مقال الدكتور محمد صلاح الدين
أمل العرب والمسلمين بقلم الدكتور محمد صلاح الدين مجلة الرياض الاسبوعية
1954- 1374
كلاهما بين العرب والمسلمين وفي نظر العالمين ملك عظيم ، له أبهة الملك وروعته وجلاله وعزته وله لقب الملك المعروف ولكني أوثر أن أدعوهما هكذا باسميهما المجردين عن كل لقب إمعاناً في الاحترام والتكريم..
كنت دائما أنظر إلى الملك الراحل عبد العزيز آل سعود كزعيم مطاع محبوب لا كملك جبار مرهوب وكانت سيرته كلها تؤكد صدق هذا النظر فالزعامة المطبوعة في عبد العزيز هي التي جاءت على يديه بمعجزة فتح الرياض في قوة لا تزيد على أربعين رجلا وهو لم يكد يبلغ سن العشرين والزعامة الموهوبة فيه هي التي مدت أطراف مُلكه ووطدت أكتافه وجمعت حوله الرؤوس والنفوس.
والزعيم القادر عبد العزيز هو الذي استطاع أن يسير بسفينة المملكة العربية السعودية بين أعاصير السياسة الدولية والمطامع الأجنبية إلى بر الأمن والسلام.
ثم حم الأجل ومات مؤسس المملكة وترك وراءه مهمة خطيرة عسيرة لا تقل خطراً وصعوبة عن مهمة البناء والتأسيس وهي مهمة التنظيم والتوجيه .
هذه المهمة الجليلة الشأن التي يقع عبئها في أغلب الأمر على الرجل الثاني فإذا كان عظيما كسلفه العظيم فقد أمنت المملكة العثار وضمنت الاستقرار وبدأ مستقبلها زاهراً باسماً للناظرين.
ولقد شاء الله أحكم الحاكمين أن يكون سعود بن عبد العزيز رجلاً عظيماً مثل أبيه الرجل العظيم.
ورثه دما ولحما ، وروحا وعقلا ومظهراً ومخبراً وأخذ عنه قبل كل شيء موهبة الزعامة فما لبث أن أصبح بين قومه وفي عين رعيته الزعيم المحبوب الموهوب أكثر منه الملك المرهوب.
وكان قليل من المتشائمين يخشون على المملكة العربية السعودية موت مؤسسها عبد العزيز فالولد كثير ، والعبء ثقيل ،والفراغ الذي خلفه الملك الراحل فراغ كبير ولكن شبل الأسد ملأ من اللحظة الأولى عرين الأسد وأخلف ظن المتشائمين.
لست أدعي الإلمام الواسع بالأحوال الداخلية في المملكة العربية السعودية ولكن الأخبار تأتي منها، وتروي عنها والزوار يزورونها ويعودون والحجاج بعد حجهم يرجعون هؤلاء جميعاً يصفون ويتحدثون وتدل أحاديثهم على أن هذه الأحوال مدعاة للثقة وراحة البال.
ثم إن هناك شاهداً بليغا آخر على صلاح الأحوال الداخلية في المملكة العربية السعودية وهو صلاح سياستها الخارجية.
هذا شاهد لا يخيب ، فلن تصلح السياسة الخارجية ولن تستقيم إذا لم يستقم أساس الدولة بصلاح الأحوال الداخلية ، وأنا لا أشك في أن سعوداً قد اطمأن أولاً إلى ما يجرى في مملكته من نهضة اقتصادية وحركة عمرانية وإصلاحات اجتماعية قبل أن يسير في توجيه سياستها الخارجية على هذا النحو الرائع القويم. ما من شعب من الشعوب العربية أو الإسلامية إلا وقد أصبح لسعود في عنقه دين معلوم ، ذلك بأنه لم يقصر همه في سياسته الخارجية على الدفاع عن مصالح المملكة العربية السعودية بل أقدم يتبنى كل قضية عربية أو إسلامية ويدافع عنها كما يدافع عن قضاياه الخاصة سواء بسواء.
ولن ينسى العرب والمسلمون موقفه الحازم المجيد من قضية فلسطين ، لم يكد يخلف والده العظيم حتى تابع سيرته في توجيه أكبر العناية إلى هذه القضية التي يهتم بها كل مسلم وعربي ويشارك في الدفاع عنها جميع الرؤساء والزعماء والقادة في جميع أقطار العرب والمسلمين.
ولكن سعودا قد انفرد في دفاعه عن هذه القضية بطابع خاص هو طابع الصراحة الوضاحة والجد القاطع والحزم المتين .
بادر حفظه الله في غير تردد ولا مداورة إلى وصف إسرائيل بما تستحق فدوى صوته
الكريم في آذان العالمين " إن إسرائيل لسرطان خبيث في قلب الشرق الأوسط ولابد من أن يستأصل هذا السرطان ولو كلفنا إستئصاله الملايين من كرائم الأرواح".
ثم لم تفارقه هذه الصراحة في أي خطاب أو تصريح أو حديث أدلى به بعد ذلك في شأن فلسطين حتى ولو كان المقام مقام سياسي أو إقناع فهو يقول لليهودي الأمريكي المعروف المستر الفرد ليلنتال " أنني صريح ومن عادتي أن أجهر بآرائي حسبما اعتقدها وكما يؤمن بها ضميري أو إذا كنت قد اجتمعت ببعض رجالات العرب وسمعت منهم وجهات نظرهم نحو هذه القضية بالطريقة التي اعتادوا أن يفصحوا بها عن آرائهم فإني أحب أن أصارحك بأن هذه القضية يتوقف عليها السلم والأمن في هذه الرقعة من العالم إلى حد كبير ونكبة فلسطين قد خلفتها الصهيونية العالمية بعون ونفوذ ومساعدة من السياسة البريطانية والسياسة الأمريكية ، ثم بالمواقف السلبية التي وقفها بعض رجالات العرب أنفسهم ولولا هذا لما أصبحنا الآن فيما نحن فيه ، أن قضية العرب وحقوقهم الشرعية في فلسطين جد عادلة فهي بلادهم ووطنهم توارثها الأحفاد عن الأجداد ، وإذا كان اليهود قد أقاموا فيها وكانوا هم أهلها في حقب بعيدة من التاريخ فان بلادك أمريكا قد كان فيها غير من يسيطرون اليوم عليها ولن يمر بخاطر إنسان أنهم سيطلبون في يوم من الأيام بجلاء مواطنيك عنها لا لسبب إلا أنهم كانوا فيما مضى وحيدين في العيش بها وأنا أعني الهنود الحمر والبريطانيين .
ثم يسأله المستر ليلنتال عما يراه لإحلال السلام والتفاهم بين الطرفين المتنازعين فلا يتردد في أن يقول:
" يجب أن ينصاع الصهيونيون للحق ويكفوا عن باطلهم وان تعين على ذلك الدول الكبرى المحبة للسلام في هذا الجزء من العالم وذلك بإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومزارعهم ومتاجرهم وبتعويضهم عن كل ما تسبب الصهيونيون في خرابه
أو ضياعه أو إتلافه أو سلبه ، ثم بإلزامهم تنفيذ جميع القرارات التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة في شأن فلسطين ثم بوقف الهجرة المتدفقة من صهيوني العالم على هذه البقعة الضيقة من الأرض العربية في الحال ..
أما إذا لم يكن سبيل إلى هذا وبقي الصهيونيون مستمرين في عدوانهم ومهددين للعرب بإزالة كيانهم فليس أمام العرب إلا الدفاع عن أنفسهم وبلادهم بكل ما يملكون من أنفس ، وأموال ، وأحب أن أقول لك وأنا صادق فيما أقول أن الملايين من العرب والمسلمين يتمنون أن تسفك دماؤهم في سبيل حماية المسجد الأقصى ، وأرضه المباركة من الصهيونيين وأن هذا آت لا ريب فيه ولا جدال طال الزمن أم قصر ففلسطين للعرب وعلى الدول المعنية بأمر اليهود والسلام في الشرق الأوسط أن تتفهم هذه الحقيقة وأن تعيها وتضعها نصب أعينها".
فإذا ما سأله المستر ليلنتال عن نوع الحكومة التي يقترح أن تحكم فلسطين كان جوابه الصريح الواضح " أن فلسطين عربية هذا حجر الزاوية التي يقوم عليها كل تفاهم مقبل" .
بهذا العزم اللامع والحزم القاطع والتصميم الأكيد يتحدث سعود في كل مناسبة عن قضية فلسطين ولقد تعمدت إطالة الاقتباس من أقواله في هذه القضية الشائكة ليبدو بجلاء وفي خير خفاء هذا الفارق الكبير بين طريقته في الدفاع عن عروبة فلسطين وبين طريقة غيره من رؤساء العرب والمسلمين.
أنه يتحدث عن فلسطين بلغة الزعيم لا بلغة الملك وبصوت الشعب لا بلهجة الساسة والحاكمين.
وعلى هذا النحو نفسه وبهذا الصوت عينه يتحدث سعود عن جميع القضايا العربية والإسلامية وفي طليعتها قضية استقلال الشعب المغربي في إفريقيا الشمالية وهو إذ يعالج هذه القضية لا يخرج منها شعب الجزائر التي تزعم فرنسا المستعمرة أنها جزء لا يتجزأ من أرضها ، وقد كان سعود سباقا في الاستجابة إلى ما يطلبه هذا الشعب الشقيق من عرض قضيته العادلة على المحافل الدولية.
أما موقفه من القضية المصرية فلا ينبئك عنه مثلنا نحن المصريين ، وإنا له لشاكرون قادرون عارفون بالجميل العظيم .
ويطول بي مقام القول إذا أردت أن أعرض بالتفصيل لكل كبيرة وصغيرة من مواقف سعود في سياسته الخارجية فأنا اكتفى في الختام بإضافة هذا الإجمال القصير.
إلغاء النقطة الرابعة والاستغناء عن الخبراء والمستشارين الاجانب وإحلال غيرهم من أبناء العرب محلهم.
رفض المساعدات الأمريكية قبل أن تحل قضايا الشعوب العربية .
العمل على تدعيم جامعة الدول العربية وجبهة الدول الإفريقية الأسيوية بانجح الوسائل العملية وهي الزيارة الشخصية وقد قام سعود حتى الآن بزيارة مصر والكويت والأردن وباكستان.
وأخيرا تلك السنة الحميدة التي استنها في موسم الحج الماضي إذ افتتح هذا الموسم بخطاب سياسي جامع عالج فيه جميع القضايا العربية والإسلامية علاج الوطني المخلص والدبلوماسي الخبير.
ولكم كنت أود أن يتسع المجال للاستشهاد بفقرات كاملة من هذا الخطاب الخطير غير إنني لضيق المقام ولأهمية الخطاب كله أرجو أن يرجع إليه القراء فهو أبلغ وصفا وأصدق تسجيلا للسياسة الوطنية البارعة التي يتبعها سعود لخير العرب والمسلمين .
أما بعد فما أكثر الآم العرب وما أوفر أحزان المسلمين وما أفدح ألوان العسف والمظالم التي تقع عليهم أجمعين وما أوسع آمالهم في رؤساء دولهم وزعماء شعوبهم وذوى الأمر والنهى فيهم ، غير أن سعوداً كان كما سبق القول في طليعة الرؤساء الذين سبقوا الأمل إلى العمل المنتج المفيد .
ومع ذلك نطلب منه المزيد..
ومن مثل سعود يرجى المزيد..