مَن هُوَ الأمير سُعُود
لا أدري وأنا أمسك القلم بيدي الآن لأ تحدث عن شخصية سمو الأمير سعود ، كيف أستطيع التحدث عن رجل عظيم يتحلى بكل الصفات الكاملة التي قلّ توافرها في عظماء الرجال؟!
وماذا أقول في (سعود) وهو في الواقع في غير حاجة إلى هذا القول لأن جميع الناطقين بالضاد يعرفون عنه الكثير ، وكذلك الشعوب الغربية والمدن التي تشرفت بزياراته لها قد عرفت عنه الكثير ورأت من كريم خصاله وعظيم أفعاله وسمو أخلاقه ما يدل دلالة واضحة على أن أميرنا المحبوب يتميز بذلك الطابع الإنساني الكامل.
ولكنني سأتحدث الآن عن شخصية الأمير سعود كما رأيتها وكما لمستها في المدة التي قضيتها في البلاد الحجازية لتأدية فريضة الحج المقدسة.
***
إنه طويل القامة ، ممتلئ الجسم ، رشيق الحركة ، مهيب الطلعة ، حلو الحديث ، دمث الخلق
لا تكاد الابتسامة تفارق محياه ، بسيط في حياته ، بسيط في حديثه مع الناس ، تشعر في حضرته أنك أمام أستاذ محنّك وشيخ مجرب وصديق مخلص ، فيحدثك عن مدنيتك وبلادك وشؤونك حديث الخبير المطلع ، كأنه قد عاش عمره في صحبتك وفي مدينتك وفي البيئة التي تعيش فيها ، وتخرج من حضرته وأنت تتساءل ، هل كنت تتشرف في حضرة أمير عظيم الشأن ينتمي إلى أكبر الأسر المالكة في الشرق العربي الإسلامي ، أم إنك كنت تقضي هذا الوقت مع شخص مثلك يحس إحساسك ويشعر شعورك ويفكر تفكيرك .
والواقع أن العبقرية المقررة والذكاء الفارط الذي يتصف به سمو الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية مما لا يترك مجالا للقول لا شك أنه أول رجل يجمع في شخصه المحبوب هذه الصفات البارزة ، هذا الرجل هو الذي يعده الشرق العربي لتسلم زمام الأمر ويكون ( بطل الساعة) في الوقت الذي يعز فيه الرجال وتفتقر فيه البلاد إلى الأبطال.
لقد عرف الشرق العربي سمو الأمير سعود دبلوماسياً لبقاً وسياسياً محنكا في الاجتماع الأول الذي عقد في قصر " أنشاص " بين ملوك ورؤساء الدول علها فيما بعد الجامعة العربية ، وقد كان سمو الأمير سعود في هذا الاجتماع كوكب متألق ونجم لامع وكان يقيض على الحاضرين من ينبوع علمه وثقافته وخبرته ما تركت أحسن الأثر واجمل الوقع في نفوس الجميع ، وقد تحدث مندوبوا الصحف الذين حضروا هذه الاجتماعات عن العلاقة الأخوية السامية التي نشأت بين جلالة الملك فاروق الأول وسمة الأمير سعود ، فكانت أفكارهما متقاربة ووجهات نظرهما مؤتلفة في كافة الآراء والقضايا التي عرضت عليهم .
ومنذ ذلك اليوم والشرق يتطلع بشغف زائد إلى أنباء سمو الأمير ولي عهد المملكة العربية السعودية وما يقوم به من مجيد الأعمال في سبيل تأمين السعادة والرفاهية للشعب العربي السعودي الكريم وللعرب قاطبة.
أول رحلة للملك سعود في الخارج:
وفي سنة 1343هـ . سافر سمو الأمير سعود إلى مصر للاستشفاء وأمضى فيها ما ينيف عن الشهرين كان فيها موضع الحفاوة والإكرام من الحكومة المصرية والشعب على السواء ، وعند وصوله إلى القاهرة توجه إلى قصر عابدين العامر فسجل اسمه في سجل التشريفات الملكية، وقد قابل المغفور له جلالة الملك فؤاد وتحدثا طويلا في مختلف الشؤون السياسية والإدارية التي تعم بلديهما ، وقد أعجب جلالة الملك فؤاد بلباقة سمو الأمير سعود وفطنته وحدة ذكائه ثم أقام له حفلة غذاء فاخرة تكريماً له ، وقد اتصل سمو الأمير سعود في هذه المدة التي قضاها في أرض الكنانة بكثير من الزعماء والرجالات الرسميين فيها وفي طليعتهم الزعيم الخالد المغفور له سعد زغلول باشا الذي رحّب به وأكرم وفادته ثم تباحثا ملياً في العلاقات الأخوية الصادقة بين مصر والمملكة العربية السعودية كما زار سمو الأمير في تلك الأيام دور العلم والكتب والمتاحف والآثار وحضر بعض جلسات الجامع الأزهر الدينية واستمع إلى وعظ الشيوخ والعلماء ، ولم يترك مكاناً أثرياً
أو معهداً علمياً في العاصمة المصرية إلا وشاهده عن كثب واستجلى غوامضه وخوافيه حتى أصبح يعرف عن القاهرة في هذه المدة القصيرة ما يعرفه المصري الذي عاش حياته فيها سواء بسواء.
ولاية العهد:
وعقد مجلسا الوكلاء والشورى ورئاسة القضاء والمحاكم اجتماعات مطولة دامت عدة أيام وانتهوا إلى اتخاذ قرار نهائي ببيعة سمو الأمير سعود بولاية العهد وتحملهم مسؤولية هذه البيعة المباركة أمام الله والتاريخ والناس وقد رفعوا هذا القرار في يوم الخميس 16 محرم سنة1353هـ. (11 أيار سنة 1933 م)
إلى جلالة الملك عبد العزيز ابن سعود ليصدر أمره السامي فيه وبعد أن أطلع عليه جلالة الملك وافق على صيغة هذا القرار وشكر أخلاقهم العالية ووطنيتهم الصادقة .
وما أن ذاع الخبر حتى عمت الأفراح في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية وأقيمت حفلات التكريم في كافة المدن والبوادي والقرى وطير الشعب آلاف البرقيات المؤيدة إلى جلالة الملك المعظم وإلى ولي عهده المحبوب.
وأمام هذه الموجه الطاغية من الفرح والسرور ، وهذه الحلة القسيبة التي لبستها البلاد من البهجة والزينة بعث سمو الأمير سعود ببرقية يقول فيها :
" إننى أتقدم إلى شعب مملكتنا العربية السعودية بالشكر لها بإجماع كلمتها على مبايعتي بولاية العهد ، وإنني أعاهد الله على أنني سأقوم بما أوجبه الله علي من العدل والنصح لهم ولولايتهم ظاهراً وباطناً. "
ولما أتمت مكة وبقية المدن البيعة أبرق جلالة الملك لولى عهده في 18 محرم سنة 1353هـ يقول:
" الابن سعود "
" أرجو الله أن يوفقك للخير ، وافهم أننا نحن الناس جميعا لا نعز أحدا ولا نذل أحدا ، وانما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى ، من التجأ إليه نجا ، ومن اعتز بغيره هلك، موقفك اليوم غير موقفك بالأمس ، ويجب أن تعقد نيتك على أن لا تقف حياتك لإعلاء كلمة التوحيد ونصر الدين وعبادة الله وحده والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وعلى أن تجد في النظر في شؤون من سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية والعدل بين المحب والمبغض ، والقيام بخدمة الشريعة خدمة صادقة فلا تأخذك في الله لومة لائم ن ويجب عليك النظر في أمر المسلمين عامة وأفراد أسرتك خاصة واجعل كبيرهم والداً ، وأوسطهم أخاً ، وصغيرهم ولداً ، وهن نفسك لرضاهم ، وامح زلتهم ، واقل عثرتهم ، أنصح لهم ، وأقض حوائجهم بقدر إمكانك ، فإذا فهمت وصيتي هذه ولا زمت الصدق والإخلاص في الفعل فأبشر بالخير ، وأوصيك بعلماء المسلمين خيراً واحفظ الله يحفظك ".
وما أن وصلت إلى سموه البرقية القيمة أجاب جلالة والده بالبرقية التالية:
" إن ما ذكره جلالة الملك لخادمه هو عين الصواب ، وإنه لا قوام للدين والدنيا إلا بالله ثم به ويرجو أن يوفقه الله لرضاه ثم لرضى جلالته لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين ، وأن كان سبحانه وتعالى يعلم فيه خلاف ذلك فيسأل الله أن يكفي المسلمين شره ويرد كيده , وسيبذل الجهد في سبيل إعلاء كلمة التوحيد وتقويم الشريعة، والنصح للإسلام والمسلمين ولولايتهم ويعاهد على اعتماد نصائحهم الدينية والدنيوية "
ثم قال سموه في برقيته هذه:
"يا طويل العمر , وصّيت فأبلغت , وستظل وصيتك في قلبي راسخة إن شاء الله ما حييت".
ثم بعث جلالة الملك المعظم بخطاب مفصل ينصحه فيه بتقوى الله والعمل بمكارم الأخلاق والسعي بالعرب والمسلمين في طريق الخير والفلاح , وينصحه أيضا بالحزم في أموره , والعدل في أحكامه , والبر بالعلماء وحفظ العهود والمواثيق ، والنظر في مصالح المسلمين وولايتهم في السلام والحرب والصلح ، والنظر في المعاملة الداخلية والخارجية وأن يعرف الحكومات ومواقفها ونياتها وسياستها ، وينصحه بالحذر والتأني في تلقي ما يثقل إليه من الأخبار عن الأفراد والدول وأخذه بالفعل والروية والأناة والبعد عن حكم الهوى .
فأجابه صاحب السمو ولي العهد بأنه سامع مطيع وآخذ بنصائحه الثمينة . يدعو الله أن يوفقه للعمل الصالح .
ولما انتهت البيعة من مكة المكرمة التي أخذها بالنيابة عنه أخوه الأمير فيصل توجه بوفد إلى الرياض فأقيمت فيها يوم 27 محرم سنة 1352هـ . حفلة إعلان البيعة ، ففي الساعة الثانية عشر من صباح هذا اليوم اجتمع في القصر الملكي الأمراء وآل سعود والمشايخ والعلماء وأقطاب المملكة ، وتصدر هذا المحتفل العظيم الأمير محمد بن عبد الرحمن أخو جلالة الملك وبجانبه الأمير الأكبر عبد العزيز ( ابن عم جلالة الملك وزوج أخته ) ثم أمراء آل سعود الأكبر فالأكبر ثم الأمراء من آل رشيد ، وجلس على اليسار المشائخ والعلماء ووفد مجلس الشورى .
وتليت برقية الملك وكتابه الملكي الذين أرسلهما إلى ولي العهد مع وفد المبايعة .
ثم وقف الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ووعظ الناس وشكر الملك ونصح الأمة باتباع الدين .
ثم وقف الأمير محمد بن عبد الرحمن وبعد أن حمد الله أثنى عليه ألقى كلمة بينة وأثنى فيها على أخيه الملك وامتدح فعاله السابق واللاحق ، ودعا له بالتأييد والنصر وطول العمر ، ثم عدد خدماته ومآثره إلى آخرها هذا العمل المبارك العظيم وإعلان البيعة بولاية العهد للأمير سعود ورجا أن يكون من وراء ذلك الخير كله لآل سعود وأهل نجد والمملكة العربية السعودية ، ثم صافح ولي العهد وبايعه بولاية العهد على كتاب الله وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ، وأعطى على ذلك عهد الله وميثاقه .
وكان الأمير الجليل محمد بن عبد الرحمن أول من تقدم بالبيعة ثم تبعه أخوه سعود وعبد الله وأحمد ومساعد ، وسعد ، ثم الأمراء فيصل ، ومحمد ، وخالد ، وآل الشيخ أجمع وآل رشيد وفي مقدمتهم عبد الله بن متعب .
وبعد أن تمت المبايعة شكر ولي العهد أصحاب السمو الأمراء أعمامه واخوته وابناء عمومته وخص أباه الملك بالدعاء وختم خطابه بقوله:
" إنني لا أدخر وسعاً في خدمة هذه الأمة العربية الإسلامية والسير بها في طريق الفلاح والرشاد على ما كان عليه السلف الصالح ، وإني أشكر الشعب الحجازي لما أبداه من الحب والإخلاص والثقة ، وأرجومن الوفد أن يبلغه عني شكري".
وأقيمت حفلات التكريم السمو ولي العهد في الرياض كما أقيمت المهرجانات في المملكة كلها حضراً وبادية أشبه فيها بما لولي العهد العظيم من أياد عظمى على البلاد والشعب وعلى العروبة والإسلام ، ادعى له بالنصر والتمكين .
سعود والعاملين بالمملكة العربية السعودية
مَن هُوَ الأمير سُعُود
لا أدري وأنا أمسك القلم بيدي الآن لأ تحدث عن شخصية سمو الأمير سعود ، كيف أستطيع التحدث عن رجل عظيم يتحلى بكل الصفات الكاملة التي قلّ توافرها في عظماء الرجال؟!
وماذا أقول في (سعود) وهو في الواقع في غير حاجة إلى هذا القول لأن جميع الناطقين بالضاد يعرفون عنه الكثير ، وكذلك الشعوب الغربية والمدن التي تشرفت بزياراته لها قد عرفت عنه الكثير ورأت من كريم خصاله وعظيم أفعاله وسمو أخلاقه ما يدل دلالة واضحة على أن أميرنا المحبوب يتميز بذلك الطابع الإنساني الكامل.
ولكنني سأتحدث الآن عن شخصية الأمير سعود كما رأيتها وكما لمستها في المدة التي قضيتها في البلاد الحجازية لتأدية فريضة الحج المقدسة.
***
إنه طويل القامة ، ممتلئ الجسم ، رشيق الحركة ، مهيب الطلعة ، حلو الحديث ، دمث الخلق
لا تكاد الابتسامة تفارق محياه ، بسيط في حياته ، بسيط في حديثه مع الناس ، تشعر في حضرته أنك أمام أستاذ محنّك وشيخ مجرب وصديق مخلص ، فيحدثك عن مدنيتك وبلادك وشؤونك حديث الخبير المطلع ، كأنه قد عاش عمره في صحبتك وفي مدينتك وفي البيئة التي تعيش فيها ، وتخرج من حضرته وأنت تتساءل ، هل كنت تتشرف في حضرة أمير عظيم الشأن ينتمي إلى أكبر الأسر المالكة في الشرق العربي الإسلامي ، أم إنك كنت تقضي هذا الوقت مع شخص مثلك يحس إحساسك ويشعر شعورك ويفكر تفكيرك .
والواقع أن العبقرية المقررة والذكاء الفارط الذي يتصف به سمو الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية مما لا يترك مجالا للقول لا شك أنه أول رجل يجمع في شخصه المحبوب هذه الصفات البارزة ، هذا الرجل هو الذي يعده الشرق العربي لتسلم زمام الأمر ويكون ( بطل الساعة) في الوقت الذي يعز فيه الرجال وتفتقر فيه البلاد إلى الأبطال.
لقد عرف الشرق العربي سمو الأمير سعود دبلوماسياً لبقاً وسياسياً محنكا في الاجتماع الأول الذي عقد في قصر " أنشاص " بين ملوك ورؤساء الدول علها فيما بعد الجامعة العربية ، وقد كان سمو الأمير سعود في هذا الاجتماع كوكب متألق ونجم لامع وكان يقيض على الحاضرين من ينبوع علمه وثقافته وخبرته ما تركت أحسن الأثر واجمل الوقع في نفوس الجميع ، وقد تحدث مندوبوا الصحف الذين حضروا هذه الاجتماعات عن العلاقة الأخوية السامية التي نشأت بين جلالة الملك فاروق الأول وسمة الأمير سعود ، فكانت أفكارهما متقاربة ووجهات نظرهما مؤتلفة في كافة الآراء والقضايا التي عرضت عليهم .
ومنذ ذلك اليوم والشرق يتطلع بشغف زائد إلى أنباء سمو الأمير ولي عهد المملكة العربية السعودية وما يقوم به من مجيد الأعمال في سبيل تأمين السعادة والرفاهية للشعب العربي السعودي الكريم وللعرب قاطبة.
أول رحلة للملك سعود في الخارج:
وفي سنة 1343هـ . سافر سمو الأمير سعود إلى مصر للاستشفاء وأمضى فيها ما ينيف عن الشهرين كان فيها موضع الحفاوة والإكرام من الحكومة المصرية والشعب على السواء ، وعند وصوله إلى القاهرة توجه إلى قصر عابدين العامر فسجل اسمه في سجل التشريفات الملكية، وقد قابل المغفور له جلالة الملك فؤاد وتحدثا طويلا في مختلف الشؤون السياسية والإدارية التي تعم بلديهما ، وقد أعجب جلالة الملك فؤاد بلباقة سمو الأمير سعود وفطنته وحدة ذكائه ثم أقام له حفلة غذاء فاخرة تكريماً له ، وقد اتصل سمو الأمير سعود في هذه المدة التي قضاها في أرض الكنانة بكثير من الزعماء والرجالات الرسميين فيها وفي طليعتهم الزعيم الخالد المغفور له سعد زغلول باشا الذي رحّب به وأكرم وفادته ثم تباحثا ملياً في العلاقات الأخوية الصادقة بين مصر والمملكة العربية السعودية كما زار سمو الأمير في تلك الأيام دور العلم والكتب والمتاحف والآثار وحضر بعض جلسات الجامع الأزهر الدينية واستمع إلى وعظ الشيوخ والعلماء ، ولم يترك مكاناً أثرياً
أو معهداً علمياً في العاصمة المصرية إلا وشاهده عن كثب واستجلى غوامضه وخوافيه حتى أصبح يعرف عن القاهرة في هذه المدة القصيرة ما يعرفه المصري الذي عاش حياته فيها سواء بسواء.
ولاية العهد:
وعقد مجلسا الوكلاء والشورى ورئاسة القضاء والمحاكم اجتماعات مطولة دامت عدة أيام وانتهوا إلى اتخاذ قرار نهائي ببيعة سمو الأمير سعود بولاية العهد وتحملهم مسؤولية هذه البيعة المباركة أمام الله والتاريخ والناس وقد رفعوا هذا القرار في يوم الخميس 16 محرم سنة1353هـ. (11 أيار سنة 1933 م)
إلى جلالة الملك عبد العزيز ابن سعود ليصدر أمره السامي فيه وبعد أن أطلع عليه جلالة الملك وافق على صيغة هذا القرار وشكر أخلاقهم العالية ووطنيتهم الصادقة .
وما أن ذاع الخبر حتى عمت الأفراح في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية وأقيمت حفلات التكريم في كافة المدن والبوادي والقرى وطير الشعب آلاف البرقيات المؤيدة إلى جلالة الملك المعظم وإلى ولي عهده المحبوب.
وأمام هذه الموجه الطاغية من الفرح والسرور ، وهذه الحلة القسيبة التي لبستها البلاد من البهجة والزينة بعث سمو الأمير سعود ببرقية يقول فيها :
" إننى أتقدم إلى شعب مملكتنا العربية السعودية بالشكر لها بإجماع كلمتها على مبايعتي بولاية العهد ، وإنني أعاهد الله على أنني سأقوم بما أوجبه الله علي من العدل والنصح لهم ولولايتهم ظاهراً وباطناً. "
ولما أتمت مكة وبقية المدن البيعة أبرق جلالة الملك لولى عهده في 18 محرم سنة 1353هـ يقول:
" الابن سعود "
" أرجو الله أن يوفقك للخير ، وافهم أننا نحن الناس جميعا لا نعز أحدا ولا نذل أحدا ، وانما المعز والمذل هو الله سبحانه وتعالى ، من التجأ إليه نجا ، ومن اعتز بغيره هلك، موقفك اليوم غير موقفك بالأمس ، ويجب أن تعقد نيتك على أن لا تقف حياتك لإعلاء كلمة التوحيد ونصر الدين وعبادة الله وحده والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وعلى أن تجد في النظر في شؤون من سيوليك الله أمرهم بالنصح سراً وعلانية والعدل بين المحب والمبغض ، والقيام بخدمة الشريعة خدمة صادقة فلا تأخذك في الله لومة لائم ن ويجب عليك النظر في أمر المسلمين عامة وأفراد أسرتك خاصة واجعل كبيرهم والداً ، وأوسطهم أخاً ، وصغيرهم ولداً ، وهن نفسك لرضاهم ، وامح زلتهم ، واقل عثرتهم ، أنصح لهم ، وأقض حوائجهم بقدر إمكانك ، فإذا فهمت وصيتي هذه ولا زمت الصدق والإخلاص في الفعل فأبشر بالخير ، وأوصيك بعلماء المسلمين خيراً واحفظ الله يحفظك ".
وما أن وصلت إلى سموه البرقية القيمة أجاب جلالة والده بالبرقية التالية:
" إن ما ذكره جلالة الملك لخادمه هو عين الصواب ، وإنه لا قوام للدين والدنيا إلا بالله ثم به ويرجو أن يوفقه الله لرضاه ثم لرضى جلالته لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين ، وأن كان سبحانه وتعالى يعلم فيه خلاف ذلك فيسأل الله أن يكفي المسلمين شره ويرد كيده , وسيبذل الجهد في سبيل إعلاء كلمة التوحيد وتقويم الشريعة، والنصح للإسلام والمسلمين ولولايتهم ويعاهد على اعتماد نصائحهم الدينية والدنيوية "
ثم قال سموه في برقيته هذه:
"يا طويل العمر , وصّيت فأبلغت , وستظل وصيتك في قلبي راسخة إن شاء الله ما حييت".
ثم بعث جلالة الملك المعظم بخطاب مفصل ينصحه فيه بتقوى الله والعمل بمكارم الأخلاق والسعي بالعرب والمسلمين في طريق الخير والفلاح , وينصحه أيضا بالحزم في أموره , والعدل في أحكامه , والبر بالعلماء وحفظ العهود والمواثيق ، والنظر في مصالح المسلمين وولايتهم في السلام والحرب والصلح ، والنظر في المعاملة الداخلية والخارجية وأن يعرف الحكومات ومواقفها ونياتها وسياستها ، وينصحه بالحذر والتأني في تلقي ما يثقل إليه من الأخبار عن الأفراد والدول وأخذه بالفعل والروية والأناة والبعد عن حكم الهوى .
فأجابه صاحب السمو ولي العهد بأنه سامع مطيع وآخذ بنصائحه الثمينة . يدعو الله أن يوفقه للعمل الصالح .
ولما انتهت البيعة من مكة المكرمة التي أخذها بالنيابة عنه أخوه الأمير فيصل توجه بوفد إلى الرياض فأقيمت فيها يوم 27 محرم سنة 1352هـ . حفلة إعلان البيعة ، ففي الساعة الثانية عشر من صباح هذا اليوم اجتمع في القصر الملكي الأمراء وآل سعود والمشايخ والعلماء وأقطاب المملكة ، وتصدر هذا المحتفل العظيم الأمير محمد بن عبد الرحمن أخو جلالة الملك وبجانبه الأمير الأكبر عبد العزيز ( ابن عم جلالة الملك وزوج أخته ) ثم أمراء آل سعود الأكبر فالأكبر ثم الأمراء من آل رشيد ، وجلس على اليسار المشائخ والعلماء ووفد مجلس الشورى .
وتليت برقية الملك وكتابه الملكي الذين أرسلهما إلى ولي العهد مع وفد المبايعة .
ثم وقف الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ ووعظ الناس وشكر الملك ونصح الأمة باتباع الدين .
ثم وقف الأمير محمد بن عبد الرحمن وبعد أن حمد الله أثنى عليه ألقى كلمة بينة وأثنى فيها على أخيه الملك وامتدح فعاله السابق واللاحق ، ودعا له بالتأييد والنصر وطول العمر ، ثم عدد خدماته ومآثره إلى آخرها هذا العمل المبارك العظيم وإعلان البيعة بولاية العهد للأمير سعود ورجا أن يكون من وراء ذلك الخير كله لآل سعود وأهل نجد والمملكة العربية السعودية ، ثم صافح ولي العهد وبايعه بولاية العهد على كتاب الله وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ، وأعطى على ذلك عهد الله وميثاقه .
وكان الأمير الجليل محمد بن عبد الرحمن أول من تقدم بالبيعة ثم تبعه أخوه سعود وعبد الله وأحمد ومساعد ، وسعد ، ثم الأمراء فيصل ، ومحمد ، وخالد ، وآل الشيخ أجمع وآل رشيد وفي مقدمتهم عبد الله بن متعب .
وبعد أن تمت المبايعة شكر ولي العهد أصحاب السمو الأمراء أعمامه واخوته وابناء عمومته وخص أباه الملك بالدعاء وختم خطابه بقوله:
" إنني لا أدخر وسعاً في خدمة هذه الأمة العربية الإسلامية والسير بها في طريق الفلاح والرشاد على ما كان عليه السلف الصالح ، وإني أشكر الشعب الحجازي لما أبداه من الحب والإخلاص والثقة ، وأرجومن الوفد أن يبلغه عني شكري".
وأقيمت حفلات التكريم السمو ولي العهد في الرياض كما أقيمت المهرجانات في المملكة كلها حضراً وبادية أشبه فيها بما لولي العهد العظيم من أياد عظمى على البلاد والشعب وعلى العروبة والإسلام ، ادعى له بالنصر والتمكين .
سعود والعاملين بالمملكة العربية السعودية
مَن هُوَ الأمير سُعُود
بقلم محمد السلاح
مندوب و محرر بجريدة البريد السوري