة وأفعالهم شاهدة، غير أن آخرين خرجوا من الوزارة باكراً، من أمثال إبراهيم السويّل وأحمد شطا وحسن نصيف وعبد الله الطريقي وعبد الله الدباغ ومحمد الشبيلي وعبد الرحمن أبا الخيل ومحمد الزغيبي وحامد هرساني، وغيرهم من الأسماء التي أخشى عليها الهروب من ذاكرة الجيل الحالي!
من رجالات الإدارة في السعودية خلال عقدي الخمسينيات والستينيات الشيخ عبد العزيز بن معمر، الذي تلقى تعليمه الأوَّلي في القاهرة، ضمن الطلائع الأولى التي وجّه الملك عبدالعزيز بابتعاثها وتدريسها في الخارج، ثم واصل دراسته في الجامعة الأمريكية في لبنان وتخرج فيها بتقدير ممتاز عام 1948 متخصصاً في الفيزياء والرياضيات، وعاد إلى السعودية للعمل مترجماً في ديوان الملك عبد العزيز. وفي عام 1953 حدث أن تقدم عمال "أرامكو" إلى الشركة بطلب تحسين أوضاعهم، فوجّه الملك عبدالعزيز بأن تُدرس مطالبهم، وبعد وفاته، رحمه الله، انتدب الملك سعود الموظفَ بن معمر على رأس لجنة للوقوف على مطالب العمال والخروج بتوصية تكفل لهم حقوقهم وتنظم العمل بينهم والشركة، فكان أن خرجت اللجنة بتوصية اقتضت إنشاء "مصلحة العمل والعُمال" في الدمام، لتكون جهة محايدة ترعى شؤون العمال والموظفين، فجاءت الموافقة على إنشائها، فكانت المصلحة هي النواة التي انبثقت عنها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فيما بعد.
أسند الملك سعود إلى ابن معمر رئاسة المصلحة، وفوّضه بإعداد هيكلها واستقطاب موظفيها، فكان هذا المنصب هو أول منصب يتقلده بن معمر خارج الديوان الملكي، وهو المنصب الذي عرّف الناس به وبأفكاره وآرائه، حينما بدأ يستقطب للعمل عدداً من طلائع الشباب السعودي الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، والذين غلبَ على بعضهم الانتماء إلى تيار فكري معيّن! وفي عام 1379هـ أصدر الملك سعود قراراً بتعيين عبد العزيز بن معمر مستشاراً خاصاً في الديوان الملكي بالمرتبة الممتازة، ولقد أطلعتُ على بعض المقالات والتقارير التي جعلت من ابن معمر وزيرَ دولة وعضواً في مجلس الوزراء، غير أن الحقيقة أنه تعيّن مستشاراً في ديوان الملك سعود، ثم تعيّن سفيراً في سويسرا، وعاد بعد ذلك إلى السعودية واتخذ من مدينة الدمام مستقراً له، إلى أن توفي عام 1984.
كان ابن معمر أحد الأسماء الفاعلة في الصحافة المحلية في نهاية الخمسينيات، خاصة في كتابة المقالات ذات الطابع الاقتصادي، ومن أشهر مقالاته السلسلة التي طرحها في مجلة "اليمامة" بعنوان "الزيت والدولة في الشرق الأوسط".