كلمة فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف

كلمة فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف
تحية الملك سعود المعظم

عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقاً
في صبيحة غد (السبت) تشرق في سماء الكنانة طلعة عاهل الجزيرة العربية الملك الهمام سعود ابن الملك العادل عبد العزيز ابن الإمام المجاهد فيصل آل سعود ، قادماً من أشرف البقاع وأحب البلاد إلى قلوب المسلمين ، لزيارة بلد يبادله أهلة حبا بحب وإخلاصا بإخلاص ، فتستقبله مصر بأسرها حكومة وشعبا بقلوب فرحة ووجوه مستبشرة.

ومهما احتفت مصر بالملك سعود في أسبوع زيارته المباركة التي جاءت في أبانها المناسب ، فلن تفيه حقه من التكريم والوفاء تلقاء ما يعرب عنه في كل وقت من حبه العميق لمصر وخيرها ومؤازرته لها في يسرها وعسرها ، ووقوفه بجانبها في محنتها وبلائها ، حتى أصبح من الظاهر للعيان امتزاج الشعبين واتحاد البلدين ، ووقوفهما صفا واحداً في وجه الأحداث والخطوب.

وإذا كان التكريم واجبا لكل ضيف كريم ، فانه أوجب وألزم للعاهل العظيم . فجلالته أعظم ملوك المسلمين في هذا العصر و أحرصهم على إقامة الحكم في مملكته العربية على مبادئ الإسلام الحنيف وعلى توثيق أواصر أخوة الإسلام بين المسلمين ، ونشر ألوية الأمن على الأرواح والأموال في أطراف الجزيرة وفي أرض الحرمين الشريفين ، التي تهوى إليها الأفئدة وينسل إليها الناس من كل حدب ، فلجلالته بذلك في عنق كل مسلم فضل يذكر بالحمد والثناء.

***

وإنه ليطيب لي في هذه المناسبة السعيدة أن أتحدث للقراء عن جلالة الملك سعود ، وقد سعدت بزيارته مرارا فعرفت عن قرب بعض شمائله الكريمة وأعماله الجليلة.

عرفت فيه الرجل العظيم ، الممتلئ القلب باليقين بالله ، والثقة به والاعتماد في كل الشئون عليه المحب لخير العرب والمسلمين عامة ، الحريص على مجد الإسلام وإقامة أحكام الله ، الواسع الآمال في رفاهية شعبه وإسعاد أمته ، وتيسير سبل العيش للعامل منهم والمصانع والتاجر ، الباذل ما في وسعه للإنشاء والتجديد في شتى مرافق الحياة في البلاد.

فلجلالته رحلات كثيرة إلى أطراف المملكة وعواصمها، يجول فيها خلال الديار ، ويتفقد بنفسه شؤون الرعية ، ويسدي إليهم الخير ، ويأمر بما هم في حاجة إليه في مضاء عزيمة وبصر وخبرة.

وعرفت في جلالته مع ذلك التواضع الجم ، وخاصة للعلماء ، والعطف الكثير والحدب على الفقراء ، والرعاية السابغة لمن عضهم الدهر بناية من سادات المسلمين ومن هاجروا فراراً من ظلم المستعمرين ، والحرص كل الحرص على بناء المساجد وتعميرها في كل القرى والمدائن.

ومن ذلك المسجد الفخم العظيم الذي جدده بالرياض ، وهو ولي العهد ، وأنفق في عمارته أموالا طائلة . وهو الآن أكبر مسجد في الرياض يتسع لنحو خمسة وثلاثين ألفا من المصلين ، وتتبعه ملحقات للمعتكفين في العشر الأواخر من رمضان إحياء للسنة النبوية.

***

وبجانب ذلك يحرص على نشر الثقافة والتعليم ، وخاصة التعليم الديني في البلاد بأسرها ، فقد أنشأ كثيراً من المكاتب لحفظ القرآن الكريم ، وأجرى على القائمين بأمرها أرزاقا كافية مشجعة وبعث البعوث من الطلاب إلى مصر ، وسوريا ، ولبنان ، والبلاد الأجنبية الأخرى ، لينهلوا من العلوم ما تحتاج إليه البلاد في نهضتها الحديثة ، واستقدم العلماء ، والمدرسين من الأزهر ، ووزارة المعارف المصرية ، وغيرها للتدريس بالمعاهد والمدارس المنشأة في العواصم.

وأنشأ جلالته بالرياض مدرسة نموذجية على أحدث طراز ، وأجمل رسم ، وأكمل استعداد ، يتعلم فيها الأمراء وغير الأمراء ، ولجلالته بها عناية خاصة ، ورعاية كريمة.

ومن طريق الأنباء ما سمعته من الأستاذ ناظر المدرسة أن أحد أبنائه الأمراء تخلف عن صلاة الفجر مع جلالته في وقتها ، فأمر ناظر المدرس بحبسه يوماً عن الخروج في أوقات الفسحة عقاباً له ونفذت العقوبة فوراً.

وأنشأ جلالته منذ كان ولياً للعهد دار الكتب بالرياض على نمط حديث تتألف بنايتها من دورين بالمسلح ، في كل دور عدد من الغرف لخزائن الكتب وللمطالعة وللإدارة وأودعها نفائس الكتب في مختلف الفنون ، وعهد إلى بعض علماء الهند بتنسيقها وتسجيلها في السجلات ووضع الفهارس لها وأولادها كثيراً من عنايته.

***

وفي الرياض معهد دينى عظيم يشرف على إدارته فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ ، شقيق فضيلة الأستاذ العلامة الشيخ محمد ابن إبراهيم ، المفتي الأكبر للمملكة وكلاهما من سلالة الإمام محمد بن عبد الوهاب الفقيه المجتهد على أصول مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الورع وعلى عقيدة السلف في الأصول الإعتقادية ، ويقوم بالتدريس بالمعهد كثير من أفاضل علماء الأزهر والبلاد الإسلامية ، وتجري الحكومة على الطلاب أرزاقاً واسعة مجزية ويجتمع علماء المعهد بمجلس جلالة الملك يوماً في الأسبوع يستمعون فيه للدرس الديني في الحديث والتفسير الذي يلقيه أحد العلماء في حضرة جلالته يوميا بعد العصر والعشاء.

هذا إلى ما أمر به جلالته في العام الماضي من تعبيد الطريق في المدينة المنورة إلى مسجد قباء وإلى " أحد " حيث مثوى سيد الشهداء ، وإنشاء حوضين كبيرين لخزن الماء بجانب العين الزرقاء وتوصيل مياهها إلى المنازل في المدينة بأنابيب من الزهر نقيها من التلوث والتسرب في جوف الأرضي ، كما أمر بإكمال تعبيد الطريق من المطار إلى داخل المدينة المنورة .

وأعظم من ذلك كله قيام جلالته بإتمام ما بدأ به والده العاهل الراحل ، طيب الله ثراه ، من توسعة الحرم النبوي الشريف وتجديد الجهة الغربي والشرقية ، وبناء مأذنة ، عالية وأبواب أخرى جديدة وهذا بلا شك من أعظم الأعمال الخالدة والقربات العظيمة في تاريخ المسجد الحرام.

***





وهناك منشآت كثيرة وأعمال ضخمة تم بعضها في عهد الملك سعود حينما كان وليا للعهد وبعضها في عهد مُلكه السعيد.

حفظ الله سعود الملك العظيم ، وسمو ولي عهده المعظم ، ووفقهما لما فيه صلاح الأمر كله.

" جريدة منبر الشرق"